|
القرآن بوصفه خطابا (2-2)
فاخر السلطان
الحوار المتمدن-العدد: 4014 - 2013 / 2 / 25 - 13:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
وفق الباحث الإيراني مهدي خلجي، فإننا إذا اعتبرنا القرآن خطابا، أو كلاما شفهيا، فسوف لن نجد فيه أي تناقض، في حين تتحقق فرضية التناقض من خلال اعتبار القرآن مصحفا (أي نصا مكتوبا). فالنص وكأن شخصا قد كتب كتابا من بدايته حتى نهايته. في حين أن القرآن هو خطاب، أو مجموعة من الكلام الشفهي، قيل خلال فترة تتجاوز العشرين عاما وفي ظروف مختلفة، لذلك سوف لن نشهد أي تناقض فيه. وما يتراءى لنا بوجود نصوص متناقضة يتأسس إنطلاقا من اختلاف الظروف التي قيلت خلالها الآيات، لكنها لا يمكن أن تكون متناقضة. يرى خلجي بأن المفكر الجزائري/ الفرنسي الراحل محمد أركون، هو من روّاد فهم القرآن باعتباره خطابا وكلاما شفهيا. بينما المفكر المصري الراحل نصر حامد ابوزيد يعتقد بأن أركون على الرغم من رؤيته الخطابية تلك لكنها تحمل طبيعة واحدة لشكل العلاقة: طبيعة أنا (المتكلم) – أنت (النبي) وأنتم المؤمنون. فشكل العلاقة التي يطرحها القرآن، وفق أركون، كما يقول خلجي، ينتمي إلى أنا المتكلم وأنت المخاطَب أو أنتم المخاطَبون. يقول ابوزيد بأن ذلك قد يكون هو النوع الغالب على شكل العلاقة، لكنه ليس النوع الوحيد في ظل تباين الخطاب القرآني. وعليه، لا يُمكن أن نسمع صوتا واحدا من القرآن، بل أصواتا مختلفة. فالصوت "المقدس" لا يخرج دائما من ضمير المتكلم "أنا"، بل يخرج في كثير من الأحيان من ضمير الغائب "هو". ففي الخطاب التعبدي يُشار إلى الأمر المقدس بضمير "أنت"، لكنه يتبدل إلى كلام إنسان يخاطب الله بحثا عن الهداية، فيصبح نوعا من الحوار المباشر الذي يعكس الطبيعة الخطابية للقرآن. وحينما نتصور بأن الآيات القرآنية هي كلام وحياني خرج من لسان النبي في ظروف مختلفة، سوف لن نجد فيه تناقضا، ولن نعتبره مصدرا لأحكام نهائية في ظل الطبيعة التاريخية للقرآن. یشیر ابوزيد إلى أمثلة عديدة بوصفها حصيلة تلك النظرة. أحدها هو زواج الرجل المسلم من إمرأة كتابية أو العكس. وبما أن جزءا من الكلام الشفهي في القرآن هو عبارة عن حوار، فالمؤمنون كانوا يسألون النبي، فيما هو يرد عليهم بلسان الوحي. فهم يسألونه في مسائل مختلفة، كتلك المتعلقة بشرب الخمر ولعب القمار ونوعية الطعام والصدقات والحروب في الأشهر الحرم، وكانت بعض إجابات النبي ردا على سؤال واحد متباينة، لأنها كانت تعكس الرد على سؤال في إطار ظرفين مختلفين. من هنا طرح الفقهاء، المؤمنون بـ"النص"، بحث الناسخ والمنسوخ والعام والخاص من أجل معالجة تلك التباينات. يشير ابوزيد إلى آيات في سورة المائدة تتساءل عمّا هو مباح، فتشير إلى مشروعية الأكل والزواج من أهل الكتاب. لكن الفقهاء يعتقدون، حسب ابوزيد، بأن ذلك التشريع قد تم نسخه بالآية 221 من سورة البقرة التي منعت المؤمنين من ان يتزوجوا من نساء المشركين. ويستشهد ابوزيد بقول ابن رشد في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"، الكتاب الثامن، باب النكاح، الجزء الثاني، بوجود رؤيتين في الفقه حول هذه الجزئية: الأولى تقول بأن آيات سورة المائدة التي تشرع لزواج المسلم من إمرأة من أهل الکتاب هي أحكام خاصة، وبالتالي هي تعتبر خارج إطار الحكم العام الذي يحرّم زواج المسلم من إمرأة مشركة. أما الرؤية الثانية فتقول بأن الآية في سورة البقرة نسخت حكم آيات سورة المائدة، وبالتالي فإن زواج الرجل المسلم من المرأة الكتابية يصبح غير جائز. أي أن الفقهاء هنا يعتبرون القرآن "نصّاً" ومرجعا قانونيا ولا يمكن أن يقبلوا وجود تناقض أو تباين بين آياته. لکن وفق ابوزيد، إذا استطعنا التمسك بالطبيعة الخطابية الكلامية الشفهية