|
حتى لا تخسر القضية الفلسطينية شعب مصر بسبب حماس
مصطفى مجدي الجمال
الحوار المتمدن-العدد: 4016 - 2013 / 2 / 27 - 07:35
المحور:
القضية الفلسطينية
لم أجد مفرًا من التحدث في هذا الموضوع الشائك جدًا.
وأبدأ بأن أحدد المنطلقات الأساسية التالية:
(1) هناك وعي قوي لدى المصريين عمومًا بأن فلسطين قضية أمن قومي مصري بالدرجة الأولى. وعداء المصريين للدولة العنصرية الاستيطانية ليس محل نقاش، وبمستويات أزعم أنها لا توجد في أي بلد عربي آخر. وفي كل عائلة مصرية إما شهيد وإما من خاض تجربة القتال ضد العدو الصهيوني. والموقف من التطبيع مع العدو واضح.
(2) إن القوى الرجعية والعميلة للإمبريالية العالمية قد اعتمدت أساسًا في دعايتها الانعزالية على أخطاء القيادات الفلسطينية. فإذا كانت النظم العربية قد أمعنت التدخل في الشأن الفلسطيني بدعاوى مختلفة، فإن تدخلات فلسطينية معينة في الصراعات السياسية الداخلية بالبلدان العربية- لأسباب حزبية أو أيديولوجية أو براجماتية- لم ينتج إلا الكوارث على قضية الشعب الفلسطيني ذاته.
(3) لقد اشترك نظام مبارك الإجرامي في حصار وتجويع الشعب الفلسطيني في غزة، هذا أمر لا نقاش فيه، لكنه كان محل سخط ساحق من الشعب المصري الذي عبر عن تضامنه بكل الصور الممكنة رغم الاستبداد والقمع.. وكانت الأنفاق بين غزة وسيناء حلاً لتنفيث هذه الأزمة، غير أنها كانت في الوقت نفسه وسيلة لتهريب المخدرات والسلاح والسلع المدعمة والمسروقة والبشر، وأنتجت اقتصادًا سياسيًا مشوهًا أثرى عصابات وجماعات على الجانبين. وبعد ثورة 25 يناير، أصبح من الممكن تخفيف الحصار، وإن بشكل غير كافٍ طبعًا. إلا أن الوضع الأمني الرخو في سيناء، وفي مصر عامة، لا يبرر أبدًا محاولة فرض أوضاع معينة على الأرض تثير حفيظة الجيش والمواطنين في سيناء ومصر عامة، خاصة فيما يتعلق بفوضى السلاح، ونشاط العصابات الإجرامية منها والإرهابية الظلامية..
(4) ليس المقصود بالتدخل إبداء الرأي أو النقد أو حتى التضامن مع هذا الفصيل أو ذاك في البلد العربي المعني- وإن كان هذا أيضًا يجب أن يخضع لمعايير ومحاذير معينة- وإنما أقصد أساسًا التورط في أنشطة على الأرض، خاصة إذا كانت مسلحة.
أما عن الموضوع.. فهو في عجالة أن الثورة المصرية تمر بحالة استعصاء وقتي إثر استيلاء جماعة الإخوان على السلطة في مصر، بعد صراعات معقدة، وبمباركة صريحة من الإدارة الأمريكية وقبول إسرائيلي. ومن أهم أوراق الاعتماد التي قدمها مكتب الإرشاد في هذا الصدد أنه الوحيد القادر على "ضبط" تصرفات حكومة حماس في غزة، بما يضمن أمن إسرائيل في النهاية مقابل هدنة ضمنية لعشرة أو عشرين عامًا. وهو فيما أعتقد المطلب ذاته الذي تسعى إليه حماس.
يقوم التصور الإخواني- في مصر أو فلسطين سيان- على أن قيام الخلافة الإسلامية يحتاج إلى إلى فترة معقولة نسبيًا من أجل التمكين في السلطة وعلى الأرض.. وبعدها يكون لكل حادث حديث.. ولكن عقلية الهدنة أو المهادنة هذه تحتاج إلى تحقيق شيء على الأرض لإخراج غزة من أزمتها البنيوية الاقتصادية والسكانية.
وقد وجدت القوى المتآمرة على الشعبين الفلسطيني والمصري الحل الشيطاني في استدراج حماس وإخوان مصر عمليًا نحو فكرة وطن بديل للفلسطينيين على أرض سيناء.. مستفيدة في هذا من القيود المفروضة على حجم وتسليح وتحركات الجيش المصري فيها، ومن أيديولوجية الإخوان التي لا تعترف فعليًا بالدولة الوطنية، وتتحرك في أفق الأمة الإسلامية.
