|
مستقبل العراق- الفرص الضائعة والخيارات المتاحة- الفصل الخامس
عبدالوهاب حميد رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 4017 - 2013 / 2 / 28 - 17:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مستقبل العراق- الفرص الضائعة والخيارات المتاحة- الفصل الخامس
خيارات إيجاد نظام سياسي بديل
هذا الفصل محاولة لمناقشة مجموعة خيارات مرشحة لأحداث التغيير في النظام السياسي القائم في العراق وإيجاد نظام بديل. وهي تتراوح بين مبادرة النظام ومبادرات قوى الداخل، وكذلك قوى الخارج. وتتراوح آليات هذه الخيارات بين المفاوضات والنضال السلمي وبين طريق العنف. مع ما في كل من الأسلوبين من تباين واضح في التكلفة والنتائج. والخيارات هذه ليست مقترحات أو توقعات. بل هي في أفضل الأحوال مجموعة احتمالات. وإذا كانت هذه الخيارات مرشحة- بهذا القدر أو ذاك- لإحداث تغيير في النظام العراقي، فهي ليست متماثلة في آثارها ونتائجها، لأِنها تتباين من حيث أطرافها وأهدافها ووسائلها وأدواتها (صحيفة الاستقصاء/ جدول رقم 10). ذلك أن بعض هذه الخيارات ربما يقود إلى شق الطريق الصعب نحو إيجاد البديل المنشود، وربما يقود بعضها الآخر إلى بديل آخر أكثر أو أقل استبداداً من النظام الحالي. بل أن خيارات عديدة تحمل ضمناً آثاراً احتمالية مزدوجة، قد تضغط باتجاه البديل الديمقراطي وقد تفرز نظاماً استبدادياً آخر أو نظاماً دستورياً شكلاً واستبدادياً فاقداً لاستقلال البلاد فعلاً. إذن المسألة برمتها تعتمد على الآلية المستخدمة وأطرافها ومصالح هذه الأطراف وكيفية التعامل مع هذه الآلية والأهداف المبتغاة منها. هذه الحقيقة تدعو إلى تأكيد مسألتين عند مناقشة الخيارات محل البحث: أُولاهما أن هذه الخيارات هي احتمالات لإحداث التغيير في النظام الحالي وإيجاد نظام بديل ليس بالضرورة هو النظام المنشود.. وثانيهما أن التعامل مع هذه الخيارات يتطلب درجة عالية من الحساسية والإجماع الوطني والتعامل مع أكثرها ملاءمة، ارتباطاً بالظروف المتاحة والمستجدة لبناء عراق المستقبل. إن قراءة سريعة لخريطة العراق السياسية تعكس احتمالات خطيرة بالعلاقة مع هذه الخيارات: الحرب الأهلية، التقسيم، القتل والخراب والدمار.. هذا كله في ضوء عدم التيقن من النتائج، خاصة ما يتعلق بتلك التي تتطلب ممارسة العنف. ومما يزيد من مخاطرها المحتملة تشتت أطراف المعارضة العراقية في ظروف حاجة هذه المهمة مسبقاً بناء أغلبية قادرة على خلق الإجماع العراقي. لقد بلغ العراق حد التخمة في قتل وتشريد أبنائه، وحد الموت في مجاعة أهله. وإذا كان العنف أسلوباً مقيتاً لا يلجأ إليه الإنسان إلا في حالة الدفاع المشروع عن النفس، فالأولى بالجماعة- وهي تنطلق من أجل التغيير والبناء لصالح الناس- أن تؤسس منطلقاتها على قاعدة النضال السلمي الذي يُجنب البلاد المزيد من سفح الدماء، وينهي