|
أنا ضد الشريعة
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4016 - 2013 / 2 / 27 - 12:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لأنها لا تخصني. لست أنا الذي وضعها. قد تكون الشريعة الإسلامية هي بحق أعظم ما فوق الأرض وما تحت السماء معاً، لكنني لا أزال ضد الوصفات الجاهزة؛ أنا أريد أن استخدم قدراتي العقلية والبدنية الذاتية المتواضعة، أحاول وأجتهد بنفسي، أصيب وأخطئ بنفسي، أجرب وأتعلم بنفسي، ومن خلال نوابي المنتخبين- نواب الشعب العائش الآن لا الذي كان قبل ألف سنة- بالسلطة التشريعية؛ هؤلاء، هؤلاء وحدهم لا أي أحد غيرهم، هم المشرعون الشرعيون الوحيدون في أنظمة الحكم الديمقراطية. أنا أريد أن أحل مشاكلي بنفسي، لا أجلس كسلاناً بليداً، غبياً مغيباً معطل القدرات أتوسل الحل أن يتنزل سهلاً مطبوخاً جاهزاً من السماء أو يأتي مغبراً مترباً شاحباً هزيلاً من تعب سفر ألف سنة في الماضي الأسطوري على الأرض. الشريعة هي مجموعة حلول قديمة لمجموعة من المشاكل القديمة في زمانها. أما أنا، مشاكلي اليوم جديدة ومتجددة بسرعة تحتاج حلولاً جديدة ومتجددة بسرعة مثلها. لهذه الغاية، أقمت السلطة التشريعية ممثلة في البرلمان وجعلت شغلتها الأساسية أن تستمع للخبراء والمتخصصين في كل مجال، وتبحث وتتداول وتجتهد وتوجد حلولاً مجدية لمشاكل دوائرها الانتخابية لا أن تجلس بليدة غبية بلا شغلة مفيدة، تسفسط وتجتر حلولاً جاهزة لمشاكل قديمة تتوهم أن مفعول صلاحيتها ممتد في الزمان والمكان.
في علم العصر الحديث، لم توجد السلطة التشريعية لكي تفتش بين آيات القرآن وتنقب وسط أكوام الأحاديث النبوية وتجوب أطنان مأثورات الصحابة ومؤلفات الأئمة الأربعة ومجاميع أهل الفقه والحل والعقد، والسنة والجماعة...الخ بدل أن تكلف نفسها جهد الدراسة والبحث وإيجاد الحلول المناسبة في ظل معطيات جديدة وواقع متغير كلما عرضت عليها مشاكل مثل: ماذا يمنع من أن تترشح المرأة لجميع الأعمال والمناصب في الدولة، حتى العسكرية والقضائية والوزارية والرئاسية؟ لماذا لا يحق للأقليات الدينية الترشح للمناصب ذات الولاية العامة العليا، ولا يعطى لهم حق ممارسة شعائرهم وبناء أماكن عبادتهم الدينية بحرية وتسهيلات مثل الممنوحة لدين الأكثرية؟ ما الضرر على لحمة الدولة القومية من تهنئة المسيحيين، أو الأقليات الدينية عموماً، بأعيادهم؟ هل تستمر المرأة في الحصول على نصف ما يحصل عليه الرجل من الميراث؟ لماذا؟ هل تستمر الزوجة تعيش طوال حياتها تحت رحمة الزوج، مهددة بالطلاق والتشرد مع صغارها في كل وقت بمجرد بضع كلمات تافهة تخرج من فم زاعق في أي لحظة غضب عابرة؟ هل هذه الطريقة في الطلاق من طرف واحد تصب فعلاً في مصلحة أمن واستقرار الأسرة؟ هل تكفل المساواة؟ هل تعدد الزوجات يساهم حقاً في حل مشكلة العنوسة في الوقت والمجتمع الحاضر، حتى لو كان كذلك بالفعل في الماضي البعيد؟ هل جلوس المرأة في البيت يسهم في خلق فرص عمل جديدة للرجل، وفي رعاية النشء بشكل أفضل؟ هل توسيع دائرة العزل والفصل النوعي بين الجنسين في أماكن التعليم والعمل والترفيه كما هو حادث في المملكة العربية السعودية مثلاً يسهم حقاً في السلم والنمو والتقدم والرفاه الاجتماعي؟ هل الديمقراطية- أن تكون السيادة للشعب وحده ممثلاً في دوائره الانتخابية ومن خلال نوابه بالبرلمان وليس لأي هيئة أخرى فعلية أو متصورة- كنظام حكم متوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية المستولدة من الفكرة المحورية أن السيادة والحاكمية لله الواحد الأحد الذي لا شريك له؟ كيف ندير ونتدبر شئون السياسة الخارجية والداخلية والدفاع، الاقتصاد والزراعة والصناعة والتجارة والمالية، الثقافة والسياحة والإعلام والتعليم والصحة والطفل والأمومة، القضاء والعقوبات...الخ؟ مثل هذه تكون سلطة تشريعية معطلة، صورية ديكورية لاستكمال شكل ديمقراطي أجوف ومزيف، حبر على ورق وكلام فارغ دون وجود حقيقي مؤثر على الأرض. هذه تكون دار إفتاء، لا مجلس تشريعي.
