أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كنان جسومه - تقييم سياسة بوش -عدم الاستقرار البناء-















المزيد.....


تقييم سياسة بوش -عدم الاستقرار البناء-


كنان جسومه

الحوار المتمدن-العدد: 1158 - 2005 / 4 / 5 - 10:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تقييم سياسة بوش "عدم الاستقرار البناء"
الجزء الأول- لبنان وسورية
روبرت ساتلوف*
تواجه سياسة إدارة بوش المتمثلة في "عدم الاستقرار البناء" في الشرق الأوسط لحظة حرجة في لبنان. مستفيدة من اجتماع كم من الأحداث والمصالح الدولية ، فقد ركز بوش جهود الولايات المتحدة على بند واحد من قرار مجلس الأمن رقم 1559، ألا وهو انسحاب القوات السورية.
يتطلب تعريف وتحديد الخطوات القادمة سياسة تجمع بين قراري التصميم والتصعيد- و- تحديد ومتابعة الأولويات والأهداف القريبة، التي سيضع بلوغها الكامل الأساس للمجموعة التالية من الأهداف.
مراقبة الانتخابات:
طرحت الإدارة الأمريكية إجراء انتخابات برلمانية في لبنان تحت مراقبة دولية كخطوة ضرورية ثانية، وصرحت بأن مثل هذه الانتخابات لن تحقق السوية المطلوبة من "الحرية والنزاهة" بدون الانسحاب السوري الكامل.
كما ذكر الرئيس بوش في رسالته أمام "جامعة الدفاع الوطني" في 8 آذار، أن وجود مراقبين دوليين للانتخابات أمر حيوي، ومن الصعب تصور انتخابات حرة ونزيهة؛ إلا إذا أكد مراقبون دوليون بأن سورية لم تعد تحتفظ بدور لها وراء الستار؛ على المراقبين الدوليين أن يكونوا في الموقع أثناء الحملة الانتخابية، وليس فقط يوم الاقتراع إذا أرادوا القيام بعملهم جيداً، وسيكون نوعاً من الخداع إذا ذهبت مجموعات دولية مثل مركز كارتر (الذي دعي سلفاً) إلى لبنان في يــوم التصويت تماماً (إخراج تجميلي غير نزيه للانتخابات). لذلك لا يمكن إجراء انتخابات نزيهة مراقبة دولياً إلا
في حال انسحاب سوري قبل موعدها المقرر في أيار بزمن كاف، علماً أن الانتخابات تأجلت سنة كاملة بإصرار سوري. الضغط بهذا الاتجاه أساسي، لأنه وبدون مراقبة جيدة من قبل مراقبين دوليين قبل مدة معتبرة من يوم الاقتراع، فإن نتيجة التصويت ستكون ظهوراً قوياً للقوى التابعة لسورية، خاصة إذا تمت في ظل مشروع الانتخابات الجديد ذو العيوب العميقة. المجتمع الدولي كما هو الآن، أنهى التعاطي مع فوائد الانتخابات المزيفة والمسرحيات الدستورية المعيبة، وذلك بالتحول من استمرار الاعتراف بالرئيس اللبناني إميل لحود إلى تفعيل الملف اللبناني دولياً بعد تمديد ولايته بطرق ملتوية.
إذا سلمنا بقوة التفاهم الدولي المثير للإعجاب حول أهمية الانسحاب السوري التام، فإن هنالك فرصة معقولة لتفادي الإدارة دوامة التعامل مع الأحاجي الانتخابية، وسيكون أحد المؤشرات الهامة اجتماع القمة الممثل للجامعة العربية في 22 آذار في الجزائر عاصمة الدولة العربية الممثلة في مجلس الأمن، والتي كان امتناعها عن التصويت المفتاح في تمرير القرار 1559، بدون اعتراض. هل سيذهب الرئيس السوري بشار الأسد إلى عاصمة الدولة التي أعطت القرار 1559، شرعيته؟ هل سيتفاداه القادة العرب؟ أم انهم سيدعمون انسحابه الجزئي وعلى مراحل على أنه يتوافق مع نص - وإن لم يكن مع روح اتفاق الطائف- ، بالرغم من عدم توافقه مع القرار 1559. الاحتمال الأكبر هو أن نشاهد مناورة عربية على شكل تصريح يشير إلى انسحاب سوري "بالتوافق مع 1559"، ويعتبر العالم هذه اللغة نوعاً من الإحراج لدمشق مع أنها مأخوذة مباشرة من كلمة الأسد أمام برلمانه.
