تحرش جنسي بميدان التحرير!

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4020 - 2013 / 3 / 3 - 23:18
المحور: ملف التحرش الجنسي ضد المرأة في الدول العربية - بمناسبة 8 آذار/ مارت 2013 عيد المرأة العالمي
    

في تظاهرة حاشدة وسط ميدان التحرير بالقاهرة على مسافة بضعة أمتار من حيث كنت أقف، شاهدت بأم عيني واقعة تحرش جماعي كانت الأولى من مثل هذا النوع في حياتي. كتلة بشرية ملتحمة تموج بقوة التدافع، تعتصر بداخلها أنثى تصرخ وتستغيث كما الغريق من تحت الموج الهائج. وكلما لبى المتظاهرون نداء الاستغاثة وحاولوا صادقين النية الوصول إلى حيث ينتهك بلا رحمة جسد الأنثى لانتشالها من هذه المحنة كلما تضخم حجم واشتد خناق الكتلة البشرية من حول الفريسة أكثر فأكثر، ليختلط الحابل بالنابل ويسود الهرج والمرج المكان وتسنح فرصة أكبر للجناة ليفعلوا فعلتهم في فوضى التدافع وفي النهاية يخرجوا غانمين سالمين من جريمة لن يعرف لها صاحب. بسبب الزحام والفضول والحماس الزائد الملازم عادة الحشود الثورية بطبيعتها، ولأن مثل وقائع التحرش الجماعي هذه تكون في العادة مدبرة سلفاً ويسند تنفيذها لمجموعة أشخاص يطوقون الفريسة من كل الجهات حتى لا تفلت من بين أيديهم، ويؤدون أدواراً مختلفة بحيث لا يستطيع المنقذ الصادق أن يميز المعتدي من المدافع من الفضولي، هذه الجرائم تنتهي غالباً بإنجاز المهمة بنجاح: النيل من كرامة الأنثى الثائرة.

هذه الواقعة تجسد حالة تحرش جنسي مصطنعة غير غريزية، غير مدفوعة بالغرائز الجنسية الموجودة بشكل طبيعي لدى الذكور والإناث؛ إنما هي يتم تدبيرها وتنفيذها بشكل تآمري لخدمة أغراض سياسية واجتماعية متعددة. ربما الجهة أو الجهات الواقفة وراءها تريد أن تطفئ جذوة الثورة بميدان التحرير من خلال تشويه سمعته كرمز للثورة المصرية ضد الاستبداد؛ أو ربما تريد أن تكسر أنف المرأة المصرية التي تخطت حدود دورها السلبي التقليدي ونزلت تزعق وتتظاهر بعلو صوتها بميدان عام محاطة بالرجال في قلب القاهرة- تأديب المرأة المتحررة ومحاولة إعادتها مجبرة خوفاً من انتهاك عرضها لبيت طاعة الرجال. في كل الأحوال، لا يتصور أبداً أن يكون هذا التحرش الجماعي وسط هذه الحشود، بميدان عام وعلى الملأ وأمام الكاميرات، مدفوعاً بأغراض جنسية غرائزية طبيعية. أي غريزة هذه التي يمكن أن تثار في مثل هذا الوضع؟!

الغرض المرجح من مثل هذا العدوان العلني على الإناث إما أن يكون سياسي أو اجتماعي، لخدمة تيار مضاد وكاره للثورة كعامل سياسي جديد يريد استئصاله أو آخر ممتعض من هذا النشاط والحراك النسائي كتطور اجتماعي حديث العهد أيضاً ويريد إعادتهن لمواتهن وسكونهن التقليدي الموروث. دائماً النساء هن المنطقة الأضعف والأكثر حساسية في المجتمع العربي. لذلك، إذا أردت النخبة الحاكمة أن تحكم السيطرة على مجتمع عربي، ما عليها إلا أن تمسكه من هذه المنطقة الحساسة. قد يكون هذا بالضبط ما يحاول أن يفعله الآن الحكام الإسلاميون في مصر- أن يسيطروا على مصر كلها عن طريق السيطرة على نسائها أولاً.

إذا كان التحرش بامرأة أو مجموعة من النساء جريمة بشعة، ماذا يكون التحرش ببلد بأكمله، ومحاولة اغتصابه؟

#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات