عبدالوهاب حميد رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 4012 - 2013 / 2 / 23 - 16:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الفصل الثالث
معوقات التنمية في العراق
التنمية في جوهرها عملية حضارية- اجتماعية واقتصادية وسياسية في آن واحد. ويلعب القرار السياسي دوراً مركزياً في تحديد وجهتها ومضامينها وأبعادها وتوفير مستلزمات تنفيذها. ويبقى القرار السياسي خاضعاً لطبيعة الفئات الحاكمة ومصالحها أو مصالح الفئات التي تمثلها. وفي الصفحات التالية مناقشة لأِربع مشكلات تالية تُعتبر- من وجهة نظر البحث- أكثر المعوقات التي قادت إلى التأثير في التنمية في العراق.
1- العنف السياسي "أزمة غياب الديمقراطية"
كان النظام الملكي محل شجب القوى الوطنية في سياساته الداخلية والخارجية. وما ولَّدتها من معارضة وصراعات أدت إلى إلغائه (ف1). ومن المعروف أن أُولى قرارات النظام الجمهوري الفتي جاءت بإلغاء الدستور الدائم: الانتخابات والبرلمان. وكان طبيعياً أن يؤدي هذا الإجراء إلى إحداث فراغ واضح في الساحة السياسية العراقية. هذا الفراغ حرر الأحزاب السياسية من الرقابة الشعبية (البرلمان)، وحرَّمها- في نفس الوقت- من فُرص الحوار ومناقشة خلافاتها والارتكان إلى الشرعية الدستورية. وهكذا استمرت الأحزاب السياسية في ممارسة نشاطها وفق نفس الأساليب القديمة. زادها قوة، الحقائق التالية: غياب الحضارة الديمقراطية في بيئة تتسم بالتخلف والاستبداد.. الرغبة العارمة لكل حزب الانفراد بالسلطة وإلغاء الآخر في ظروف انتشار القيم القبلية القائمة على الثأر والانتقام.. التدخلات الخارجية التي عمَّقت تلك الخلافات وشددت من احتمالات الصدام بين هذه القوى ومنعت تأمين روح التفاهم والتسامح والتحري عن قواسم مشتركة فيما بينها.
وبعد فترة قصيرة على ولادة النظام الجمهوري تحولت تلك الخلافات، التي لم تكن خلافات جوهرية متقاطعة، إلى ممارسات عنيفة وانتهاكات جسَّدت في أقصى صورها بروز عبادة الشخصية. وأصبحت ألقاب شهرة مثل: الزعيم الأوحد، القائد المؤمن، القائد التاريخي، رموزاً سلطانية مُعبرة عن السمات الأساسية لأِنظمة الحكم الفردية.
وبالنتيجة تحولت الأحزاب الوطنية- أخوة الأمس وأطراف جبهة الاتحاد الوطني قبل وبداية العهد الجمهوري- إلى أعداء لا رابط بينها سوى الثأر والدم. هذه التطورات عكست بدورها عدم الاستقرار السياسي. وتفجرت في انقلاب الثامن من شباط (1963) الدموي, مؤدياً إلى مواجهة حزبية مسلَّحة ومكشوفة من أجل السلطة. هذه الصراعات التي ترجمت ذاتها في سلسلة من الانقلابات والمؤامرات، وتصاعد ظاهرة الاستبداد التي بلغت قمتها في انقلاب 17 تموز 1968، بإقامة دكتاتورية دموية تعدت في آثارها تصفية القوى الأُخرى إلى "الحزب الحاكم" نفسه. هذا بعد أن نجح النظام الحاكم في خلق فئة اجتماعية بوليسية وعسكرية ومدنية للاعتماد عليها في الدفاع عن وجوده.
أخذ النظام الجديد لحزب البعث بمبدأ احتكار السلطة في ظل مفهوم ّالحزب الواحد" الذي تحول إلى سلطة الفرد الواحد"القائد التاريخي"، مجسِّداً دكتاتورية بوليسية تلعب فيها المخابرات دوراً مركزياً، لا كأجهزة متعددة ومنظمة، حسب، بل كذلك تجنيد عشرات الآلاف من كافة الفئات والأعمار والمهن لكتابة تقارير منتظمة عن الآخرين حتى في إطار العائلة الواحدة وأحاديثها الخاصة.
