|
ظاهرة التحرش الجنسي ( الاساليب ، المؤثرات ، العلاج )
وليد المسعودي
الحوار المتمدن-العدد: 4024 - 2013 / 3 / 7 - 17:07
المحور:
ملف التحرش الجنسي ضد المرأة في الدول العربية - بمناسبة 8 آذار/ مارت 2013 عيد المرأة العالمي
تظهر لغويا كلمة " حرش " و تحرش " ضمن معان متعددة منها ما يدل على الخشونة والخدش والصيد والتعرض للشيء من اجل هياجه ، وهي مفردات ربما قد تكون ، ذات استخدام مزدوج من حيث التعامل بين الإنسان والحيوان ، إذ يقال " حرشه – حرشا : خدشه ، والدابة حك ظهرها بعصا لتسرع ، والصيد هيجه ليصيده ، و" تحرش " به : تعرض له ليهيجه ، والحرش : الأثر : اثر الجرح يبرأ ولا ينبت مكانه شعر أو وبر " ( المعجم الوسيط / مكتبة الشروق الدولية / جمهورية مصر العربية / الطبعة الرابعة ، 2004 ، ص 166 ) وهكذا تكون مفردة التحرش متضمنة من حيث الجوهر تعاملا غير مدنيا وإنسانيا من خلال ارتباطها بصفات وخصائص بدائية استخداما ومصطلحا ، ممارسة وسلوكا . وظاهرة التحرش الجنسي كممارسة وسلوك اجتماعيين ضد المرأة في الدول العربية ، ناتجة بسبب عوامل متعددة منها : - 1- عوامل تاريخية : - وهنا أركز على تاريخ الذكورة والهيمنة الأبوية في التاريخ العربي الإسلامي ، ولو أمعنا النظر في التاريخ والماضي لوجدنا حضور المرأة من حيث الكرامة والمكانة والوجود ، محدود ومحدود جدا ، وبالتالي تأبيد لعناصر الذكورة والفحولة ، وإقصاء للأنوثة ومكانة المرأة ، فالأخيرة ناقصة العقل والدين وغير معترف بشهادتها وحقوقها مساوية مع الرجل ، وصولا إلى الصيرورة في خانة الاستهلاك للتكاثر والتمتع والاستخدام فحسب . هذه الصورة لم تتغير ، تفرض نفسها على واقع المجتمعات العربية بشكل عام والمجتمع العراقي بشكل خاص . 2- عوامل سياسية : - تلعب السياسة دورا كبيرا في تقدم الحقوق المدنية والإنسانية للمرأة ، والعكس هو الصحيح ، والسياسة تصيغ القوانين وتضع الأنساق الثقافية والاجتماعية ، وتمارس التأثير والحضور على المجتمع بشكل عام من حيث الإيجاب أو السلب ، والسياسة في عالمنا العربي مع الأسف قد فشلت في صناعة حداثتها أو هويتها الحديثة والمختلفة عن اطر الماضي القديم والمتخلف ، ولم تنتج سوى اليمين المتواصل الحضور في قمع الإنسان والحريات والتقدم ، من أنظمة قومية وإسلامية لا تحمل مشاريع البناء والتراكم للحقوق والكرامة البشرية ، بقدر ما تحمل من مشاريع الانغلاق والهدم بشكل متواصل ومستمر . وعوامل السياسة هنا لا يرسمها الداخل الاجتماعي من هويات قومية وطائفية فحسب بل هنالك الحضور والتأثير الدولي للقوى الرأسمالية الكبرى ، التي تتبجح دائما بحقوق الإنسان والحريات ، ولكنها تدعم وتكون وتساعد أنظمة في غاية التخلف والاستبداد والإهمال لحقوق الإنسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص . 