أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نضال نعيسة - المـوت الرحيــم















المزيد.....

المـوت الرحيــم


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1156 - 2005 / 4 / 3 - 11:31
المحور: حقوق الانسان
    


الموت الرحيم Euthanasia,وهو الحل الأخير لكل من وصل إلى حالة صحية, وعقلية مزرية, لا تمكنه من فعل أي شيء على الإطلاق.ويدور الآن ,وفي هذا الصدد, سجال وصراع قانوني عنيف في أمريكا,من أجل المواطنة الأمريكية تيري شايفو, التي قضت نحبها, منذ يومين اثنين, بعد أن نزع عنها الأطباء أنابيب التغذية منذ خمسة عشر يوما ,فيما يواجه حوالي أربعين قاضيا احتمالات التحقيق معهم بهذ الشأن,بسبب موجة الحزن العارم التي اجتاحت الشارع لموتها.ويعتبر هذا الموضوع الإنساني والقانوني الشائك من أعقد المواضيع الأخلاقية التي تتم مناقشته في الغرب وسط شد وجذب ,ومع وضد.ولا يوجد إلا عددا ضئيلا جدا من الدول ,قد شرعته وحللته,وطبعا بعد إجراءات قانونية معقدة قد لا تسير للنهاية المتوخاة في بعض الحالات.وهذا ينطبق طبعا ,على حالات محددة جدا وميؤوس منها على الغالب.ويتم ذلك عن طريقة هيئة محلفين Jury, , مختصة تتولى أخذ قراراتها بالتصويت,ولا تصلها القضية للفصل والبت بها ,إلاّ بعد المرور في دهاليز قانونية ,وبيروقراطية وطبية,صارمة. وهذا يدلل, فيما يدلل على القيمة العظيمة, والمطلقة, التي يوليها هؤلاء الناس للنفس البشرية,وإن كان البعض سيقول إن هؤلاء الناس دعاة حروب وقتلة,ولكن هذا موضوع سياسي آخر.ونحن هنا بصدد ماينظر هؤلاء إلى حياة مواطنيهم ,والقوانين التي تجرّم,وتحرم الإعتداء ,أو سلب الآخرين حياتهم التي وهبتهم إياها الطبيعة, وحين يموت أحد ما فيجب أن يموت بطريقة لائقة.وفي اللحظة التي كنت أكتب فيها هذا المقال جاءتني رسالة عاجلة من خدمة CNN Breaking News,تفيد بإنقاذ حياة رجل أندونيسي من تحت أنقاض الزلزال بعد خمسة أيام على وقوعه.وتذكرت أولئك الذين مكثوا لعشرات السنين تحت أنقاض الشموليات ,وهم مازالوا "عالقين" وعلى قيد الحياة,ولكن بدون أي خبر عاجل,أو أي أحد يهتم بإعادتهم للحياة.

إذا كان هذا قد حدث في أمريكا,فمن يلتفت للملايين التي نُزعت عنها أنابيب التغذية العقلية ,والساسية,والحضارية,والإنسانية ,وتعيش حالة من الموت السريري , والشلل التام في كل مناحي الحياة المختلفة.وهل هناك من حاجة لاستصدار قانون للموت الرحيم الذي يريح الناس من حالة الغيبوبة الحضارية التي تعيش فيها,وهي تواجه الموت والهلاك في ظل الشموليات التي لا تقيم أي وزن للحياة البشرية ؟ولا توجد فيها هيئة محلفين تقرر إنهاء حياة هذه الجموع الغفيرة الميؤوس منها ,ويتولى مهمة المحلفين هنا العرفاء ,والخفراء ,والجلاوزة في السجون والتي تسرطنت أكثر من المستشفيات ,والمدارس,ومؤسسات المجتمع المدني ,والمنديات, والجامعات.أم ننتظر حتى يقضي رب العزة والجلال بمصيرهم؟ولا سيما أن أحدا لا يناقش أحدا عندما يقرر قصف الأعمار بالجملة,وزرع الموت بالجملة في كل مكان,وإرسال الملايين لتلاقي حتفها بمختلف الأشكال.وموضوع الموت الرحيم وغير الرحيم غير موجود ,وهناك عنوان واحد للموت, ولا داعي لتنويع وفذلكة المسميات.وكل يوم يموت المرء ويعيش ألف مرة قبل أن يُطبق عليه المساء ,في عرين أنظمة الموت والهلاك الظالم. إذن إن مسألة الموت الرحيم غير واردة على الإطلاق,وستستمر طقوس العذاب بأبشع الأشكال حتى نلاقي وجه ربنا ذي الإكرام والجلال.ولن يسمح لأحد أن يموت بأي شكل من الأشكال إلا بعد استصدار "الموافقات" المعروفات,وعن طريق التسلسل وبمعرفة تجار الموت و"الحانوتية" في "الجبّانات" ,التي لا تعترف إلا بالموت الرسمي والمقابر الجماعية ,ولا يسمح لأي كان, أن يموت هكذا كما يحلو له ,وبطريقته الخاصة ,واختراع ,واستيراد خزعبلات وترهات مستوردة من عند الأمريكان.والحياة التي وهبتها الطبيعة, أصبحت ملكا للأسياد, وقصّاف الأعمار, فهم وحدهم من يفتي,ويقرر متى تنزع أنابيب الحياة.

