عودة وهيب
الحوار المتمدن-العدد: 1158 - 2005 / 4 / 5 - 10:09
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
1-
أن اخراج القوات الأجنبية من العراق هو هدف وطني تصبو اليه كل القوى الوطنية العراقية، والسؤال دوما ليس هو : هل نخرج القوات الأجنبية من العراق ام لا؟ ، بل هو: كيف نجعل هذا الأمر ممكنا؟.
ولقد بات واضحا لكل ذي بصيرة ان استقرار الأوضاع الأمنية واستكمال العملية السياسية وبلوغها مرحلة اقرار الدستور الدائم واجراء انتخابات تقود الى تشكيل حكومة دائمة سيعجل من انسحاب القوات الأجنبية من العراق وينهي اي مبرر لوجودها، وهذا يعني شيئا واحدا هو : ان من يريد فعلا التعجيل بخروج القوات الأجنبية من العراق عليه ان يساهم في دعم الأستقرار الأمني والسياسي في العراق لأن الطريق الوحيد العملي الذي سيفضي الى رحيل القوات الأجنبية من العراق هو عودة العراق الى وضع الدولة الطبيعي وهذا لايتم الا من خلال اكمال العملية السياسية التي دشنتها الأنتخابات الأخيرة في الثلاثين من كانون الثاني الماضي . هذه هي الحقيقة الوحيدة وما عداها فأوهام تطفو على شواطئها (حيتان) النوايا الشريرة، وتصبح فيها (النوايا الوطنية الثورية النبيلة) اسيرة المثالية وطريحة في فراشي مرض الطفولة اليساري ومرض الجمود العقائدي.
2- .
اذا استبعدنا اصحاب النوايا الشريرة الذين يريدون ارجاع عجلة العراق الى عهد المقابر الجماعية او الذين يريدون اخضاعنا لسيطرة (امارة طالبان) او وضعنا في اسر (جمهورية اسلامية)، فأن بعض اصحاب (النوايا الطيبة) والذين لا شعار لديهم سوى (جلاء القوات الأجنبية من العراق) لايفعلون شيئا غير المطالبة بتوقف الحياة في العراق حتى (رحيل المحتل) فورا او حتى (جدولة رحيله) في وقت تعجز فيه اجهزة الأمن عن حماية نفسها فضلا عن حماية المواطنين.انهم يتصرفون كالوعّاظ الذين يطالبون بأقامة مجتمع الفضيلة دون التطرق الى اسباب الفساد وطرق مكافحته. .
خروج الأحتلال، او جدولة خروجه، ليس وصفة سحرية يمكن كتابتها في لحظة تأمل صوفي، بل هي عملية سياسية لها آليات محددة تنطلق من ارضية معبدة بالاستقرار ، وفي مقدمة هذه الآليات وجود حكومة وبرلمان منتخبين يتمتعان بحق الحديث بأسم العراق ،كل العراق،وهذه الحكومة هي التي ستتولى مفاوضات الجلاء وتمهد الأرضية لذلك.
3-
القوى الوطنية التي ساهمت في العملية السياسية (بدأ من المشاركة في مجلس الحكم ثم الحكومة المؤقتة ثم الانتخابات الأخيرة) ساهمت عمليا في تقريب يوم الجلاء لأنها ساهمت في صنع الآليات السياسية التي يتم من خلالها تنفيذ جلاء القوات الأجنبية من العراق، وعندما سيتم الجلاء وينعم العراق بأوضاع طبيعية سيذكر التأريخ ان جلاء القوات الأجنبية من العراق قد تحقق على يد عراقيين شجعان اختاروا الطريق السلمي وطريق اعادة بناء مؤسسات الدولة كوسيلة وطنية لأرجاع العراق الى وضع الدولة الطبيعي وتخليصه من الوجود الأجنبي متحدين الأرهاب والأرهابيين ومقدمين في سبيل ذلك كوكبة من الشهداء الذين سقطوا وهم يعملون على اعادة بناء العراق على اسس ديمقراطية.
اما القوى(المشبوهة) التي لجأت الى العنف بحجة مقاومة الأحتلال فانها انزلت بالعراق خسائر بشرية ومادية كبيرة جدا وعرقلت مساعي اعمار العراق دون ان تقدم اي مكسب ملموس للشعب العراقي، بل وبالعكس من ذلك ساهمت وستساهم بتأخير انسحاب القوات الأجنبية من العراق .
لقد رفض الشعب العراقي طريق العنف ولم تضلله شعارات (مقاومة الأحتلال) فأستحق غضب (المقاومة) واصبح هدفا رئيسيا لها . ان قيام ( المقاومة) باستهداف المواطنين العراقيين دليل على افلاس (المقاومة) وافتضاح هدفها الحقيقي الذي هو عرقلة بناء عراق ديمقراطي.
