أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد محمود - ارفعوا أيديكم عن نهلة وأسرتها















المزيد.....


ارفعوا أيديكم عن نهلة وأسرتها


محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 4020 - 2013 / 3 / 3 - 14:31
المحور: حقوق الانسان
    


(1)
الحملة الشرسة التي تتعرض لها نهلة محمود والمضايقات المستمرة والابتزاز الذي تتعرض له أسرتها في السودان تكشف عن خوف حقيقي من "ظاهرة نهلة"، وهي ظاهرة تمثّل التحدي الأكبر للإسلام المعاصر عندما يصبح قوة قهر ديني وسياسي واجتماعي ويبتعد عن منطقة الضمير الحر.

إن شجاعة نهلة الاستثنائية تقلب قواعد "اللعبة النفاقية" التي تسود مجتمعنا (وباقي المجتمعات الإسلامية) وتجبر الرافضين للإسلام على "التقية" وحتى التظاهر بالإسلام وممارسة شعائره. ومن الطبيعي أن ينزعج الإسلاميون من "ظاهرة نهلة" لأن نهلة نشأت وترعرعت بعد استلابهم للسلطة وفي ظل مشروعهم وكانت، مثل غالبية بنات جيلها، مسلمة متدينة صادقة التدين. إلا أن نهلة تميزت أيضا بالذكاء والقدرة على تحريك ملكتها النقدية وتميزت فضلا عن ذلك بحس أخلاقي متسائل. وكان من الطبيعي أن يجعلها ذلك تتساءل عن الصورة التي يقدّمها الإسلام للمرأة وعن كل مظاهر التفرقة والتهميش لها كأنثى. ولاشك أن هذه التساؤلات خطرت ببال الكثيرات من النساء، إلا أن نهلة تنتمي لذلك القسم من النساء اللائي امتلكن ما يكفي من الشجاعة لاجتياز حاجز الخوف. ومما ساعدها على هذه القفزة تخصصها العلمي وانفتاحها على المعارف العلمية التي حرّرتها من قبضة الرؤية الاسطورية التي قدّمها الدين لها كأساس لفهم بداية الكون والحياة.

وبالإضافة للأسئلة الكبيرة كان لابد لنهلة (وبنات جيلها اللائي نشأن في ظل هيمنة المشروع الإسلامي) من مواجهة الأسئلة المباشرة المتعلقة بنوعهن كنساء. ما كان من الممكن لنهلة أن تقبل أنها "ناقصة عقل" كما يخبرها الحديث ومنهجها المدرسي وكل أجهزة الإعلام التي تصيح أبواقها صباح مساء. ما كان من الممكن، وهي الذكية المتعلمة، أن تقبل أن شهادتها على النصف من شهادة الرجل لمجرد أنه رجل. ما كان من الممكن أن تقبل أن حقها في الميراث على النصف من حق الرجل. ما كان من الممكن أن تقبل "القهر الزواجي" الذي يهبط بإنسانية الأنثى ويختزلها لمتاع جنسي (من الممكن أن يصبح متعدد الأطراف) ويحوّل العلاقة الزوجية لمؤسسة قهر ذكوري تعطي الرجل حق ضرب زوجته إن نشزت عليه. ما كان من الممكن لنهلة أن تقبل وضع "مواطن الدرجة الثانية" حتى لو قبلت به غالبية النساء حولها.

(2)
وعندما توفّرت الفرصة لنهلة وهي تعيش في مجتمع حرّ لا يحجر على الرأي ويهب المؤمن وغير المؤمن حقوقا متساوية في التعبير أعلنت أنها ترفض الإسلام لأن شريعته تميّز ضدها كامرأة. وإعلانها الشجاع هذا سبقه في واقع الأمر نشاطها في التبصير بعواقب الشريعة، وهو نشاط لا يزال مستمرا ولن يتوقف لأن نهلة تؤمن إيمانا عميقا بقضيتها وتريد المساهمة في تحرير الآخرين من أسر الرؤية الدينية وانتهاك حقوق المرأة والتمييز ضدها.

لقد استغرقت مقالة نهلة المقتضبة في نقد الرؤية الإسلامية والشريعة على القناة الرابعة أقل من دقيقتين (دقيقة و 39 ثانية بالضبط)، لتجد نفسها منذ تلك اللحظة الصريحة والشجاعة في مواجهة عاصفة من الشتائم والسباب والتخوين والتهديد ظلت تتعاظم وتتصل حلقاتها لتصل مرحلة تعريض أسرتها في السودان للمضايقة المستمرة والابتزاز. ونحن لا نستغرب مثل هذه الحملة ولا نستغرب لغتها إذ أن دعاة المشروع الإسلامي (وكل من دار في دائرتهم) عودونا على شيئين: على رفضهم لحرية الفكر وعلى فجورهم في الخصومة وقدرتهم الفذة على الإقذاع وفحش اللغة والدعوة لاستباحة الدم. إلا أننا نفهم أيضا ما يدفع حَمَلة المشروع الإسلامي لمثل رد الفعل المحموم هذا. إن الإسلاميين يدركون ما تعنيه "ظاهرة نهلة" في نهاية الأمر، إذ أنها ظاهرة من الممكن أن تنتشر انتشار النار في الهشيم. إن الحملة المقذعة التي يقودها إسلاميو نظام الخرطوم ومنتفعوهم ضد نهلة حملة ذات هدفين: اغتيال شخصيتها وتحويلها لرمز كراهية في ذهن كل مواطن سوداني من ناحية، وتخويف وإرهاب كل من يفكر في النقد العلني للإسلام أو الشريعة.