عقوداً من مسلسل العذاب، ويواجه مخاطر التقسيم والحقد والانتقام. وهذه الآلية ستعبر عن قوة المعارضة لا ضعفها، وعن ضعف نظام الاستبداد لا قوته، طالما تُجسد الحرص على حياة الناس، وتُعبر عن إرادة الحرية وكسر حاجز الخوف. وعندما تلتحم المعارضة في كتلة أغلبية وطنية، وتثق بنفسها وبالناس والوطن، وتتوجه بخطاب حضاري يستهدف تحقيق حرية الوطن والمواطن ويضمن الأمن والأمان لكافة الناس في ظل سيادة القانون، ويقوم على تعزيز الثقافة الوطنية وأولوية الولاء للوطن، عندئذ فقط يبدأ الاستبداد بالارتداد والزوال. 1- مبادرة النظام الحاكم يقوم هذا الخيار على مبادرة النظام العراقي الحالي اتخاذ مجموعة خطوات مترابطة في سياق توجه جديد نحو بناء العراق الديمقراطي، متمثلة أهمها في عشر نقاط تالية. التخلي عن مفهوم "الحزب القائد" واحتكار السلطة.. التخلي عن مفهوم "القائد التاريخي" وعبادة الشخصية.. الحريات العامة وحقوق الإنسان وسيادة القانون.. التعددية السياسية والاجتماعية.. الإصلاح الديمقراطي لحزب البعث.. تحقيق المصالحة بين كافة الأحزاب الوطنية العراقية.. إعادة بناء أجهزة المخابرات من أجهزة حراسة للنظام إلى أجهزة حارسة لأِمن الوطن.. إعادة بناء القوات المسلَّحة، وتحديد مهامها من حماية النظام الحاكم إلى حماية حدود البلاد.. إعادة بناء المؤسسات التعليمية والثقافية في إطار العلم والديمقراطية.. فترة انتقالية في إطار حكومة فنية مؤقتة لتهيئة البلاد الانتقال نحو النظام الجديد. يمكن أن يحظى هذا المشهد برأي عام يتفق على كونه أقل المشاهد المحتملة الحدوث.. لا بسبب منطقه السلمي، بل لعدم القناعة بمبادرة النظام العراقي اتخاذ مثل هذه الخطوات. وهنا من المفيد التأكيد مرة أُخرى على أن الخيارات المطروحة ليست مقترحات أو توقعات، بل مشاهد تتباين من حيث واقعيتها ودرجة احتمالات حدوثها، ارتباطا بمدى توفر متطلباتها. علاوة على أن هذا المشهد أسلوب للممارسة الاعتيادية في الأنظمة الديمقراطية. بل وله سابقته حتى في بعض الأنظمة الفردية.(1) ورغم ذلك فالأمر يختلف بالعلاقة مع طبيعة النظام القائم.. فهل يمكن أن تتحقق هذه المبادرة؟ كيف؟ وما متطلبات قبولها وتنفيذها من قبل النظام العراقي؟ الجاري حالياً يشير إلى وجود مبادرة من النظام العراقي فسح الطريق لكل من يرغب العودة إلى الوطن.. إلا أن هذه المبادرة تنطوي على قبول الأمر الواقع أولاً وتتضمن احتمالات عالية للتعرض إلى نفس الأسلوب من سوء المعاملة ومخاطر الاعتقال والتصفية (ف3). تنطلق مبررات هذه المبادرة من عوامل عديدة تتقدمها: فشل النظام في شعاراته وأهدافه.. تحميل البلاد كوارث الحروب.. تجنيب البلاد المزيد من سفك الدماء.. حاجة الناس للحرية والحياة الآمنة.. الحفاظ على البقية الباقية من حزب البعث. لقد أكدت الصفحات السابقة (ف2/ ف3) وقائع عديدة قائمة في عراق اليوم من فشل جهود التنمية، ومجاعة تعم الناس، وخراب اقتصادي وقيمي طال المجتمع العراقي من أقصاه إلى أقصاه، وهدر أموال البلاد وإغراقها بالديون والالتزامات. بل وإيقاعها في مصيدة قوى التحالف الغربي وتحت مظلة تتجاوز الوصاية في مفهومها القديم. فهي ليست وصاية لتهيئة البلاد للاستقلال، كما هي في صيغتها قديماً، بل موجهة لتدمير قدراتها التي كلفتها بلايين كثيرة من الدولارات النفطية.