حسن عجمي
الحوار المتمدن-العدد: 4021 - 2013 / 3 / 4 - 02:26
المحور:
حقوق الانسان
في عصر ما بعد المفاهيم التقليدية تنمو السوبر ديمقراطية كنظرية تنافس الديمقراطية المعتادة. فبينما الديمقراطية التقليدية نظام يستفيد منه الإنسان فقط , السوبر ديمقراطية نظام تستفيد منه كل الكائنات الحية و اللا حية.
يوجد فرق أساسي بين الديمقراطية و السوبر ديمقراطية. الديمقراطية هي حكم حقوق الإنسان الذي يحيا اليوم بينما السوبر ديمقراطية هي حكم حقوق الإنسان الذي سيحيا في المستقبل. تعتبر الديمقراطية أن كل إنسان يملك الحق في التصرف و التفكير و التعبير بحرية كاملة شرط أن لا يخرق حقوق الآخرين. و تؤكد الديمقراطية على أن كل الأفراد متساوون أمام القانون و لا بد أن تتم معاملتهم بمساواة. لكن رغم أن السوبر ديمقراطية تقبل بمبادىء الحرية و المساواة السابقة فهي تضيف إلى ذلك مبدأ أن المجتمع و مؤسسات الدولة و العلاقات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية لا بد أن تكون محكومة أيضاً من قبل حقوق الإنسان الذي سوف يوجد في المستقبل. من هذه الحقوق التي تدعو إليها السوبر ديمقراطية حق الإنسان الذي سوف يولد في المستقبل في أن يرث أرضاً غير مُلوَّثة و غير خالية من مواردها الطبيعية المفيدة لبقاء الجنس البشري كالماء و النفط و الهواء النظيف. و حق آخر من حقوق السوبر ديمقراطية حق الأفراد الذين سيولدون في المستقبل في أن يرثوا أفكاراً و نظريات مفيدة و موضوعية و خالية من التعصب و العنصرية و الطائفية و المذهبية. السوبر ديمقراطية تتفوق على الديمقراطية التقليدية لأنها تقبل مبادىء الديمقراطية كافة و تضيف إليها حقوقاً و مبادىء إضافية تضمن و تطوِّر الحرية و المساواة للإنسان الحي في المستقبل. فحين يرث الإنسان في المستقبل أرضاً نظيفة و صحية و غنية بالموارد الطبيعية سيتمكن الإنسان حينئذ ٍ من اكتساب حرية أكبر لامتلاكه لثروة أكبر تسمح له بحرية أوسع في التصرف و التفكير و التعبير. هذا لأنه إذا لم يرث الإنسان المستقبلي أرضاً غنية فسيغدو سجين فقره و ضعف الطبيعة من حوله. و عندما يرث الإنسان المستقبلي أفكاراً و نظريات مفيدة و موضوعية و خالية من التعصب العرقي و الديني و العقائدي سيتمكن الإنسان من قبول الآخر المختلف و بذلك يصبح كل البشر أحراراً أكثر و متساوين أكثر في الحقوق من جراء قبولهم لبعضهم البعض. على أساس كل هذه الاعتبارات , تتفوق السوبر ديمقراطية على الديمقراطية.