وحملة الإسلاميين ومنتفعيهم الضارية المقذعة تنقل الأمور الآن من مرحلة "ظاهرة نهلة" لمرحلة "قضية نهلة" ونعني بها واجب كل المدافعين عن حرية الفكر والتعبير في السودان على الاصطفاف حولها والتضامن مع حقها في الدفاع عن حريتها في التفكير والتعبير. يجب أن يفهم كل مواطن في السودان أن الخروج من الإسلام ونقده حق مشروع للمواطن السوداني يقع ضمن الحقوق الأساسية التي يتيحها له الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقّع عليه السودان، وهو إعلان تعلو قيمه على قيم الشريعة خاصة عندما تجرّم الشريعة حرية الفكر والتعبير تحت مادة الردة.

إن قضية نهلة لم تعد الآن قضية فردية معزولة بل أصبحت قضية حرية الفكر والتعبير في السودان بامتياز. ونرى على ضوء ذلك أن كل الأحزاب السياسية التي تقود العمل المعارض وكل قادة الرأي مدعوون للتعبير بوضوح عن مساندتهم لحقها في حرية التفكير والتعبير (حتى إن اختلفوا معها في الرأي). إن قضية الحرية لا تتجزأ، والسكوت عن قهر الأفراد وتعرضهم للتهديد والإرهاب سيؤدي في نهاية الأمر لقهر كل من يسكتون، أفرادا كانوا أم جماعات.

(3)
إن قبول قهر نهلة وقبول الدوس على حريتها وحقوقها هو قبول لقهر كل مواطن سوداني وقبول الدوس على حريته وحقوقه. إن حق الإنسان في الحياة وحقه في الحرية يعلو على كل دين لأن رفض الدين، أي دين، لا يمكن أن يكون مسوغا لسلب الإنسان حقه في الحياة والحرية. لقد مارست نهلة حقها المشروع في رفض الإسلام وهي تملك حقا مشروعا آخر هو حق التعبير عن رأيها. والمؤمنون بالإسلام يملكون حق الرد على من خرجوا من الإسلام وتفنيد حججهم، إلا أنهم لا يملكون حق تجريمهم ومعاقبتهم كمرتدين لأن الخروج من الإسلام (أو أي دين من الأديان) حق إنساني مشروع وليس جريمة.

إننا نناشد أحزاب المعارضة ونناشد قادة الرأي أن يرفعوا صوتهم عاليا ضد قهر حرية الفكر والتعبير، وأن يطالبوا بإلغاء المادة 126 من القانون الجنائي التي تجرّم إعلان الخروج من الإسلام ونقده وتعتبره ردة عقوبتها القتل. إننا نناشد أحزاب المعارضة وقادة الرأي أن يؤكدوا على ضرورة التمسك بمباديء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وخاصة المادة 18 التي تعلن "لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سرا أم مع الجماعة." إن هاتين الحريتين، حرية الفكر وحرية التعبير، هما الحريتان الأساسيتان اللتان تشكلان ركيزة باقي الحريات في المجتمع وبدونهما لن تتوفر الضمانة الحقيقية لازدهار الديمقراطية في مستقبلنا.



#محمد_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الترابي في الثمانين - من إكتوبر إلى يونيو : إفلاس الرؤية وبؤ ...
- بيان ذكرى الشهيدة - سعيدة المنبهي -
- في انتهازية - الإشتراكي الموحد -
- التوظيف السياسي للمساجد ومأزق العدل والإحسان
- مئوية يوم المرأة العاملة الأممي
- حول مشاركة أطاك طنجة في احتجاجات 20 فبراير
- نجاح مهرجان التضامن مع ساكنة سيدي بوزيد بطنجة
- طنجة ليلة العاشر من دجنبر : حصار قمعي و أطاك تمنع المنع
- طنجة : في اليوم العالمي لمناهضة الفقر ... أطاك تمنع المنع من ...
- لجنة المرأة بجمعية أطاك طنجة تخلد ذكرى اليوم الأممي للمرأة ا ...
- أيتها النساء العاملات ، اتحدن .
- فعاليات التضامن مع المعتقل من أجل الحق في التعليم - ع الإله ...
- - عبد الإله عليلبيت - معتقل الحركة الطلابية من أجل الحق في ا ...
- على درب سعيدة المنبهي ، من أجل التحرر الفعلي للنساء
- فصيل التوجه القاعدي بطنجة ... نضال مستمر إلى الأمام
- حول تطورات الأوضاع في الحي الجامعي بطنجة
- المرأة و العمل
- أطاك طنجة ..حملة ضد الغلاء .. إعتقال الرفيقين -حسن نارداح - ...
- رسائل كافرة ( 1 ) ...
- بيان عام -1- للجنة المرأة بجمعية أطاك المغرب


المزيد.....




- الأمم المتحدة: النازحون السوريون يواجهون ظروف شتاء قاسية
- الأمم المتحدة: الضربات الإسرائيلية في اليمن تثير المزيد من ا ...
- -قيصر الحدود- الأمريكي يتحدث عما سيفعله ترامب مع عائلات المه ...
- عاجل | أسوشيتد برس: منظمة عالمية سحبت تقريرا يحذر من المجاعة ...
- وزيرالخارجية اليمني:ندعو الأمم المتحدة وكل المنظمات لتجريم م ...
- قطف مطار صنعاء استخفاف إسرائيلي بالأمم المتحدة
- الاحتلال يُمعن في ارتكاب جريمة إبادة جماعية بزيادة وتيرة تدم ...
- مراسل RT: ممثل الأمين العام للأمم المتحدة والمنسق المقيم توا ...
- في جريمة هي الأكبر ضد الصحفيين في قطاع غزة خلال حرب الإبادة ...
- من لبنان وتركيا والأردن.. ضوابط لعودة اللاجئين السوريين إلى ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد محمود - ارفعوا أيديكم عن نهلة وأسرتها