نزع سلاح حزب الله:
الاختبار التالي الأهم بالنسبة للإدارة الأمريكية؛ يتعلق بالربط بين الانتخابات اللبنانية والاستحقاقات الأخرى للقرار 1559، تحديداً بشكل وكيفية تطبيق الولايات المتحدة وشركائها مبدأ "انسحاب القوى الأجنبية" على وجود مائة أو ما يقارب ذلك من عناصر الحرس الثوري والمدربين العسكريين الإيرانيين، وكذلك نزع سلاح حزب الله، وبسط الجيش اللبناني سلطته على كامل البلاد بما فيها مراقبة منطقة الحدود الإسرائيلية - اللبنانية.
إذا أخذنا بعين الاعتبار صعوبة بلوغ هذه الأهداف دفعة واحدة، فالمهم وضع أولويات العناصر المختلفة لنزع السلاح. إن أهم جوانب عدم الاستقرار سلاح حزب الله هو امتلاك الحزب لعدة مئات من الصواريخ بعيدة المدى؛ إذ توفر له القدرة على حرق مناطق في تل أبيب ومراكز سكنية إسرائيلية أخرى. بخروج القوات السورية فإن إسرائيل لن تملك الحجة بتوجيه اللوم إلى سوريا كجهة مسؤولة عن التصرف اللا مسؤول لحزب الله، فسحب هذه الصواريخ من يد حزب الله - ومن لبنان بالكامل - هو إذاً ضرورة إستراتيجية ملحة. يجب أن يترافق مع سحب هذه الصواريخ، ذهاب الموجهون العسكريون الإيرانيون، وعدم السماح لهم بالبقاء في لبنان تحت أية ذريعة كانت (مثلاً مهمة تدريبية مرتبطة بالسفارة الإيرانية)، أو أية آلية تسمح بتزويد حزب الله بتجهيزات عسكرية.
الهدف الثاني القريب؛ على طريق نزع سلاح حزب الله يجب أن يكون إنهاء عمله كقوة مستقلة في جنوب لبنان. تقول التقارير أن حزب الله يملك عدة مئات من العناصر "النظامية " وحتى 3000 من عناصر الميليشيا الاحتياطية التي يمكن استدعاؤها في ظروف خاصة. سيكون خطوة مهمة على طريق نزع السلاح الكامل منع وصول حزب الله إلى قواعد معينة ومواقع تدريب تقع على مدى ضرب صواريخ كاتيوشا للحدود الإسرائيلية، هذه الخطوة تحد من
إمكانية التراشق عبر الحدود، وتسمح بانتشار القوات اللبنانية في المنطقة.
لماذا يتوجب على حزب الله وحماته الإيرانيين والسوريين القبول بهذه المطالب؛ لأن القبول بتحديد القدرات العسكرية والانتشار، سيسمح لحزب الله بالحفاظ على بعض أسهمه – مثل الإبقاء على وحدته والاحتفاظ بالأسلحة الخفيفة (بكل الأحوال) المنتشرة بكثرة في جميع البلاد. بدون وضع الإرادة التنفيذية لمجلس الأمن على المحك، بخصوص مطلبه نزع سلاح حزب الله من خلال فرض إجراءات قاسية، حيث لا الشيخ حسن نصر الله ولا آية الله علي حسين خامنئي ولا بشار الأسد يريدون المجازفة برؤية آلاف من الجنود الأمريكيين والفرنسيين وآخرين في لبنان، وهم يعلمون أن هؤلاء الجنود القادمين إلى البر سيفعلون كل ما هو ممكن لتفادي تجربة 1982-1983 المذلة.