لقد نزعت سنوات طويلة من ممارسات التعسف, والإقصاء جميع أنابيب التغذية والحياة ,الإقتصادية ,والسياسية,والفكرية فأصيبت الأوطان بالموت والكساح .واستمرت جموع غفيرة تعاني سكرات "الموت الظالم" ,وقهر القوانين ,والتعدي على الحريات والحياة, ولا يعبأ احد بما وصلت إليه من بؤس وترد وانحطاط.وهي بحاجة لمن يطلق عليها رصاصة الرحمة "لتنعم بالموت", وذلك أفضل من بقائها والعيش في هذه الحالة.وفقدت كل وظائفها الحيوية من إبداع,وعيش رغد وبحبوحة , وخلق ,وابتكار,ومواكبة للتطور الإنساني الذي قطع أشواطا بعيدة.وأصبحت تطارد اللقمة المغمسة بالذل والعار في كل الأمصار, وتحاول التكيف مع ضنك العيش والألم والعذاب.وتُركت لوحدها في عراء الأوطان تواجه مصيرها المحتوم, وتتألم ,وتطلب أي نوع من الموت,المهم أن يخلصها من براثن,وجحيم الشموليات.

وكما يصل الأفراد والشعوب إلى حالات ميؤوس منها ,هناك أيضا أنظمة وصلت هي الأخرى إلى حالة مزرية بفعل سنوات طويلة من السبات,والعقم ,والترهل,والتسويف ,وبطء الإجراءات, والعيش في أوهام الماضي, والخرافات السياسية المنقرضة,وينتظر الجميع موتها,ونزع أنابيب التغذية عنها ,حيث لم تحقق أي تطور,وفشلت كل وسائل العلاج معها ,كما أن وصفة الإصلاح التي أطلقها "حكماء" الجامعة لم تنفع في إعادة الوعي لها.وقد أضحت في غيبوبة , وماتت دماغيا ,وأصيبت بتلف في المخ, بعد أن تخلفت ,بمكابرة رعناء, عن مسايرة المتغيرات, وتعيش في عزلة تامة عن شعوبها وتنتظر اجتماع مجلس الأمن ,و"هيئة المحلفين "Jury, لتقرر متى ,وكيف ستُنزع عنها "أنابيب التغذية",وصارت مثارا للشفقة, من شدة الإعياء ,وتعاني صعوبات في التنفس وقصر في البصر ,وعمى في البصيرة ,وشلل في الحركة والأداء. وقد أصبحت "هيئة المحلفين" الدولية هذه, مختصة بالوضع الصحي للميؤوس من شفائهم وعودتهم للحياة الطبيعية. وتصدر لهم قرارات الموت الرحيم,الذي ينجيهم من الألم والمعاناة,ويريح الناس منهم كما حصل مع المهيب الركن قاصف الأعمار,وجابي الأرواح الأكبر في تاريخ بغداد.كما كانت دارفور بالأمس, عنوانا لقرار بالموت الرحيم, لنظام بائس استدعى اجتماع هيئة المحلفين الدولية, لإرساله إلى العالم الآخر ليرحل غير مأسوف عليه للهلاك,محملا بأموهامه ,وأباطيله ,وجرائم ما اقترفت يداه ,إلى مثوى المنقرضين والنافقين الأموات, بعد أن فشلت كل المحاولات لإعادته للحياة.وهناك الكثير من المرضى وتالفي الدماغ مازالوا بانتظار إعلان مراسيم الحداد على لائحة الإنتظار.

إنه الموت الرحيم ,الحل الأخير للعاجزين عن الحياة.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كـذبة نيسـان الكبرى
- موسـم إغـلاق الملفـات
- مجــــرد فكــرة
- شُكـر على تعزيـــة
- الـــراعي والــذئب
- اكتشافات عظيمــة
- أغبيــاء بلا حــدود
- عندمــا يتأدب الجنرالات
- خلايـــا نائمـــة
- قمــة الهــــاويات
- مهمـة مستحيـلة
- حرب النكايات والضرّائر السياسية
- اللقمـــة السائغــة
- طوفــان الإنترنت
- ليل العــربان الطويل
- طغـــــاة بلا حـــدود
- المجتمعات الذكورية والفحولة الشمولية
- عصـــر التحــولات
- تراث المخابرات في كتابات الأدباء
- إيــّـاك ....ثمّ....إيــّـاك


المزيد.....




- الأونروا: أكثر من مليوني نازح في غزة يحاصرهم الجوع والعطش
- الأونروا: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال ...
- الاونروا: الحصول على وجبات طعام أصبح مهمة مستحيلة للعائلات ف ...
- الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
- غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
- الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
- 11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
- كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت ...
- خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال ...
- صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نضال نعيسة - المـوت الرحيــم