3- عوامل ثقافية واجتماعية : - تؤثر العوامل الثقافية والتربوية في نشأة الأفراد والمجتمع بشكل عام ، على ظاهرة التحرش الجنسي بصورة مباشرة وغير مباشرة ، وذلك من خلال التصورات والقيم التي تحط من شأن المرأة داخل الأسرة والعشيرة والمجتمع ، فما دام التثقيف المدني الحديث غائب عن الحضور والتأثير تجد هذه الظاهرة في حالة استمرار وتواصل ، تعززها الطبيعة الاجتماعية المراقبة بشكل صارم لجميع تحركات المرأة وسلوكها ، فضلا عن وجود واستفحال ظاهرة الحجاب المادي والمعنوي على حد سواء ، تلك التي وسعت من دائرة الكبت الجنسي وحددت العلاقات الاجتماعية ضمن صور وأشكال في غاية التردي والتراجع عن المدنية والحضارة . فالكبت الجنسي وعدم الاختلاط والفصل بين الجنسين في المراحل التربوية الابتدائية والمتوسطة ، يعزز كثيرا من شذوذ العلاقات الإنسانية بين الرجل والمرأة ويجعلها تدور في دائرة المحضور والممنوع ، الأمر الذي يزيد من ظاهرة التحرش الجنسي ضمن أشكال وصور مختلفة ، خصوصا بعد أن ظهرت تكنولوجيا الاتصال الحديث " الموبايل " التي حولت العلاقة من الإطار المراقب والمكشوف إلى الإطار السري الخصوصي الذي لا يؤسس لعلاقة سوية بقدر ما يؤسس لعلاقة مشوبة بالخوف والانتهاك للممنوع والمحرم داخل سياق المجتمع .
مظاهر التحرش الجنسي
هنالك عدة مظاهر للتحرش الجنسي في المجتمع العربي بشكل عام والعراقي بشكل خاص ، وهذه المظاهر من الممكن أن تكون مادية وأخرى معنوية أو تكون ذات استخدام مشترك بينهما ، ففي المجتمع العراقي نتيجة لهيمنة العوامل سالفة الذكر ووجود تيارات سياسية غير معنية بمشاريع تطوير وبناء الشخصية العراقية بالشكل السوي والحديث ، ونتيجة تراجع مستوى التعليم وانحداره ، فضلا عن ارتفاع مستويات الأمية ضمن شكلها اللغوي والثقافي ، ولا ننسى هنا المؤثرات الاقتصادية من حيث وجود البطالة لدى الكثير من الشباب ، كل ذلك يجعل ظاهرة التحرش الجنسي متضمنة من خلال المظاهر المادية التي تتمثل بالاعتداء الجسدي ضمن وسائل متعددة كالخطف والاغتصاب والتجاوز الجسدي من خلال الملامسة في أماكن متعددة كالأسواق وعربات النقل وغيرها ، أما المظاهر المعنوية فهي تتعدد أيضا ضمن حالات لغوية وألفاظ نابية وجارحة إلى حد كبير ، تظهر بشكل مباشر وغير مباشر ، أي بشكل ظاهر للعيان والمجتمع وآخر غير مرئي بواسطة الاتصال والإزعاج المتواصل واستخدام شتى صور وعبارات الإساءة والتحرش الجنسي ، وهنالك أخيرا ما يجمع المظاهر المادية والمعنوية على حد سواء ضمن صور التحرش المسيئة ، والتي يشكل بقائها تراجعا كبيرا في نمو المجتمع وانتقاله من الشكل البدائي والقبلي إلى الشكل المدني والحديث .
