|
الانفصال السوري اللبناني
لؤي حسين - سوريا
الحوار المتمدن-العدد: 1157 - 2005 / 4 / 4 - 10:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(...) إن دخول سوريا العسكري إلى لبنان أتاح للسلطة السورية أن تفرض نفوذها على كامل المساحة والسياسة اللبنانيتين. ولطول أمد هذا النفوذ ولترافقه مع بداية تمكُّن السلطة من بسط سيطرتها المطلقة على كل قطاعات الحياة السورية ومجالاتها، صار يُعتبر من جهة مصلحة السلطة، أو من وجهة نظرها، على أنه شأن داخلي سوري بامتياز. ويضاف إلى هذا الظرف بداية بروز شخصية الرئيس حافظ الأسد كمشروع زعيم قومي بعد حرب تشرين، الأمر الذي صيّر هذا النفوذ ليكون من صلب بنية النظام السياسي السوري وأحد مقوماته وأسسه، بل وأحد دواعيه ومصدرا لقوته الداخلية كما الإقليمية. فقوة السلطة السورية ومتانة نظامها، هذا النظام الذي ركّبته وبنته بما يضمن لها الاستمرار والديمومة بشكل مستقر وآمن، لم تتأت يوما من سياستها القمعية للشعب السوري فقط، أو من مصادرة إرادته والاستفراد بكل القرارات المصيرية أو الأقل منها بكثير، أو من القبض على الاقتصاد والمال العام. بل إن جانبا كبيرا من تلك القوة حصّلته من خارج الحدود. من مكانتها الإقليمية المهمة والمميزة التي حققها الرئيس حافظ الأسد بجهد فردي استثنائي من خلال مقدراته الذاتية العالية، ومن استفادته المُحكمة من ظروف الصراع العربي الإسرائيلي في حينه، ومن الوضع الدولي المتوازن قبل انهيار جدار برلين. فصار لسوريا، أو للدقة للسلطة السورية دور فاعل ونافذ في كل منطقة الشرق الأوسط وفي الساحة العربية كلها لفترة طويلة. وقد نجحت في أحيان كثيرة في جعل دمشق ممرا أخيرا لغالبية معادلات المنطقة. وقد مكنها ذلك من عزل بعض الدول ومحاصرتها وفرض إرادتها وخياراتها على ساحات عديدة مثل الساحتين الفلسطينية واللبنانية، والأهم على عملية السلام العربي الإسرائيلي. حتى بات رضى السلطة السورية غاية يتوسلها العديد من دول المنطقة ومنظماتها وقواها، ومعاداتها تجلب عليهم أنواعا مختلفة من الأضرار والخسائر. هذا التأثير على المعادلات السياسية في المنطقة جعل من السلطة السورية واستقرارها ضرورة وحاجة لغالبية الأطراف بمن فيهم خصومها. وقد لعب هذا الجانب دورا مهما جدا في استقرار السلطة داخليا وعدم تعرضها لهزات خطيرة. فتلك المكانة أعطت للسلطة أفضلية على خصومها في الداخل، إذ تميزت جميع القوى المعارضة براديكالية لا ترضي غالبية الأطراف الخارجية حتى تلك التي دعمت وساعدت بعضها. فلم يكن ذلك الدعم تفضيلا لها على السلطة السورية بقدر ما كان محاولة لإضعاف دور السلطة ونفوذها الإقليمي الكبير. حتى إن غالبية معارضيها الداخليين كانوا يقولون دوما إنهم لا يعارضون سياستها الخارجية، كما هي مواقفهم الآن، وغالبية حلفائها في السلطة ادعوا أنهم حالفوها على سياستها الخارجية المناهضة لأطماع الخارج ومخططاته. إن نهاية هذا النفوذ ستكون ختاما لدور السلطة السورية الإقليمي بمجمله، خاصة بعد أن تضاءل في الساحة الفلسطينية وداخل ساحة الصراع فيها، وانفضت عنها غالبية الدول العربية التي كانت حليفتها في السراء والضراء، وتباينت مواقفها عنها كثيرا كموقف دول الخليج والأردن وليبيا ومصر، وحتى إيران. ويمكن أن نلحظ في سياق دلائل خسارة السلطة ريادتها ومكانتها الإقليمية محاولة التحاقها بالرؤية الأميركية الجديدة للشرق الأوسط، والدخول في السياق العام للمنطقة حسب ما فصّلته الولايات المتحدة، بما في ذلك حدود الدور الذي ترتضيه الإدارة الأميركية للسلطة السورية ولسوريا إجمالا. كذلك تكرار دعوة القيادة السورية للتفاوض مع إسرائيل بدون شروط مسبقة، وما أشيع عن تخلي السوريين عن وديعة رابين. يضاف إلى ذلك بعض المتغيرات الداخلية مثل رغبة السلطة في التحول إلى اقتصاد السوق، نزولا عند رغبة الاتحاد الأوروبي الذي يشدد على تنفيذ القرار 1559 لاستكمال خطوات الشراكة الأوروبية، وكذلك