|
التخلف يضاعف أعباء المرأة ويفاقم همومها
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 4023 - 2013 / 3 / 6 - 10:09
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
التخلف يضاعف أعباء المرأة ويفاقم همومها التخلف الاجتماعي عش دبابير لسعاته وسمومه تصيب المرأة بالقسط الأوفر. إن جوهر مشكلات المرأة يكمن في التخلف الاجتماعي، حيث تتداخل العديد من الاختلالات الاجتماعية والثقافية وتتشابك في الكيد للمرأة وامتهانها. مظاهر الهدر الاجتماعي وأشكال القهر والاستغلال والتجهيل، التي تشكل المعالم الأبرز لمجتمع التخلف تصيب النساء بقوة مضاعفة، وترتد على المجتمع بخسائر فادحة. تسود علاقة الهدر والقهر بين الحاكم والمحكوم في مجتمعات الاستبداد فتتغلغل العلاقة بكل أبعادها في مسامات المجتمع وتجير ضد المرأة داخل الأسرة وفي العمل كل ما يتمخض عنها من قسوة في التعامل وتحيز وجور فتكابد أكثر من الرجل عواقب الأزمات الاقتصادية والسياسية والثقافية. وأسوأ ما يتربص بالمرأة وذويها العار. العار أفدح شر قد يلحق بالأسر في مجتمعات التخلف يكمن في ما يلحق بالمرأة من سوء، سواء بإراداتها أو بالإكراه. سمعة المرأة مصدر قلق دائم يتهدد المكانة الاجتماعية للرجال بغض النظر إن لحقت بها بالحق أو بالباطل ، ابتليت به أو أقدمت عليه بمحض إرادتها. والغريب أن استبداد الحكم والتجسس للعدو وبيع الأرض للمستوطنين وكل مظاهر الفساد والتقصير في العمل العام واستغلال العمال والبطالة الواسعة بين الشباب واكل السحت وكذلك النفاق والتسلق وغيرها من الانحرافات الشائعة لا تدمغ بما تدمغ به امرأة تخطئ التصرف وينصب عليها تأثيم مواعظ الناطقين باسم الدين. فهؤلاء يركزون على تجريم المرأة ؛ وفي نظرهم تبدأ كوارث المجتمع عقابا على انحرافات النساء دون الرجال بطبيعة الحال. ولى انتكاسة الحركة الوطنية في فلسطبن تشكلت فرق الشباب تفرض الإرهاب على النساء والفتيات وتلزمهن بوضع الحجاب، وشرع لدعاة يفرضون وجودهم كضرورة اجتماعية من خلال حملات فرض الحجاب، ليدخل الحجاب الجامعة والمعاهد العلمية العليا والمدارس كشكل للسيطرة الذكورية، وكمظهر لانحسار موجة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. دخلت الثقافة الاجتماعية مقولة " سد الذرائع"لتحمل في طياتها هوسا إرهابيا يحيط المرأة بالمحرمات ونذر العار. فكل ما تقوم به المراة يؤول إلى الزنا ؛ والمرأة مصدر الغواية وجسد للمتعة والمسئول الوحيد عن الخطيئة. وحيث أن العار أخطر الدواهي التي تقلق الرجل ، خاصة الشريحة العريضة من متوسطي الحال في المجتمع العشائري، فإن المرأة تختزل مشاكل الأسر والمجتمع في الإطار الأوسع. وفي تقاليدنا العشائرية، حيث يبرر خروج المرأة للعمل في الحقل يتعاطف الرأي العام مع "صياحة الضحى" إذ أنها ، أثناء التحرش بها وقت الضحى، تكون متوجهة لعمل خارج البيت ؛ ويسقط العذر المبرر لو كان التحرش في وقت آخر . ولكم اقتضت منه شجاعة فائقة حين جلس الزوج في برنامج "آخر النهار" التلفزيوني المصري، الذي قدمه الإعلامي المتميز محمود سعد، يسرد حكاية زوجته التي اغتصبت أثناء وجودها في ميدان