للقرآن، حينها نستطيع أن نخرج من إطار النسخ والتخصص، وسيتشكل أفق أوسع أمام أعيننا، وسوف نستطيع القول بأن سورة البقرة هي عبارة عن خطاب منفصل عن خطاب سورة المائدة. فالخطاب في سورة البقرة هو حول الانفصال عن المشركين، أي هو يدعو المسلمين إلى عدم التدخل في أمور المشركين في مقابل عدم تدخل المشركين في أمور المسلمين. لكن الكلام في سورة المائدة هو حول تعايش المسلمين مع أهل الكتاب. أي أن المسلمين سألوا النبي مجددا وفي ظروف جديدة مغايرة عن حكم مسألة كانوا يعرفون إجابتها، لكنهم لا يعلمون بأنه هل الحكم سيتغير أم سيبقى كما هو في ظل تغير الظروف. ففي الظرف الجديد المغاير، عاش المسلمون مع اليهود في المدينة، وانطلاقا من ذلك حث خطاب الوحي المسلمين هذه المرة على التعايش مع أهل الكتاب وعلى الزواج منهم ودعاهم إلى أن يأكلوا من طعامهم. باعتقاد ابوزيد، فإن سؤالا هنا يفرض نفسه: أي قاعدة يجب أن تهيمن على المسلمين وفق فهمهم للقرآن؟ هل هي قاعدة التعايش أم قاعدة الابتعاد والانفصال؟ هل يمكن تحقيق التعايش من دون تحقيق المساواة والتعاون في الحياة العادية وفي المأكل وفي الزواج؟ هل اللامساواة بين الرجل والمرأة، في ظل شروط التعايش التي تقتضي المساواة بين الناس، ممكنة؟ وفي ظل شروط الحياة الحديثة، والتي تتفاوت فيها الظروف عن السياق الذي نزلت خلالها الآيات، هل يستطيع الله أن يغض البصر عن التغييرات الاجتماعية التي حصلت، وأن يكلّف الناس بأحكام لا تتماشى مع ظروفهم الإنسانية والتاريخية؟ وفق ابوزيد، يجب إعادة فهم الأصل والفرع في الخطاب القرآني. فالله لم يضع فرقا بين الرجل والمرأة حينما تعلق كلامه بالعبادات. لكن، حينما وصل الخطاب إلى الشأن الاجتماعي، ظننّا بأنه كلام تمييزي. فالخطاب القرآني الذي يشير إلى الظروف الاجتماعية، للمرأة، على سبيل المثال، يتعلق بسياق نزول الآيات. في حين لابد أن یکون مبدأ الكلام مرتبطا بالآيات التي تتحدث عن الحالة التعبدية للرجل والمرأة والتي لا يوجد في ثناياها أي تمييز بينهما. فالآيات المتعلقة بالظروف الاجتماعية هي الفرع. فلو كان النبي موجودا اليوم ويستطيع المسلمون أن يوجهوا إليه أسئلة تتعلق بظروف حياتهم ويطالبونه بحكم يتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة حول المسائل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فإن الله ومن دون أي تردد كان سيحكم بتأييد المساواة. يقول ابوزيد بأن المسألة تتلخص في السؤال التالي: هل نحن نعترف بحرية الإنسان؟ فإذا لم يعترف الشخص الذي يمارس عملية تأويل الكلام القرآني بأصل الحرية الفردية للرجل والمرأة، أي الحرية وفق إطارها الحديث، ولم يعترف بحق الإنسان في اختيار دينه، فإن طريق الخروج من أفق الذهنية المتشددة سيكون مسدودا، لأن هذه الذهنية مستعدة أن تضحي بالقرآن لصالح فكرها الظلامي التاريخي، وستمنع أي تعايش سلمي بين المسلمين والآخرين، وترفض الشراكة مع الشعوب الأخرى في إطارها المدني.
كاتب كويتي
#فاخر_السلطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القرآن بوصفه خطابا (1-2)
-
الحجاب مجددا..
-
لابد من سقف جديد
-
كرامة وطن...*
-
النظرة الشمولية
-
-كونا-... أولا
-
نقد الحراك.. والإسلام -المعتدل-
-
التيار الوصولي
-
الحراك.. ووقوده
-
دور مبهم
-
هل مقاطعة الانتخابات في صالح الديمقراطية؟
-
العلمانية الإقصائية
-
رداً على عبداللطيف الدعيج: من يختطف من؟
-
حراك التغيير في الكويت.. فرصة تاريخية
-
السقف العالي للإصلاح.. في الكويت
-
-الرقيب- السياسي والديني.. في الكويت
-
قرار الأغلبية -غير الديموقراطي-
-
-تحديات- مرجعية الشاهرودي في النجف
-
المساس بالنقد
-
أسلمة القوانين
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|