(2) أما شعار النظام في الوحدة والحرية والاشتراكية، فقد شوهها الاستبداد نفسه وحولها إلى مهزلة. فالنظام العراقي فريد عصره في استخدام الأسلحة الكيمياوية ضد شعبه من شماله إلى جنوبه. وهو صاحب أكبر حالات اختفاء في العالم حسب شهادة المنظمة العربية لحقوق الإنسان (ف3)، علاوة على قتل مئات الآلاف عدا ضحايا الحربين.. تهجير ثلاثة ملايين مواطن من ديارهم عنوة أو هرباُ من مظلة الرعب.. خنق الحريات. وعلى المستوى العربي فإن محنة الانحطاط تعمَّقت والمشاعر القومية تمزَّقت، ولم يصل الوضع العربي إلى هذا القدر من التردي والتمزق حتى في ظروف انفصام الوحدة.(3) ومنذ النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي تراجع النظام العراقي حتى عن القطاع العام في سياق فشل سياسته الاقتصادية, ولا زال مسلسل تدهور الاقتصاد العراقي مستمر لتصل الأوضاع المعيشية للناس إلى دون مستوياتها في الحرب العالمية الثانية، بعد أن حصل النظام على أكثر من 192 بليون دور (1968- 1990) عوائد نفطية فقط.(4) إن فشل نظام البعث في الحفاظ على نقاوة شعاراته، وفشل سياساته إلى حدود إيصال البلاد للخراب والهلاك والمجاعة الجماعية، والانتقاص من السيادة الوطنية.. هذه الحصيلة تطرح المبررات للتفكير بجدوى استمرار الاستبداد!! وتُقدم في ذات الوقت هذه المبادرة كأفضل آلية متاحة لمراجعة الذات والقبول بحكم الشعب من خلال تخلي النظام أو رئيسه عن السلطة والمبادرة بقبول المنافسة السياسية. وفي غير ذلك فالخيارات الأُخرى كالحة أمام النظام. مزية هذه المبادرة أنها سلمية تحفظ دماء الناس وتتحاشى أعمال القتل والانتقام والخراب، وتوفر فرص بناء العراق سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. 2- مبادرة قوى الداخل يقوم هذا الخيار على أساس التوجه نحو الداخل. وتقوم خطوته الأُولى على تنحية أو تصفية رأس النظام. أما القوى الرئيسة المرشحة فهي عناصر حزب البعث نفسه، بالإضافة إلى أطراف المعارضة في الداخل. بينما المشاهد الأكثر احتمالاً لهذه المبادرة فهي: الاغتيال، انتفاضة الحزب، انقلاب عسكري. إن احتمالات انفجار أحد هذه المشاهد من قبل عناصر حزب البعث ذاته هي احتمالات قائمة، لأِن الاستبداد لم يعفِ عناصر البعث من القهر والقتل والتصفيات. فـ (الحزب الحاكم) عانى وما زال من الإرهاب والخوف والبطش في جو مستمر من القهر والرعب.