|
الرياح تعصف عندما تمر من الفجوات
نضال درويش
الحوار المتمدن-العدد: 1156 - 2005 / 4 / 3 - 11:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ثمة حدثين في السنوات الأخيرة كان لهما تأثير وازن بالمعنى السياسي و الأيديولوجي في منطقة الشرق الأوسط ، الحدث الأول : احتلال العراق و رمزية سقوط تمثال صدام حسين بمساعدة الدبابة الأمريكية و اعتقاله منفردا في حفرة ، و ما تلا هذا الحدث / المشهد من تداعيات ، حيث وضع المجتمع العراقي أمام الكثير من الخيارات التي تكثفت إلى حدود بعيدة في الانتخابات العراقية الأولى في تاريخ العراق الحديث ، و أيضا يحمل هذا الكثير من الدلالات المهمة التي علينا الانتباه إليها . و الحدث الآخر تداعيات التمديد للرئيس إميل لحود و اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري و ما تلا هذا الحدث المتعدد المفاصل من تداعيات داخلية و إقليمية و دولية متسارعة ، و ما تكشف عنه من هيمنة سورية مخابراتية في تفاصيل الحياة اللبنانية . لن نغوص في التاريخ للقبض على المحصلة ،و لكن بمعنى من المعاني كلا الحدثين العميقين من تداعيات انهيار الاتحاد السوفيتي و انهيار المنظومة التي كانت تسمى بالاشتراكية ، و أحداث 11 أيلول ، الحدث الأمريكي / العالمي ، نعم ، الآن الحدث الأمريكي هو حدث عالمي بامتياز ، مما أسهم بالقطع مع نظرية التوازن الدولي التي كانت قائمة في مرحلة الحرب الباردة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية ، و تكريس نظرية جديدة نتلمس معالمها الآن و هي نظرية " حق" التدخل الخارجي التي تتقونن و تتشرعن برضى المجتمع الدولي . و لكلا الحدثين ثمة تداعيات على المنطقة ، ربما أتجرأ و أقول : تداعيات ستطال ركائز الأنظمة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الأيديولوجية فيها . كلنا يعلم إن منطقة الشرق الأوسط هي من المناطق التي تنتمي إلى المصالح الحيوية للدول الكبرى ، و ربما من قدر هذه الشعوب إنها دفعت و ستدفع ثمن ذلك ، حيث نالت استقلالها في مناخ آخذ في التشكل و التكون ( الحرب الباردة ) المجبول بقضية الصراع العربي الإسرائيلي ، التي دفعت المجتمعات في هذه المنطقة أثمان باهظة نتيجة لهذه الحرب / التوازن . في هذا المناخ اعتلت سلطات الحكم في هذه البلاد و أجهضت جنين الدولة الذي أخذ يتكون بعد الاستقلال ، لننتقل في هذا المسار من إمكانية تشكيل سلطة الدولة إلى واقع دولة السلطة ، التي أنتجت في المحصلة "الأنظمة التسلطية " التي لاقت المباركة و " الشرعية " في مركز التوافقات الدولية ، مما جعل هذه الأنظمة تحتكر كل مصادر القوة و الثروة للبلاد ، و تبني " شرعيتها " إزاء الداخل على القوة العارية و النهب العاري و الفساد العاري و الفقر العاري و الصمت العاري الذي أنتج شوارع الصمت ( بعد خطاب القسم الذي القاه الرئيس بشار الأسد ، ساهمت مع مجموعة من المهتمين ، في تشكيل المنتدى الثقافي في مدينة الحسكة ،بعدها تم استدعائي من قبل أحد ضباط الأجهزة الأمنية ، و مما لفت انتباهي قول الضابط : " مما تفاجئنا به إنه ما زال المجتمع السوري ينبض بالحياة " !! ؟؟؟؟؟؟ ) ، و تحويل المجتمع إلى شكل من أشكال مجتمع القطيع الذي يتحرك و ينطق بإيماء خفي من قبل السلطة وأجهزتها المخابراتية ، وذلك بعد أن استبطن المجتمع ثقافة الخوف و تحول إلى جسد هامد فاقدا للصوت و الأمل ،وفاقدا إلى حدود بعيده إحساسه بالانتماء إلى ذاته ، و يندرج في طقوس تقديم الولاء وتبخير السلطة . وهذا ما عزز شيئا فشيئا علاقة التخارج القائمة بين السلطة و المجتمع ، وتوسعت الفجوة بينهما . كما أظن ، إن كلا " الشرعيتين " هما الركيزتين الأساسيتين اللتان أمّنتا استمرار