السوبر ديمقراطية تقدِّم حقوقاً جديدة للبشرية و خاصة ً للإنسان الذي من الممكن أن يكون حياً في المستقبل القريب و البعيد. من تلك الحقوق حق الإنسان في أن يحيا في المستقبل و يتطور و يصبح إنساناً متفوقاً و يبني حضارة متفوقة. فبما أن السوبرديمقراطية تقول إن للإنسان حقاً في أن يرث أرضاً غنية بمواردها و طاقاتها , إذن تضمن السوبر ديمقراطية أن يبقى الإنسان حياً في المستقبل , و بذلك تحقق أهم هدف للبشرية ألا و هو بقاء الجنس البشري ؛ فمن دون أرض غنية من المستحيل أن يبقى الإنسان حياً في المستقبل. و بما أن السوبر ديمقراطية تؤكد على حق الإنسان المستقبلي في أن يرث أرضاً غنية و أفكاراً و نظريات و عقائد مفيدة و غير عنصرية أو طائفية أو مذهبية , إذن تضمن السوبر ديمقراطية أن يتفوق الإنسان في المستقبل من خلال غنى أرضه و معتقداته بدلا ً من أن يدمّر الأرض من جراء استهلاك مواردها و الاقتتال بين شعوبها بسبب العقائد العنصرية و الطائفية و المذهبية. و بذلك تضمن السوبر ديمقراطية أيضاً إمكانية بناء حضارة إنسانية مستقبلية متفوقة في إنسانيتها على ضوء غنى أرضها و معتقداتها اللا عنصرية و اللا طائفية و اللا مذهبية. فعندما يرث الإنسان عقائد مفيدة لبقاء الجنس البشري كالعقائد غير العنصرية و غير الطائفية ستزول أسباب الصراعات و الحروب بين البشر ما يضمن استمرارية بقاء الجنس البشري. على أساس هذه الاعتبارات , تضيف السوبرديمقراطية إلى حقوق الأفراد حقوقاً يمتلكها الجنس البشري بدلا ً من أن تكتفي بحقوق هذا الفرد أو ذاك. بالنسبة إلى السوبر ديمقراطية للجنس البشري حقوق لا بد من احترامها كحقه في البقاء و في أن يتطور. فقط حين يرث الإنسان في المستقبل القريب أو البعيد أرضاً و عقائد غنية بالمعاني السابقة , يتمكن حينها من أن يتطور و يطور الحضارة الإنسانية لأن أي تطور يحتاج إلى غنى كوكبنا و تحرر الإنسان من التعصب و الطائفية و المذهبية ما يضمن عدم نشوء الحروب و يضمن تعاون البشر جميعاً في صياغة الإنسان و حضارته.
لكن حقوق الجنس البشري من منطلق السوبر ديمقراطية لا تختلف عن حقوق الطبيعة من حولنا و حقوق الكائنات الحية الأخرى. هكذا توحّد السوبر ديمقراطية بين كافة الحقوق الممكنة كحقوق الإنسان و الحيوان و حقوق الأرض و مناخها و حقوق غاباتها و بحارها في أن تحيا و تنمو و تزدهر. فالحقوق الإنسانية ضمن السوبر ديمقراطية مطابقة لحقوق الطبيعة و حقوق الكائنات الحية المختلفة. و هذا نقيض حقوق الديمقراطية التقليدية التي هي مجرد حقوق للإنسان. من هنا , توحِّد السوبر ديمقراطية بين الكائنات و الموجودات كافة بدلا ً من التمييز بينها و التعصب لبعضها ضد بعضها الآخر. فبما أن السوبر ديمقراطية تدعو إلى احترام حق الإنسان الذي سيحيا في المستقبل في أن يرث أرضاً غنية بمواردها و طاقاتها , إذن لا بد من الحفاظ على غنى الأرض التي نحيا عليها لكي يتمكن الإنسان المستقبلي من أن يرث غناها و بذلك يتم احترام حقوق الأرض و كائناتها الحيوانية و مواردها الطبيعية و المناخية في أن تحيا و تنمو و تزدهر. على هذا الأساس , من منطلق نموذج السوبر ديمقراطية حقوق الإنسان الحقة مطابقة لحقوق الأرض و مواردها و حيواناتها و غاباتها و بحارها و مناخها. و بذلك السوبر ديمقراطية هي فلسفة توحيد الحقوق بدلا ً من التمييز بينها و عدم احترام بعض منها. و للسوبر ديمقراطية فضائل عديدة أخرى منها أنها تحافظ على حقوق الفرد الحي في الحاضر و تطوِّر تلك الحقوق. فبما أن السوبر ديمقراطية تؤكد على أن للفرد في المستقبل الحق في أن يرث أرضاً غنية و مذاهب فكرية مفيدة و غير عنصرية و لا طائفية , إذن لا بد من احترام تلك الحقوق اليوم كي يرث الإنسان المستقبلي أرضاً غنية و مذاهب فكرية مفيدة و غير مضرة. هكذا تحافظ السوبر ديمقراطية على حقوق الفرد الحي في الحاضر و تطور حقوقه. فعندما نحافظ على غنى كوكبنا اليوم نحترم حق الإنسان الحي الآن في أن يحيا على كوكب نظيف و غني بموارده و مناخه. و عندما نبني مذاهب فكرية غير عنصرية و لا طائفية نحافظ على حق الفرد الحي اليوم في أن يحيا في سلام بدلا ً من أن يحيا في صراعات العقائد الطائفية و العنصرية.
