|
مشاهدات بغدادية 4 قناة حوار التونسية وبيع البقدونس
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 4018 - 2013 / 3 / 1 - 19:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مشاهدات بغدادية
ــ 4 ــ
قناة حوار التونسية وبيع البقدونس
اعبر هنا عن اعجابي بجمال الصورة التي شاهدتها وعن دهشتي لبساطة الفكرة : رئيس قناة حوار التونسية مع نخبة من العاملين فيها يبيعون البقدونس بسعر أعلى من سعر الشدة الواحدة في السوق ، للحصول على المال اللازم لأدامة اشتغال القناة . حاجة القناة الى الاستمرار بالعمل دفعتها الى التفكير بطريقة لتمويل نفسها . ثمة طرق كثيرة ومعروفة تستطيع من خلالها هذه القناة التلفزيونية ان تجد المنافذ التي تساعدها على الاستمرار ببث برامجها وسد رواتب العاملين فيها ، ولكنها لم تفعل . يتم التضييق مالياً على هذه القناة لدفعها الى التنازل عن الاستمرار في الحوار ولأجبارها على تهميش المختلف .. يوحي اسم هذه القناة التلفزيونية ــ التي لم اشاهدها يوماً ــ باحتضانه للاختلاف الفكري وللتعددية السياسية ، وتشير دلالة الاسم الى تساوق القناة مع حقيقة جديدة من حقائق الواقع الثقافي التونسي المتمثلة بايمان جمهور واسع من مجتمعه بالتعددية وبالاختلاف . يتطلب التطبيق الحي لمفهوم التعددية انحيازاً معبراً عنه بالممارسة الحية لستراتيجية التداول السلمي للسلطة ونبذ طريق العنف [ انقلابات عسكرية ، ميليشيات طائفية ، او تجمعات شوفينية ] وتجنب فرض سلوك او لباس على الآخر بالقوة [ جماعات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر التي باشرتها حكومة الاخوان في مصر ] حيوية المجتمع المدني في تونس مستمرة برفدنا بالظواهر ، فنحن نكتشف مع هذه الممارسة الجميلة والبسيطة في التنفيذ : الارتباط الوثيق بين تلمس الطريق الى الاجابة على تحدي الحاجة الى المال ، وبين الابتكار والابداع . لقد حثت الحاجة العقول على التفكير وطرح الاسئلة للخروج بها من نفق ظلام الركود الفكري الذي يتسبب به الاعتماد على التمويل الخارجي : من الدولة او من احزاب السلطة او من جهات اجنبية [ دفعت جهات أجنبية مليون دولار لكل قناة ] . استخدمت الانظمة الشمولية هذه الطريقة في شراء الذمم بدءً من نوري السعيد صعوداً الى صدام حسين ، ووقتها كانت الصحف اللبنانية ميداناً لتنافس الانظمة الشمولية في المشرق العربي . لم يربح من هذا التوجه لا الصحفي العربي ولا الانظمة التي كانت تسوق سياساتها تلك الصحف ، لأن ما كان يجري على الارض المشرقية من كوارث اشد توهجاً من محاولة تلك الصحافة التغطية عليها . وكانت معاناة الصحافي العراقي مادياً ومعنوياً معروفة عربياً ولا يمكن التعتيم عليها بسهولة .. لماذا حدث ذلك ؟ لأن حكومات البلدان العربية المشرقية ربطت سياستها الخارجية بمحاور دولية حتمت عليها اهمال الاجابة على تحديات الداخل التنموية . وحين رحلت تلك الانظمة عن مسرح التاريخ ، رحل معها منهجها في التفكير السياسي الذي كان منظروه يتصورون بان حل مشاكل الداخل وأزماته الدائمة مرتبط ببعث عقلية الغزو والفتح . الآن تراجع دور الدولة البوليسية [ دولة مجالس قيادة الثورات العربية ] ذات القبضة الحديدية القوية في بلدان المشرق العربي ، وحل محله دور القوى المحلية والطائفية والاثنية والعائلية ، وتحول المحرك الداخلي لسياسات دولنا من عقد تحالفات كان الخارج يلعب فيها دور الموجه ، الى الدخول باحلاف اقليمية انطلاقاً من ابعاد طائفية . لكن النتيجة في الحالتين واحدة : اسبقية الخارج على الداخل لاعتقاد منظري المرحلة الطائفية الجديدة بأن حل مشاكل الداخل ينطلق من تصفية الحساب أولاً مع القوى الطائفية الاقليمية .. استمرار معاناة المؤسسات الاعلامية الرافضة للتوجهات الطائفية والمناطقية ، هو امتداد لهذا الصراع المزمن بين الهويات الفرعية الطائفية والقبلية والمحلية الرافضة لبناء الهوية الكبرى المتمثلة بدولة المؤسسات ، وبين القوى الطامحة