|
السليمانية - الثورة والثقافة - أول من تضحي وآخر من تستفيد
بهروز الجاف
أكاديمي وكاتب
(Bahrouz Al-jaff)
الحوار المتمدن-العدد: 4026 - 2013 / 3 / 9 - 13:23
المحور:
الصحافة والاعلام
يبدو بأن ماكان ينتهجه صدام حسين والمقربون منه في العراق في الاستحواذ على كل مايتعلق بالابداع وتنسيبه اليهم وكأنهم الطاووس الذي ما أن نفش ريشه هيبة حتى اذا نظر الى قدميه الجرباوين فانحسر يندب ما تأصل فيه من عيب. وقد انتهج صدام حسين ايضا مبدأ مع البعثيين هو أن (البعثي أول من يضحي وآخر من يستفيد) وكان بذلك الشعار يستهدف سواد الناس من العراقيين لقوله (العراقيون كلهم بعثيون وان لم ينتموا!)، وبمنطق صدام هذا فان العراقيين هم اول من يضحون وآخر من يستفيدون. لقد استغل صدام حسين عددا من العلماء والكتاب والاعلاميين والرياضيين والفنانين وغيرهم للعمل في الدوائر المرتبطة به شخصيا أو بأولاده أو الحاشية القريبة منه، مغدقا عليهم المعاشات المرتفعة والاعطيات الجزيلة بغرض الاستفادة من ابداعاتهم والاستحواذ عليها والمتاجرة الاعلامية بها وبالتالي الظهور بصاحب الاولوية في كل شئ. ولعل الاعلام المرئي والمكتوب والنوادي الرياضية والفنية التي امتلكها عدي صدام حسين والنوادي الرياضية التي امتلكها المرافق الشخصي له (صباح مرزا محمود) المرافق الآخر (عبد حميد حمود) وبقية البطانة ادت بهم الى البروز بكل المحافل في العراق. فمثلا كانت النوادي الرياضية العتيدة كالشرطة والقوة الجوية والزوراء وغيرها تعد الابطال بتنشئتهم وتأهيلهم وهم في مرحلة الاشبال، وما أن يصبحوا ابطالا حتى يتلقفاهم ناديا "الكرخ" التابع لعدي و"الشباب" التابع لصباح مرزا باغراءهم ماليا او بالقوة فيكون الناديان بطلين وما على المربي الا النحيب. لقد اضطررت لهذا التقديم لتطابقه فيما يجري اليوم في اقليمنا (اقليم كردستان) وبأسلوب اعنف، لانه لايستهدف افرادا مبدعين فحسب، بل ومدينة بكاملها كالسليمانية، معقل الثورة والثقافة والفن والجمال والتحضر. لقد حملت الينا التسريبات الاخبارية الموثوقة والمنشورة في الصحافة المحلية، وبالذات صحيفة "آوينة" التي تدعي استقلاليتها والصادرة في مدينة السليمانية، بان السيد رئيس وزراء الاقليم "نيجيرفان البارزاني" قد أوعز بصرف مبلغ (35) مليون دولار من عائدات النفط! لحساب مؤسسة اعلامية أهلية اسمها "روداو" مقربه منه شخصيا ومقرها في مدينة أربيل وما تداعى اثر ذلك من تخلي عدد من الاعلاميين المحترفين في مدينة السليمانية الرائدة في الاعلام عن مؤسساتهم، بحجة الاستقالة، والالتحاق بالمؤسسة الجديدة لقاء مبالغ يسيل لها اللعاب في ظل غياب لقانون يحدد اجراءات العقود الاعلامية كتك المعمول بها في العقود الرياضية. تعد السليمانية مدينة حديثة بنيت على اساس علمي وثقافي قبل أكثر من مئتي عام، ونظرا لموقعها الحصين فقد تجسدت فيها مظاهر النهضة الفكرية والادبية الكردية وذلك بمؤازرة الظهير الثوري الذي اصبح جزءا من واقعها، بل وهوية لها. وعلى هذا الاساس فقد عدت لهجتها المحلية لغة الكتابة الرسمية مما ساعد أكثر في سيادة الادب والفن فيها ومستفيدة من الانفتاح الاجتماعي والفكري الذي يتميز بهما مجتمعها والذي ادى الى استيعاب مختلف الاتجاهات الثورية والفكرية