|
اجا الجراد عالبلاد
قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 4022 - 2013 / 3 / 5 - 16:49
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
أجا الجراد عالبلاد عميقا في مجاهل الصحارى تضع بيوضها حتى تتهيأ الظروف المناسبة لتفقس وتفرخ ، وقد تدوم فترة الانتظار سنوات ، لكن ما أن يهطل المطر حتى تدب الحياة في البيوض وتفقس عن اسراب عصية على التعداد ، اسراب تتشكل من عشرات الملايين من الحشرات الطائرة ، التي تبحث عن طعامها ، الموجود خارج الصحارى مواطنها الأصلية ، تبحث عن السهول الخضراءلتحيلها ما بين لحظة واخرى الى سهوب جرداء قاحلة . هذه هي اسراب الجراد الهائلة والمهولة. ويرتبط الجراد في الذاكرة الانسانية بالدمار ، الفقر والمجاعة ، فهو "يأكل الاخضر واليابس" ، كما يصفه اهلنا ، وهذه الصفة يتم اطلاقها على الطماعين والجشعين . ولخطورة اسراب الجراد كانت يتم الاعلان عن قدومه بالصراخ المشوب بالخوف من العواقب ، لكي يتم التحضير" لمقاومته " ، والتي كانت غير مجدية في اغلب الاحيان . ويتم استعمال هذ النداء ايامنا هذه ، بشكل مجازي لطيف ، فعندما يحضر عدد كبير من الناس او الزوار الى حفل " ويقضون " ، طبعا صحتين وعافية على قلوبهم ، يقضون على كل الطعام والضيافة الاخرى ، تتندر ست البيت بالقول " اجا الجراد عالبلاد " ، كناية لطيفة ومرحة عن كثرة عدد الزوار المرحب بهم (على عكس الجراد الحقيقي )!!!! وفي مواجهة هذا الخطر المحدق الوشيك يدافع الفلاحون عن لقمة عيشهم بالاساليب التي استعملها الاباء والاجداد ، فيشعلون الحرائق لعل دخانها يطرد الاسراب النهمة التي لا يبقي ولا تذر ، وهذا ما يصنعه الفلاحون المصريون ، اذ يشعلون الاطارات القديمة في وجه اسراب الجراد التي تغزوهم هذه الايام . وبمجرد الاعلان عن وصول اسراب الجراد ، تتهيأ الدول المجاورة "لاستقباله " كما يليق به !!! وتختلف الدول المتطورة في التعامل مع هذه الكارثة ، فالدول "النامية " تترك الموضوع للفلاح فهذا شأنه (واله الله )، بينما تقوم الدول المتقدمة بمقاومته بكل الوسائل التكنولوجية المتاحة ، أذ وبعد وصول الالاف الاولى من " طلائع الجيش الجرادي " الى جنوب اسرائيل ، حتى قامت وزارة الزراعة في الساعات الاولى من صبيحة اليوم الثلاثاء ،برش المناطق المتوقع "غزوها" بمواد مبيدة او طاردة ، وتحدث الخبراء الاقتصاديون عن الاثار المترتبة عن الغزو الجرادي على اسعار الخضار والفاكهة ، فيما لم تنجح الوسائل الدفاعية !!!!! على كل حال ، رغم اضراره البالغة للزراعة ، فقد اكله الفقراء كوجبة بروتين مغذية ، واستعمله رب موسى كسلاح في وجه فرعون ، ضمن واحدة من الضربات العشر التي انزلها الله على فرعون ، كما تحكي التوراة . وكما الجراد ومع هطول أمطار "الربيع " العربي ،خرجت من صحراء اخرى ، اسراب "فكرية " صحراوية ، وبدأت تجتاح المناطق الخضراء المحيطة بها ، لـتأكل الاخضر واليابس ، من منجزات حضارية بسيطة ، لتعيد المجتمعات الى عهد الجواري والغلمان، وترى في النموذج الوهابي السعودي ، خير نموذج لما وصلت اليه البشرية ، وخصوصا نموذج "المؤسسة الفكرية الرائدة " ، الا وهي هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، التي تحارب كل معروف وتدعو الى كل منكر . طبعا بادر السلفيون