(5) ربما تكون هذه المبادرة هي الأكثر احتمالاً في تغيير النظام السياسي العراقي. لأِنه ينطلق من الحزب نفسه، ولأِنه احتمال قائم يومياً، ولأِنه خيار يقوم على المفاجأة وسرعة الحسم.. ولكن ما مدى نجاح أي من المشاهد الثلاثة في سياق هذا الخيار؟ رغم أن المشهد الأول احتمال يومي قائم، إلا أنه يتسم بعدم السهولة وعدم تأكد نتائجه. ومع ذلك فإن وجود اتفاق مسبق بين أطراف المعارضة بما فيهم عناصر البعث أنفسهم سيوفر سياجاً مضموناً للاطمئنان على ضمان حياة جميع الأطراف ويعزز الثقة بينها ويزيل مخاوف الثأر والانتقام. أما انتفاضة "الحزب الحاكم" فهي تفترض وجود حزب سياسي يمارس نشاطه ويصدر قراراته لسلطة الحكومة. أي أن هذه الفرضية تتطلب تبعية الحكومة للحزب، وهي غير قائمة. فالحزب نفسه تابع لرأس النظام بعد أن تحول من مؤسسة سياسية إلى جهاز أمني بوليسي. هذه الحالية التي وصل إليها الحزب تجعل مهمة قيامه بعملية منظمة وفق الضوابط الحزبية فرضية غاية في الصعوبة. إلا أن الحزب لا يقتصر على المؤسسات المدنية، بل أن كافة المؤسسات غير المدنية تشكل أجزاء من الحزب. ولعلَّ أكثر الأجهزة المرشحة لتنفيذ هذه المبادرة هي الجيش.(6) وإذا كان الجيش مرشحاً لإحداث هذا التغيير، إلا أن هذه المهمة لا يمكن أن تتحقق وفق نفس الأسس التقليدية السابقة. فهذه المؤسسة التي كانت صانعة الانقلابات قد تغيرت بُنيتها، وأن الظروف التي كانت تمهد للانقلابات السابقة قد تبدلت. ففي الانقلابات السابقة تجمعت عومل عديدة لإنجاحها: صغر حجم الجيش نسبياً، تعدد الولاءات، كونه القوة العسكرية الوحيدة في البلاد، قيام جبهة وطنية ساندت الجيش ضد الملكية (1958) وقواعد حزبية و/ أو عوامل داخلية وخارجية ساندت بقية الحركات العسكرية.. بينما الحالة مختلفة حالياً. فبدلاً من 4- 5 فرق عسكرية أصبح الجيش يضم أكثر من ثلاثين فرقة عسكرية. وبدلا من قصر جمهوري واحد وإذاعة واحدة هناك عشرات القصور والإذاعات. وإلى جانب الجيش والحرس الجمهوري تتواجد قوات الأمن الخاصة والحماية والمخابرات المتعددة التنظيمات.(7) وفوق ذلك ولّى ذلك العهد حيث يتصل الضباط ببعضهم بحرية على مستوى علاقاتهم الرسمية والشخصية. إذ أصبحت اتصالاتهم واجتماعاتهم خاضعة للرقابة والموافقة من رأس النظام وبحضوره أو بديله، خاصة القادة العسكريين.
يضم هذا الخيار بكل مشاهده احتمالات خطيرة على حاضر العراق ومستقبله، تتقدمها خطورة احتمال اتساع المواجهة وسفك الدماء، خاصة إذا لم تنجح المبادرة في خطوتها الأُولى بعزل رأس النظام. هناك بعض الدعوات لبناء جيش للمعارضة في منطقة الإدارة الكردية، باعتبارها "منطقة محررة".(8) إلا أن هذه المبادرة إن تحققت فهي محفوفة بالمخاطر. فمن غير المفهوم كيفية بناء قدراتها لمجابهة قوات النظام. كما أنها طالما تكون منطلقة من المنطقة الخاضعة لحماية قوى التحالف الغربي بزعامة أمريكا فمن غير المتوقع حصولها على تعاطف الشعب العراقي.