وتوفير البيئة المناسبة لها وهو ما ساعد اكثر في تميز المدينة بمواكبتها للتطور وقدرتها الفائقة على التغيير. لقد ادى كل ذلك بأهل المدينة، ولكي لايهضم حقها في الريادة، الى المطالبة والالحاح باصدار قانون في البرلمان الكردستاني يعتبر المدينة "عاصمة ثقافية" للاقليم، وهو مطلب حق تحقق بعد جهد جهيد. لقد أعطت مدينة السليمانية وتوابعها في ظروف ثورية على مدى القرن العشرين مئات الالوف من الشهداء وانجبت مئات الكتاب والشعراء والفنانين الكبار والكثير من القادة الثوريين في مختلف الاتجاهات، نسجوا تاريخا للكرد كانت أهم نقطة تحول فيه هي الانتفاضة الجماهيرية في عام 1991 والتي ادت الى تشكيل الاقليم الكردستاني الحالي. وعلى الرغم من دخول الاقليم في اتون حرب اهلية بين عامي 1994-1998 وماتلاها من حرب باردة، كانت مدينة السليمانية وتوابعها المتضرر الاكبر فيها، مثلما كانت هي المتضرر الاكبر من قمع نظام صدام حسين، فقد انتهجت اسلوب نكران الذات لما هدفت اليه من أمل اسمى من ان يكون مدينيا ضيقا فتحملت تضحيات مابعد الانعتاق وكأنها مجبولة على التضحية منذ أن تأسست. واذا ماعدنا الى استمالة الفنانين والكتاب والاعلاميين من مدينة السليمانية ومحاولة لبننة المدينة، اي جعلها كالدولة اللبنانية مصدرا للمذيعين والكتاب من سليطي اللسان، وللجمال والفن، علاوة على "سرقة" موروثها الثوري والحضاري، فان ذلك دليل على الدخول في مرحلة جديدة من الانحطاط الذي يكون قد انقض على المدينة وسالبا اياها كبرياءها حين تتحول من مدينة منتجة لمبدعين ثوريين ووطنيين الى مصدّرة لمبدعين لاهثين وراء مال هم يعرفون مدى "نظافته"، ولكي يخدمون أيضا اتجاهات لاتتطابق وامنياتهم وهي الاتجاهات التي جعلت من السليمانية أول من تضحي وآخر من تستفيد. ولكي لايغبن حق المدن الكردستانية الاخرى التي تزخر بدورها بعلماء وكتاب وفنانين واعلاميين أيضا وفي اسباغ هوياتها على ابداعها، فان السبيل الى ايقاف لبننة السليمانية يتطلب وقفة لمراجعة الاسباب السياسية والاجتماعية التي ادت الى ذلك ووضع الحلول المناسبة لها، ولعل الاسلوب الاكثر فعالية هو مناهضة اساليب الاستحواذ وتعرية حفنة ممن جعلوا من انفسهم مثقفين فيها، وهم في معظمهم منتحلين اسماء آباءهم أو اجدادهم المبدعين، وكذلك اولئك البائعين الكلم لقاء حفنة من مال.
#بهروز_الجاف (هاشتاغ)
Bahrouz_Al-jaff#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الى متى يبقى البعير على التل؟
-
الى ساكينا وفيدان وليلى.. كلا لن تمتن
-
أول حب
-
بلاد المحن
-
الطلل الحكيم
-
بصمة صدام حسين وشحت صدور لاعبي المنتخب!!
-
أقاوم الطبيعة
-
أحذيةٌ مناسِبة (عطفا على -أحذية- صديقي الأديب الطبيب ماجد ال
...
-
لاتبالي يا سَري كاني
-
بين حنان عشراوي و ليلى زانا، غفلة الفلسطينيين والأكراد
-
النفاق السياسي وقيادة عمليات دجلة، ماظهر ومابطن
-
المَقامةُ الأنتخابيةُ
-
نورُ الأملِ في آمدَ
-
لأول مرة وبأمكانيات ذاتية يؤثر الأكراد في سياسة الشرق الأوسط
-
مقامة الوزير الجحش
-
مقامةُ المتاجرِ بالممنوعات
-
تتمة .. المقامة الكهرمانية
-
المقامة الكهرمانية
-
بَراءَة
-
سلجوق التركي يُدين!!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|