من طرفهما، فإن واشنطن و باريس سترحبان بقبول حزب الله بما سمي المرحلة الأولى من نزع السلاح كوسيلة لتفادي مجابهة دموية، وتسهيل التقدم إلى المراحل الثلاثة الباقية لـ 1559. هؤلاء الذين يعيشون شهر عسل قديم- جديد، قد يختلفون بسبب بعض جوانب السياسة تجاه لبنان، ولكن لا أحد يمكن أن يكون متأكداً من أن هذا الخلاف يمكن أن يؤدي إلى انقسام على طرفي الأطلسي ويقامر على تلك اللعبة، قبول حزب الله حتى بنزع السلاح المحدود هذا سيتطلب إرسال مراقبين دوليين إلى لبنان للتأكد من التطبيق، ويجوز مركزتهم بشكل دائم في مطار بيروت ونقاط عبور حدودية أخرى لمنع تمرير أسلحة ممنوعة. (كمثال: شركة لويدز اللندنية الخاصة، لعبت هذا الدور في خليج العقبة لإيقاف دخول شحنات ممنوعة إلى العراق خلال التسعينات).
من المهم الإشارة إلى ضرورة بقاء هذا الجانب من نزع السلاح مستقلاً عن دور حزب الله السياسي في لبنان، ولا يُسمح أن تحاول الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة إعطاء أي مكسب من خلال المساومة على ذلك.
كذلك فإن هذا الموضوع مستقل عن تسمية حزب الله كمنظمة إرهابية خارجية والتي أضافت المجموعة الأوربية صوتها إلى الولايات المتحدة الأسبوع الماضي. عدد البرلمانيين الذين يدعي حزب الله أنهم معه ليس له تأثير على مدى استحقاق الحزب لهذه التسمية. وفي الواقع، حتى إذا ظهر حزب الله كأكبر حزب سياسي في لبنان فلا توجد ضرورة للولايات المتحدة أن تغير نظرتها إلى هذه المجموعة الإرهابية.
الطريق إلى دمشق
بينما تعمل الإدارة من خلال الدبلوماسية اليومية على موضوع لبنان، فإن عليها ألا تفقد الرؤية إلى الأحداث في دمشق. نظام الأسد هو على الأرجح الأكثر هشاشة في الشرق الأوسط. فبينما يمكن للنظامين المصري والسعودي أن يشعرا بالخوف من الجهود الأمريكية الداعمة للديمقراطية، فهناك مكابح ضمنية تقف حائلاً دون زيادة الضغط الأمريكي، حيث توجد احتياطات من الدعم المؤسساتي في هذين البلدين. سوريا بالمقابل مختلفة. ليس للولايات المتحدة الأمريكية مصلحة في بقاء نظام الأسد حياً، الذي هو نظام أقليات مبني على صرح ضعيف، من التخويف والإكراه، وهناك تشققات في النظام السوري يمكن أن تتطور بسرعة إلى صدوع وزلازل، في الوقت الذي يمكن احتواء نفس التشققات في بلدان أخرى.
بناءاً على المستوى الواضح من الصبيانية الذي هبطت إليها السياسة الخارجية السورية في ظل بشار الأسد، يكون من المفيد إزالة الغبار عن دراسات قديمة حول مصادر ممكنة لعدم الاستقرار الداخلي وانعكاساتها المحتملة. يمكن للأمور أن تأخذ أي عدد من المسارات: خرج كبار السن العلويين عن طورهم بسبب الكيفية التي أوقع بها بشار الأسد البلد في مطبات دولية، يمكن أن يقرروا استبداله بواحد ورث فعلاً فطنة حافظ الأسد السياسية. بسبب من الخروج المحرج للقوات السورية من لبنان، قد يتحرك جنرال ثائر ضد رؤسائه الفاسدين. من الممكن أن يتعرض النظام في حمص وحماه وحلب، لاضطرابات موجهة ضده من قبل آلاف العمال المحبطين والعاطلين عن العمل وبغياب حماية اجتماعية بعد طردهم من قبل وطنيين متطرفين لبنانيين.