هذه الأنظمة ، الركيزة الأولى : الاستبداد العاري المغلف بالشعارات الأيديولوجية الإعلامية ، و الركيزة الثانية استمرار الرضى الخارجي عنها واقعيا ، و العداء له إعلاميا ، وعملت على تعبئة الشعوب و تجييشها لكره الخارج و الشك بنواياه " و احتكار الخيانة الوطنية " ، و على أن ديدن الخارج الأساسي هو نسج المؤامرات عليه و على آماله ، و أن ضمانة هذه الشعوب الأساسية ، المرعوبة من الشيطان المجهول المتربص في الخارج ، هو مزيد من طقوس الولاء المفرط للسلطان/ الكاهن ، و تقديم القربان تلوى القربان ( تحديات الحداثة في الداخل و قضايا الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان ) على مذبح المؤامرة التي تحاك في الخارج ، لنعيش مفارقة مؤلمة ، و هي هوس الدفاع عن العبودية . مع انهيار الاتحاد السوفيتي ، الذي من أهم عوامل انهياره توسع الفجوة بين السلطة و المجتمع نتيجة للتخارج بينهما ، و أحداث 11 أيلول ، حدث اختلال دولي عميق من تداعياته على المنطقة ، فقدان أنظمة المنطقة العربية إلى حدود ما توازنها بعد أن "فقدت " ركيزتها الثانية ، و رفعت الدول الكبرى و الولايات المتحدة الأمريكية الغطاء عن هذه الأنظمة ، في لحظة سياسية حرجة ، حيث قطعت هذه الأنظمة بشكل نهائي مع شعوبها ، و لم يبق سوى القوة العارية و الاستبداد العاري و الفساد هم العوامل الرئيسية للاستمرار، و أصبحت هذه الأنظمة في مسار اللاعودة المحكومة بتاريخها و نهجها و بنيتها . و إذا كان احتلال العراق هو من أول نتائج جدل الإعصار الخارجي و تخارج السلطة و المجتمع في المنطقة العربية ، و التي بدأت تداعياته بتعديلات سياسية و دستورية من المغرب مرورا بالجزائر و تونس و ليبيا و مصر و السودان و السعودية و دول الخليج و السلطة الفلسطينية ، لنصل إلى المحطة الأكثر سخونة و إشكالية و هي لبنان و العلاقة السورية اللبنانية و سورية . مع تأكيدنا على الممانعة البنيوية لهذه الأنظمة على إنجاز إصلاحات جوهرية سياسية و دستورية. ثمة للرياح القادمة من الخارج أولويات موضوعية ، هذا من جهة ، و من جهة أخرى كان أداء السلطة السورية إبان احتلال العراق و بعده ، يمكن أن نوصف هذا الأداء بسياسة الهروب إلى الأمام ، إن كان هذا على مستوى السياسة الخارجية ، و هنا العلاقة مع لبنان على التحديد ، أو على مستوى السياسة الداخلية . فإذا كان للوجود / الهيمنة السوري في لبنان غطاء دولي و عربي في المرحلة السابقة ، و بغض النظر عن ما مارسته القوات و الأجهزة الأمنية السورية في لبنان ، و مدى التوافق اللبناني على التواجد السوري بعد السنوات الأولى من اتفاق الطائف ، فقد أوضحت النتائج على مدى التعارض بين المبررات السياسية و الأمنية للتواجد السوري و الممارسات اليومية لهذه القوات خارج إطار الضوء الإعلامي ، و ما تنتجه هذه العلاقة ،على مسار هذا التاريخ الطويل ، من نخب يتمحور أدائها حول المصالح الشخصية المرتكزة على قوة النفوذ المتعارض و المتقاطع إلى هذا الحد أو ذاك مع توجهات السلطة السورية اللبنانية . و في هذا السياق كان القرار السوري في التمديد للرئيس لحود ، قرار تفعيل للرياح القادمة من الخارج و خصوصا جاء بعد الفتور / الخلاف السوري الفرنسي ، و دفع هذا القرار التخارج بين السلطة السورية و الإجماع اللبناني إلى مسار اللاعودة ، مما أنتج قرار مجلس الأمن 1559 المندرج في سياق التوافق الأمريكي الأوروبي اللافت للنظر ، و هو ذو دلالة عميقة ، و مما وضع السلطة السورية في موقع أكثر إحراجا اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري ، الذي بلور تكتلات سياسية أساسية ما فوق طائفية ، الذي يمكن أن يشكل مدخلا لتجاوز الطائفية السياسية مستقبلا ، و هذا يبقى مرهون بشكل أساسي بمفاعيل العوامل الداخلية و عقلانية القوى اللبنانية على اختلافاتها و تمايزاتها. إذا كان الحدث / الاحتلال العراقي( قيد التاريخ ) هو النموذج / الدرس في المنطقة ، مع تأكيدنا أن من عوامله الأساسية هو مدى الطلاق الكائن بين نظام صدام حسين و المجتمع العراقي ، و الحدث اللبناني ( برسم الواقع ) المتعلق ، في هذه المرحلة ، بالعلاقة السورية اللبنانية ، و أيضا ، يمكن القول : أن من عوامله الأساسية ماهية العلاقة القائمة على الهيمنة السورية ، إن كان هذا على مستوى السياسة الرسمية أو بمرتسماتها اليومية في الداخل اللبناني التي جعلت المجتمع اللبناني يعبر عن مدى انتظاره لليوم الذي يتخلص به من هذه الهيمنة والتدخل ، خصوصا و الرياح اليوم مواتية . فهل يمكن القول إن الحدث السوري قيد المشروع ؟ . نعم ثمة إعصار يجتاح المنطقة و ثمة فجوات كثيرة شكلت / تشكل له مسارا مواتيا ، يبقى السؤال الآن ، هل ثمة مسارا مواتيا له داخل سورية ؟ أي هل ثمة فجوات الآن في سورية ؟ . لن أخوض الآن في مدى التخارج بين السلطة و المجتمع في سورية ، و تفاصيله اليومية السياسية و الأمنية و الاقتصادية و الإدارية ,.........إلخ ، و هذا بالطبع يؤكد على مدى الفجوات القائمة ، ولكن بالوجه الآخر ثمة رفض سياسي و مبدأي من قبل القوى السياسية و المدنية و الحقوقية الموجودة في سورية ، بغض النظر عن موقعها و موقفها من السلطة ، من التجربة العراقية و إعادة إنتاجها في مكان آخر و خصوصا في سورية . مع معرفتنا بغياب الحامل الاجتماعي لهذه القوى ، بعد ما تعرض المجتمع السوري لضربة دامية و حاسمة في عقد الثمانينات ( حيث الآلاف من المنفيين و المعتقلين و المفقودين و الذين لاقوا حتفهم ) التي كانت درسا صارخا وداميا للمجتمع السوري بكافة فئاته ، مما جعل المجتمع و القوى السياسية خارج المعادلة و الفاعلية السياسية . و بهذا المعنى الرهان / الفرصة الآن ليس على خروج الملايين المؤيدة " المجبولة بثقافة " بالروح بالدم نفديك يا ...." ، فالشعب العراقي ليس عميلا و لا خائنا و لا متخاذلا ، لكن السلطة العراقية استنزفت قواه و ثروته و كرامته و قيمه و ......، و كلنا يعلم كيف خرجت الملايين قبل الحرب على العراق مؤيدة لصدام حسين ، و كيف يمكن أن تخرج الملايين الآن هنا . أي أن الرهان / الفرصة الآن و ليس غدا ، في مكان آخر و مجال آخر ، فما زال هناك إمكانية لردم الهوة بين السلطة و المجتمع ، إذا كانت السلطة راغبة و جدية في هذا المسعى ، و ذلك عبر الاندراج في إصلاحات سياسية و دستورية و اقتصادية جوهرية ،و ليست شكلية و جزئية ، و المضي في مسار إعادة الاعتبار للدولة و ضمان الحريات الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان ، فهذا هو أمل كل السوريين .
#نضال_درويش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المجتمع المدني بين التهميش و التجييش - الساحة السورية نموذجا
المزيد.....
-
أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل
...
-
في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري
...
-
ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
-
كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو
...
-
هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
-
خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته
...
-
عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي
...
-
الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
-
حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن
...
-
أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|