مجلس تشريعي بتشريعات جاهزة من قبل انتخابه بأكثر من ألف عام؟! هل هذا معقول؟! فيما الحاجة له إذاً؟! خلاف طبخة السمك اللبن التمر هندي، كناية عن الارتباك والتيه والانفصام العقلي، في منهجية تفكير وتحرك الساسة الإسلاميين في أمور السياسة والحكم والتي أوصلتهم إلى محدثة "الدولة المدنية الديمقراطية ذات المرجعية الإسلامية" حيث تصبح إقامة "الديمقراطية الإسلامية" (عوضاً عن إحياء الخلافة الإسلامية المنقرضة) ممكنة ويتحول المجلس التشريعي إلى مجلس إفتاء، لا يمكن أبداً أن توجد سلطة تشريعية حقيقية من دون أن تشرع بنفسها، ولا ديمقراطية من دون سلطة تشريع مستقلة قادرة على أن تشرع بنفسها. في أنظمة الحكم الديمقراطية، التشريع يكون من أوله إلى آخرة عملية بشرية خالصة مائة بالمائة. أما في أنظمة الحكم الدينية، دائماً يكون الرب وشريعته الإلهية الكاملة الجاهزة من آلاف السنين حاضرة عند بداية النفق يرجع ويحتكم إليها الجميع أمام كل مشكلة ونزاع.
لا ديمقراطية من دون حق الاختيار. وبينما أنا لا أستطيع حتى أن أفتح فمي إذا قال الله وقال الرسول وقال الإمام، أنا أستطيع أن أتكلم بحرية وأختار وأحاسب وحتى أبدل مع الانتخابات المقبلة الشخص الذي يمثلني وينوب عني بالبرلمان إذا لم يوفي ما اخترته له. على هذا أنا أرفض الشريعة مهما كانت عظيمة، ببساطة لأنها ليست من اختياري ولا تضمن لي أصلاً أي حق اختيار؛ أنا أفضل على الشريعة الإسلامية الغراء الكاملة النائب البرلماني مهما كان وضيعاً ومعوجاً لأنني، في ظل المنظومة الديمقراطية، اخترته بإرادتي الحرة وقادر على أن أقومه، لكنني لم أختار الشريعة ولا أملك أن أقومها. أنا ضد الشريعة، لأنها ليست شريعتي. هي كانت شريعة أجدادي من قدماء المسلمين في زمانهم القديم، وضعوها لحل مشاكلهم التي أصبحت قديمة بالنسبة لي هذه الأيام. أنا شريعتي الحقيقية أصنعها بنفسي تحت قبة البرلمان المنتخب، وليس في أي مكان آخر.
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا، لا تخافي من الإسلاميين
-
صلح السنة والشيعة
-
أخطاء قاتلة في التجربة الإسلامية في الحكم
-
موضوع في خدمة مشروع سياسي
-
يعني إيه ثورة
-
حرية الارتباط والزواج قبل الديمقراطية
-
جبهة الإنقاذ وضرورة العمل المتعدد المسارات
-
حول المشكلة الإسلامية (4- الصنمية)
-
المرشد العيرة والتقليد الفاشل
-
التحول الثوري الثالث
-
الثورة تقتل أبيها، لكن لا تفنيه
-
ثورة خرجت من بيتها
-
حول المشكلة الإسلامية (3)
-
حول المشكلة الإسلامية (2)
-
حول المشكلة الإسلامية (1)
-
احترام الأديان من احترام الإنسان
-
الله في أبهى ثوب
-
أنا موجود إذاً الله موجود
-
أنا موجود، الله موجود؟
-
والله لا يتكلم
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|