لا جدال بأن وطننا الآن يعيش أشد أزمة في تاريخه الحديث والقديم أيضا. وفي الأزمات الوطنية الحادة، لا تظهر المصائب مجتمعة وحسب وإنما متشابكة ويعتمد بعضها على البعض كمربعات الكلمات المتقاطعة.
ولا جديد بالقول أن أزمتنا الأولى والحقيقية هي الدكتاتورية الجاثمة على صدر شعبنا ومنذ ثلاثة عقود حصرا، وأشد ما في هذه الأزمة هي مفارقتها التي سمعنا عنها اليوم وهي نسبة الـ 100% التي سيتشمت بنا إثرها المرحوم أنورالسادات. ولا جديد بالقول أن أزمتنا الثانية هي العدوان المتوقع على وطننا والذي هو إمتداد لعدوان متواصل للسنة الثالثة عشر على التوالي.
إلا أننا في هذا المقال سنتناول الأزمة الثالثة والمستفحلة هي الأخرى - المسألة القومية، أو مركزها ومحورها الأساس - القضية الكردية.
إن أهم سمات هذه الأزمة هي:
- أنها كانت نتيجة التقسيم الإستعماري وبقيت نتيجته ومجيرة لصالحه.
- أن صارت مبعثا للمتاجرة لواجهات عراقية فدخلت سوقها تحت شعار مبطن وهو (الفدرالية)
- أن الواجهات التي تتاجر بها تجمعها خطوة لم يسبقها إليها أحد في العرف السياسي، وهي أنها تؤيد غزو وطنها وتضع إمكانياتها المتاحة لخدمته.
وقبل معالجة الحل المطروح - الفدرالية، لابد من ذكر بعض الملاحظات العامة للقضية الكردية في العراق ودول الجوار.
أولا: التاريخ
إن كردستان (بلاد الكرد) إسم حديث نسبيا وأطلقه والي سنجار السلجوقي لؤلؤ في القرن الثالث عشر الميلادي على أحد سناجق ولايته وجعل عاصمته مدينة باها. والإسم العربي القديم للمنطقة هو باقردي، والذي تطور من بوكاردون (الباء المثلثة) الأكدي والذي يعني أبناء الجبال. ولم يكن للأكراد دولة مستقلة في التاريخ على الإطلاق. ومعلوم أننا كلما توغلنا في التاريخ كلمات قلت المتطلبات اللازمة لإنشاء دولة مستقلة. أي إن الشروط الموضوعية لإقامة دولة كردية متوفرة، مثلها مثل توفر الظروف الذاتية وهي الوعي العالي الذي يتمتع بع الشعب الكري. وحين تكون متطلبات الإستقلال جاهزة في كل الظروف تقريبا، ومع ذلك لا يحدث هذا الإستقلال فهذا لا يعني سوى حقيقة واحدة وهي إنتفاء الحاجة إلى الإستقلال. أو بصورة أخرى، يدل على حقيقة التمازج التام بين أبناء المنطقة بحيث يجعل الإستقلال لا أكثر من إنفصال عن النفس. خصوصا إذا ما تكلمنا عن الرقعة الجغرافية التي تمثل العراق الحالي. وفي هذه الرقعة حصرا، ربما كان تشبيه أحد الإخوة لهذه الحالة بالمعادلة البسيطة (كاكة حمة + عبدالزهرة = عبد الزهرة + كاكة حمه) هو الوجه الحقيقي لهذا التمازج. فإن نشأت ظروف لتكوين دولة فلكل أبناء هذا العراق، وإن إختُلوا أو إحتَلوأ، فمعا. وأدق مثال على هذا، المرات الست التي كان فيها العراق مركز أقوى وأكبر الأمبراطوريات في العالم (سومرية، أكدية، بابلية، آشورية، وأيام الإسكندر الذي إتخذ بابل عاصمة له، وأخيرها الإمبراطورية العباسية) في هذه المرات لم يقل أحد أن الفضل فيها لهذه الأثنية العراقية أو تلك. وكدليل آخر، وحين نضجت الظروف لتكوين أول دولة عربية إسلامية في مكة، كان الأكراد من أوائل الملبين، إن لم يكن المبادرين، لفكرة هذه الدولة وفلسفتها. بل ومن منطقة العراق الجغرافية الحالية، ربما كان الصحابي الجليل كابان، هو الشخص الثاني بعد الصحابي الجليل سلمان الفارسي، الذي لبى دعوة الرسول محمد (ص) وإلتحق به.
