|
مغالاة في تنميط الشخصية العراقية
كامل داود
باحث
(رويَ اêيçï المïèçل ئ الكêçè في الïيوçنيé)
الحوار المتمدن-العدد: 4021 - 2013 / 3 / 4 - 23:23
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
واحسرتاه على ما أصاب لكش وكنوزها .... ما أشد ما يعاني الاطفال من بؤس ... أي مدينتي ..متى تستبدلين بوحشتك إنساً ؟ في هذا المقطع الشعري الحزين المحفور على لوح طيني والذي كتبه شاعر سومري في منتصف القرن الألف الثالث قبل الميلاد ، يبكي الشاعر مدينته التي دمرت وأُبيد أهلها على أيدي الغزاة. فهل ورث العراقيون الولع بإدارة الخراب وحمامات الدم واجترار الحزن الثقيل من أسلافهم ومن ثم تلاقفتها أجيالهم جيل بعد جيل ؟ أم إن السجية تلك لا تعدو ان تكون نتاج عرضي للحضارة الرافدية كغيرها من حضارات بني البشر ؟ هذا ما حاول باقر ياسين الإجابة عليه في كتابه الموسوم " الإجتثاث ، ودكتاتورية العقيدة الواحدة في العراق ،من الألف الثالث قبل الميلاد الى الألف الثالث بعد الميلاد " وهو الكتاب الثالث بعد كتابيه ، الاول تاريخ العنف الدموي في العراق، والثاني شخصية الفرد العراقي وبه انهى ثلاثيته في دراسة العنف العراقي ، طارحا فيه القول بأن سلوك الاستئثار وحب التملك والتسلط هي أكثر الطباع البشرية شيوعاً ولكن هناك عدد من الاستثناءات في الخصائص العراقية لما تعرض له العراقيون من دكتاتوريات متعاقبة حولتهم إلى حقل تجارب للحكام واستهتارهم بأرواح الناس . في الفصل الأول من الكتاب يعرض ما جاء في المعجمات العربية من تعريف للاجتثاث في اللغة وهو القلع وفي المصطلح العزل والإبعاد والتصفية والإبادة ويتبنى هذا المعنى في تعريفه الإجرائي ،فيقول إن الاجتثاث مصاحب للتسلط العقائدي والفئوي ومنه النزوع الغريزي العدواني أما في الحالة العراقية فأن الاجتثاث في التاريخ العراقي موغل في القدم إلى حد تأصيل لعدد من الصفات المشتركة للاجتثاث في العراق: 1. العملية ذات أهداف محددة بزمان ومكان معين وتكون على شكل موجة حماسية تخف وتتراجع بعد الدمار 2. لا تعرف الثبات او التوقف عند مستوى ثابت . 3. يخلق المبرر للنشاط السري . 4. له دوافع دينية او قومية او طائفية 5. تصاحبه موجة عكسية . 6. اعتقاد منفذيه إنهم على حق . 7. اهانة العقائد الأخرى 8. هناك اجتثاث ابتدائي وارتدادي . ومن الغريب أن الكاتب يحيل ممارسة الطقوس الدينية السومرية التي تخبر عنها القبور الملكية في أور والتي كان من المعتاد أن يدفن مع الملك عدداً من حاشيته ،يحيلها إلى طبيعة الشخصية العراقية الميالة الى العنف ،خلاف ما يراه الآثاريون من كونها ليس الا "عقيدة الدين الذي يقول بوجود حياة ثانية" فيقول في ص30 و " ان تكرار هذه الطقوس عند موت كل ملك او ملكة ربما هو أسس لبدايات الاجتثاث التسلطي وجعله مظهرا اعتياديا ًمقبولا وشائعا في مجتمعات وادي الرافدين " يغور المؤلف في عمق الحقب التاريخية التي مرت على ارض الرافدين ليثبت وجهة نظره الجازمة !! "مما يؤكد وجهة نظرنا عن وجود النزعة الثابتة والقهرية في باطن العقل العراقي لأقامة الرأي الواحد " فمنذ عصر السلالات في بداية الالف الثالث قبل الميلاد والمعروف (عصور دول المدن ) وفيه كانت المدن السومرية كيش وأوروك وأور ولكش وأوما تتصارع على النفوذ والسياسة وغالبا ما ينتهي هذا الصراع بسيادة المنتصر على مقدرات الطرف الآخر معززاً بمباركة الآلة وهو ما ورد في يوميات حمورابي حيث يقول حمورابي :"بناءاً على مشيئة كل من الإله آنو وانليل قام حمورابي بتخريب اسوار ماري واسوار مالجوم " ص35 بعد ذلك يأخذنا الكاتب بأسهاب إلى محطات "أجتثاثية " تاريخية من العهود الإسلامية المختلفة ممهدا لأمتداد طروحته في الدولة العراقية الحديثة والتي يراها اشتملت على سلسلة متواصلة الحلقات من دورة الدماء ،بدءاً من اجتثاث الاشوريين خلال وزارة رشيد علي الكيلاني عام 1933 على خلفية انضمامهم للجيش الانكليزي "جيش الليفي " ثم اجتثاث النظام الملكي للشيوعيين 1949- 1958 ورد فعل الشيوعيين ضد أتباع النظام الملكي والبعثيين والقوميين والناصريين عام 1958ثم اجتثاث البعثيين للشيوعيين عام 1963واجتثاث الناصريين للبعثيين والحرس القومي نهاية 1963واجتثاث البكر وصدام البعثيين للإسلاميين وجميع الآخرين 68-2003 وأخيرا "وليس آخرا " ما اسماه الكاتب اجتثاث الإسلاميين للبعثيين عام 2003 والتي تصب في أطر التساؤل عن أسباب ظهور الدكتاتوريات في بلاد الرافدين من غير ان يضع منهجا محدداً لدراستها ،فهو قد تنقل من المنهج التاريخي الى الانثربولوجيا والاركيولوجيا ليجزم بميل الشخصية العراقية لاجتثاث الأخر المختلف ، وفاته ان معظم ما ذكر من شواهد تاريخية قد جرت خارج بلاد الرافدين او بأوامر من وراء الحدود أما حوادث الاجتثاث في الدولة العراقية الحديثة ،فقد جرى ويجري نظيرها في الكثير من البلدان وفي مختلف الأزمنة ولم يتفرد العراقيون بسلوكهم كما يرى الكاتب باقر ياسين في نظريته :"نعود مرة اخرى فنؤكد بأننا لا نسعى لكتابة التاريخ واستعراض احداثه فالتاريخ مسجل ومكتوب وموثق ولكن سنحاول تفسير وربط بعض الاحداث والمفاصل ذات الدلالات الاستثنائية رأيها في وجود وتطبيق هذه النظرية التصفوية نظرية دكتاتورية التسلط العقائدي المفروضة بالقوة " ص186 وفي الفصل الثاني يبين المؤلف مفهومه لأنظمة التسلط العقائدي والتي اسماها دكتاتوريات العقيدة الواحدة أو الرأي الواحد ويرى انها ببساطة تعني تلك الأنظمة التي تقيم سلطة سياسية استبدادية ترتكز على الإيمان بعقيدة او نظرية فكرية او وجهة نظر حياتية او دين او طائفة او قومية ويكون هدفها الأساسي هو نشر وفرض هذه العقيدة وتطبيقها على المجتمع بكل الوسائل بما في ذلك القوة القاهرة ووسائل الإرغام القهرية المتوفرة ص107 ويلفت الكاتب الى إطلاق الشيوعيين بعد 14 تموز 1958 شعار " الما يصفك عفلقي " وان هذا الشعار قد افاد البعثيين كثيرا في توسيع قاعدتهم بين المتعاطفين مع "المظلوم " ولكن الكاتب يغفل أثر فتوى تكفيير الشيوعين وإفادة البعثيين بها!!! ويقول المؤلف ان الشيوعيين قد ادركوا ذلك متأخرا عندما اصدر الحزب الشيوعي العراقي عام 1967 ما نصه "لا يمكن تبرئة الشيوعيين من المسوؤلية عن ادخال وسائل العنف لحل الخلافات السياسية " ص154 وهذه حسنة تسجل لهم . ثم يشط باقر ياسين بعيدا في تحليله لنجاح انقلاب 8شباط 1963 والذي يعزوه الى: 1. شراسة الحرس القومي 2. الخوف والحذر من عودة الشيوعيين للحكم 3. تراكم القهر والآلام(تحمل آلام السنين الاربع ) والمقصود بها فترة حكم عبد الكريم قاسم . 