3- مبادرة التفاوض "النظام وقوى المعارضة" يقوم هذا الخيار على احتمالات التقارب بين النظام العراقي وبين طرف أو أكثر من أطراف المعارضة بِأحزابها الرئيسة في المفاوضات مع النظام العراقي على أساس برنامج موحد. وهذا الخيار في صورته العامة "المفاوضات" احتمال قائم في القاموس السياسي. ويمكن لهذا الخيار أن يترجم نفسه في مشاهد عديدة: القوى القومية الكردية، القوى القومية العربية، أطراف أُخرى من المعارضة أو جبهة معارضة تضم كافة أو أغلب القوى الوطنية وتعبر إلى حد مقبول عن الإجماع الوطني. مزية هذا الخيار هو ممارسة الأسلوب السلمي. إلا أن مشكلة هذا الخيار- كما في الخيار الأول- هي أزمة غياب الثقة برأس النظام العراقي. من المتوقع بشكل عام أن يأخذ هذا الخيار- إذا ما تحقق- أحد أسلوبين: أولهما القبول بالأمر الواقع، دون استبعاد بعض التغييرات الشكلية التي تحفظ في نهاية المطاف نظام الاستبداد ويُساعد على استمراره. وثانيهما الاتفاق على البديل الديمقراطي وفق مراحل متدرجة متفق عليها. وإذا كان الأسلوب الأول مسألة عبثية.. فإن الأسلوب الثاني يتطلب من المعارضة العراقية أن تكون واعية لها ومتهيئة لمواجهتها في إطار موقف موحد وبرنامج متفق عليه في خططها المستقبلية. والجدير بالإشارة هنا أن مبادرة النظام العراقي التي بدأت قبل حرب الخليج بشأن إعداد دستور دائم نُشرت مسودته قبل الغزو، والسماح بظهور أحزاب معينة.. تقوم على القبول بالأمر الواقع. وهذه "الأحزاب" لا تختلف عن الكثير من الدكاكين السياسية التي تُتاجر بقضية شعب العراق. كما أن الدستور المقترح، وحسب شهادة المنظمة العربية لحقوق الإنسان لا يحقق البديل الديمقراطي المنشود.(9) لعلَّ أُولى المطالبات التي تستوجب الاتفاق المبدئي بشأنها في برنامج المفاوضات هي تبني النقاط العشر التي وردت في الخيار الأول والقبول بها كأساس للتحول الديمقراطي. أما المعارضة الوطنية فهي مدعوة إلى تحقيق خطوتين، على الأقل: الإصلاحات الديمقراطية، والاتفاق على برنامج يحقق الإجماع الوطني. يقوم المشهد الأول ضمن هذا الخيار على احتمال بدء المفاوضات والاتفاق بين النظام العراقي وبين القوى القومية الكردية.(10) وكان هذا المشهد قائماً خلال الفترة الماضية لكنها واجهت عقبات تتعلق بعدم قبول النظام العراقي للمطالب الكردية، لأِسباب تراوحت بين استمرار الخلافات بشأن طبيعة النظام السياسي والعلاقة مع الحكومة المركزية ورسم حدود المنطقة الكردية، علاوة على عوامل خارجية غير مشجعة للقوميين الأكراد، خاصة ما تعلق بفشل النظام العراقي حلَّ مشكلاته مع قوى التحالف الغربي وبالذات الولايات المتحدة وبريطانيا.(11) يقوم المشهد الثاني على حصول مفاوضات بين النظام العراقي وبين القوى القومية العربية، إلا أن هذا الاحتمال يواجه معضلة انشقاق حزب البعث. كما أن القوى القومية العربية أصبحت أقل فعالية بعد أن أضعفها النظام الحاكم نفسه. أما المشهد الثالث فهو حصول مفاوضات بين النظام العرقي وبين جبهة معارضة تضم كافة أو أغلب الأحزاب الوطنية، خاصة وأن ظهور المعارضة بتياراتها السياسية المختلفة سيشكل تحدياً خطيراً للنظام، لأِنها عندئذ تستطيع ليس اختراق جماهير الداخل، حسب، بل وكذلك اختراق مؤسسات النظام نفسه. كما أن ظهور جبهة تاريخية من الأحزاب الوطنية في مثل هذه الظروف المتفاقمة للمخاطر الخارجية على البلاد ستجعلها القوة الحقيقية ذات الوجود الفعلي عند رحيل النظام.