ثانيا: الوضع الإثني
فإذا سمحت الظروف السياسية، وأراد الأكراد بناء دولة، فمقومات هذه الدولة حسب العرف الحديث متوفرة في تركيا فقط. فما يتواجد من الجسد الكردي في العراق أو سوريا أو إيران (ولبنان وجورجيا) هي قبائل غير متجانسة اللغة، سواءً داخل الدولة الواحدة أو ما بين هذه الدول. مما يجعل تفاهمها البيني دون اللغة العربية أو الفارسية متعذرا. وأذكر إنني كنت رئيسا لرابطة الطلبة الأكراد في طاشقند عام 1977، وكنا عشرة أعضاء في الهيئة الإدارية لم نستطيع التفاهم فيما بيننا إلا باللغة الروسية، خصوصا وأنا أصلا لا أتحدث إلا بضع كلمات فيلية وحسب.
ناهيك عن إن هذه القبائل وفي كثير من الحالات غير متجانسة مذهبيا ودينيا مما ينتج عنه إختلاف بالأعراف والتقاليد بعض الشيء. بينما وبالمقابل فالجسد الكردي الأكبر يقع في تركيا ويتميز بلغة واحدة ومذهب واحد تقريبا وعادات وتقاليد فائقة التماثل، مثلما لإقليم كردستان تركيا مخرج على بحيرة وان وأطرافه قريبة جدا من مضيق البسفور. وهذا ما يشكل هاجسا حقيقيا ماثلا للعيان في تركيا، لذا تحسبا له تراها ترمي بكل ثقلها لمنع أي إستقلال كردي في أي من دول المحيط. ومن هنا تأتي التدخلات التركية في كردستان العراق.
وللعلم فقد بدأت اليوم الغزو المرتقب للعراق حقيقة. جيث دخلت الدبابات التركية هذا اليوم إلى الأراضي العراقي، الأمر الذي سيساقط الأحداث كأحجار الدومينو وبتسارع شديد لن ينتهي إلا والمنطقة تستعل لهبا.
ثالثا: الجغرافيا
إن كردستان العراق محدود الموارد طبيعية، ومحصور أو مخنوق بين أعداء ولا منفذ له على بحر. وكما نعلم من تجربة بوليفا أن سبب إفتقار هذا البلد هو حرب في القرن التاسع عشر فقدت بموجبها بوليفا منفذها البحري. الموضوع الذي أثر بها لدرجة أنها أصدرت طابعا تذكاريا لما إعتبر عيدا وطنيا حين وقعت إتفاقية مع البيرو سمحت لها بممر إلى البحر دون مكوس. وفي كردستان العراق، وحين ذهب بريق الفرح بالحماية الأمريكية، فتحت القيادات الكردية العراقية عينها على هذه الحقيقة المخيفة، فإرتجت تصريحاتها ما بين الإلتحاق بتركيا أو إيران أو العودة الطوعية إلى الوطن الأم العراق.
رابعا: الوجستية
لكردستان العراق مكانة فائقة الخطورة بالنسبة لسهل الرافدين. فتاريخيا هو الحصن الشمالي لهذا السهل، وبدونه ومهما تطورت الأسلحة ومهما تغير مفهوم السوق العسكري، لا يمكن الحديث عن ضمانة أمن هذا السهل بأي حال. كما تمر عبره روافد دجلة، مثلما تمر تحت تربته عوائد الرشح والماء الأرضي المزودة لحوضه. والمعلوم إن جزءً كبيرا من فلسفة الحرب القادمة سيبنى على إستحواذ مصادر المياه أولا. وهو ما سيكون مبعث الحرب المؤجلة مؤقتا بين تركيا وسوريا. ما نعنيه أن كردستان العراق وحسب الواقع الدولي الحالي والقادم، فائق الأهمية لسهل الرافدين. وبالتالي فليس غريبا أن تظهر حكومات العراق المتعاقبة هذا الإهتمام البالغ بالقصية الكردية. ولن يتساهل أي إستراتيجي عسكري مع إنسلاخ المنطقة الكردية عن سهل الرافدين، لأنها فيها موته. وليس صحيحا دائما إدعاء أن الحكومات المتعاقبة حين تريد التخلص من خطر الجيش ترميه في كردستان. بدليل بسيط هو أن الحركة الكردية عالبا ما تبدأ الجولات الحربية. وهاكم مثلا أخيرا، وهو ما تقوله الأخبار الآن عن تصفيات للأقلية العربية هناك مما زرع مقدما أسباب حرب قادمة.
