نرين طلعت حاج محمود
الحوار المتمدن-العدد: 1158 - 2005 / 4 / 5 - 10:29
المحور:
حقوق الاطفال والشبيبة
1-الرفض و التمرد على القيم و المفاهيم الاجتماعية القائمة و الأخلاقيات التي تكرسها تلك المفاهيم هي ظاهرة مشتركة بين الأنبياء و المصلحين الاجتماعيين و الصعاليك.
2- يمارس المجتمع بقيمه و مفاهيمه و محرماته و عقوباته حصارا على تطلعات و نزعات الفرد بهدف الحفاظ على الأخلاق العامة و تحقيق السلامة لكل أفراد المجتمع و بالمقابل يحاول الفرد مقارعة و تحدي هذا القائم منذ سنوات طفولته بدافع تحقيق أناه الفردية المعبر عنها برغباته .
3- حين يخنق هذا الحصار الأنا الفردية و حين يرتبط هذا الحصار بالإرهاب و التخويف و العنف النفسي أو الاجتماعي أو الجسدي فإنه يخلق لدى الفرد و منذ الطفولة المبكرة شعورا بتأئيم هذه الذات و الاعتقاد بارتكاب خطيئة و بالتالي كراهية الذات و استقباحها و تحقيرها و تبلغ هذه المشاعر أعلى درجاتها حِدة في حال تعرض الفرد في طفولته لاعتداء صارخ من قبل من هم اكبر سنا منه.
4-ان الطفل إزاء شعوره بالتأثيم واحتقار الذات يتجه لخلق توازنات داخلية وجدانية.
فإن لم يرتبط هذا الحصار بمواقف تأئيمية حادة فإنها تزيد من سطوة الأنا العليا عند الطفل على أناه الفردية و يصبح انسان صالح في نظر المجتمع و لكنه انسان متكرر غير مبدع يُمسك قياده من يمثل القيم الاجتماعية السائدة فهو غير خلاق و كل صلاحه غير صادق من وجهة نظر علم النفس لأنه قائم على كبت لاشعوره و أناه الفردية مفلسة .
و إذا ارتبط الحصار الاجتماعي بقيم اجتماعية فاسدة مخلخلة و ارتبط بمواقف تأئيمية حادة فانه يقود الفرد للخروج من حالة تأثيم الذات و احتقارها بإنكار و إلغاء و نفي كل القيم الاجتماعية و الشعور بالعداء لكل التركيب الاجتماعي السائد و إلغاء الأنا العليا تماما في مقابل الأنا الفردية و هذه حالة الصعاليك في التاريخ العربي و هم أفراد تعرضوا لأذى كبير و وُجدوا غالبا في أسر مهمشة تعرضت لاعتداء الآخرين عليها أو تعرضوا بأنفسهم لاعتداء الكبار عليهم مما قادهم لنبذ و كراهية و إنكار القائم جملة و تفصيلا ومناصبة مجتمعاتهم العداء و ممارسة العدوان عليها بأساليب قاسية متطرفة و هؤلاء عانوا من تشظي نفسي وجداني فالشنفرى الذي تشهد لاميته المشهورة بقدراته الإبداعية الفنية و تصوراته و رؤاه و أخيلته يتحدث عن ظلم المجتمع له و يصف الإذلال المرافق الذي تعرض له من قبل المجتمع ممثلا بالأقرباء و يفخر و بنفس المستوى الفني بقدرته على إيقاع الأذى بالأبرياء
فأيَّمت نسوانا و أيَّمت إِلدةٌ و عُدت كما أبدأتُ و الليلُ أليَّل
و يفخر باحتقاره لكل مفاهيم المجتمع الحضري حين يصف شَعره بأنه لم يُفلّى من القمل و لم يمسح بالدهن منذ عام.
و بنفس الشعور بظلم الآخرين له يصف شارل ذو المسدسين و هو المجرم الذي روع مدينة نيويورك في رسالة كتبها قبل مصرعه على يد البوليس مدى ظلم هذا المجتمع له و تعديه عليه و عدم تفهمه له رغم ان هذا المجرم كان يرمي بالرصاص من يرميه بريشة.
ان حالة التشظي النفسي لدى المجرمين و الصعاليك و تطور قدراتهم الفردية و أناهم الفردية تدفعهم بدل ان يقارعوا القيم الفاسدة التي أذلتهم و آذتهم الى ان يكرسوها و يصبحوا جزء من هذه القيم لأنهم لم يستطيعوا مواجهتها على الصعيد النفسي و الوجداني تماما كحالة طفل تعرض في طفولته للاغتصاب فلم يلقى العلاج و التفهم و المساعدة الخارجية الكافية فتحول الى مغتصب يمارس العدوان و يعتدي على الإنسان بدل ان يناضل من اجل كرامة الإنسان .