إذا بدأت مثل هذه التطورات فلا أحد يستطيع أن يعلم بالتأكيد إلى أين ستوصل وماذا ستكون انعكاساتها. من المؤكد أن لا زيادة فعالية الدكتاتورية البعثية، ولا تقوية مجموعات العنف الإسلامية السنية المكبوتة منذ زمن طويل، يشكلان مخرجاً مفضلاً للنظام، حيث سيحاول الأسد استثمار هذين الشبحين لمنع تدخل دولي ضد تمسكه بالسلطة. إلا أن ذلك ليس أكثر من استحضار ألعاب قديمة تعود لعقود سابقة فات زمانها. على واشنطن التركيز على ثلاث نقاط:
1- التركيز الاستخباراتي على ديناميكية الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعرقية في سورية. لأنه لا مجال للظن بأن المخابرات الأمريكية تعرف عن السياسات الداخلية السورية كما كنا نعرف عن العراق أو إيران، في الواقع، وبما أن سورية ينقصها مماثل لكردستان العراق (منطقة معارضة حرة داخل الدولة) أو مجاهدو خلق خاص بهم (جماعة معارضة، ولو ذات إشكالية كبيرة، عندها آلاف من التابعين وكانت أحياناً مصدراً لمعلومات موثوقة حول النظام ولأعوام عديدة) فإن معرفة المخابرات الأمريكية حالياً عن سورية أقل مما تعرفه عن البلدين الآخرين. عدم المعرفة الاستخباراتية المعمقة حالياً عن كبار المسنين العلويين والأكراد السوريين والقوة الفعلية للإخوان المسلمين، تعتبر فكرة مرعبة بشكل خاص.
2- فور خروج السوريين من لبنان يجب البدء بالحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون داخل سورية، وأن تحول واشنطن الضوء المركز على التعامل الشرس لسورية مع رعاياها. بما أن الولايات المتحدة تدفع حالياً مبدأ الاختيار من خلال دعم انتخابات تعددية في مصر و السعودية، فقد يكون الدستور السوري الموقع المناسب للبدء، هذا الدستور الذي يخص حزب البعث العربي الاشتراكي بدور التحكم المنفرد في القيادة السياسية للبلد. تنتهي الولاية الأولى لبشار الأسد التي مدتها سبع سنوات عام 2007، و ليس من المبكر البدء بحملة فتح العيون على ذلك النظام السياسي.
3- عدم تقديم حبال نجاة لهذا النظام؛ تقليدياً استغل السوريون عملية السلام الإسرائيلية العربية، ليتفادوا ضمهم في زمرة واحدة مع دول محور الشر، على واشنطن ألا تدخل في أية ترتيبات لعملية السلام يمكن أن تمنح السوريين ضمانة ضد الضغط الدولي المستمر؛ فقط مبادرتان سوريتان مهمتان (غير محتملتان) يستحقان بعض الاهتمام من واشنطن - زيارة الأسد إلى إسرائيل يتوجه فيها إلى الشعب الإسرائيلي مباشرة حول موضوع السلام، أو طرد، يمكن متابعته، لكل الجماعات الإرهابية المعادية للسلام وأعضائها من الأراضي السورية، بالتلازم مع تخلٍ معلن للعنف - "الكفاح المسلح" أو "المقاومة الوطنية" ونبذه من القاموس المحلي كوسيلة لحل الخلاف العربي الإسرائيلي. يجب أن لا تكون واشنطن مهتمة بالتسولات السورية المنادية بالسلام إذا لم تدفع ضرائب الدخول، المشار إليها، إلى عملية السلام.
استــنــتـــــاج
لبنان وسورية هما موقعان حيث تتموضع بينهما سياسة الإدارة عن "عدم الاستقرار البناء" على المحك. قبل أن تصل هذه السياسة إلى نهاية الشوط ستعاني أمريكا وحلفاؤها من هزائم تكتيكية ولحظات مليئة بالكوابيس. ولكن إذا استطاعت الإدارة أن تستمر بتصميم وتصاعدية - دون قطع وعود لا تستطيع الوفاء بها أو التراجع عند أول فشل - فإن الآمال في تغيير إيجابي مطرد تبقى كبيرة.

الجزء الثاني - الديناميكيات المحلية
تقارب سياسة إدارة بوش في لبنان "عد م الاستقرار البناء" لحظة حرجة مع ظهور قرارات هامة حول علاقة المصالح الاستراتيجية الأخرى للولايات الأمريكية بالكيفية التي سيتم بها تنفيذ الخطوات القادمة للقرار1559. بشكل أعم، فإن لهذه السياسة تأثيراً على المنطقة من الأطلسي إلى الخليج العربي. الديناميكيات العربية وغريزة البقاء عند الزعماء العرب تعملا سوية لمصلحة أمريكا.