خامسا: اللعبة الكشميرية
إن تجربة الحركة الوطنية الكردية العراقية تحفل بحقائق، أما إنها لم تراجع بعد أو هي شديدة الإحكام فلا يمكن للقيادات التقليدية الكردية العراقية الإفلات منها.
ففي نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، كما هو معلوم، ومن ضمن الأحداث التي شهدتها المنطقة كان الصراع بين السلطان عبد الحميد وجمعية تركيا الفتاة. وقد إلتزم الأكراد جانب السلطان وسموه باف كردان (أبو الأكراد) مناكدة لجمعية تركيا الفتاة التي سمت مسطفى كمال أتاتورك (أبو الأتراك ). وكانت أقوى كتائب السلطان عبدالحميد (الحميدية) تتشكل من الأكراد كليا. والسلطان عبد الحميد كان من أشد معارضي وعد بلفور. وقال علنا: ( إن إقامة وطن قومي لليهود في أراضي الدولة العثمانية لن يتم إلا على جثمانه). وكسر شوكة عبدالحميد لن يتم إلا بسحب تأييد الأكراد له. لذا بدأت الدوائر الإستعمارية الغربية والبريطانية بالأخص، بالترويج لفكرة وطن قومي للأكراد في المنطقة المحصورة ما بين بحيرة وان وشمال الموصل، شريطة أن يسحب الأكراد تأييدهم للسلطان. فرحبت بعض القيادات الكردية بالوعد وسموه (وعد بلفور الكردي). وكان أكبر دعاة هذا الترويج وأكثر المبشرين به، هو الضابط الإنجليزي (ميجرسون) معاصر الحاج عبدالله فلبي وخريج مدرسته، والذي بدوره ذرع كردستان شبرا شبرا ونزل من قلوب العامة والخاصة منزلة الأسطورة في الطيبة والإيثار والإنتصار للكرد. وبدأ الفراق بين عبد الحميد وكتائبة الكردية، وخلع وإنتهى بالتزامن مع إعلان وعد بلفور تقريبا. وإثر تساؤلات عن مصير الوعد الكردي، أعلن أن نصا في معاهدة سيفرس 1920 يتضمن خطوطا عمومية للدولة الكردية. لكن سرعانما تبين أن معاهدة سيفرس ليست غير النص الدبلوماسي لمعاهدة دقيقة التحديد وهي معاهدة سايكس بيكو، التي فضحتها السلطة السوفييتية. وسايكس بيكو تخلو تماما من أي ذكر للدولة الكردية لا من قريب ولا بالتلميح. أي إن وعد بلفور الكردي لم يكن إلا بالونا يشبه تماما البالونات الحالية التي يطلقها بوش بين الحين والحين للقضيتين الكردية والفلسطينية معا.