مظاهر العلاج لا يمكن معالجة هذه الظاهرة وتجاوزها بسهولة ، في ظل هيمنة القوى اليمينية المتطرفة ، وهيمنة العوامل والمؤثرات سالفة الذكر ، إلا من خلال تحالف جميع القوى المدنية واليسارية والديمقراطية في تشكل سياسي ومطلبي يعمل ويباشر الدور الفاعل والمؤثر داخل المجتمع من اجل توسيع دائرة الحرية والمدنية والتقدم من خلال فرض وبناء القوانين الحديثة تلك التي تبيح وتقر الحقوق وتحاسب جميع المخالفات والإساءات الجنسية بحق المرأة ، ومظاهر العلاج ينبغي أن تمر من خلال المراحل التالية : -
1- مرحلة التعليم الأولي :- وذلك من خلال استحداث وتطوير مادة حقوق الإنسان في المراحل الابتدائية والثانوية وجعل قضية الحريات الأساس الحيوي بالنسبة لها ، تلك التي تشمل حقوق المرأة على وجه الخصوص ، من حيث المساواة والقدرة والإمكانية والقابلية والكفاءة .. الخ ، فمادة حقوق الإنسان تدرس بشكل ثانوي جدا ، مع مادة التربية الوطنية ، دون الأخذ بنظر الاعتبار الجانب النقدي والتطبيقي للواقع الاجتماعي ، فضلا عن امتزاجها أي حقوق الإنسان بالايدولوجيا السائدة للإسلام السياسي ، وهكذا نقول إن وجود مادة حقوق الإنسان بشكل منفصل وخاص وغير مصاحب للادلجة السياسية ، من شأنه أن يعزز ثقافة حقوق المرأة والحريات بشكل عام داخل المجتمع . 2- مرحلة التعليم العام : - وذلك من خلال التأثير على المجتمع وبث أيديولوجيا مغايرة للسائد ألقيمي والثقافي ، وذلك من خلال تجاوز الإعلام السلطوي ، الذي يخدم بقاء السلطة وديمومة وجودها المتخلف عن الحضور والبناء ، والتعليم العام يهدف إلى خلق أجواء عامة متسامحة وقابلة للاعتراف بدور المرأة داخل المجتمع ، وصولا إلى جعله نسقا ثقافيا واجتماعيا راسخ الجذور وغير مؤقت أو زمني محدد ، وذلك الأمر يعتمد كما أسلفت على تحالف القوى الديمقراطية واليسارية في بناء القوانين الحديثة والمدنية ، وترسيخها أكثر فأكثر داخل الوعي الاجتماعي والثقافي لدى الأجيال الحالية والمستقبلية على حد سواء .
#وليد_المسعودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البديل المناسب للمالكي
-
بريد باب المعظم
-
الطائفية والطبقة العاملة في العراق ( بديل وطني أم مصنع طائفي
...
-
سؤال في الهوية العراقية ( البحث عن علمانية راسخة الجذور والب
...
-
قواعد ثقافة الاحتجاج
-
صناعة المجتمع المفتوح ( مشروع يتجاوز الطائفية في العراق )
-
الملك المغتصب او العراق .. الى اين
-
الصوت الاخر في العراق .. ولادة عهد جديد
-
مثقف السلطة في العراق ( الوظيفة ، الاشكال ، المستقبل )
-
الجمهور القارئ وثقافة الكتاب .. المعوقات .. المستقبل
-
الوقوف على السواد
-
الثقافة العلمية بين الواقع والطموح (4 - 4 )
-
الثقافة العلمية بين الواقع والطموح (3 _ 4 )
-
الثقافة العلمية بين الواقع والطموح (3 - 4 )
-
الثقافة العلمية بين الواقع والطموح (2 - 4 )
-
الثقافة العلمية بين الواقع والطموح ( 1- 4 )
-
الانساق الثابتة والمتحولة في المعرفة والحرية
-
ثقافة الخطأ ومراجعة الذات
-
المدينة والفلسفة من القطيعة الى التواصل ( 1- 2 )
-
المدينة والفلسفة من القطيعة الى التواصل ( 2 - 2 )
المزيد.....
-
المدافن الجماعية في سوريا ودور -حفار القبور-.. آخر التطورات
...
-
أكبر خطر يهدد سوريا بعد سقوط نظام الأسد ووصول الفصائل للحكم.
...
-
كوريا الجنوبية.. الرئيس يون يرفض حضور التحقيق في قضية -الأحك
...
-
الدفاع المدني بغزة: مقتل شخص وإصابة 5 بقصف إسرائيلي على منطق
...
-
فلسطينيون يقاضون بلينكن والخارجية الأمريكية لدعمهم الجيش الإ
...
-
نصائح طبية لعلاج فطريات الأظافر بطرق منزلية بسيطة
-
عاش قبل عصر الديناصورات.. العثور على حفرية لأقدم كائن ثديي ع
...
-
كيف تميز بين الأسباب المختلفة لالتهاب الحلق؟
-
آبل تطور حواسب وهواتف قابلة للطي
-
العلماء الروس يطورون نظاما لمراقبة النفايات الفضائية الدقيقة
...
المزيد.....
|