التحرير. بشجاعة يغبط عليها قال أنه عرف أن خمسة وعشرين وغدا تعاقبوا على زوجته؛ وبدرجة عالية من الوعي الوطني برر لها وجودها بالميدان للتظاهر . أكد أن واجبها الخروج والتظاهر في ميدان التحرير، وأكد بذلك تحميل المعتدين وزر جريمتهم النكراء. في هذا البرنامج شهد جمهور البرنامج ذروة الشجاعة والاستقامة والمسئولية في تقييم حدث فظيع مروع. فالعار لحق بالمجرمين المعتدين وبمن حرضوهم على الفعل الشائن انتقاما من جماهير الثورة المصرية، وخدمة للثورة المضادة. الدعاة والوعاظ يتجاهلون كل المفاسد الناجمة عن تصرفات معسكر المحافظة وسياساته ، وعلى الأخص ما يفرز التحلل الاجتماعي ويولد المكاره الاجتماعية مثل الاقتصاد الطفيلي ومظاهر الفساد في الإدارة السياسية والاقتصادية والثقافية. يدرك رجال الدعوة مدى قلق الرجال من العار فيلحون على سلوك المرأة وسيلة لكسب اهتمام المجتمع . السلفيون يختزلون مشاكل المجتمع في المرأة . لا يوجد فقر ولا بطالة ولا تعليم رديء أوشح موارد أو تخلف إنتاج، لا شيء بالمرة يجلب الاختلالات الاجتماعية سوى المرأة. غير أن الداعية من السعودية محمد العريفي، الذي لا يشذ عن النهج، يجيز ل "مجاهديه" في سوريا استباحة السوريات فوق سن الرابعة عشرة. زواج لمدة ساعة حتى يتاح للجميع تفريغ توتراتهم الجنسية في الضحية!! يبدو ان الداعية من علية الملأ ؛ فقد دعي لحضور مؤتمر إسلامي دولي في سويسرا، لكن حكومتها منعته من الدخول بسبب ما روي عنه من موقف همجي تجاه المرأة . الداعية المؤمن جدا يستبيح سوريا بأجمعها وليس نظام حكمها. يرخص للجماعة ممن توترت شهوتهم الجنسية استباحة من يوقعهن حظهن العاثر بين أيديهم. فإذا كان الاحتشام والطهر واختيار شريك الحياة والتمتع بحياة زوجية تنجب الذرية من جملة الواجبات والحقوق التي تليق بالمرأة فكيف يجيز الداعية لدين الله افتراس القاصرات العذارى والكواعب ممن يوقعهن الحظ العاثر بين أيدي قطعان المرتزقة ؟ أم أن احتشام المرأة مجرد ذريعة لأمثال محمد العريفي للاستيلاء على وعي الجمهور وتسريب أفكار تزين له الفجور وتبرر له كل موقف بهيمي يصدر عنه؟ النص المقدس يحض الرجال على التقوى وغض البصر وعدم قذف المحصنات؛ كما فرض عقوبة على كل من يقذف المرأة بالباطل، حتى ولو كانت شهادة غير مدعومة بثلاثة أمثالها. يتجاهل الدعاة كل هذا ويواظبون على تجريم المرأة من على المنابر على مدر الساعة؛ فجرى إحياء منظومة علاقات وتقاليد تتصل بالعصر الوسيط تكلف المرأة حريتها وإنسانيتها . وتغدو الخسارة أفدح عندما تقتنع المرأة بدونيتها وتبعيتها للرجل وتمضي شوطا في تثبيت هذه الثقافة داخل الأسرة وإكراه البنت أو الشقيقة الصغرى على الخضوع والقبول بدونيتها . تتجاهل الدعوات والمواعظ الدينية أو تجهل في الحقيقة والواقع، أن توليد فرص العمل يتم عبر نظام يدعم التنمية الاجتماعية ويعزز بالديمقراطية حقوق الأفراد نساء ورجالا. تتجاهل ذلك أو تجهله فتلح على حلول قاصرة لمعالجة أزمات البطالة والركود الاقتصادي العام وتنقية المجتمع من الاختلالات الاجتماعية. فحيث تبرز الآثار الاجتماعية للتبعية الاقتصادية ، خاصة البطالة ، يرفع الدعاة أصواتهم ضد عمل المرأة . ولتخفيف وطأة البطالة يطلب الدعاة من النساء الاحتجاب في بيوتهن، شاهدين زورا أن الفساد والإفساد مبعثه عمل المرأة، وليس سوء الإدارة الاقتصادية ونهج اقتصاد الليبرالية الجديدة. يغفل هؤلاء الجهلة أن المرأة العاملة أقدر على تربية الأطفال من المرأة المرسومة للعمل البيتي الذي يبلد الذهن . والمرأة العاملة أكثر تأهيلا لإعداد أبنائها لدخول الحياة الاجتماعية باقتدار وثقة بالذات. والمرأة العاملة أشد حرصا وأقدر من الزوج على سلامة الحياة الأسرية واستمراريتها ورفاهيتها. والمرأة تعيد للمجتمع كل ما تتلقاه من معاملة ، قهرا بقهر أو اعتزازا باعتزاز؛ فهي التي تصنع المجتمع سواء بنماذج إيجابية أو سلبية . في ظل نهج تجنى على المرأة أسفرت برامج تمكين المرأة عن خيبة وعبث بدون طائل . فقد خرجت دراسة موضوعها " الطريق إلى تحرر المرأة" أعدها الباحثون مهند عبد الحميد وسمر الأغبر ومحمد الأسمر وصدرت عن مركز فؤاد نصار لدراسات التنمية.. خرجت باستخلاص مضمونه أن "كل البرامج التمكينية للمرأة التي أدارتها مؤسسات المجتمع المدني لم تسفر عن تغيرات ذات شأن في حياة النساء الفلسطينيات ، وأن حقيقة ما يجري في الأراضي الفلسطينية في موضوع تمكين المرأة لا يتعدى مفهوم المساعدة أو الإغاثة الموسمية التي تلطف من حدة الصراع وتساهم في تفتيت القوى الاجتماعية وعزل النضال الاجتماعي والاقتصادي عن النضال السياسي "، والمقصود إنهاء الاحتلال. كان الدكتور هشام شرابي قد خلص في كتابه " مقدمة لدراسة المجتمع العربي" إلى القول بإن مفتاح الحل للتغيير الجذري يكمن في التحول نحو النظرة الإيجابية للمرأة ومساواتها بالرجل وتحرير عقلها من الخرافة والتقليد. فمن المستحيل أن يتغير المجتمع العربي ما دامت المرأة في وضعها الراهن ، وذلك لأنها هي التي تصنع الإنسان العربي. وطالما أن المرأة لم تتغير بعد فإن المجتمع العربي لن يتغير. المرأة تتطلع إلى الديمقراطية وترى في التقدم حلولا لمشاكلها.
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التمزق الفلسطيني لمنفعة إسرئيل
-
حركة متعددة القوميات من أجل دولة غير صهيونية بفلسطين
-
برنامج التطهير العرقي لم يرفع من جدول الأعمال
-
فرض علينا اعباء اكثر مما منحنا امتيازات
-
شهوة الدم الفلسطيني .. أهداف ودلالات
-
ذراع إسرائيل تطال المنطقة وتنذر بفواجع شاملة
-
خواطر في ذكرى وعد بلفور
-
انتخابات في الولايات المتحدة
-
حاتم الجوهري و-الصهيونية الماركسية
-
محكمة راسل في جلستها الرابعة بنيويورك
-
كعب اخيل السياسات الإسرائيلية
-
برز أوباما في ثياب الواعظين
-
مهما حملت الصناديق فالمحافظون الجدد هم الحكام
-
أمية تناطح العلم وجهل في معركة الحضارة
-
نحو تغيير جذري يعزز عوامل الصمود وهزيمة الأبارتهايد
-
وجه الأبارتهايد الكريه
-
مشروع دولة إسرائيل الامبريالية العظمى 3
-
مشروع إسرائيل دولة امبريالية عظمى2
-
المشروع الصهيوني من اجل دولة إسرائيل الامبريالية العظمى
-
تشومسكي: تأملات في الصهيونية وتشابكاتها الامبريالية 3
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|