التغير الايجابي في الإعلام السوري وفي التعاطي الأمني. النفوذ السوري في لبنان ليس كسواه بالنسبة للسلطة إذ هو مفتاح سواه وضابطه. فبعدما كانت تمسك بالكثير من المفاتيح الأمنية الإقليمية والعالمية من خلال نفوذها في لبنان، خاصة في الفترة التي سبقت اتفاقات أوسلو، ستجد نفسها بعد الآن ممنوعة من التدخل خارج حدودها، حتى في القضايا التي تعنيها مباشرة أو تعني سوريا. مما سيجعل من التغير والتبدل الذي سيطاول سوريا أعمق وأشمل وأكبر أثرا من اعتباره مجرد تحول في سياسة السلطة تجاه بعض القضايا الإقليمية، أو مواقفها من الإدارة الأميركية والاستجابة لبعض شروطها أو جميعها. فهو ليس تغيرا في الخط السياسي أو في برامج السلطة، بل سيكون تغيرا يطاول كامل بنية نظامها وتركيبته. فإنهاء النفوذ السوري أو انتهاؤه لن يكون إجراء يكفيه الحكم عليه بأنه مهم أو قليل الأهمية. ولا يفيد، على مستوى الداخل السوري، تصنيفه بمقياس الانتصار أو الهزيمة. فافتقاده الآن أو انتهاؤه سيشكل اختراقا أو خلخلة لبنية النظام السياسي في سوريا، وسيضع القيادة السورية في موقع الدفاع عن ذاتها ومصالحها، خاصة بعد بداية ضعف ركيزتيها الاخريين: إمساكها بالاقتصاد والمال العام، وشل الحياة السياسية من خلال قمع الشعب السوري. وقد يُنتج التحدي الجديد ظهور صراع بين تكتلات وأجنحة وتيارات واضحة تتمايز عن بعضها بقوة النفوذ أكثر من اختلافها وتمايزها السياسي، مما يبرر الخشية ألا يمر هذا التغير بشكل سلس، خاصة أنه ليس آتيا من تدبير سوري مبرمج ومدروس، يمكن العودة عنه عند الشعور بلحظة الخطر. بل هو إملاء، ما إن يبدأ حتى يتحول إلى نقلات (وليس خطوات) دراماتيكية، يصعب استشراف نهاياتها، أو الارتكان إلى قدرتنا على احتوائها وتجاوزها بدون الخوف من أخطار جسيمة لم نكن يوما بحصانة منها، بل كانت دوما في حالة تأجيل أدامه العنف والخوف والتوازن الدولي. لهذا سيكون التفكير في مآل الأوضاع في سوريا أمرا مهما بالنسبة للسوريين وكذلك للبنانيين الذين يتصورون أنه لمجرد انسحاب الجيش السوري من بلدهم ستنتهي كل مشاكلهم، غافلين عن أن أمانهم ومستقبلهم مرتبط كثيرا بطبيعة النظام الحاكم في سوريا، وبمدى استقرار الأمن فيها. ومع ذلك فجميع احتمالات التغير التي يمكن أن تطاول سوريا، والتي يصعب حصرها أو تصورها بعد المتغيرات الأخيرة، ستولد من رحم القيادات السلطوية الحالية، خاصة أن المعارضة السورية ضعيفة ومتخلفة الى درجة لا يمكنها القيام بأي مبادرة في مفاصل تاريخية كهذه. قادم الأمور سيكون قطعاً فاصلاً لسيرورة نظام الحكم في سوريا عن الشكل الحالي القائم أو أي شكل سابق. ومن المفترض بالفريق السلطوي الذي سيقود البلاد في المرحلة المقبلة، بعد الانفصال عن لبنان، إيجاد دور سوري جديد بعيدا ومغايرا لدور السلطة المعتاد والقائم في الميدان الأمني في الساحتين الداخلية والإقليمية، أي الإمساك بمفاتيح التوتر والأمن وعرقلة برامج ومشاريع الآخرين أو إعاقة أدوارهم بقوى تابعة أو موالية لها، خاصة أن الدور الأمني دور بسيط يمكن أن تقوم به أي جماعة أو دولة مهما صغر حجمها. وغالبا، وبالتحديد أخيرا في زمن الحرب على الإرهاب، لا ثمن لأدوار كهذه ولا أحد يشتريها. وعلى هذا الفريق التخلي عن كل الآليات التي اعتُمدت سابقا في الساحة اللبنانية والتي تغيرت منذ11 أيلول، وحسمت نهائيا بسقوط نظام صدام ودخول الولايات المتحدة ميدان الصراع على النفوذ والسيطرة الإقليمية، حتى في مواجهة إسرائيل.
#لؤي_حسين_-_سوريا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحن سوريون وهو أدونيس
-
بيان
-
على ماذا ستفاوض سوريا؟
-
انتفاء الحاجة للاعتقال السياسي
-
ثقافة الاستبداد الوطني
-
مثقفون-سياسيون سوريون
-
كبيرة التعذيب
-
الإرهاب يدخل إلى سوريا
-
ردا على مقال السيد منذر خدام المنشور في موقع الحوار المتمدن
...
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|