باقر جاسم محمد
الحوار المتمدن-العدد: 1158 - 2005 / 4 / 5 - 10:06
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ما زالت الجريمة الإرهابية التي حدثت في مدينة الحلة تتفاعل و تفرز مزيدا من العقابيل التي طالت العلاقات العراقية الأردنية بشرخ كبير . و لم تستطع جهود رئيس الحكومة " المنصرفة ولايتها " من رأب الصدع الذي أصاب هذه العلاقات ، كما لم تتمكن من تهدئة الشارع العراقي . فالجريمة التي أدت الى مقتل 132 عراقيا و إصابة العشرات بجراح بليغة قد رفعت درجة الإحساس بالقوة الذاتية لدى الشعب العراقي في الداخل و الخارج بحيث تحولت الى علامة بارزة لعودة الوعي بقدرة الشعب و حركته في التأثير بالأحداث على نحو فعال انعكس على استجابة الحكومة العراقية التي وجدت نفسها مجبرة على مسايرة الشارع على أمل امتصاص حالة الغضب الشعبي الراهنة ؛ كما انعكس أيضا على رد فعل الحكومة الأردنية التي سارعت لإصدار بيان شجب للجريمة و أعقبت ذلك بالدفع باتجاه التهدئة و غض النظر عما حصل للسفارة الأردنية في بغداد و كذلك الى زج السيدة أسماء خضر الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية و السيد عبد الرؤوف الروابدة ، وهو رئيس حكومة سابق ، الى الإسهام في برنامج " قضايا ساخنة " على قناة العراقية يوم السبت الموافق 2/4/2005 و ذلك لطرح وجهة النظر الأردنية . و هذا يظهر الأهمية البالغة التي تبديها الحكومة في الأردن لهذه المسألة . و قد سبق ذلك ، و قبل ذلك بيوم واحد ، عرضت قناة العربية ، و من خلال برنامج " نقطة نظام " لقاءا مع منصور البنا ، و هو والد رائد منصور البنا المتهم في تنفيذ الهجوم الانتحاري الذي أوقع كل تلك الخسائر في الأرواح بين الأبرياء من أهل الحلة . ومن المهم أن ننظر الى هذا اللقاء التلفزيوني على أنه جزء من حملة الحكومة الأردنية لتبرئة نفسها و عائلة المنتحر من الجريمة لسبب جوهري و مهم جدا يتعلق بطبيعة قناة العربية التي يرأس مجلس أمنائها السيد صالح القلاب وهو من كان يشغل منصب وزير الإعلام في حكومة أردنية سابقة . و من المعلوم أن الحكومات الأردنية تعين و لا تنتخب ، فقناة العربية في هذه الحال سعودية التمويل و أردنية الإدارة . لذلك يحق لنا أن نلحق تقديم البرنامج المذكور لوالد المنتحر على أنه جزء من حملة حكومية شاملة لتطويق تفاعلات ذلك الحادث الإجرامي . كما يجب أن نلاحظ أنه لا عرض اللقاء مع منصور البنا في العربية ، ولا اشتراك السيد الروابدة و السيدة أسماء خضر في برنامج على قناة العراقية قد أفلح في تبديد الشكوك و الاتهامات ، بل يمكن الزعم أن ذلك قد أدى الى زيادة درجة الاحتقان في الشارع العراقي و ذلك خصوصا لما ورد في اللقاء مع منصور البنا الذي سنركز على ما ورد فيه من مغالطات لا تخفي على أحد من المراقبين ناهيك عن المختصين . و نحن إذ نكتب هذه المقالة فأن غرضنا الأساس هو الوصول الى الحقيقة التي نعتقد أنها السبيل الوحيد لإرساء العلاقات الأردنية العراقية على أسس سليمة . و لسوف نناقش ما ورد في لقاء السيد منصور البنا بعيدا عن التعصب أو وجهات النظر المسبقة . فماذا ورد في ذلك اللقاء ؟
لقد تمحورت أسئلة حسن معوض ، مقدم البرنامج ، على المحاور الآتية :
1. رأي الأب بمقتل ابنه رائد، وهل يعدّه شهيدا أم مقتولا في ظروف غامضة .
و في جوابه على هذا المحور ، قال أنه قد أعد ولده ليكون ( قائدا ) و ليتولى إدارة أمواله من بعده . ثم ذكر أن ابنه قد أتم دراسة اللغات و بعد ذلك نال شهادة في القانون . قد عمل موظفا في هيئة الأمم المتحدة . هذه المعلومة خطيرة جدا لأننا نعرف أن موظفي الأمم المتحدة إنما يعتمدون من بلدانهم التي تكون مسؤولة عن سلوكهم و ضامنة لهم ، فهل كان رائد منصور البنا موظفا في الخارجية الأردنية ؟
كما ذكر أنه قد عدّ ابنه شهيدا استنادا لحديث نبوي شريف يقول : من مات في بلاد غريبة فقد مات شهيدا . و هذا الرأي مردود لسببين : أولهما هو أن ابنه لم يمت موتا طبيعيا في أرض غريبة و إنما مات مقتولا ؛ و لا بد في هذه الحالة من معرفة سبب قتله فقد يكون مقتله معتديا لا معتدى عليه . و في هذه الحالة لا يمكن عدّه شهيدا . و ثانيهما أنني قد دهشت لأب يقيم عزاء لأبنه استنادا الى مكالمة هاتفية مجهولة المصدر و غامضة التفاصيل ؛ فحسب زعم الوالد فإنه لم يكن يعرف المتكلم و لا مكان مقتل ابنه فكيف اقتنع بوفاة ابنه؟ . فالأب في هذه الحالة لن يقيم مأتما إلا إذا كان واثقا من واقعة الوفاة و سببها و مكان الجثة . و أنا أعرف حالات لآباء رفضوا إقامة مأتم لأبنائهم لسنوات و لحين التحقق تماما من واقعة الوفاة .