4- مبادرة قوى الخارج "التحالف الغربي والأُمم لمتحدة" هذا الخيار بكافة مشاهده المحتملة ليس معنياً بالبديل الديمقراطي في العراق إلا بقدر ما يحقق مصالح قوى التحالف الغربي بزعامة أمريكا.(12) ويتجلى المشهد الأول ضمن هذه المبادرة، الذي يرمي بثقله حالياً باحتمالات هجوم الولايات المتحدة وبريطانيا، لاحتلال العراق وتعيين نخبة حاكمة جديدة تأتمر بِأوامر واشنطن على شاكلة ما حدث في أفغانستان. وهو أمر محفوف بالكثير من المخاطر، سواء ما يمكن أن يحصل من قتل ودمار أثناء الحرب أو استمرار العمليات المسلَّحة وعدم الاستقرار بعد نهاية الحرب.هذا عدا احتمالات المضاعفات التي ستولدها هذه الحرب على المنطقة وتشجيع المزيد من أعمال العنف ضد العالم الغربي، وتعميق النعرة الطائفية الدينية بين الشرق والغرب.(13) أما المشهد الثاني من هذا الخيار المتمثل في مبادرة منظمة الأُمم المتحدة إصدار قرارات ملزمة لإجبار النظام العراقي على إجراء انتخابات حرة.. فهذا المشهد، كما في سابقه، غير موجه لخلق البديل الديمقراطي في العراق، لأِن المنظمة الدولية ليست حيادية، بل واحدة من آليات قوى التحالف الغربي، وبالتالي فهي ليست معنية بحقوق شعب العراق. كما أن قرارات هذه المنظمة ضد العراق في ظروف أزمة- كارثة الخليج جاءت جميعها إجبارية ملزمة طالما خدمت المصالح الغربية وفُرضت بالقوة على النظام العراقي. أما القرارات الأُخرى المتعلقة بحقوق الإنسان العراقي التي صدرت عن المنظمة الدولية- وهي التي انتهكت حقوق شعب العراق بمحاصرته في غذائه ودوائه- جاءت غير ملزمة. بل حتى قرارات بيع النفط الجزئي للنفط مقابل الغذاء والدواء لم تكن غير ملزمة فقط، بل وصيغت بطريقة وشروط مجحفة،كان الهدف منها أن تواجه الرفض كوسيلة لتدمير النسيج الاجتماعي لشعب العراق.(14) 5- طريق النضال السلمي "بناء إرادة الحرية" مهما كانت الخيارات أو المبادرات التي ستُقدم عليها الأطراف الوطنية المعنية بالقضية العراقية, خاصة تلك الموجهة نحو الداخل، فهذه الخيارات لن تستقيم إلا بمقدار قدرتها على بناء إرادة الحرية لدى الناس. هذه الإرادة التي تشكل القاعدة المحورية للنظام الديمقراطي والسياج الوطني لحفظ مسيرته، باعتبارها تُجسد كسر حاجز الخوف من السلطة، لا من منطلق العداء لها، بل من منطلق ربط الجزء بالكل. ليست هذه المبادرة أكثر الخيارات سهولة أو أقلها قوة وآثاراً، بل هي في واقعها أكثرها صعوبة وأكثرها قوة وشمولية وثباتاً. لأِنها تتطلب نفسا ًطويلاً وقدرة عالية على القناعة والإقناع. ومع أن مسيرة هذه المبادرة أكثر بطئاً لكنها أقل تكلفة وأضمن نتيجة وصلابة وديمومة وتأثيراً وتقترن بمسيرة الديمقراطية ذاتها. ومرة أُخرى تطرح هذه المبادرة على الأحزاب السياسية مهمة تطوير خطابها السياسي والاتفاق على برنامج حد أدنى للمساهمة في تحقيق حرية الشعب العراقي وبناء الثقة بالنفس وبالناس. والحقيقة ، يمكن القول بدرجة عالية من الثقة: إذا كُتبت للديمقراطية أنم تسود العراق فلن يكون بغير هذا الخيار.
