أعداد وأسماء كثيرة اشتغلت ضمن برنامج النظام الغرائبي وأقول "الغرائبي" لصعوبة وضعه ضمن تعريفٍ اعتدنا التعامل معه فهو غريب حتى على التوليتارية أو الدكتاتورية . . وهنا إشكالية تحتاج الى تعريفات ومفاهيم جديدة لخلق مقياس معرفي جديد للتعامل مع أغرب نظام في المثيولوجيا وفي التاريخ، بل انه خليط من كلّ مساوئ النظم مجسدة في غرائبية دموية تتخذ من الإرهاب البدائي وسيلة مدعومة بكل التقنيات عالية العنف موظفةً لها الاقتصاد النفطي القوي والأذرع الأميبية التي دخلت الى كل مجالات الحياة الإنسانية في العراق فجردت إنسانه من كل عوامل المقاومة الطبيعية للإنسان مقارنة في التكوينات الأولى بل مقارنة بالعصر الروماني الذي اعتمد التفوق العسكري الفروسي مقياساً للفرد والأمة. أما النظام في العراق فأعتمد خيانة الآخر مقياساً للعضوية فيه فاتسعت مساحة الغدر شاملة كل مساحات التعامل الإنساني في الجيش والعمل، الجامعة والصداقة وصولاً الى العائلة العراقية التي تميزت بتماسكها.
واذا كان الإغريق قد أسسوا فروسية الذهن المعرفي فنشطت حقول السؤال الذي استمر يغذي الفلسفة الحديثة كأهم المراجع في الفكر الإنساني . . فأن النظام في العراق جرّد الإنسان من تاريخه ومعرفته بل جعله من غير جلد ثقافي تُدخل أعماقه أنى يشاء، فالإنسان في تعريف النظام هو الموجود لخدمة الرسالة التي لا يعرف فحواها أحد. وإذا كانت التطبيقات الستالينية للشيوعية قد دعمها موقفها القوي من النازية فهذه الستالينية هي التي قادت الى المشهد المأساوي للشيوعية واليسار في العالم الراهن . . بأدائها السيء وقراراتها وفهمها التوليتاري للقيادة وتفسيرها المريض للماركسية وموقفها المناهض للعدالة والجمال، كل هذا ولم تحقق الستالينية الوصول التفصيلي الذي وصلت اليه غرائبية النظام في العراق.
وإذا كانت الإمبريالية وسقوفها الواطئة وعولمتها غير المنصفة وراهنها الذي يشير الى تقليص مساحات الفكر وأنا أتحدث على مستوى الفكر الإنساني الحديث . . هذه الإمبريالية لم ترتكب بحق شعوبها جريمة يمكن مقارنتها بجرائم النظام في العراق.
أعداد وأسماء كثيرة اشتغلت ضمن برنامج النظام الغرائبي وانسحبت منه في فترات ولأسباب مختلفة ومجهولة بينهم الضابط الذي لم يتوان عن رش طحين الحب الكيمياوي على أكراد العراق ولم يتوان ايضاً عن تدمير الجنوب العراقي وتطييب مياهه بالسم الكيمياوي أو بالتهليس اليومي لريش الوسط ثقافة ومكاناً.
بين هؤلاء الكاتب والشاعر وكلهم تم استقبالهم بموقف ينم عن التسامح . . وبمواقف أخرى غامضة وأخرى ذات دفع عربي سوري وخليجي ولم يُطالب هؤلاء بالاعتذار من الشعب أو بالاعتذار البسيط من ضحاياهم . . مما جعلهم يسبحون في غيّ غريب رغم سجودهم أمام المخابرات العربية وأمام الشيوخ والأمراء بل استبسلوا في كتابة ملفات مزيفة في مكاتب الأمم المتحدة . . فالشاعر الشعبي الذي كان يكتب وينشد لصدام ( الشمس تطلع من العوجة ) و (يموصّل الخبزه لكل فقير ) أصبح لطّاماً شيعياً من الطراز الأول ونسي انه من حملة المسدسات الفضية التي كان يشهرها في وجه المثقفين العراقيين باعتبارها مسدسات عدي المعفية من الضرائب ( . . . ) أما الذي اختار تدوين اعترافات سطحية فيريدنا ان نقرأه كما قرأنا جان جانيه أو أندريه جيد رغم الاختلاف العظيم بين صنّاع الأسئلة وبين صنّاع الابتذال والطاعة. . لم يعترفوا بالكيفية التي حولوا فيها مكاتب الثقافة الى مكاتب تحقيق ودعارة . . لم يعترفوا كيف دلّوا صدام وعدي على درابين المثقف العراقي ودهاليزه اللغوية والمسلكية التي أصبحت عرضة لاقتحامات التأويل المخابراتي. . لم يعتذروا للثقافة العراقية التي أشبعوها تشويهاً ومثّلوا بكتّابها وأستهانوا بالحس العادل الذي يدفع حروفها الى فم الطفل ويلوّن رداء الأمومة بالجلال. . لم يعترفوا بعدد ضحايا أقلامهم وتقاريرهم ولم يخبرونا عن أسباب انتدابهم الى الدول أو الى المعارضة أو الى الوهم . .
