تعــــــليــــق
15/10/2002
تجمع التكهنات على ان طاغية بغداد اوعز الى جميع الجهات المعنية بتنظيم استفتائه المزعوم ان تعلن فوزه بنسبة 100 في المئة , حتى لو اقتضى الامر اتلاف بطاقات الاقتراع التي يتجرأ اصحابها على اعلان رفضهم للدكتاتور, وابداء استعدادهم لتحمل عواقب مواقفهم.
والمراد من الاستفتاء, كما يصرح اعلام النظام بشكل مكشوف, هو توجيه رسالة الى الادارة الامريكية, التي تتهيأ لشن حرب على العراق, بهدف معلن هو اطاحة صدام حسين.
لكن الاهم من ذلك هو رغبة صدام حسين في الرد على الدعوات التي انطلقت هنا وهناك, ناصحة اياه بالتنحي عن الحكم ومغادرة العراق مع افراد عائلته الى اي مكان يستقبلهم, وتجنيب العراق شعباً ووطنا والمنطقة باسرها مخاطر حروب وازمات هي في غنى عنها.
كذلك رغبته في الرد على الاصوات الهادرة التي ترفض الحرب على العراق وتؤكد في نفس الوقت وبصريح العبارة ان رفضها للحرب لا ينطلق من تعاطف مع صدام حسين, الذي لا تجهل طبيعة نظامه القائم على الاستبداد والارهاب وانتهاك كل المعايير الانسانية والاخلاقية, وانما من رغبتها في حماية الشعب العراقي من الويلات والكوارث الاضافية, ولحل المعضلة العراقية بما ينسجم مع الشرعية الدولية.
وفي مسعى تضليلي وتخويفي مفضوح لاجبار الناس على المشاركة في مسرحية الاستفتاء رفعت اجهزة صدام الحزبية والامنية مسبقاً شعار" نعم لصدام ، لا لأمريكا "!
وللغاية نفسها اشاعت الاجهزة الحزبية والامنية ان اوراق الاستفتاء تحمل ارقاماً سرية تكشف هوية حاملها! كما قامت بسحب البطاقة التموينية من جميع المواطنين, ودعتهم الى تسلمها في مراكز الاستفتاء بعد انتهاء دورهم في المسرحية, لضمان عدم غياب احد منهم.
من جانب آخر فات الطاغية وهو يتهيأ لاطلاق قنبلة "فوزه الميّه بالميه" ان الانتخابات التي تتجاوز نسبة الفوز فيها 90 في المئة تثير الاستنكار لدى الرأي العام, الذي يعتبرها من المخلفات الرثة للانظمة الدكتاتورية! أما نسبة 100في المئة فستكون بلا شك قنبلة الموسم الاكثر دويّا ، ومن شأنها ان تدخل موسوعة "جينز" للارقام القياسية, ليس فقط كاعلى نسبة انتخابية يعلن دكتاتور انه حصل عليها, وانما ايضاً من باب ما ستثيره من سخرية وتهكم بحاكم يعيش ثلاثة ملايين من مواطني دولته خارجها, وثلاثة ملايين آخرين خارج سلطته, وتعيش البقية في ظل اقسى بطش وارهاب, ويزعم انه حصل على 100 في المئة من اصوات شعبه!
على ان هذا كله يبقى هيناً بالمقارنة مع ما تعكسه مسخرة الاستفتاء, من استهتار نادر المثال بابناء الشعب وبوجودهم ومستقبلهم ومصيرهم..
فالقائد "النشمي", الذي يرى بأم عينيه هول المخاطر التي تتهدد العراق, يرد عليها اليوم بهذه المسخرة, بهذا الاستخفاف بالشعب والاصرار على تزوير ارادته.. والى الدرجة القصوى: مئة في المئة!
انه يمعن في امتهان الشعب وقهره, في الوقت نفسه, الذي ترتفع فيه اصوات عربية واجنبية كثيرة, تدعوه باسم قطع طريق الحرب المهلكة المحدقة بالعراق, الى مصالحة الشعب واعادة حقوقه وحرياته.
بل ان بعضها يبدي تفاؤلاً اكبر بكثير, ويناشده - كما سبقت الاشارة - التنحي عن الحكم, دفعاً للبلاء عن الشعب والبلاد, وتضحيةً من اجل سلامتهما!
نعم ، هكذا يرد صدام على كل دعوة مخلصة ! واذا كان في ذلك ما يفاجيء اصحاب المناشدات من العرب والاجانب ، فان احدا من ابناء شعبنا لم يفاجأ ، بل لم ينتظر في حال من الاحوال سوى هذا الذي يحدث اليوم بالضبط !