4. الاعتماد على شجاعة الشبان المنفذين ص158 متناسيا الأسباب التي اجمع عليها مؤرخو تلك الحقبة والمتمثلة بعوامل دولية وإقليمية تداخلت بمصالح محلية مستثمرة تعثر مسار ثورة 14 تموز وزعيمها ، فليس من المعقول ربط انهيار مثابة تاريخية كبرى لها امتدادات شعبية عميقة الجذور ، بعطل سيارة (فولكس واكن ) ووشاية مومس .!!! و يعود الكاتب باقر ياسين فيذكر عندما كان عضو قيادة قطرية "الجناح اليساري " لحزب البعث وكيف ان الفرصة فاتتهم عام 1968في استلام السلطة لولا الخلاف بين الخط العسكري والخط المدني للحزب وكأن التغيرات السياسية في العراق لا تعدو أن تكون مجرد نتائج لرغبات ومزاج ذاتيين بعيدا الظروف الموضوعية الحقيقية . وفي الوقت الذي يبين فيه " ان عملية الاجتثاث التصفوي هي المتلازمة الإجبارية مع عملية التسلط العقائدي في جميع مراحل التاريخ " ص100 فأنه يقدم نصيحته لتأهيل البعثيين للعهد الجديد وان سر نجاحهم يكمن في : 1. الابتعاد عن منهج العنف باستخدام السلاح في العمل السياسي . 2. إسقاط نظرية الحزب القائد 3. إعادة النظر بأطروحته العقائدية المرتكزة على تبني المشروع القومي ولا ندري كيف يكون البعث كما يريده المؤلف من غير مشروع قومي !!! ويختتم كتابه معرجا على "نظرية الفوضى الخلاقة " التي يراها مفتاحا لبوابة جهنم في العراق ، من دون تحليل واقعي للدواعي التي جاءت بمنظريها لتغيير النظام في العراق . الكتاب يخلو من التاريخ المقارن ، فقد عرض المؤلف أحداث العنف في تاريخ العراق بدون مقارنتها بتاريخ الشعوب الأخرى وما تضمنته تواريخها من شواهد للعنف ، وعلى الرغم مما تضمنه الكتاب من معلومات تاريخية مفيدة وجهد بحثي مضني ،إلاّ إنه يفتقر إلى المنهج السليم ، ولم يستطع الكاتب التخلص من رتقة الثقافة النمطية في التعامل مع تداعيات الحدث الدولي ، الفوضى الخلاقة مثلا ، او نتائج التغيير في العراق وما صدر من تشريعات بشأن اجتثاث البعث التي تلاشت أمام انخراط البعثيين حتى في هرم السلطات( الأربع) .
#كامل_داود (هاشتاغ)
رويَ_اêيçï_المïèçل_ئ_الكêçè_في_الïيوçنيé#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقاربة الى الاقتتال الاثني
-
المحروسة وهندسة الانتفاضة
-
البحث عن الدين في العقل الحديث
-
سوسيولوجيا العشوائيات
-
حفريات في اصول الشريعة الاسلامية
-
عالم -امين معلوف- المختل
-
الموروث من ثقافة الاحتجاج
-
مناهج شَلِّه وأعْبُرْ
-
سوسيولوجيا السلطة
-
التطرف في النظم الديمقراطية
-
مستويان للتطرف الديني
-
قراءة في :(ثلاثية الحلم القرمطي ) د.محي الدين اللاذقاني- مكت
...
-
مناهج التعليم وإعاقة النهضة
-
الإضحاك .... ذلك الفن المضني
-
تِيه الرأسمالية في العراق
-
تجليات الطبقة الوسطى
-
التحولات السوسيولوجية في نظم الحيازة الريفية في القرن العشري
...
-
لا يُخْدَع الناخب من حزب مرتين
-
الديمقراطيون بأنتظار غودو
-
مقاربة اقتصادية لمفهوم الهوية الوطنية- 2
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|