لقد شيدوا ثقافة القتل والعنف التي لم تخطر ببال جوزيف كونراد صاحب رواية قلب الظلام فمن جريدة بابل ومسدسات عدي التي لا ضرائب عليها الى الواقفين على أبواب لؤي حقي وأدبه الشبابي والناكتين الذنوب العالقة على جاكيت حميد سعيد وغيره.
أما الأستاذ حسن العلوي الذي انتقل من رئاسة تحرير ألف باء "الحكومية" الى رئاسة المؤتمر "المعارضة" لأسباب هي الأخرى مجهولة في سبب تفضيله على قائمة من آلاف الكتّاب العراقيين وعلى الضفتين (. . .)
يطالعنا الأستاذ بعموده الأسبوعي في جريدة المؤتمر بحديث عن الرُبعية والرُبع والرُبيعي وهو حديث لا يخلو من خبرة التشويق ولا من الهدف الذي يقول بأنه من سكان الشط البغدادي الممتد من جهة الرصافة وتفاصيلها من العباسية والمجلس الوطني الى قاعة الخلد ومدرسة الوطن (وهي مدرستي) والتي أصبحت متوسطة المستنصرية (وهي مدرستي أيضاً) وكيف تم ترحيل سكان هذه المنطقة بتعويضات غير منصفة، ويخبرنا حسن وهنا بيت القصيد بأنه استقبل وفداً من سكان تلك المنطقة في مكتبه اللندني إذ أن قربه من الحكومة الجديدة (إنشاء الله ) أو هكذا تقول رائحة الحروف سيسهل عودتهم وهو الى بيوتهم وعلى الشط ( . . )
لا يخبرنا "العلوي" ومعذرة لشيخنا الجليل "هادي العلوي" عن الوقت الذي استولت فيه الحكومة على بيته ليسكنه زبانية النظام وهل هي الفترة التي ألّف فيها "رائعته" مائة ساعة مع السيد الرئيس أم الفترة التي كتب فيها تاريخ آل سعود كي يصيب مقتلاً من المرحوم وأسمه ناصر آل سعيد الذي كتب تاريخهم، وبالمناسبة المرحوم الشهيد الذي اختطفته الأسلحة الثورية من بيروت وسلّمته الى السعودية ليتم إعدامه كان صديقاً للمعارضة العراقية وبالأخص الفقيد الشيخ هادي العلوي ( . . . )
ولم يحدد لنا الأستاذ واقعة إخراجه من بيته فهل تمت حين غادر موفوداً الى سوريا أو الى غيرها وقرر عدم العودة أم خلال توليه رئاسة جريدة المؤتمر . . ؟
كل هذه الأمور يتوجب ذكرها في موضوع العودة الى الشط للبرهان ولتضييع الفرصة على أمثالي من أبناء الأرصفة الذين يكنون حقداً لمدمني الشطوط وخصوصاً الذين أدمنوا الموالاة فمن شط الحكومة الى شط المعارضة مروراً بشطوط الشيوخ والأمراء وتاريخهم الذي صار "قوت الأرض" للكتّاب المرتزقة . .
(ومعذرة لأندريه جيد وللجليل هادي العلوي ثانية)
وما على الأستاذ حسن إلا التواضع فالحقائق هذه الأيام تتنفس في كل مكان . .
حتى في بيت السيد الرئيس . .