|
نقد اليسار المغربي من الداخل
مهدي الحبشي
الحوار المتمدن-العدد: 4022 - 2013 / 3 / 5 - 17:32
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
كما هو معلوم فان النضال هو أرقى الأشكال التي يتخذها طموح شعب أو فئة اجتماعية من أجل الحصول على واقع أفضل من المعاش. و لعل كل فئة متضررة تتخذ لنضالها هذا تسمية معينة تبرز هويتها و مطالبها، و كلما كانت المطالب كبيرة كلما كان النضال قوياً و محتدماً. اليسار و هو الممثل الشرعي، مبدئيا، لنضال الطبقة الكادحة أو العاملة و التي أثبتت التجارب التاريخية أنها دائماً ما كانت الأكثر تضرراً من أوضاع المجتمعات، و لا يستثنى من ذلك المجتمع المغربي، يشهد اليوم ركوداً كبيراًَ على مستوى الحضور في الساحة السياسية المغربية، بل يشهد كذلك انحرافاً على مستوى أدواره النضالية الأساسية، كما يعرف انقساماً لا يخدم مصالحه و مصالح الذين يمثلهم.
من حق كل فئة اجتماعية أن ترفع صوتها معلنة عن مطالبها و أن تدافع عنها بشراسة و تناضل من أجلها، إلا أنه و بحكم منطق الهرم الاجتماعي فان نضال اليسار ينبغي أن يكون الأكثر حضوراً و قوة من بقية الفصائل، فلا الطبقة البرجوازية التي يمثلها اليمين و لا المتدينون المنضوون تحت لواء التيار الإسلامي... متضررون من التقسيم الطبقي بالمجتمع بقدر ما هي الفئة الشغيلة التي لها حصة الأسد من تداعيات الواقع الاقتصادي و الاجتماعي السيئ و التي يفترض أن يمثلها اليسار. و أقصد هنا بالفئة الشغيلة : ليس فقط العمال، بل كل من لا يملك غير قوة عمله مقابلاً للحصول على أجره و عيشه أي حتى العاطلون، مما يلقي على كاهل الأحزاب و التنظيمات التي تدعي التوجه اليساري عبئاً أكبر، فهي من حيث المبدأ يجب أن تناضل من أجل تحسين ظروف العمال و في نفس الوقت تشغيل العاطلين عن العمل، الفئتان اللتان تقعان في سفح الهرم الاجتماعي. من هذا المنطلق فان أولوية اليسار المغربي في الظرفية الراهنة يفترض أن تكون هي العودة إلى جذوره و أصوله كمدافع عن حقوق و مصالح هذه الطبقة الاجتماعية و لسان حالها و نائبها السياسي، على عكس الحاصل حالياً حيث أصبحت التنظيمات التي تدعي الانتماء لعائلة اليسار تدافع عن قيم مبهمة كالعلمانية و الديمقراطية و التقدمية... مقابل تخليها شيئاً فشيئاً عن قيم الاشتراكية و ثوابتها المتمثلة في الدفاع عن العمال و مصالحهم و مواجهة كل أشكال خوصصة وسائل الإنتاج الحيوية و الضرورية لتوفير عيش كريم لعامة الشعب. و أصبح كل من هب و دب يدعي و يتغنى بالـ"تاياساريت" و بالاشتراكية غير آبه إلى كون الوقوف على رأس تنظيمي يساري هو تكليف لا تشريف، و أي تكليف.. فلا شيء أصعب من تمثيل " البروليتاريا " خاصة في مجتمع كالمغربي حيث الفقر و البطالة و معضلات اجتماعية أخرى مرتبطة بالهشاشة تفرض وجودها و بقوة. ثم إن الأمانة العامة لحزب أو تنظيم يساري يجب أن تناط إلى أشخاص ينتمون إلى الطبقة الكادحة، و هو السبيل الوحيد لضمان حماية مصالحها من جشع الرأسمالية لأن طبيعة الإنسان أنه يحب خدمة نفسه و بالتالي أوتوماتيكياً خدمة كل من يشاركونه الصفة الاجتماعية. و لذلك فانه من المستغرب في مغربنا تواجد مفاتيح بعض التنظيمات "اليسارية" التي تعد كبرى بمرجعياتها التاريخية بأيدي أشخاص ينتمون طبقياً إلى البرجوازية المغربية بل ربما لطبقة "الإقطاعيين المغاربة" نظراً لممتلكاتهم التي لا تعد و لا تحصى.. و لو أن الزعيم " لينين " أو احد زعماء اليسار عبر التاريخ شاهدوا هذه القيادات لوضعوها في خانة " العدو البرجوازي " الذي يتربص باليسار و بمصالح الفقراء و طبقة العمال. كما أن عراب الفكر اليساري كارل ماركس كان قد نادى إلى الوحدة و هو يقول " يا عمال العالم اتحدوا " مما يفرض على التنظيمات، التي تستوفي حقاً شروط الانتماء لأسرة اليسار، أن تفكر جدياً في الاتحاد و الاجتماع داخل تكتل واحد يساري قوي، و لا يهم حينها إن شهد هذا التكتل اختلافاً في الجزئيات بين تيار محافظ و تيار تقدمي مثلاً... مادام يشكل اختلاف تنوع و لا يمس المبدأ الرئيسي لأي تنظيم يساري و هو خدمة العمال و الفقراء. أما أن تتواجد عشرات الأحزاب اليسارية الاختلافات بينها جزئية فهذا يضر باليسار الوطني و ينخر قواه و يدخله في دوامة خلافية تصرف نظره عن أدواره الأساسية.
و يفترض على اليسار أن يترفع عن الدخول في نقاشات إيديولوجية مع تيارات إيديولوجية أخرى، لأنه في الظرف الراهن يستحسن أن يركز على الجانب الاجتماعي منه أكثر من الجانب الفكري، فهو إذن يمثل طبقة اجتماعية لا تياراً فكرياً، خاصة أن العمال و الطبقة الفقيرة من المجتمع المغربي قد تختلف إيديولوجيتها و لا تحمل بالضرورة كلها فكراً ماركسياً أو تقدمياً.
#مهدي_الحبشي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
-
نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا
...
-
-لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف
...
-
كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|