هوامش الفصل الخامس (1) بعد هزيمة مصر وسوريا والأردن أمام العدوان الصهيوني في حزيران/ يونيو 1967 (حرب الأيام الستة). لم يتردد جمال عبدالناصر- الرئيس المصري والزعيم العربي- من تقديم استقالته وإعلانها للناس وتحميل نفسه مسؤولية الهزيمة. ولم يتراجع عنها إلا تحت ضغط شعبي استمر أياماً وليال في تجمعات ومظاهرات مئات الآلف من المصريين بخاصة، والعرب بعامة، برفضهم الهزيمة والاستقالة معاً. (2) ف2، جدول رقم (1) وما بعده. (3) بعد قيام دولة الوحدة (الجمهورية العربية المتحدة) وفق إعلان الوحدة بين مصر وسوريا وبموجب استفتاء عام لشعبي البلدين في شباط/ فبراير 1958.حصل انقلاب عسكري في أيلول/ سبتمبر 1961 في سوريا معلنا انفصالها عن دولة الوحدة. ورغم أن الانقلاب كان يشكل خرقاً لقرار الشعب السوري وتحدياًله، وكانت المبررات القانونية والوطنية والظروف الدولية متاحة لإسقاط الانقلابيين.. ومع أن عبدالناصر- المنتخب في حينه رئيساً لدولة الوحدة من قبل شعبي البلدين- أمر قوات عسكرية محددة للتوجه إلى سوريا ووأد الانقلابيين.. إلا أنه عاد وأصدر أوامره إليها بالعودة ، مفضلاً تحمل مسؤولية فشل دولة لوحدة وتحمل لوم ملايين الناس في الوطن العربي على أن يتحمل قتل جندي عربي على يد أخيه في السلاح. (4) (4) جدول رقم (1). (5) نوار،إبراهيم،مرجع سابق،ص279. (6) رغم وجهات النظر المتباينة في مدى إمكانية حدوث مشهد الانقلاب العسكري من قبل الجيش، إلا أن هناك اتفاق عام بين القوى الوطنية على ضرورة حصول التغيير من الداخل.. انظر:نوار، إبراهيم،مرجع سابق،صفحات متعددة..,حبيب،كاظم،مرجع سابق،ص108. (7) هذا الرأي يعود إلى أحد القادة العسكريين من المعارضة العراقية. اشترك في انتفاضة آذار 1991 وترك البلاد بعد فشلها.. انظر:نوار،إبراهيم،مرجع سابق,ص88. (8) هذا الرأي يعود لأِحد عناصر المعارضة العراقية،انظر:نفسه،ص271. (9) المنظمة العربية لحقوق الإنسان،مرجع سابق،ص167. (10) حبيب،كاظم،مرجع سابق،ص96،106. (11) يذكر د. محمود عثمان زعيم الحزب الاشتراكي الكردستاني في العراق في مقابلة أُجريت معه في لندن (7/7/1993).. "تُعَلمنا التجربة أننا حتى لو حصلنا على حقوقنا... فإنه لا يمكن المحافظة على الحقوق ما لم تكن هناك ديمقراطية في العراق تضمن لنا هذه الحقوق...".. انظر: نوار،إبراهيم،مرجع سابق،ص140. (12) أصحاب الدعوة لمبادرة قوى الخارج يضم- كما سمّاها فاضل العزاوي السابق الذكر، ص11مجموعات من الأفاقين والمتاجرين بعذاب الشعب العراقي... (13) ف3/ 4- علاقات الجوار.. الجدير بالإشارة أن الأنباء تناقلت أن الكويت أنفقت 5ر4 بليون دولار للأغراض العسكرية عام 1995 وقبلها منذ الفترة 1991 ما مقداره 12 بليون دولار.. هذه الأرقام تعني أن الكويت بالعلاقة مع نفوسها حققت أكبر إنفاق عسكري في العالم..