أما "الملاط" المستخدم في هذا المشروع التصفوي للقضية الفلسطينية فيتمثل في فكرة "السلام الاقتصادي" لأبيها الروحي شيمون بيريز، والتي كُلِّف المال القطري بتنفيذها في صورة "منطقة اقتصادية حرة" لتشغيل الفلسطينيين، والتي يمكن أن تتواصل مع منطقة أخرى بدأ التخطيط لها فعليًا حول قناة السويس، والتي تعتبر عنوان الشرف الوطني في جغرافية وتاريخ وثقافة الشعب المصري..
يتلهف مكتب الإرشاد، والتنظيم الدولي لجماعة الإخوان، على تنفيذ هذا المخطط بأسرع ما يمكن، كما تتصور قيادات حماس أن هذا هو السبيل لإخراجها من ورطتها التاريخية الحالية، خاصة أنه سيعفيها من دعوات المصالحة وصداعها.
يريد زعماء الإخوان في مصر من حركة حماس أن تقف معها بكل قوة وعند الحاجة ضد المقاومين لبرنامج الأخونة في مصر، خاصة أن هذا المخطط مازال يتعثر في مجال السيطرة على المؤسسة العسكرية، والمؤسسة الأمنية بدرجة أقل.. وبالفعل تتواتر المعلومات عن هذا التدخل، فلا أسرار في مصر، لكننا لا نحب إشاعتها بتوسع حتى لا تؤتي آثارًا سلبية على نفسية وتعاطف المصريين عامة، والقوى السياسية الوطنية بشكل خاص.
غير أن الأخطر يكمن في احتمالات المستقبل.. فمن المؤكد أن سلطة الإخوان ستتعرض في غضون عام لتهديد حقيقي، سلمي أم عنيف، مدني أم عسكري، منظم أم فوضوي.. ومن المؤكد أن الإخوان لن يقبلوا بالمرة التنازل سلميًا عن أي قطعة من السلطة استولوا عليها في ظروف خاصة.. ومن هنا تأتي خطورة التدخلات الخارجية..
ومن نافلة القول إن المصريين حساسون- ربما بشكل يراه البعض مبالغًا فيه- تجاه أي تدخل خارجي، حتى لو كان من أشقاء. وبوضوح أكثر فإن إقدام حماس على تغليب انتمائها الحزبي للإخوان على القواعد الرفاقية الثابتة للعلاقات بين الثورات والشعوب.. ستكون نتائجه وخيمة جدًا ليس على حماس فحسب، وإنما للأسف على مشاعر التضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية.
لا أوجه حديثي هنا لقيادات حركة حماس، لأن الظن أغلب الظن أنها لا تستطيع التملص من أوامر مكتب الإرشاد والتنظيم الدولي، ولأن الصفقة المطروحة عليها يسيل لها اللعاب، ولأن تمكين الإخوان في مصر يفتح أمامها آفاقًا أوسع من محدودية غزة..
إنما أوجه حديثي لسائر أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق، ولطلائعه السياسية المسئولة كي يتنصلوا من نزق حركة حماس في التعامل مع الشأن المصري، وخاصة الاشتراك في المقامرة الكبرى التي تقوم بها جماعة الإخوان في مصر الآن.. وإلا فإن الخسارة على مستوى تضامن الشعب المصري ستكون كبيرة، ولن يمكن استعاضتها قبل فترة غير قصيرة من الزمن..
#مصطفى_مجدي_الجمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول الدعوة إلى تنظيم شيوعي للشباب
-
السياسة الثورية.. وإلا الخيار نيرون !!
-
قهر الفاشية.. أو الخروج من التاريخ
-
لنكسر الفاشية أولاً
-
ارتباك في بر مصر
-
بلطجة نظام مرسي وجماعته لن تخيفنا
-
لا وقت للميوعة
-
حديث الصراحة مع المعارضة الليبية
-
مصطفى مجدي الجمال - مفكر وسياسي يساري مصري - في حوار مفتوح م
...
-
الروح الرياضية واللعب بالديمقراطية
-
العودة للاهتمام بأمريكا اللاتينية.. توطئة
-
هل يفعلها اليسار المصري هذه المرة ؟!
-
الثورات العربية.. تقدير موقف
-
مستقبل جمهورية مرسي
-
ثورات واستخبارات
-
وعيد المرسي ومآله القريب
-
عودوا إلى جادة الثورة
-
تحيا الآلة الكاتبة
-
افرحوا أنتم !!!
-
سموم اللغة الثورية الهابطة
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|