أسعد العزوني
الحوار المتمدن-العدد: 4012 - 2013 / 2 / 23 - 18:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عادة يمتحن الذهب بالنار لمعرفة مدى جودته وأصالته،أما الرجل فيتم إمتحانه بالموقف ،فإن صمد وثبت على مبدئه ،إستحق لقب الرجولة وفاز بها دون عناء ولا منة من أحد.
وقد إستحق أمين عام حزب حركة النهضة الإسلامية في تونس/رئيس وزراء ما بعد الثورة ، حمادي الجبالي ،كل الإحترام،فهو الرجل الذي يستحق هذا الوصف دون أدنى تفكير من الطرف الآخر لأنه يستحقه بجدارة.
هناك موجبات كثيرة تدعونا لمباركة هذا الرجل بإستحقاق لقب الرجولة،أولها:أنه حارب هوى النفس ،وإستقال من منصبه كما وعد لأنه لم يتمكن من تأسيس حكومة تكنوقراط،ورفض تولى السلطة مجددا على مقاس الآخرين وليس على مقاسه.
أما الثاني فإنه لم يتمسك بالسلطة ،ولم يعرها أدنى إلتفاتة منه ،شأنه شأن من يتسلمون المناصب في الوطن العربي وفي دول العالم الثالث بشكل عام فيتمسكون بتلابيبها ومن ثم يورثونها لأبنائهم من بعدهم.
وثالث مواقفه الرجولية أنه تصدى للإستبداد،وحاربه على أرض الواقع ،ونفذ شعار ناقش قبل أن تنفذ ،وخلع عنه كل أردية السلطة ،ولم ينحن أمام الرجل الواحد الأوحد في حركة النهضة وهو الشيخ الغنوشي الذي رفض مقترح أمينه العام بتشكيل حكومة تكنوقراط،وهنا يجب التوقف مليا حيال التبعية والإنسحاق أمام الآخر ،فهذا لم نجده في سيرة حياة الجبالي الذي يستحق منا كل الإحترام.
الموقف الرابع الذي يستحق الجبالي التبجيل من أجله ،هو شفافيته ووفاؤه لمبادئه، وصدقه مع الذات أولا ،قبل صدقه مع الآخرين ،إذ قال للجماهير أنه سيستقيل إن لم ينجح في تشكيل حكومة تكنوقراط ،وهكذا كان .
ليس سهلا على من ذاق طعم السلطة ،ولم يكن يحلم بها لعدم أهليته لها أساسا ،أن يتركها وبهذه السهولة وطواعية كما فعل الجبالي،لكنه شكل مع الرئيس السوداني السابق سوار الذهب ،ظاهرة عز نظيرها في الوطن العربي ،إذ تخليا عن السلطة طواعية،وغادرا موقعيهما غير آسفين على المكاسب والشهرة التي ستتحقق لهما وهما في بيت الرئاسة.
أثبت السيد حمادي الجبالي إبان توليه رئاسة الوزراء ،وإدارته للأزمة الناجمة عن إغتيال المعارض التونسي شكري بلعيد ،أنه رجل دولة وسياسي من الطراز الأول،وواجه الأحداث بكل الثقة المعهودة بالنفس،ولم يتمترس حول تنظيميته الضيقة ،ويقف مدافعا عن حركته المتهمة بإغتيال بلعيد،بل ظهر كرجل تونس الأول الساعي لمصالحها ولمنع تداعيات الموقف .
عندما أدرك أن كلمته ليست مسموعة عند الشيخ الغنوشي ، ظهر على شاشة التلفاز وإعتذر للشعب التونسي عن تقصيره أو هكذا خاطب الجماهير ،وأعلن إستقالته لكنه هنأ الشعب بعدم جر تونس إلى حرب أهلية بعد جريمة إغتيال بلعيد.
هكذا يكون رجال الدولة ،والذين تكبر دولهم بهم،لا أن يكبروا هم ويتمدد حجمهم حسب مقاس الدولة ،وعندها نجد صعوبة في التعامل معهم ،ولا يجدون من يحاسبهم على جرائمهم في الحكم.
السيد جمادي الجبالي رجل دولة يستحق كل الإحترام، فهو صادق مع شعبه ووفي لمبادئه ولم تغره السلطة بكل بريقها اللامع.
#أسعد_العزوني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