الى بناء دولة مؤسسات تكون بمثابة الهوية الكبرى الجامعة لجميع الهويات . ومن الطبيعي ان تكون قناة " حوار ‘‘ المنحازة للهوية الكبرى هدفاً لدعاة الهويات الفرعية الرافضة للاندماج داخل مجتمعاتها . وبما ان المجتمع التونسي كما هو حال مجتمعات المغرب وليبيا ومصر والعراق وسوريا اكبر من ان تمثله هوية فرعية دينية او قبائلية ، يعود دعاة الهويا ت الفرعية [ حزب النهضة الغنوشي في تونس ، الاخوان في مصر ، واحزاب الطوائف الاسلامية المتعددة في سوريا والعراق ولبنان ] الرافضة لبناء دولة حديثة تحت هاجس الخوف من فقدان الهوية الى استخدام العنف ضد قناة حوار بالتضييق عليها مالياً بعد ان تحولوا الى سلطة . لكن في هذه المعاناة تحديداً يكمن الدافع الى الابتكار والابداع والتفكير لفك طوق الحصار . وعلى مدى السنوات القادمة من هذا الصراع ستضمر حتماً تلك المؤسسات الاعلامية الممولة بالملايين اذ ستقتلها تخمة البترودولار وتقعدها عن التفكير والتساؤل والتطوير ، وستكبر المؤسسات الاعلامية وغيرها من المؤسسات التي يكون همها الانخراط في فعل الاجابة على تحديات الداخل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .. للتغطية على هذا الصراع الدائر بين العقلانية السياسية وبين اللاعقلانية في السياسة المنطلقة من مقبرة الخرافة وعبادة عظام الموتى والتي تبلورت اجتماعياً على شكل صراع طائفي ضحيته الاولى سوريا ، بدأَ التشكيك باحداث الربيع العربي يطوف كالشبح سماوات البلدان العربية ، في محاولة بائسة لايقاف الصراع الجاري بين قوى الشباب العربي الطامح الى السير بالانقلاب الكبير الذي أحدثه في مسار تاريخ راكد منذ مئات السنين الى نهاياته التشريعية وتحويله الى ثورة ، وبين قوى اليمين المحافظة التي اوصلتها انتهازية استغلال آليات سياسية لحضارة [ تسميها بالكافرة وبالاباحية وباللااخلاقية وباختصار بالشيطان الاكبر ] الى السلطة والتي بدأت تتحدث عن خريف عربي وعن فوضى وعن دمار ..الخ لكي يتم لها ايقاع الهزيمة بالعقلانية العربية ، من خلال المناداة على ضرورة تطبيق النظام وسيادة القانون .. اجتهد ان أقول : بأن الفوضى الآتية اشد وأقسى ، وآمل ان تتذكر هذه القوى ما تقوله الآن ، حين ترفض تسليم السلطة الى قوى الشرعية الجديدة فيما لو خسرت الانتخابات القادمة . فايمانها الطاغي بانها شعب اللّه المختار ، وبأنها الفرقة الناجية صاحبة التأويل الصحيح للدين كما تثقف اعضاءها وقواعدها كل الاحزاب الاسلامية في طول بلدان العرب وعرضها ، سيمنعها من تسليم السلطة الى الشرعية الجديدة ، وآنئذ تحل فوضى عارمة . ان الهم الكبير للقوى الاسلامية التي تقود السلطات الآن في بلدان الربيع العربي لا يتمثل بالتحديث والتنمية بل يتمثل بكيفية احتلال وزارات الدفاع والداخلية والمخابرات وقيادات الشرطة والامن ، أو بالمطالبة بصلاحيات طاغية ، تحسباً للحظة الآتية : لحظة الانتخابات القادمة التي تشير كل المعطيات الى الفوز المؤزر لرؤية الشباب الداعية الى الاستمرار بالتغيير للوصول به الى ضفاف التشريع . اذ من غير تشريع جديد لا يتحول أي حدث في التاريخ الى ثورة .
1ــ3 ــ 2013
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النائب الذي كسر مألوف البرلمان العراقي
-
حول مقال : الكرد مع الدولة
-
مشاهدات بغدادية 3 سعدي يوسف والمنفى
-
بانتظار قرار الحكومة الكبير
-
مجرد رأي
-
مشاهدات بغدادية 1 وأخيراً غرقت بغداد
-
دم في ساحة المظاهرات
-
مشاهدات بغدادية 2 لماذا تحول العراق الى مسخرة ؟
-
وزراء العراقية
-
قضاء الرفاعي
-
أنا الطائفي الوحيد
-
بين المالكي والاعرجي
-
ما مدى واقعية افكار الاستاذ محمد عبد الجبار الشبوط عن الدولة
...
-
عن الطائفية ...من وحي مقالة الاستاذ جواد الشكرجي
-
رمزية ودلالة المواجهة في طوزخورماتو
-
عالم آخر ممكن
-
{ تلفت القلب }
-
الدولة الكردية والشرعية
-
صالح المطلك
-
عنها
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|