|
الشخصية الشكاكة
اسعد الامارة
الحوار المتمدن-العدد: 1156 - 2005 / 4 / 3 - 11:37
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
نتسائل في احيان كثيرة من هو السوي - السليم- غير المريض فينا ، هل هو المتدين المعتدل ، ام تارك الصلاة ، ام ذو النفس المسالمة والمحب للخير ، ويعلم الكثير منا ان الله يعلم ما في النفوس وقوله الصريح جل جلاله ، انما الاعمال بالنيات ولكل امرء ما نوى . وتظل هذه الجدلية قائمة ولايستطيع احد منا التوصل الى تقدير صحيح للحياة النفسية لدى الفرد ، ولكن علماء النفس اتفقوا على الكثير من الخصائص التي تتجمع لدى الفرد السليم من حيث الشخصية ومنها: الناحية العاطفية ، لديه اقل ما يمكن من الصراعات النفسية والعقلية وله القدرة المناسبة في اقامة علاقة مع الاخرين ، وقدرة في العمل الناجح . من حيث السلوك ، فأنه يتمتع بقدرة على حسم المسائل التي تواجهه بدون اشكالات او معاناة كبيرة او تأجيل في مواجهة ظروف الحياة او محاولة التهرب منها . ولديه القناعة في عمله الذي يمارسه ولا يرغب في التغيير المستمر لنوعية عمله ، كذلك يتواصل مع الاخرين من افراد المجتمع في علاقات اجتماعية ناجحة ربما تؤدي الى الاقتران والزواج او اقامة علاقات ناجحة وتفهم عاطفي مع تجاوب انساني . وفي القدرة الجسمية، فأنه يكون دائما قليل الشكوى من الامراض الجسمية والنفسية او النفسجسمية ، اي الاضطرابات السيكوسوماتيك. وفي حديثنا الان عن الشخصية الشكاكة التي تواجهنا في الكثير من الاحيان في حياتنا اليومية في العمل او في العلاقات الاجتماعية او الاماكن العامة ، ربما كان التأثير الاكبر في مسار هذه الشخصية يتمثل في الزواج ، حيث تتجسم الاعراض خصوصا اذا ما كان احد الزوجين من هذا النمط - أي الشخصية الشكاكة- ففي علم النفس اصطلح على ان الشخصية الطبيعية هي التي يجمع صاحبها في نفسه الاعتدال المتوازن في الخصائص النفسية الانسانية التي يجد صداها وانعكاسها في المجتمع ، وتكون مقبولة عادة في حدود الاعتدال رغم وجود التفاوت البسيط بين الناس ، في الكرم مثلا او البخل ، القسوة او الرحمة والعاطفة ، الانفعال او الهدوء ، المبالاة او الفوضوية او حتى الشك وما الى ذلك من سمات الشخصية ، ورغم ان علماء النفس وجدوا ان هذه الخصائص التي يتميز بها الافراد في المجتمع تقع ضمن الحدود المعروفة للشخصية الطبيعية اذا ما حافظت على المتوسط والاعتدال ، اما اذا زادت فتتحول الى وضع آخر للشخصية، والتي تسمى الشخصية المرضية او غير الطبيعية . يقول علماء النفس هناك نسبة ليست بالقليلة من مجموع الناس ممن تظهر فيهم بعض صفات الشخصية بشكل واضح بحيث تطغي هذه الصفات على غيرها من الصفات الطبيعية الاخرى ،وينظر افراد المجتمع الى شخصيات اصحابها بانها منحرفة عن التوازن الصحيح للشخصية السوية -السليمة. فالشخصية الشكاكة هي احدى انماط الشخصية التي تتوافق في الوضع الطبيعي مع عامة الناس ، وبنفس الوقت نجد ان كل الناس لديهم قليلا من الريبة وقليلا من الظن ، ولكن حينما يزيد هذا الشك والظن الى حد اكبر من المعتاد فأنه يصبح حالة مرضية - غير سوية - ولو تأملنا في ابرز خصائص الشخصية الشكاكة لوجدنا هناك تصلب واضح في اراء الفرد الشكاك وفي تعاملاته وافكاره ،حتى ليبدو لنا انه لايقبل الرأي الآخر ولايقتنع بسهولة بوجهة نظر الاخرين وربما يرفض اراءهم وافكارهم ، وكثيرا ما يتحرى ويبحث عن الدوافع التي تصدر من الاخرين تجاهه ويردها الى ما ورد في ذهنه من احكام مسبقة اومقاييس لايقبل بغيرها. تتصف الشخصية الشكاكة بالحساسية الزائدة وسرعةالتأثر والانفعال ، فهو ينفعل سريعا ويتأثربالموقف بأول علامة تصدر من الشخص المقابل حتى لو كانت غير مقصودة