|
العدالة الانتقالية وضرورة التجاوز
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4021 - 2013 / 3 / 4 - 16:06
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
العدالة الانتقالية وضرورة التجاوز ********************** ابتكرت المجتمعات الحية بعد تجربة وسخة في مجال حقوق الانسان الذي يمس بالأساس جميع المجالات الأخرى ، سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية ، اوتنموية ، ما يعرف بمفهوم" العدالة الانتقالية " ، كآلية ناجعة لاحداث تطورات شاملة في بنية الدولةوالمجتمع ، باصلاح الأعطاب التي خلفتها مرحلة مطبوعة بالاستبداد والطغيان . وهي مرحلة غالبا ما تكون عامل كبح في تطور مجتمع ما . فمراحل الديكتاتورية ، هي مراحل تجميد لحركة الوطن والمواطنين ، وسلب حقه في النمو والتطور ، وهو ما يعتبر جريمة لا يمكن معاقبتها الا بمحاكمة عادلة ، تأخذ بعد الرمزية ، أكثر من بعد اقرار العقاب على أصحابها . فالانتقال الديمقراطي ، يجب أن يكون انتقالا مرنا ، بعيدا عن اي تشنج وتعصب ، لأن القضية لا تهم فردا أو أفرادا ، أوجماعة أو حزبا ،بقدر ما تهم مجتمعا بكامله ، ووطنا بمستقبله وممكناته . فنحن في العدالة الانتقالية نتحدث عن مرحلة ولا نتحدث عن لحظة ، نتحدث عن انتهاكات جسيمة وجماعية ، ولا نتحدث عن انتهاكات فردية . من هنا تتشبع منظومة العدالة الانتقالية بروح المجاوزة والبناء . لكننا في المغرب لم نحقق شيئا من هذه المجاوزة وهذا البناء ، وما زلنا بعد اكثر من عشر سنوات على اقرار مبدأ العدالة الانتقالية نراوح نفس النفق المعتم . فلا المحاكمات تمت ، ولا التعويضات ارتقت الى طموح المظلومين ، ولا الحقيقة تجلت بكامل جلائها ، ولا الاصلاح المؤسساتي حقق طفرة نوعية ، كما أن الانتهاكات ما تزال تترى . بمعنى أن لاشيء تحقق من هذه العدالة الانتقالية بالمغرب . فما هو متفق عليه بين خبراء الباحثين في مجال العدالة الانتقالية ، هي كونها تشكل مرحلة تغيير في تاريخ بلد ما ، ومرحلة انتقال ، هذا التغيير الذي يتم من مرحلة تطبعها علاقات استبدادية بين السلطة والشعب ، الى علاقات مواطناتية يحس فيها الفرد بمواطنته كاملة ،غير منقوصة . وهذا الانتقال الذي يصبح فعلا يوميا لأفراد المجتمع سلطة ومواطنين . وبما أن المغرب قد اعترف رسميا بدخوله هذه المرحلة ، فهو اعترف ضمنيا أنه يريد القطع مع مرحلة الاستبداد والديكتاتورية ، اي أن الدولة تعترف بمرحلتها السوداء التي طبعت ماضيها . لكن المدة التي أخذتها صيرورة هذا الانتقال من اللاعدالة الى العدالة ، يطرح أكثر من سؤال . فهو يكرس ضمنيا نفس النهج القديم الذي حاول تغطيته بانشاء لجنة الانصاف والمصالحة، ومختلف الأشغال والمهام التي قامت بها آنئذ ، يمكن أن تعتبر ذرا للرماد ، لاغير . فاستمرار نفس المسؤولين في مناصبهم وترقية بعضهم ، يعد مسا خطيرا بمفهوم العدالة الانتقالية ، ويجعله خطابا ميتافيزيقيا ، على المجتمع أن يؤمن به ، دون أن يلامس تجلياته ومظاهره . وهو يمس كل المبادئ والمرتكزات التي يتأسس عليها مفهوم العدالة الانتقالية. كما أن الفساد الذي ترعاه الدولة ، هو شكل من أشكال انتهاك حقوق الانسان ، لأنه سرقة للمال العام ، الذي يمكن أن يستفيد منه المواطن . وهو برهان كاف على استمرارية منهجية الفساد المؤسساتي . مع العلم أن جميع الخبراء في مجال العدالة الانتقالية يعتبرون مبادئها الخمسة كل