لقد عبر حزب البعث ، الذي هو القائد الحقيقي لما يسمى بالمقاومة ، عن اهداف هذه (المقاومة) بشكل واضح حيث قال في بيان اصدره في 19-3-2005 :
( ان البعث والمقاومة العراقية المسلحة عندما يقاتلون الأحتلال وقواته وصيغة ومشروعاته وعملائه ومساعديه على ارض العراق المحتل فأنهما لايعتبران ولايعترفان بأي صيغة سياسية او تنفيذية او اخرى وضعها الأحتلال ونفذها مع عملائه وشرّع لها امميا ودعمها اقليميا)
فهدف ( المقاومة) الصريح هو اعادة نظام البعث للسلطة، وحتى لو وضع (جدول زمني) لأنسحاب القوات الأجنبية، وحتى لو رحل اخر جندي اجنبي من العراق فأن البعث سيواصل (مقاومته) ان كان ذلك بمقدوره.ويظل هدف البعث الأول هو عرقلة استقرار العراق ومحاولة منع اكمال العملية السياسية الجارية في العراق من خلال دعوة انصاره لمقاطعتها واستخدام العنف لمنع ابناء العراق من المساهمة بها كما حدث قبل واثناء الأنتخابات.
4-
بعض القوى السياسية والدينية العراقية تشترك مع حزب البعث في دعوته لمقاطعة العملية السياسية الجارية في العراق ،غير ان هؤلاء يدّعون براءتهم من الأرتباط بحزب البعث ويبررون عدم مشاركتهم ب(وجود قوات اجنبية في العراق) ويطالبون كشرط لأنخراطهم في العملية السياسية بوضع (جدول زمني) لأنسحاب هذه القوات.هذا الموقف لايعدو عن كونه خداع وتضليل يخفي هدف عرقلة العملية السياسية في العراق ، او في احسن الأحوال مجرد مزايدات سياسية تهدف الى الكسب السياسي الرخيص.
ان الجهات التي طرحت وتطرح شعار ( الرحيل الفوري لقوات الأحتلال) او (جدولة انسحاب القوات الأجنبية من العراق) كشرط لأنطلاق العملية السياسية في العراق، وتفتي ( بنجاسة) اي عملية سياسية تمسها يد الأجنبي،لاتحمل اي مشروع وطني ديمقراطي لأنها تعارض علنا اجماع اغلبية الشعب العراقي التي باركت الأنتخابات وانجحتها، واذا برّئت هذه الجهات ،او بعضها، من الأرتباط بأهداف البعث فلا يمكن تبرئتها من السعي الى تحقيق مشروع ديكتاتوري تهيمن فيه على ارادة العراقيين بأسم الدين الأسلامي الحنيف.
ان بعض القوى الدينية تدرك ان لديها ( قوة) تستطيع بها فرض خياراتها الديكتاتورية الدينية على الشعب العراقي ، وأن لها من الأنصار والأمكانيات مايمكنها من فرض وجودها على اجزاء كبيرة من العراق ، وان مايعرقل مشاريعها في الوقت الحاضر هو الوجود الأمريكي في العراق ولهذا فأن هاجسها الأكبر هو وجود هذه القوات . ان هذه القوى حين تدعو الى خروج القوات الأجنبية لاتفعل ذلك انطلاقا من سعيها لتحرير العراق بل انطلاقا من سعيها لأستعباد الشعب العراقي والأنفراد به قبل ان يستعيد عافيته ويستكمل بناء دولته .
ان هذه (القوى)التي تشترك مع حزب البعث المنحل في هدف السعي( لطرد) القوات الأجنبية هي كالبعث لا تسعى لتحرير العراق بل تسعى لأستعباده ، وهي حين تدعو الى عدم البحث عن اي حلول سياسية لأوضاع العراق (في ضل الأحتلال) فأنما تهدف الى نشر الفوضى والخوف في العراق حتى تصبح هي كالكي الذي يتقبله المريض بعد طول معايشته للألم.
أن القوات الأجنبية في العراق سيجدول انسحابها ،وسيأتي اليوم الذي ينسحب فيه اخر جندي اجنبي من العراق ، غير ان هذا سيحدث ليس بفعل (المقاومة) ولابسبب قيام البعض بمقاطعة العملية السياسية والأنكفاء وراء شعار( لاحلول سياسية في العراق قبل انسحاب القوات الأجنبية) بل سيتحقق بسبب اصرار الشعب العراقي على الحصول على حريته كاملة غير منقوصة وبسبب مشاركة هذا الشعب في خلق الأرضية السياسية والأمنية التي تنهي مبررات الوجود الأجنبي في العراق.
#عودة_وهيب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