|
أحفاد القردة والخنازير.. حقيقة أم وافتراء؟
مختار سعد شحاته
الحوار المتمدن-العدد: 4024 - 2013 / 3 / 7 - 19:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اتهام جديد يشرفني ضمه لقائمة اتهاماتي:
أعرف أن مقالي هذا ربما يضيف إلى قائمة طويلة من الاتهامات اتهامًا آخرًا، قد يشغلني فيما بعد الدفاع عنه، لكن لإيماني المطلق بأن الفهم واجب، وبحق البشرية الأصيلة فيما آمنت به من كلمة أكررها في كل جلساتي الخاصة والعامة "محدش يفكر لحد"، وعليه فمن فضلك راجع قبل استكمال المقال، أو بعده مباشرة مقالي المنشور هنا "اقرأ" ثم أكمل التفكير معي لا لي. فكلما أحاول التماس الأعذار لهؤلاء الذين يقفزون على نواصي التدين، ويلقون بحجارتهم اللاإنسانية في وجوهنا، كلما يضربنا القدر بموقف أو مجموعة من التصريحات الفرادى أو العامة لهذا التيار الخالط للزيت بالماء. فكل ما يلزمني في الماضي كان لا يتعدى كبسة زر لأدير محطة ما، أو ألغي قائمة من المحطات، تغنيني عن زيارة طبيب ضغط الدم وخلافه، مما ينتج عن متابعتي لتك الفضائيات التي لا تتوقف عن قهر مفهوم الدين كما أعتقد، وتصر ببجاحة مطلقة على اعتبارها قنوات تبث الدعوة في عمومها، ونسى كل من تباهي للدفاع عنهم كلما أحدث بمثل مقالي حقيقة أمرهم، ويكفيه فقط القول بواجب النظر إلي العموم لا الخصوص والوقوف على شخوص وفقط. وتزيد دهشتي كلما رفضوا أن يفهموا أن الثوب الأبيض لا يلفت منه سوى بقعه السوداء، وأن قنوات دعوتهم تلك، لن يؤثر منها سوى هذا الحجم الرهيب من الشتم والسُباب أكثر من تأثيرها المُدعى بالوجو التي تحمله من "الهدى" أو النور او الدعوة او الإيمان وغيره. ولعل رجل البلاغة والأدب –وأظننا بعد رؤيته في حاجة ماسة لتعريف البلاغة والأدب- ذاك المدعو "محمود شعبان"، وما "هرتل" به في برنامج "أجرأ كلام" بقناة القاهرة والناس، هو مثلا فجًا لما ألفت الانتباه له.
هل للقردة والخنازير من أحفاد:
يمكن أن نعيد القراءة بفهم ووعي في سؤال ضرب ذهني بعد رؤيتي لتلك المشاهد التي يُصر فيها الشيخ على اعتبار اليهود "حفدة القردة والخنازير"، وهو ما لا يتوقف عن قوله الكثير من هؤلاء الذين يتصدرون مشاهد الدعوة ومشاهيرها للأسف، وهنا وجب طرح سؤالي التالي: إذا كان الله قد حكم على بني إسرائيل بأحكام منها المسخ إلى القردة والخنازير لكل هؤلاء العصاة منهم، أو قبل توبة بعضهم بقتل النفس، فهو ما يمكننا أن نقول بأريحية فيه، أن التصديق بنص القرآن وما جاء فيه يؤسس لفهم ما، ألا وهو اعتبار بني إسرائيل مقسمة إلى أقسام ثلاثة، الأولى تم مسخها إلى قردة وخنازير، وللعلم لم تتناسل ولم تتزاوج وماتت ودرست في التاريخ و وفي ذلك عليك بمراجعة كثير من التأويلات والتفاسير حول الآية، وأما القسم الثاني فهم التائبون ممن قتل نفسه ورضى بحكم الله، وهنا تبقى الجزء الأصغر الأخير، ثلة مؤمنة مع هارون وموسى عليهما السلام. وهم من جاء من نسلهم كل يهود العالم الآن، وينتمي إليهم وراثيًا. وعليه، فالقول المطلق بأن اليهود أحفاد القردة والخنازير هو قول مغلوط لا أساس له ومخالفة لوقائع إنسانية وتاريخية، بل يمكننا اعتباره سبّا علنيًا للطائفة المؤمنة التي بقيت على إيمانها وقتها مع موسي عليه السلام، فكل من يعتبر اليهود يومنا هذا، هم أحفاد للقردة والخنازير –بخلط لهؤلاء ممن حكم عليهم بالمسخ- هو اتهام لهؤلاء المؤمنيين مع موسى النبي، وهو سب لثلة كانت هي كل المؤمنيين وقتها، وإلا لاعتبرنا ما يمارسونه من دعوة الآن هي نفس ممارسة الدعوة في فجرها وهو ما نرفضه ونؤكد كذبهم فيه.
