مجدى زكريا
الحوار المتمدن-العدد: 4022 - 2013 / 3 / 5 - 14:13
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
من يتوقع ان يكون هذا الطائر بألوانه الدكناء ونعيبه الحزين , فريدا فبالنسبة الى غير الملمين بالطيور , يبدو من النظرة الاولى مجرد غراب اكبر من المعتاد. والغراب الأسحم لا يجذب الانتباه بسرعة كالقيق الازرق , نسيبه الزاهى اللون المكسو ثوبا ازرق براقا. وقليلون هم الذين يعتبرون نعيب الغراب الاسحم أغرودة , مع ان الطائر يصنف مع الجواثم , او الطيور الغريدة. ولكن لا تستهينوا بهذا الطائر , فما يفتقد اليه من تغريد عذب ومظهر زاهى الالوان , يعوض عنه كثيرا بطرائق اخرى. فللغراب الاسحم جماله وخصائصه الفريدة. وبالفعل , كثيرون من الخبراء بالطيور يصنفون الغراب الاسحم فى صف متميز.
ان الغراب الاسحم المألوف هو الى حد بعيد الاكبر والاكثر هيبة فى كل فصيلة الغربان. فيمكن ان يكون وزنه اكثر من ضعف الغراب العادى وطوله نحو ستين سنتيمترا (2 قدم) وبسطة جناحيه نحو متر (3 اقدام) ويختلف عن الغربان الاخرى فى ان له منقارا اضخم وذنبا طويلا اسفينى الشكل. ومراقبة الغراب الاسحم عن كثب تكشف ريش حلقه الكث والطويل الذى يحدد هويته. وفى الطيران , يشتهر بتحليقه , فى حين ان الغربان الاخرى تصفق بجناحيها وتنساب فى الهواء.
قليلة هى الطيور التى لها موطن واسع كالذى للغراب الاسحم. انه فى الواقع طائر جوال. فيمكن ان يوجد فى انحاء كثيرة من النصف الشمالى للكرة الارضية. وهو يعيش فى اماكن غير متشابهة ابدا كالمناطق الصحراوية , الغابات الصنوبرية لكندا وسيببيريا , حيث يبنى فى الاشجار العالية عشا معقدا من القضبان والمواد الاخرى المتفرقة , الجروف الساحلية فى اميركا الشمالية واسكندينافيا , والتندرا وجزر المحيط القطبى الشمالى. ويبدو ان البرية هى القاسم المشترك الوحيد لموطنه, لأن الغراب الاسحم طائر يعيش فى البرارى عادة.
وتبنى الغربان السحم اعشاشها بين الفجوات والصدوع فى الصخور بمحاذاة الوهاد. وقد استخدم الله الغربان السخم لطعام ايليا فيما كان مختبئا عند نهر كريث (ملوك الاول 17).
الغربان السحم طيور رائعة. فمن الممتع مراقبتها وهى تحلق دون جهد فى دوائر كبيرة متفحصة المنطقة تحتها بحثا عن الطعام. وهى تؤدى بسهولة العابا بهلوانية فى الهواء - اذ تقوم بشقلبات متواصلة وتطير ايضا لفترة قصيرة وهى منقلبة رأسا على عقب - خصوصا اثناء المغازلة. واحيانا لمجرد المتعة كما يبدو. يصف برنت هاينريخ براعة طيران الغراب الاسحم فى الشتاء : " ينقض ويدور كصاعقة سوداء نازلة من السماء او ينطلق بسرعة بحركات سلسة انزلاقية " ويضيف انه " مثال الكمال فى الهواء , واكثر. " وقيل ان قوة الغراب الاسحم فى الطيران كانت سبب اختيار نوح له كأول مخلوق يرسل خارج الفلك وقت الطوفان.
يعتبر علماء الطبيعة ان الغراب الاسحم هو الطائر الاكثر تكيفا واحتيالا من كل الطيور. وكما يقول احد المصادر , " ان دهاءه مشهور. " فمهما كانت الظروف التى يواجهها الغراب الاسحم , يستطيع ان يتغلب على تحدى التكيف مع الاحوال الموجودة , وخصوصا فى ما يتعلق بالطعام. وطبعا من المساعد ان لا يكون نيقا فى الاكل. فالغراب الاسحم يأكل اى شئ تقريبا تقع عليه براثنه - الثمار , البذور , الجوز , السمك , الجيف , الحيوانات الصغيرة , النفايات. وهو لا يجد صعوبة بشأن مكان عثوره على طعامه. حتى لو لجأ الى حفر الثلج ليغير على اكياس النفايات اثناء طقس تكون حرارته تحت الصفر فى الانحاء الشمالية لموطنه. وتتبع الغربان السحم ايضا الطرائد والاسماك طوال ايام. اذ تشعر بطريقة ما بأنها ستحصل فى النهاية على طعام.
الغرابيات , او اعضاء فصيلة الغربان , لصوص ذائعة الصيت. والغربان السحم ليست استثناء , فهى لا تحجم عن سرقة الطعام من الطيور او الحيوانات الاخرى وقد شوهدت تحتال على الكلاب. فكان اثنان منها يتناوبان - واحد يلهى الكلب فيما ينقض الاخر على طعامه ليأخذه. وتصور احدى القطع الفنية لشعب الانويت غرابا اسحم ماهرا يسرق سمكا من صياد يصطاد سمكا فى الجليد.