متجانس ووحدة لا يمكن تجزيئها . واقصاء المجتمع من تدبير شؤونه وتغطية ممارساته ، يعتبر أيضا شكلا من أشكال الاضطهاد الناعم ، والعنصرية المقيتة . وهو ما يعصف بالمرتكز الثاني من مرتكزات العدالة الانتقالية . اننا اذن لانزال نبرح في نفس زمن الديكتاتورية ،وبنفس المنطق ، تدبيج الخطابات وملء الأوراق بالتوصيات والقوانين ، وتنصيب عملاء ومخربون ،هم أشد تخريبا من المستبد نفسه ، لأنهم يمثلون نظريا أوصياء على مرحلة الانتقال نحو مبدأ العدالة ، لكنهم في العمق يقتلون روح هذا الانتقال بالتسويف والتمطيط وتحريف مسار الانتقال الديمقراطي ، فهم يتخاطبون بمبادئ العدالة الانتقالية دون أجرأتها وتفعيلها . واذا كان من وظيفة آلية العدالة الانتقالية ، فهي تكمن أساسا في وضع حد للانتهاكات الانسانية التي عاشها بلد ما في تاريخه الطويل أو القصير أو المتوسط . ومحاولة خلق علاقات جديدة تؤلف بين مكونات المجتمع والدولة ، وتلحم تلك التشققات الاجتماعية التي أحدثتها مراحل الطغيان والظلم والاستهتار بانسانية الانسان . وكل تمديد في زمنية العدالة الانتقالية يعتبر شبهة في نوايا هذا الانتقال ، خاصة اذا استمرت معه حالات الاختطاف والتعذيب والتهميش ،والاعتداءات الجسدية والمعنوية على المواطنين من قبل مختلف الأجهزة الأمنية . مما يجعل منطق العدالة الانتقالية هو ضمان الانتقال الآمن من مرحلة الانتهاك والظلم والاستبداد ، الى مرحلة الديمقراطيةوالعدل والمواطنة والمساواة . ولن نتحدث هنا عن المرتكزات الأساسية للعدالة الانتقالية ، كما أقرتها هيأة الأمم المتحدة ، وهي خمسة : -1- المحاكمات أو المساءلة -2- الاصلاح المؤسسي -3- معرفة الحقيقة -4- التعويض -5-ضمان عدم التكرار لأن مقاربتها تعتمد أساسا على بعد رؤية الباحث وكفايته المعرفية بالموضوع ، وقدرته على صياغة الرؤية والكفاية داخل منظور حقوقي بحث .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمطار الجحيم -26- رواية
-
كلمة صادقة الى الشعب السوري الأبي-1-
-
أين المواطن ؟
-
هذا الوطن لنا
-
هوامش التفكير -1- محاولة لخلخلة المفاهيم الثابتة عن مركزيةال
...
-
للفراغ أن يخطو
-
في انتظار الشمس
-
أمطار الجحيم -25- رواية
-
أمطار الجحيم -24- رواية
-
حر أنا مني
-
تسفيه العمل السياسي بالمغرب
-
سامر العيساوي والقضية الفلسطينية
-
في مفهوم التواضع-2-
-
جلباب المخزن المخروم ، وعري المجتمع الفاضح
-
أمهليني.....
-
حركة 20 فبراير : المنزلقات الموضوعية
-
عيد ميلاد ديكتاتور
-
أبحث عن امرأة ثائرة
-
محاولة محاصرة وقائع جناية
-
الثورة السورية تكشف حقيقة أوباما
المزيد.....
-
السيسي وولي عهد الأردن: ضرورة البدء الفوري بإعمار غزة دون ته
...
-
نداء عاجل لإنهاء الإخفاء القسري للشاعر عبد الرحمن يوسف والإف
...
-
-الضمانات الأمنية أولاً-..زيلينسكي يرفض اتفاق المعادن النادر
...
-
السلطات النمساوية: هجوم الطعن في فيلاخ دوافعه -إسلاموية-
-
نتنياهو: انهيار نظام الأسد جاء بعد إضعاف إسرائيل لمحور إيران
...
-
نتنياهو: ستفتح -أبواب الجحيم- في غزة وفق خطة مشتركة مع ترامب
...
-
كيلوغ المسكين.. نذير الفشل
-
تونس تستضيف الدورة 42 لمجلس وزراء الداخلية العرب (صور)
-
-مصيركم لن يكون مختلفا-.. رسالة نارية من الإماراتي خلف الحبت
...
-
مصر تعلن بدء إرسال 2000 طبيب إلى غزة
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|