في البلدان التي سقطت فيها الانظمة المستبدة ، الى تشكيل هيئات مماثلة تعتقد وتؤكد على أن الثورة قامت من اجل تطبيق "شريعتهم " أو بالاصح "فهمهم " الخاص ، لو كان لديهم فهم اصلا !!! هذه الاسراب فقست في حاضنة الانظمة السابقة التي دللتها ، واتاحت لها الفرصة لغزو "الفلاحين " ومحصولاتهم ،دون مقاومة تذكر من القوى المحسوبة على التقدم ، بل تركت هذه القوى "الفلاح" وحده في مواجهة اسرابها ، التي زودته "بغذاء" ، على شكل طرود زيت وسكر ووجبات دسمة من "فكر" نشأ في صحراء ترى في العقل عورة ، وفي الوعي كبيرة من الكبائر !!!! والمأساة هي ان القوى المحسوبة على التقدم ، تكرر الوقوع في نفس الخطأ ، وتحديدا مما يجري في سوريا ، فالقومجيون يبررون للنظام الاجرامي كل جرائمه وموبقاته ، بحجة التصدي "للارهاب" والامبريالية ، وبحجة دعم نظام الممانعة والمقاومة !!! أما شركاء جبهة النصرة والوية السلفية "الجهادية " ، فأنهم يخطئون حين يظنون ،أنه باستطاعتهم السيطرة على هذه الجبهات والالوية بمجرد سقوط بشار المجرم ، ويبررون شراكتهم لقاطعي الرؤوس ، بأن عدوهم المشترك والوحيد هو بشار ونظامه . والحقيقة هي أن عدوالسلفية الوحيد هو التقدم ، التحضر ، والحريات الفردية ، ولو قام بشار والنظام السوري بالاعلان عن "تطبيق " شريعة ال سعود ، والتخلي عن محور روسيا والصين ،لاعلنوه اميرا للمؤمنين من بكره !!! وحالما يسقط بشار ونظامه ، يأتي الدور على القوى التي تؤمن بالحرية الفردية والتعددية ، وستتطاير رقاب المؤمنين بالحرية وحقوق الانسان بايدي قاطعي الرؤوس ، من النصرة وغيرها ، بألف حجة ومبرر. قبل ان يسقط بشار ونظامه ، على القوى التي تحارب من اجل الحرية والعدالة والتعددية الطائفية والعرقية ، أن تجفف مصادر التطرف من جذوره ! على هذه القوى أن تعلن بأن الخطاب الطائفي ، الاقصائي والقمعي ، سيتم قمعه بالقوة !!! والا فلا فائدة من تغيير بشار بأبي فلان !!!! تقوم الدول المتقدمة بمكافحة اسراب الجراد بضربات استباقية !!! فهل نتعلم الدرس ؟؟؟؟
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التفكيكية والربيع العربي!!!!!!
-
سجن الجسد
-
كرت أحمر في وجه -الخنزرة الرأسمالية -
-
رصيف ومحطة -قصيدة
-
التحرش والثقافة
-
الاعتداءات الجنسية كوسيلة للانتقام
-
الاعتداءات الجنسية ليس لها دين
-
موت الفقير -قصة من الواقع
-
هل انتهت الصهيونية حقا ؟
-
فيليباستر سلفي متواصل
-
المؤمنون بين مطرقة التطنيش وسندان التطفيش
-
شعب واحد ودولتان ....
-
سبعون وجها لها !!!!
-
يهود....وعنصريون ؟!!!!!
-
-العاقل - يحكي ... -والمجانين- يستمعون !!
-
الرحيل (1)
-
مساواة في الفقر
-
حضارة الهدم
-
من هو اليهودي ؟
-
صراع الاديان ...والحوار
المزيد.....
-
وفاة الملحن المصري محمد رحيم عن عمر يناهز 45 عامًا
-
مراسلتنا في الأردن: تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الإسرائي
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة بالضاحية الجنوبية؟
-
-تدمير دبابات واشتباكات وإيقاع قتلى وجرحى-.. حزب الله ينفذ 3
...
-
ميركل: سيتعين على أوكرانيا والغرب التحاور مع روسيا
-
السودان.. الجهود الدولية متعثرة ولا أفق لوقف الحرب
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|