وحين تبخر وعد قيام الدولة الكردية، بقيت الإلتزمات المفترضة التي قدمتها القيادات الكردية آنذاك. ومجرى الأحداث على مدى الثمانية عقود الأخيرة (منذ الوعد) يوضح بعض الخطوط المشتركة لهذه الإلتزامات؛ وأهمها لعبة إنقلاب اللحظة الأخيرة. فغالبا إن ليس دائما، وفي اللحظة الحرجة من النضال الوطني الكردي، تبتدع القيادة الكردية أمرا غير متوقع وتنقلب على نفسها كليا. على سبيل المثال: في معركة مهاباد، وبدون مقدمات إنسحب وزير دفاع جمهورية مهاباد الراحل الملا مسطفى البرزاني مع 400 من أعلى مراتبه وضباطه ولجأ إلى باكو، وترك الجمهورية عرضة لقوات الشاه التي أبادتها بعد يومين فقط من إنسحاب الملا. وعدد الأربعمئة هو عمليا كل القيادات والمراتب العسكرية والمتخصصة العليا لهذه الجمهورية الفتية. ثم، ودعما لتوجهات شركات النفط في محاربتها لحكم الزعيم الراحل عبدالكريم قاسم، ورغم إعتراف دستور الثورة المؤقت بحقوق الأكراد، ورغم إستقبال الزعيم المرحوم عبدالكريم قاسم للسيد مسطفى البرزاني إستقبال الأبطال، رغم هذا وبلا مقدمات أو بمقدمات مفتعلة أعلن البرزاني الحرب على الزعيم، ثم وضع قواته تحت تصرف قوات السنتو التي بدأت الإنزال في الأردن ولبنان تمهيدا للهجوم على الجمهورية العراقية الفتية. ثم كما هو معلوم تحالف مع إنقلابيي شباط الأسود في إغتيال الجمهورية. الأمر الذي تباهى به الملا رحمه الله قائلا: ( لن يتمكن البعثيون من قتل الذئب لولا إننا أثخناه بالجراح). ومثل هذه التقلبات المفاجئة والمثيرة حدثت أيضا عام 1964 حيث فاجأ البرزاني القوات الكردية التي كانت على وشك الإنتصار في معركة (زوزك) وأعلن الهدنة مع عارف وطلب اللجوء إلى إيران. ثم، وحين أعلن إستقلال كردستان وعلى صوريته، كان أول فعل قامت به القيادات الكردية هو بيع معامل ومنشئات كردستان بالمزاد، ثم وأخيرا وفي كل لحظة إستقرار تبدو، ينبري طرفا الصراع لحرب ضروس تحرق الأخضر واليابس.
ومن مواصفا هذه السلوك المريب، هو أن القيادة الكردية وضعت مقدرات الثورة الكردية وبلا مبررات منطقية بيد ضابط من الموساد (لبكوب) فجعلت قرار الحركات العسكرية أسيرا بيد موظف بسيط في وزارة الدفاع الإسرائيلية. ومفارقة العلاقة مع إسرائيل توضحها أيضا قضية مأساة حلبجة. فقد تبنت إسرائيل الدفاع عن الضحايا وأخذت على عاتقها متابعة المسألة عالميا. وعقد لأجلها مؤتمر في باريس بإشراف اليهودية الصهيونية السيدة ميتران. ورغم إن المؤتمر عقد تحت شعار مكافحة إستخدام الغازات السامة، ورغم إنه عقد إثر المأساة، ورغم الطابع الرثائي التوراتي الذي أسبغته الدعاية الإسرائيلية والغربية على الفاجعة، نجد أن السيدة ميتران التي نظمت المؤتمر، منعت الأكراد من التظاهر أو رفع اللاّفتات المعادية لإستخدام الغازات السامة، ثم خلت وثائق المؤتمر وتوصياته من أي ذكر لضحايا حلبجة وأي إدانة ولو بالإيحاء لحكومة بغداد. وبالمقابل حفل الإعلان بجمل مكافحة الإرهاب وزعزعة الإستقرار،،،الخ. أي خرج الكرد من هذا المؤتمر بمكرمة سماح الصهيونية لهم بالإشتراك في الدفاع عن شعب الرب المختار.
مختصرا، فالدور المرسوم للقضية الكردية كما أراه هو أن تكون كشمير الشرق الأوسط، تشعل كلما إجتاج أصحاب القرار الإستعماري إلى أزمة.
هذه هي الخلفيات
لكن دولة كردية بهذا الشكل أو ذاك موجودة على الأرض لها برلمان ورئيس ووزراء وسجون وشرط ،،الخ.