او بحسن النية ، لهذا يجد صعوبة كبيرة في اقامة علاقات دائمة وموفقة وناجحة مع الاخرين ، ويصل الامر بعد فترة ان يجد نفسه معزولا عن المجتمع ، وهذا يزيد من متاعبه النفسية وشكوكه بنفسه وبالاخرين مع زيادة واضحة في الانفعالات الدائمة والتوجس المستمر من الاخرين ، وكثيرا ما تتدهور حالة الشخص الشكاك ، امرأة كانت ام رجلا لتصل الى الحدود المرضية ، وتدخل ضمن تشخيصات المرض العقلي ( الشيزوفرينيا) ، فالضلالات او الهلاوس الداخلية التي يستشعرها الشكاك ، هي استجابات حسية واضحة دون وجود اي منبه او مثير خارجي في احيان كثيرة ، وانما تتكون الافكار وتتشابك في تفكير الشخصية الشكاكة ثم تنفجر وكانها عمل موثق وصحيح ومؤكد لا شك فيه ، وفي اغلب الاحيان يكون الخداع الذهني او التوهم هو السبب ، فصاحب الشخصية الشكاكة لديه صراعات داخلية واحباط في حياته الاجتماعية مع شعور بالنقص، فضلا عن النقد الذاتي الذي كثيرا ما يوجهه الى ذاته ويلومها دائما، حتى يصل به الامر بأن يصدق ما ينسجه من خيالات واوهام وكأنها حقائق عن نفسه اولا وعن الاخرين ثانيا ، فأذا كان متزوجا تتدهور حالته مع زوجته ويقل التوافق بينهما وتضطرب اموره العاطفية معها حتى تبدو لهما الحياة جحيما لايطاق ، فيحسب تحركاتها وهمساتها بكل حساسية وريبة وشك فأذا ما رن التليفون في البيت ازدادت الهواجس واشتعلت الشكوك ، فيغدو عالم الاسرة ميدانا للتصارع لايحتمل ، وكذلك الحال اذا ما كانت الزوجة هي الاخرى لديها شكوك عالية بزوجها او بأهلها او بالاخرين ، حتى تتحسب لكل شاردة وواردة ، وتعتقد ان هؤلاء الناس يضمرون لها الشر بسبب حسدهم لها او انهم يعملون لها عملا مثل السحر او الاحجبة المدمرة (حجاب شر) يستهدف حياتها الزوجية او اسرتها ، وبالتالي فعليها ان تشك بشقيق زوجها وزوجته او اخته او امه ( التي تعتقد الزوجة دائما انها تصنع السحر والاحجبة ) فهي كما تعتقد- الزوجة الشكاكة- انها تريد هدم حياتها الزوجية وبيتها وتشتيتها ، فعليها ان تعنفها او تتصدى لها قبل ان تبدأ هي الاخرى وتبادر بأن تسحب الرجل -الزوج- دون وعي منه بتأثير مفعول العمل "السحر" ، وهكذا تتشابك الاوهام وتنسج الروايات والقصص ويصبح الزوج او الزوجة اسير هذه الافكار التي تختلف تبعا لثقافة المجتمع ، فكل المجتمعات لديها قدر من هذا النمط من الشخصية ، ولكن تختلف اساليب التفكير والشك وانواع الهواجس ففي المجتمعات المتحظرة يسود فيها تأثير اشعة الليزر على الزوج او الذبذبات الصوتية على فكره ، بينما شكوك افراد المجتمعات المتخلفة تتمركز في اعمال السحر وتسليط الجن اوالاعمال النافذة من قبل اشخاص تخصصوا في عمل شئ مؤثر على الزوج او الزوجة او كلاهما ... ان ضلالات التأثير هذه تقود الناس الذين تزداد نسبة الشكوك لديهم اكثر من المعدل الطبيعي الى ان تجعل حياتهم تضطرب في العلاقة مع ا نفسهم ، ومع الزوج - الزوجة - ومع الاقرباء والمحيطين من افراد المجتمع ، هذا السلوك لدى الشخصية الشكاكة انما يحاول به الفرد ان يتيح لنفسه تفريغا للانفعالات المشحونة بداخلة ، ولكن تفريغا غير مقبول اجتماعيا ، يجعله يضطرب اكثر ويتدهور اكثر .. لا يتحسن ولايهدأ .
#اسعد_الامارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التعصب ..اشكالية في التفكير، اشكالية في السلوك
-
الشخصية العدوانيةالمضادة للمجتمع - السيكوباتية-
-
اللاعنف قمة التوافق النفسي
-
الارهاب ..نزاع ضد الابرياء
-
المعقول واللامعقول في العنف
-
لِمَ العنف في العراق
-
المرأة ..مدورة* الاحزان
-
كيف يعالج الدماغ المعلومات
-
الاحباط والضغوط النفسية
-
انفعالات العنف
-
اسلام ضد الاسلام
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|