جاذبية عدم الاستقرار:
تاريخياً كان الاهتمام بالاستقرار سمة مركزية لسياسة أمريكا تجاه الشرق الأوسط. في مواقع أخرى من العالم كان راسموا الخطط الأمريكيون يتنافسون حول الحكمة من الاستقرار - هل على الولايات المتحدة التوصل إلى تعايش سلمي مع الاتحاد السوفيتي أم عليها العمل على إجباره على التراجع ؟ ولكن جورج دبليو بوش؛ كان أول رئيس أمريكي يجادل من منطلق أن الاستقرار هو بحد ذاته حجر عثره في طريق تقدم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، بسبب ومنذ أحداث 11 أيلول تابعت الإدارة سياسة يمكن تسميتها بسياسة عدم الاستقرار البناء، مبنية على فكرة أن حماية المواطنين الأمريكيين وتأمين مصالح الولايات المتحدة تخّدم على أفضل وجه من خلال تغيير جذري في أنظمة الشرق الأوسط باتجاه الترحيب بـ - وليس خنق- المشاركة التامة لمواطنيها في الحياة السياسية والاقتصادية، من خلال هذا المجهود قامت الولايات المتحدة بمجموعة من الإجراءات القسرية وغير القسرية من استخدام القوة العسكرية لتغيير الأنظمة في العراق وأفغانستان، وحتى استخدام سياسة العصا والجزرة، أولاً لعزل ياسر عرفات، ومن ثم لتشجيع قيادة فلسطينية جديدة محبة للسلام، ويمكن الاعتماد عليها، إلى استخدام الليونة (مع التقليل المطـرد في الليونة) إلى وعظ شديد اللهجة لدفع مصر والسعودية في طريق التغيير.
رغم أن الرئيس سمى هذا المشروع "جيل" فإن سرعة العمل على هذا الموضوع كانت خاطفة ، بكل تأكيد بالمقاييس المحلية، ولكن أيضاً بالمقاييس العالمية. جزء من سبب ذلك هو طبيعة السياسات العربية البينية. في كل العواصم العربية يحك القادة رؤوسهم لتصور ماذا سيرضي البيت الأبيض، أين تقع الأولويات الأمريكية، أو كيف يمكن توجيه غريزة الإصلاحيين الأمريكيين إلى فائدتهم المثلى؟.
لكل قطر وصفة مختلفة، فالبعض منهم يتبع عدة مسارات في نفس الوقت، في تونس قائد متسلط يلعب ورقة إسرائيل، يدعو إريل شارون إلى اجتماع معلوماتية للأمم المتحدة سيتم "لزيادة السخرية" في بلد يقمع الوصول إلى أية صفحة إلكترونية لمنتقديه السياسيين، في السعودية استبداد ديني يحاول لعب ورقة الديمقراطية ويجري انتخابات بلدية ومحلية للرجال فقط، إجراء مرحب به لم يصل بعد إلى المؤسسات التي تمثل السعودية حيث كانت قبل سبعين عاماً. في الكويت، نقاش طويل حول حق الاقتراع للنساء يصل إلى لحظة الحقيقة مع اقتراب يوم الانتخابات البرلماني. في مصر حيث الرهانات عالية، يلعب الرئيس الحاكم منذ أمد بعيد ورقتي إسرائيل والديمقراطية، رافعاً درجة حرارة"السلام البارد" وواعداً بإجراء تعديلات دستورية حسب اختياره. ما هو مشترك، الخوف من الفيل الأمريكي في المخزن (الصيني) العربي كبير لدرجة تخلي القادة العرب عن إدعاء "الارتباط المشترك" وأصبحوا يميلون لأن ينجو كل بنفسه؛ إذا كان هذا يمنحهم بعض الوقت ويخفف من معاناتهم مع واشنطن، يفسر هذا قرار السعودية بالترحيب بزيارة الأسد إلى الرياض، مع ضربه من الخلف بالمطالبة علناً انسحاب سوريا من لبنان، هذا بالتأكيد لم يتوقع سماعه الأسد البائس من بلد رعى اتفاق الطائف. جاءت المكافأة للسعوديين بعد أسبوع واحد في كلمة الرئيس بوش أمام جامعة الدفاع الوطنية، التي خفف فيها من المطالب حول الخطوات القادمة للإصلاح السياسي في