و يبقى الأطفال الأفضل حظا أولئك الذين ينشئون في أجواء أسرية صحية سليمة يحظون فيها على العاطفة و المودة و التفهم العميق من قبل ذويهم مما يحقق لهم التماسك النفسي و يحميهم من حالة التشظي و التأثيم و كراهية الذات فهم القادرين بفضل هذه الأجواء (و سواء تعرضوا أو لم يتعرضوا لمواقف عدائية) على تخطيها و قادرين بالتالي على محاورة أناهم العليا و تشذيبها و فهم الفساد الاجتماعي و القيم المهترئة و قادرين على تنمية أناهم الفردية فيقارعون الفساد و يتمردون عليه من اجل الإنسان و بهدف رفع الظلم و المعاناة التي أدركوها جيدا عن الإنسان و هؤلاء هم الأنبياء و المصلحين الاجتماعيين و المثقفين بعمق و المناضلين من اجل الإنسانية في كل مكان في العالم فهم يشتركون مع الصعاليك في حالة التمرد لكنهم يختلفون عنهم بأنهم متماسكون نفسيا ممتلئون روحيا مقابل تشظي هؤلاء و فراغهم الوجداني و هم مختلفون أيضا في ان أناهم الفردية محاورة عنيدة قوية أمام الأنا العليا و أرضهم صلبة هي الإنسان الذي يؤمنون به بعمق مقابل عدم قدرة الصعاليك على تحقيق توازن بين فرديتهم و بين القيم الاجتماعية السائدة ومحرماتها و عيوبها فلا يجدون وسيلة لتخطي حالة التأثيم إلا بإلغاء هذه القيم جملة و تفصيلا.
ان النسبة الأكبر من الأفراد في المجتمعات الشرقية المحافظة يكبتون أناهم الفردية أمام أنا عليا متسلطة و إنّ مجتمع من المجتمعات يطمح لتحقيق التطور و التحضر و الإنسانية عليه ان يسعى جاهدا لرفع نسبة المصلحين و الأنبياء المتماسكين وجدانيا المرتبطين بمجتمعاتهم المتمردين عليها ذوي الأنا الفردية الفاعلة فأين تتجه مجمعاتنا العربية و الإسلامية التي تعاني من الانفجار السكاني ما يترتب عليه بسبب كثرة المواليد في البيت الواحد من إهمال و حرمان عاطفي و ارتباطه بحرمان مادي لأن قسم كبير من سكان العالم العربي و الإسلامي يعيشون تحت مستوى الفقر ضمن ظروف بائسة و ازدحام و بيئة سيئة مما يعني ان نسبة كبيرة من الأطفال المسلمين و العرب يتعرضون للاعتداء و الإذلال من قبل من هم اكبر منهم سنّا و بارتفاع مستوى الأمية التي بلغت 50 مليون أمي و حسب إحصائيات أكثر تطورا في توصيف ظاهرة الأمية و اعتماد مقاييس أكثر دقة وصلت هذه الأمية ل100 مليون أمي عربي وعربية هذا من جهة و من جهة أخرى يتعرض العالم في كل مكان لتغيرات ثقافية و معرفية مجتاحة مما يجعل الأسرة بحاجة لمفاهيم تربوية و أخلاقية أكثر واقعية و مرونة و علمانية من اجل تحقيق توازن لأطفالها أمام التغيرات الثقافية التي تجتاحنا فكم هي نسبة تلك الأسر القادرة فعلا على تهيئة أطفال متوازنين و مساعدتهم على تخطي سني حياتهم الصعبة, ان نسبة مثل هؤلاء الأفراد هم في تناقص بلا ريب لان الأسر الأكثر جهلا و تخلفا هي الأكثر إنجابا للأولاد و الأسر التي تمارس تحديد للنسل هي الأسر الأكثر ثقافة و علم و بالتالي ان أبناء هذه الأسر هم دوما الأقل نسبة بين باقي الأطفال و بالتالي ان الأفراد الأكثر توازنا هم اقل فأقل جيلا بعد جيل.فماذا ستفعل هذه الشعوب و هي تائهة ما بين قيمها المترنحة و بين اجتياح ثقافي معرفي أخلاقي لا تعرف كيف تواجهه سوى بالتقوقع و وضع العصائب على العيون.
#نرين_طلعت_حاج_محمود (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