وكيف يسبُ المرء أباه وأمه؟:
لكن دعني أتابع تحريف تلك المقولة، فلو سلمت بها، فيمكن أن أسلم بأن هذا الرجل السباب اللعان المدعو "أبو إسلام" ومن على شاكلته من هؤلاء المتأسلمين والمتأسلفين الوهابيين كـ"وجدي غُنيم" و"محمود شعبان" وغيرهم الكثير، هم نتاج طبيعي لهؤلاء القردة والخنازير الذين سكنوا مصر يومًا ما، بل هم أيضا إشارة شديدة السوء بنفس منطقهم المحكوم به، تسيء إلى المسلمين الأوائل ممن حمل همّ الدعوة إبان الفتح الإسلامي لمصر. فلو كان يهود العالم ممن جاء من نسل الثلة المؤمنة مع هارون وموسى -عليهما السلام- هم نتاج وأحفاد القردة والخنازير، فهل كل هؤلاء المتأسلمين نتاج المسلمين من أمثال عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي السرح وغيرهم ممن نعرفهم بالصحابة رضوان الله عليهم؟!
إن المتأمل في خطابهم الديني بعقل وفهم، وقراءة وجيزة تسمح للعقل بالتدخل، يعرف كم الهرطقة الجاهلة التي تتصدر وتصدر عنهم، لذلك فأنا لا يعنيني من يكون ولا من أتعامل معه قدر ما يعنيني ما يبدو من إنسانيته في هذا التعامل ومن طبيعة روح الله فيه، فأنا ضده وعلى طرف نقيض منه متى خلع عن نفسه روح الله التي هي من أصل وجوده، ولا أفرق المكان ولا الزمان في ذلك، فلو خلعها اليهودي عنه واغتصب واعتدي –كما يحدث في فلسطين- فأنا حجيجه وخصمه اللدود، ولو فعلها المسيحي واعتدي وخاصم وخان العهد فأنا له بالمرصاد، ولو فعلها المسلم وخلعها عنه واهتم بالشتم والسب واللعن والطعن، فأنا منه بُراء ولا يُشرفني الانتماء إلى ما اعتقده بفكره وتفسيره الآسن أنه الصواب. وهنا لا أدافع أو أدعو لتطبيع قدر ما أدعو لرفض التغفيل تحت أي مسمى عنتري أوله الدين وانتهاءًا بحق المقاومة والمواطنة.
انتبه إنسانيتك ترجع للخلف:
عزيزي القاريء الوقور: نحن حين نسمح لأنفسنا بممارسة تلك الدعارة اللفظية، أو الانسياق وراء عواطف عصبية غاضبة، تتكشف حقائقها المُبطنة يومًا بعد يوم، وتفضح أصحابها ومشاريعهم الوهمية، هو أعظم دليل لدي على اعتبار مجتمعنا اليوم يؤسس لأنواع جديدة من العنف والدعارة الممتزجين ببراعة، والتي ألبسها كل من مارسها لُباس الدين والتقوى أو المقاومة أو المواطنة. وبشكل مباشر وفج، فأنت عنيف بدايةً بقدر ما تعتدي من قول وفعل ونظر واتهام، وانتهاءًا بجهل وانغلاق فهم، ولا ضمان لهذا العنف الجديد سوي الفهم الجديد المتأصل على إعادة النظر في كل نصوصنا وأقوالنا وتراثنا كله الذي اعتمدناه بلا تنقيح ولا تدقيق في كثير منه، واكتفينا بأنه ميراث أمة نفخر أنها علمت العالم يومًا، ونسينا فرضية جدلا أنها ربما قد قهرت يومًا أو طمست الآخرين وتواريخهم.