وأصبحت قاعدة أمريكية ومركز انطق القوات الأمريكية في أي هجوم محتمل على العراق. (14) بعد تلكؤ طويل من النظام العراقي بشأن القرار 986- النفط مقابل الغذاء- وبعد مفاوضات لعدة أسابيع والتدخلات الأمريكية والبريطانية في مجلس الأمن لعرقلتها،حسب شهادات أطراف عدة في المجلس،تم توقيع الاتفاق بين النظام العراقي والسكرتير العام للأُمم المتحدة بتاريخ 20/5/1996 لتنفيذ القرار المذكور. متضمناً تصدير جزئي للنفط العراقي بواقع بليون دولار كل ثلاثة أشهر.يتم استقطاع 30% من الإيرادات تعويضات حرب الخليج، وتخصيص الباقي لشراء الغذاء والدواء لصالح الحكومة المركزية (2ر2 بليون دولار) ومنطقة الإدارة الكردية (600 مليون دولار). زيدت في وقت لاحق إلى مليوني دور رغم أنها لا زالت غير وافية لمتطلبات البلاد.
د. عبدالوهاب حميد رشيد، مستقبل العراق: الفرص الضائعة والخيارات المتاحة، دار المدى، دمشق 2004. 2004 SWEDEN ISBN: 91-631-0505-5
#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مستقبل العراق- الفرص الضائعة والخيارات المتاحة- الفصل الرابع
-
مستقبل العراق: -الفرص الضائعة والخيارات المتاحة-0الفصل الثال
...
-
مستقبل العراق: -الفرص الضائعة والخيارات المتاحة--ف2/هدر الإم
...
-
مستقبل العراق: -الفرص الضائعة والخيارات المتاحة-
-
نموذجكم الديمقراطي في العراق.. مقتل متظاهر غير مُسلّح وتسعة
...
-
خمس وعشرون ساعة في بطن الحوت: أروقة الموت الطائفية في سجن ال
...
-
نساء العالم.. ساعدن أخواتكن العراقيات
-
اقتصاد القرن الحادي والعشرين- تلاستنتاج/ المصطلحات/ المراجع
-
اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل السابع عشر
-
اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الحادي عشر
-
مأسسة عدم المساواة في أمريكا
-
اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل السادس عشر
-
اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الخامس عشر
-
حصيلة الصراع في سوريا 60 ألف قتيل قبل نهاية العام 2012
-
اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الرابع عشر
-
اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الثالث عشر
-
اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الثاني عشر
-
اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل العاشر
-
اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل التاسع
-
اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الثامن
المزيد.....
-
بالصور..هكذا يبدو حفل زفاف سعودي من منظور -عين الطائر-
-
فيديو يرصد السرعة الفائقة لحظة ضرب صاروخ MIRV الروسي بأوكران
...
-
مسؤول يكشف المقابل الروسي المقدّم لكوريا الشمالية لإرسال جنو
...
-
دعوى قضائية ضد الروائي كمال داود.. ماذا جاء فيها؟
-
البنتاغون: مركبة صينية متعددة الاستخدام تثير القلق
-
ماذا قدمت روسيا لكوريا الشمالية مقابل انخراطها في القتال ضد
...
-
بوتين يحيّد القيادة البريطانية بصاروخه الجديد
-
مصر.. إصابة العشرات بحادث سير
-
مراسل RT: غارات عنيفة تستهدف مدينة صور في جنوب لبنان (فيديو)
...
-
الإمارات.. اكتشاف نص سري مخفي تحت طبقة زخرفية ذهيبة في -المص
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|