من جهة أخرى , ثمة صراع ضمن النظام الديمقراطي نفسه. فالديمقراطية منقسمة إلى اتجاهين : اتجاه يدعو إلى إعادة توزيع الثروة , و اتجاه آخر يرفض ذلك كلياً. الاتجاه الأول يقول إن إعادة توزيع الثروة على المجتمع بطريقة معينة أو أخرى تضمن الحرية و المساواة للجميع ؛ فمن دون امتلاك الموارد اللازمة أو الرأسمال الضروري لا يتمكن الفرد من التعبير و التصرف بحرية و بذلك نخسر الحرية الحقيقية و المساواة الحقة بين الأفراد. أما الاتجاه الثاني فيقول إن إعادة توزيع الثروة تخرق حق الأغنياء في التصرف بحرية فيما يملكون. هذا لأن إعادة توزيع الثروة هي عملية أخذ بعض المال من الأغنياء و توزيعها على الفقراء و الأقل حظاً في المجتمع و بذلك تخرق حق الطبقة الغنية في التصرف بحرية فيما تملك ما يتضمن خسارة الحرية في المجتمع. يبدو أن كلا ً من هذين الاتجاهين يملك حجة قوية على مقبولية موقفه ما جعل هذا الجدل يستمر إلى ما لا نهاية من دون أن تتوصل البشرية إلى معيار معرفي قادر على حل هذا الخلاف الفكري. لكن السوبر ديمقراطية تقدِّم حلا ً ممكناً لهذا الخلاف الفلسفي و مفاده التالي : إذا تحققت السوبرديمقراطية سيرث الإنسان في المستقبل أرضاً غنية بدلا ً من أن يرث أرضاً خالية من مواردها الطبيعية أو فقيرة في مواردها و طاقاتها , و بذلك تتم إعادة توزيع الثروة على البشر الذين سيحيون في المستقبل. فبما أنه بالنسبة إلى السوبر ديمقراطية للإنسان الحي في المستقبل حق في أن يرث أرضاً غنية , إذن إذا حافظنا على هذا الحق و تصرفنا على ضوئه سيتم توزيع ثروة الأرض على الأحياء في المستقبل بدلا ً من توزيعها على الأحياء اليوم فقط و بذلك يحدث نوع من أنواع توزيع الثروة بين البشر من دون أخذ مال مباشر من الأغنياء ما يتضمن عدم خرق أي حق لأية طبقة اجتماعية. هكذا تنجح السوبرديمقراطية في إعادة توزيع الثروة من دون خرق أية حقوق حقة أو مزعومة , و بذلك تحل الخلاف الفكري السابق. فالسوبر ديمقراطية تحافظ على حرية كل فرد في التصرف كما يشاء فيما يملك , و لكن في الوقت نفسه تقوم السوبر ديمقراطية بتوزيع الثروة بين الناس فتجمع بذلك بين الحرية و المساواة و إعادة توزيع الثروات.
السوبر ديمقراطية هي ديمقراطية تتخذ المستقبل منطلقاً لها بينما الديمقراطية التقليدية تسجننا في الحاضر الإنساني. و السوبر ديمقراطية تعيد بناء الإنسان في حاضرنا على ضوء الإنسان الذي من الممكن صياغته بشكل أفضل في المستقبل. و تقوم السوبر ديمقراطية بذلك من خلال دفاعها عن حقوق الإنسان في المستقبل المطابقة لحقوق كوكبنا و حقوق موجوداته كافة. فالحضارة مشروع إنساني لم يكتمل و لا يكتمل , و لذا يبقى البحث مستمراً عن الحقوق التي لم نكتشفها بعد.
#حسن_عجمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