السعودية، بينما قرأ لائحة من الإجراءات التي يتوجب على مصر القيام بها، للوفاء بالتزاماتها الأخيرة حول الانتخابات الرئاسية التنافسية، أي حرية الاجتماع والوصول إلى الإعلام والسماح بتشكيل الأحزاب السياسية؛ في ضوء ذلك يجب أن يُنظر إلى فورة وزير الخارجية المصري ضد السياسة الأمريكية المطالبة بالديمقراطية التي أعقبت كلمة بوش "كما ورد في الواشنطن بوست"، رغم أن القاهرة طلبت من سورية احترام القرار 1559، فإن الرياض حصدت الثقة وجواز المرور اللاحق من واشنطن. (من المفيد ملاحظة أن هذه الديناميكية ليست مقتصرة على السعودية ومصر فقط ، ففي المغرب العربي مثلاً حصدت الجزائر نقاطاً في أيلول الماضي لامتناعها عن التصويت على قرار 1559، بدل رفضه مما سمح بتمريره بدون اعتراض رغم أن الجزائر تبعت سورية في مجلس الأمن كممثلة للعالم العربي، خوفاً من ذهاب الجزائريين إلى أبعد من ذلك في سباق الهرولة نحو واشنطن، أمرت المغرب الأسبوع الماضي 30000 متظاهر إلى الشوارع للتظاهر ضد الأسر المستمر لمغاربة لدى حركة البوليساريو المدعومة من الجزائر. فكرة أخرى مرتبطة بهذا التحرك هي تسليط ضوء دولي ولفت انتباه الولايات المتحدة على إثــم دولة عربية أخرى).
خصوصية لبنان
هناك عوامل عدة تجعل الوضع السوري - اللبناني مختلفاَ عن وضع الآخرين:
* لبنان هو البلد الأول الذي لم تكن فيه الولايات المتحدة الأمريكية اللاعب الرئيس الذي يقرر مجرى الأحداث. اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري حرك الدورة الحالية للأحداث رغم أنها كانت على النار منذ إعادة انتخاب أميل لحود التي تمت بيد سورية وبقوة، والصدور اللاحق للقرار 1559.
لبنان هو البلد الوحيد الذي تشارك فيه الولايات المتحدة دولاً أوروبية، خصوصاً فرنسا، كشركاء كاملين، مانحاً واشنطن تــرف السماح لعـــواصــم ومؤسسات أخرى (الأمم المتحدة مثلاً) بأن تتولى القيادة.
* لبنان هو البلد الأول الذي مسَ قلب الجوانب الأساسية لاستقرار نظام حكم، في هذه الحالة، نظام حكم بلدين هما سورية ولبنان. ومهما كان الإزعاج الذي سببته جهود الولايات المتحدة الداعمة للديمقراطية لأنظمة أخرى في المنطقة، فإن هذه الجهود لم تصل إلى حد البدء بالتعرض لهذا النوع من التسخين الذي يشعر به نظاما الأسد ولحود من الأحداث الجارية.
* لبنان هو البلد الأول الذي "زاوج" السياسة الخارجية الصعبة (ذات الإشكالية) لبلد (سورية) مع العملية الديمقراطية لبلد آخر (لبنان)، وهذا لأن- بعد خمس وعشرين سنة- التفاهم الدولي تغير بحيث أصبح يصنف المشكلة اللبنانية كاحتلال عسكري خارجي.
* لبنان هو البلد الأول الذي ربط الأجندة الديمقراطية باهتمامات استراتيجية تقليدية ، في هذه الحالة الجهود الدولية للتفاوض حول إيجاد حل سلمي للأزمة النووية الإيرانية. بالنظر إلى الاستثمار الكبير الذي وضعته إيران في لبنان، ليس أخيراً بتقديم آلاف من الصواريخ قريبة وبعيدة المدى إلى حزب الله، والشراكة المتقدمة بين طهران ودمشق، فإنه من الصعب التصور أن إيران لن تنظر إلى مفاوضات الثلاث دول (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) EU-3 وقرار الأمم المتحدة رقم 1559، على أنها أجزاء متكاملة من حملة دولية لتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة.