تربط الغربان السحم بالذئاب علاقة خصوصية , لأنها تتبع دائما اسراب الذئاب. وهى تأكل ما تفترسه الذئاب. ولكن هنا ايضا يبدو انها تتمتع بالقيام ببعض التصرفات الهزلية. يذكر دايفيد ميك , عالم احياء متخصص فى الذئاب. انه رأى غربانا سحما تمازح الذئاب. فيخبر قصة عن غراب اسحم مشى متمايلا تحو ذئب مستريح , نقر ذنبه , ثم قفز جانبا عندما هم الذئب بنهشه. وعندما طارد الذئب الغراب الاسحم, تركه الطائر حتى صار على بعد قدم منه ثم طار. وبعد ذلك وقف خلف الذئب على بعد اقدام قليلة وكرر المزاح. وتخبر رواية اخرى عن غراب اسحم يلعب لعبة المطاردة مع جراء الذئاب. وعندما تعبت الجراء من اللعبة , جلس الغراب الاسحم يوقوق عاليا حتى استأنفت الجراء اللعب.
تشير مجلة كنديان جيوغرافيك الى ان اذاعة راديوية من بلونايف. المقاطعات الشمالية الغربية , اخبرت عن غربان سحم جاثمة على السطوح المعدنية المائلة للابنية التجارية , منتظرة على ما يظهر ان يمر تحتها مشاة غير منتبهين كى تزلق الثلج المتراكم ليقع عليهم. فلا عجب ان شعب الهايدا فى الساحل الغربى لكندا يدعون الغراب الاسحم بالمحتال.
ان " مفردات " الغراب الاسحم كثيرة وكتنوعة بشكل استثنائى. فبالاضافة الى النعيب السهل التمييز , الخفيض , والقوى النبرات اكثر - الذى يفهم انه اشاره الى شعوره بالقلق - يقال انه ينطق بأصولت ليعبر عن الحنان , السعادة , المفاجأة , الاثارة , والغضب. ويمكن للغربان السحم ايضا , ضمن مدى صوتها , ان تقلد الطيور الاخرى فى صوتها , وهى تنتحل بشكل خصوصى شخصية اى غراب اخر ببراعة.
ان مدى امكانية تعلم الغربان السحم هو مسألة جدال بعض الشئ. لكن كاندس سافادج , تذكر فى كتابها ادمغة الطيور روايات مثبتة عن غربان سحم أليفة تعلمت ان تقلد الانسان فى كلامه. ويقال ان الشاعر ادغار الان بو حصل على غراب اسحم ودربه جاهدا على النطق بنعيبه الكئيب بالكلمة الانجليزية nevermore مما اوحى اليه بكتابة قصيدته الشهيرة الغراب الاسحم, التى تصف شابا ينوح بسبب موت حبيبته.
وهناك بعض الجدال بشأن مقدرة الغراب الاسحم على التعلم. فلو امكن تصنيف الطيور بحسب ذكائها , لاحتل الغراب الاسحم , كما يبدو , رأس القائمة. يذكر عالم الاحياء الميدانى , برنت هايتريخ , ان الغراب الاسحم " يعتبر دماغ عالم الطيور " ويقول انه " عند الاختبار تعرب الغربان السحم عن نفاذ البصيرة. " ففى احد التجارب اكتشف غراب اسحم فى ست ساعات كيف يحصا على قطعة لحم كبيرة متدلية من حبل. فى حين ان الغربان الاخرى كانت لا تزال تحاول حل المشكلة بعد 30 يوما, وعلمت الغربان السحم ايضا ان تعد. وربما يساهم ذكاؤها فى عمرها الطويل. لأن الغربان السحم تعيش اكثر من 40 سنة فى البرية وحتى 70 سنة فى الاسر. طبعا ان اية مقدرات تكون لدى الغراب الاسحم يجب نسبها الى حكمة خالقه.
هذا الطائر معروف فى انحاء كثيرة , ويقدره اولئك الذين يدركون ميزاته الخاصة. وهو يظهر فى اساطير الشعوب حول العالم. وقد جعله كتاب الزمن الماضى والحاضر مشهورا. نعم , ان الغراب الاسحم هو طائر مثير جدا للاهتمام ولكن ماذا يمكن القول عن جماله ؟
ألم تسنعوا بشعر اسود كالغراب الاسحم ؟ (نشيد الانشاد 5 عدد 11) فثوبه الاسود اللامع الذى يتداخل فيه تموج من اللونين الازرق الضارب الى الرمادى والارجوانى - لدى الاجزاء السفلية احيانا مسحة اخضرار - يعطى معنى حقيقيا للكلمة " اسحم ".
حقا يمكن ان يقال انه فى الجمال , التاريخ , الموطن , الطيران , الدهاء , والقدرة الشديدة على الاحتمال , الغراب الاسحم طائر مميز.
دروس نتعلمها
هنالك دروس لنتعلمها من الغراب الاسحم. فقد كان ابن الله من قال : " تأملوا الغربان , انها لا تزرع ولا تحصد وليس لها مخدع ولا مخزن والله يقيتها. " (لوقا 12 عدد 24) فبما ان مسكنه هو غالبا فى الاماكن المقفرة , يجب ان يغطى مساحات شاسعة فى بحثه عن الطعام. وتختار الغربان السخم رفيقا واحدا طوال حياتها وهى اباء مخلصة. فعندما تبنى العش , يلزم ان تزود الطعام بأستمرار لاسكات الصراخ الاجش لصغارها الجائعة. وعندما علم الله ايوب درسا عن الحكمة التى يعكسها الخلق , ذكر الغراب الاسحم كمثال. (ايوب 38 عدد 41).
#مجدى_زكريا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