محدش يفكر لي:
أنا لن أمل من تكرارها، اقرأ ثم اقرا ثم اقرأ، فهي مفتاح الوجود وباب الفهم لكل ما تلاها من أوامر إلهية تنزلت في كل نصوصه المقدسة منذ كتب الله على البشرية الاحتكام إلى نصوص دينه، ونبه إليها في كل عصر من عصورنا البشرية. لذلك فاعلم أن أول العنف الذي تمارسه هو تخليك عن القراءة والفهم، وتركك لمثل هؤلاء ليفكروا نيابة عنك، وهو ما يؤكد إيماني بأن التفكير طريق صعب، يستدعي الجهد والتعب والبحث، وهو لا يُنال إلا بقدر المحبة لروح الله فينا والبحث عنها بكل طرق التفكير، والتي أعتقد أنها ما جعل الرسول يخبر بأن "سلعة الله غالية". فسلعة الله لن ننالها إلا بهذا الجهد والتفكير وتلك القراءة الواعية، وإلا فنحن سننتهي إلى الطريق الأيسر والأسهل، طريق الاتهام والتخوين والتكفير، وهو ما ينساق إليه الكثير ممن لم يتحمل مشقة هذا البحث عن روح الله؛ فاختار طريقًا أيسر، لكن آثاره التدميرية لإنسانيتا أعظم وأفدح. يا سادة: ليكن شعارنا "محدش يفكر لحد"، ولنتحمل صعوبة الدرب، فالسلعة الغالية التي تطلبونها يمكنكم إدراكها هنا على الأرض قبل الموت متى أفسحتم طريقًا للمحبة والفهم في قلوبكم.
مختار سعد شحاته. "bo mima" روائي. مصر – الإسكندرية.
#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكاية النملة.. إلى النملة التي تحركت من فروة رأس الجد نحو وج
...
-
امرأة كانت ذات يوم مراهقة محبب لها الفرح .. -قصة قصيرة.-.. ن
...
-
مزج مقدس.. حالة من حالات الرجل. -نص أدبي-.
-
جبريل لم يعد ملاكًا!! ولا أي إندهاشة.
-
نِفيسة.. قصة قصيرة إلى نفيسة التي عرفتها، وعرفها نجيب محفوظ
...
-
حلقة ذِكر.. قصة قصيرة.
-
شعب الطُرشان
-
-كليك يمين-. أنا افتراض؛ أنا موجود.
-
حاجز الخوف.. كسرناه أم استبدلناه؟
-
(ست-حكايات لحبيبي الذي يحب القهوة والأحلام تريحني، وحكاية لا
...
-
(خريطة سكندرية خاصة)
-
دماء على أسفلت التدين.
-
من حالات ربٌّ يُحبُ النساءَ.
-
رسالة إلي الشيخ -العريفي-.. أرونا فعلكم قبل خُطبكم الرنانة.
-
الحمد لله أنها خلقت من ضلع أعوج.
-
الجنة بين الحلم والخيال والواقع.
-
.من تاريخ العُري الوطني.
-
اقرأ .. وحاجة إلى إعادة فهمها القرآني.
المزيد.....
-
غواتيمالا تعتقل زعيما في طائفة يهودية بتهمة الاتجار بالبشر
-
أمين عام الجهادالاسلامي زياد نخالة ونائبه يستقبلان المحررين
...
-
أجهزة أمن السلطة تحاصر منزلا في محيط جامع التوحيد بمدينة طوب
...
-
رسميًا “دار الإفتاء في المغرب تكشف عن موعد أول غرة رمضان في
...
-
ساكو: الوجود المسيحي في العراق مهدد بسبب -الطائفية والمحاصصة
...
-
هآرتس: إيهود باراك مؤسس الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب
-
الاحتلال يسلم عددا من الاسرى المحررين قرارات بالابعاد عن الم
...
-
هآرتس: الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب أسسها إيهود باراك
-
السويد ترحل رجل دين ايراني دون تقديم توضيحات
-
10 أشخاص من الطائفة العلوية ضحايا مجزرة ارهابية وسط سوريا
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|