* لبنان هو البلد الأول الذي مس أمن إسرائيل، وعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، اللتين حركتا جدلاً من اليقظة العالمية حول الإرهاب المناهض للسلام (لاحظ تصنيف البرلمان الأوربي لحزب الله كفئة إرهابية الأسبوع الماضي وتوجيه بوش لأصابع الاتهام إلى سورية بإيواء مرتكبي جريمة التفجير الأخير في تل أبيب).
بينما تشكل كل من هذه الجوانب مساهمة نوعية في الحالة اللبنانية فإنها مترابطة مع بعضها البعض بشكل وثيق، إسرائيل وإيران، أوربا والولايات المتحدة، سورية والفلسطينيون - كل هذه الطرق تلتقي في بيروت.
دعم الديمقراطيين وليس فقط الديمقراطية:
ومع ذلك فليس كل شيء في المنطقة سيتحدد من خلال النتيجة في لبنان، وعلى المسؤولين الأمريكيين أن يحتفظوا بهذا في ذاكرتهم. الفصل الأخير في بيروت مثلاً سيكون له تأثير قليل على مصير التجربة الديمقراطية. في العراق، رغم أن إزالة سورية كمصدر للدعم ومرفأ أمان لمقاتلي المعارضة العراقيين سيكون مرحباً به. وبشكل مشابه، فإن حملات الإصلاح الديمقراطية في السعودية ومصر هي فعلاً مشاريع
طويلة الأمد، تظهر نتائجها بعد زمن طويل من انحسار الغبار عن ثورة الأرز.
على واشنطن أن تتابع جهودها الداعمة للديمقراطية، بنفس الأسلوب الذي ينصح به المستشارون الماليون لتحسين الرواتب التقاعدية - بمنهجية واستمرار - بغض النظر عما إذا كانت درجة حرارة السوق صاعدة أم هابطة. في هذا الحيز، من المهم أن يكون هناك جواب واضح لإشكالية المسألة الديمقراطية وهي مدى إلحاحية تحسين الحريات في الشرق الأوسط، مقابل الخوف من تقوية الإسلاميين المعادين للغرب. الجواب هو مسؤولية واشنطن في الاعتماد على ديمقراطيين قلباً وقالباً، وليس فقط على فكرة مثالية غامضة عن الديمقراطية. في الوقت الذي تتعطش فيه المنطقة "دون شك" إلى الديمقراطية؛ فإن هذه الأهداف لن تُبلغ، دون دعم وشجاعة وإصرار الديمقراطيين. يجب أن لا يكون هناك زيف في وضع الدعم الأمريكي بأقنية فعالة: سياسية، أخلاقية، مالية..الخ لديمقراطيين ليبراليين عرب.
بالواقع تحول نظر واشنطن إلى حوار محصور فقط مع سياسيين إسلاميين يظهرون كمعتدلين يمنحهم الشرعية على حساب حلفاء أمريكا الطبيعيين.
"قبول" أو "رفض" دور حزب الله أو حماس في الانتخابات المحلية عائد للبنانين والفلسطينيين، لا لصناع السياسة الأمريكية، ولكن القرار عائد للولايات المتحدة فيما إذا كانت هذه الجماعات تستحق الدعم منها، ومادام هناك ليبراليون عرب يشاركون الأمريكيين القيم والتلهف إلى نظام يمكن أن يوصلهم إلى السلطة، فإن حقهم في الحصول على اهتمامنا يعلو فوق أي شيء أخر.
واشنطن 15 آذار 2005
*المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
* ترجمة كنان جسومه



#كنان_جسومه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وطن بين الواقع والحلم أو الأمل


المزيد.....




- أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل ...
- في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري ...
- ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
- كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو ...
- هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
- خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته ...
- عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي ...
- الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
- حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن ...
- أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كنان جسومه - تقييم سياسة بوش -عدم الاستقرار البناء-