2. ما يعرفه الأب عن سفر ابنه بداعي العمل بصفة مترجم في إحدى الشركات في السعودية ، ثم اكتشافه لاحقا أن ابنه قد قتل في العراق .
لقد كانت هذه من نقاط الضعف الأبرز في أقوال الأب . فهو يزعم أن ابنه قد سافر الى السعودية للعمل بصفة مترجم في إحدى الشركات . و قد نسي قوله في بداية اللقاء أنه كان يعد ابنه ليكون قائدا و ليخلفه في إدارة أمواله . و الرجل حسب ما زعم ثري أو رجل أعمال بحيث أنه قد أجرى بحثا ، و هنا رفعه أمام الكاميرا ليؤكد صحة كلامه ، و كلفه أجراء ذلك البحث ثلاثمائة ألف دولار . و رجل يصرف مثل هذا المبلغ على بحث علمي لا بد أنه يملك الملايين من الدولارات و لديه من الأعمال ما يوجب تكليف ابنه بها خصوصا و أنه كان يعده لذلك ، و ليس تركه يسافر الى السعودية من أجل العمل بصفة مترجم مثل الناس الغلابة. كما أنها زعم بكونه كان يجهل أن ابنه قد توجه للعراق بدلا من الذهاب الى السعودية للعمل . و أنه كان يسأل عنه فيقال له أنه بخير . و نعرف جميعا أن رجلا بهذا الثراء لا بد و أنه يمتلك هو و ابنه هاتفين محمولين ، و لذلك فأن من السهولة بمكان أن يخاطب بعضهما الآخر . و قد تعني أقواله هنا أن هنالك مشكلة أسرية أدت الى قطيعة بين الوالد و ولده و لم يرد الوالد أن يتطرق إليها .
3. ملابسات تلقيه لخبر مقتل ابنه .
لقد سبق لنا ذكر زعم الوالد أنه تلقى نبأ مقتل ابنه في العراق من ثلاثة أشخاص مجهولين و قد ذكروا له ثلاثة أماكن محتملة لوجود جثمان ابنه هي : صحراء الموصل و بغداد و الجهة الغربية . لكنه لم يذكر شيئا عن كيفية وصوله الى درجة اليقين بمقتل ابنه بحيث يقيم له مأتما أو عرسا !
4. ملابسات إقامة مجلس العزاء/العرس .
لقد زعم الوالد أنه لم يكن يعرف ما يدور حوله أثناء المأتم لشدة ذهوله من المصاب الذي ألم به . و لكنه تذكر حضور الصحفي الأردني الذي كتب في جريدة الغد عن المأتم/ العرس على الرغم من الزحام ! كما أنكر أن الصحفي المذكور قد أجرى معه لقاءا و نشره بعد ذلك مما أدى الى انكشاف صلة ولده بحادث التفجير في الحلة .
5. لقاء السيد منصور البنا بثلاثة صحفيين : أمريكي و أردني و عراقي و ما ورد في مقالات هؤلاء من أقوال منسوبة للسيد البنا .
و يرتبط تحليل أقوال السيد منصور البنا في هذا المحور بالمحور السابق حيث أن صحفيين أثنين آخرين أحدهما أمريكي و آخر عراقي قد أجريا مقابلتين معه و أثبتا أقوالا مشابهة لما ورد في لقائه بالصحفي الأردني . و لكن السيد البنا أنكر ما ورد في هذه المقابلات جملة وتفصيلا . و هنا نتوقف من الدهشة ؛ فما هي مصلحة هؤلاء الصحفيين الثلاثة الذين هم من بلدان مختلفة في افتراء مثل هذه المقابلات ؟ و كيف نسجوا أقوالا متشابهة و نسبوها لوالد مفجوع بابنه ؟ و كيف ورد ذكر مدينة الحلة في المقابلات الثلاث ؟ و إذا كان هناك من يكيد للسيد البنا وقد استخدم هؤلاء للنيل منه ، فكيف يفسر أنه لم يقدم شكوى ضد الكاتب الأردني باعتبار أنه يعيش في الأردن ؟
لقد كانت إجابات السيد منصور البنا متناقضة . و هو أمر لاحظه مقدم البرنامج نفسه . وهي لا تجيب عن أسئلة كثيرة . لذلك نقول أنه في الوقت الذي لا نعتقد بوجود مصلحة للحكومة الأردنية في هذه المسألة ، فأننا نعتقد أيضا إن القضية قد خرجت من الإطار القانوني المحض لتدخل في الإطارين السياسي و الأخلاقي. لذلك نقول أن للحكومة الأردنية دورا مهما تلعبه لتسوية هذه المسألة بما يضمن عودة العلاقات الأردنية العراقية الى سابق عهدها و ذلك عبر التحقيق في صلة الأب بالحادث و التثبت من عدد من أضيروا به لضمان حقوق الذين استشهدوا أو جرحوا في هذا الحادث المروع . و هم الذين تركوا عوائل و يتامى . و ليكن موقف الإنصاف و العدل هو الذي يدفع الجميع في هذه المسألة الخطيرة .
#باقر_جاسم_محمد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