نعم هذه حقيقة، حتى لو تناسينا واقع هذه الدولة المر والفائق الغرابة في الوقت نفسه، ولو تناسيا السؤال البسيط: (أي دولة نعني - البرزانية أم الطلبانية؟) حتى لو تناسينا هذا الواقع، فهذه الدولة ليست دولة وإنما محمية مؤقتة لا غير. وذلك لأربعة أسباب جوهرية، هي:
1 - إن الفرز الطبقي في كردستان على أشده، ودخل مرحلة اللاعودة في التناحر. بدليل أن للبرجوازية الكردية دولة (طلبانية) وللإقطاع الديني والسياسي والعشائري دولة (برزانية) وفي كلا الدولتين تعاني الأقليات والأثنيات غير الكردية، بل وغر البرزانية أو غير الطلبانية، الأمرين. ونسبة الأثنيات في كردستان أعلى من نسبة الكرد. فلو إستقل الكرد فمن باب المنطق أن يطالب التركمان (ونسبتهم إلى الكرد كنسبة الكرد إلى العرب عموم العراق) ومثلهم الأرمن واليزديين والآشوريين والعرب ،،الخ كل يطالب بإستقلاله أو بحقوقه القومية، لنكون بالنتيجة أمام بلقنة لكن على مستوى مشوه ومصغر وأكثر إحترابا. ثم أيها هي اللغة الرسمية لهذه البلاد أو تلك، السوراية البادنانية الكرمنجية؟؟ مع ملاحظة أن متكلمي كل واحدة من هذه اللغات أقل عددا من التركمان أو الأرمن على سبيل المثال.
2 - إن دول الجوار تعيش حالة ترقب لا يسمح بإتضاح موقفها الحقيقي. فهي ما إن بدأت تنتبه وتحص آثار الحرب العراقية الإيرانية، بوغتت بالعدوان الثلاثيني، ثم بالإعتداءات المتكررة على العراق وفلسطين ثم إحتلال أفغانستان. وها نحن نترقب الغزو القادم الذي سيكون حتما مقدمة لغزو آخر. أي إن دول الجوار في حالة تأهب مشحون، ما أن يتسقر ولو لسنين، ستبدأ ولاشك ردات فعلها الحقيقية بالإتضاح. وهي أحد أمرين. أما القبول الكلي بالوضع الجديد. أي أن تقع إيران والعراق وسوريا وتركيا تحت السيطرة الأمريكية، وستكون الضحية الأولى هي المحمية الكردية، لأن أمريكا مهما يكن لن تضحي بدول وبترول وجغرافيا لأجل دولة قزمة، ومعاهدة سايكس بيكو شاهدة. أو أن تبدأ المقاومة وهو الأمر المرجح، وأكاد أجزم أن هذا هو الذي سيحدث ولن تقوم لأمريكا قائمة إثره. وأول يوم تنسحب فيه أمريكا من المنطقة ستكون المحمية الكردية أول الضحايا.
3 - إن واقع العولمة يفرض التكتل وليس الإنفصال. وإنطلاقا من هذا الواقع بدأت الدول الأوربية وحتى تلك المنافقة عن وطن الأكراد، بالتقارب فيما بينها لحد فقدان الإستقلال الوطني رغم إختلافاتها الجوهرية الأثنية والعرقية. وهي حالة نتاج تجارب مريرة لأربعة أو خمسة قرون من التفرق والتطاحن والحروب الكونية.
4 - إن كردستان هي جزء لا يتجزأ من التراب الوطني العراقي، والكرد جزء لا يجزأ من الشعب العراقي، وبالتالي، فمصير الإتحاد أو الإنفصال لا يقرره طرف واحد. وهو سيعجز حتما عن تحمل عبء إستحقاقات القرار اللاحقة. والشعب العراقي عموما لا ولن يقبل بإنفصال كردستان وتحت أي ظرف. أما إنه الآن مهيض الجناح فالله المستعان.
فإن تاجرت بعض القوى بهذه القضية ورفعت شعار (الفدرالية للكرد) فهي أما جاهلة لعواقب ما تقوله، أو هي مأمورة برفعه لتهيئ الأسباب للغزو.
وقد بدأ الغزو بدخول القوات التركية اليوم إلى الأراضي العراقية.
لذا، فإن الحل الأسمى والأسلم للقضية القومية في العراق من وجهة نظرنا نحن الحزب الشيوعي العراقي - الكادر، هو ليس الفدرالية ولا أي شكل من أشكال الإنفصال.بل الديمقراطية الشعبية عموما والتنظيم الإداري على الطريقة الولائية (الولايات) على النمط الإسكندنافي. وحين تأخذ السلطة المركزية على عاتقها حماية الديمقراطة وتكفلها للجميع، وحين تقوم الدولة على أسس علمانية أممية، عند ذاك تنتفي الحاجة لأية حركات إنفصالية.
الدكتور نوري المرادي