وفي ظروف تفاقم الرعب والاستبداد تجاه الشعب العراقي بكافة فئاته، واتخاذ القرارات المصيرية وفق نزعات فردية دكتاتورية، تورطت البلاد في حروب مُدمِّرة. وبذلك لم تقف "جهود النظام" في القضاء المبرم على الحريات الأساسية، بل تعدتها إلى الانتقاص من سيادة البلاد وأمنها ووحدتها والتسبب في عزلتها وخنقها سياسياً واقتصادياً، وتعريض أهلها إلى مجاعة جماعية، عبَّرت عنها منظمات دولية وعربية كونها "تراجيديا" و "فاجعة" و "كارثة".(1)
وفي مثل هذه الظروف، تدهورت مستويات معيشة المواطن العراقي، وضاقت به مجالات العمل والحياة، وأصبحت الوظيفة لا تسد ثمن المواصلات, والطالب لا يجد لقمة الخبز، وتفاقمت أسباب الجريمة والعنف، وترك العديد من الموظفين أعمالهم، وتسرب الكثير من الطلبة إلى سوق العمل أو التسول. هذا بالإضافة إلى المستوى المرتفع من السرقات والهروب من الجيش.(2)
مقابل ذلك زاد النظام الحاكم من ظلمه وجبروته بِإصداره مجموعة قوانين وحشية في التعامل مع الإنسان العراقي، متضمنة: بتر الأطراف، قطع الأنف ولأذن، الوشم بالنار.. وكأن الحروب السابقة لم توفر له العدد الكافي من المعوقين!!(3) هذا علاوة على تقييد حرية السفر.(4) ومنع سفر فئات معينة (متقاعد، مهني، طبيب، أستاذ جامعة).(5) وهكذا تحول الوطن من ملجأ آمن لحياة المواطن إلى سجن وجحيم، فقد الإنسان العراقي رزقه وكرامته، وغابت عن البلاد غِناها وعِزتها.. أين تقبع المأساة؟
في الثمانينات وأثناء الحرب العراقية- الإيرانية, زارنا في الكويت صديق قادم من بغداد. سألته كيف حال الوطن؟.. أجاب صاحبي: إذا وجدك النظام.. نشطاً.. حاول إسكاتك وجذبك إليه.. فإن لم ينفع، ملأ فيك بـ "الشكولاتة".. فإن لم ينفع، أفرغ فيك من الشكولاتة.. فإن لم ينفع، قطع لسانك.. فإن لم ينفع، قطع رقبتك!!(6)
هذا الحديث الذي جمع بين النكتة السياسية الساخرة وبين المأساة الإنسانية الصارخة, يجد معناه المؤلم في السطور التالية. وهي خُلاصة مكثفة لست مجموعات من انتهاكات حقوق الإنسان في العراق، مستندة إلى تقارير لمنظمات دولية، خاصة منظمة العفو الدولية Amnesty International.(7)
الأُولى: التهديد "المكافآت والعقوبات"، تهديد الضحية بِاتهامه ارتكاب جريمة سياسية كبرى "الخيانة" والحكم بِإعدامه..(8) التهديد باعتقال عائلة الضحية وتعريض أفرادها لكافة أشكال الاعتداء الجسدي والجنسي والقتل.. إجبار الضحية على سماع ومشاهدة فصول من تعذيب الآخرين.. تعريض الضحية لإعدامات صورية (إطلاق النار عليه، إغراقه في الماء..).. تهديد الضحية بالاعتداء والاغتصاب الجنسي.. أخذ عائلات المتهمين رهائن، بما فيهم أطفال (10-14) سنة في حالة عدم استسلامهم للسلطة..(9) إغراء الضحية بالمكافآت بقصد: اعترافه، إفشاء معلومات، تقديم براءته السياسية وتعهده عدم ممارسة نشاط سياسي, انتمائه إلى "الحزب الحاكم".
الثانية: اعتقالات بضمنها سجناء الضمير
* غياب الإجراءات القانونية عند اعتقال الضحية.. احتجازه لفترات طويلة دون محاكمة.. جهل مكان ومصير الضحية لعائلته.. خوف عائلة الضحية الاستفسار عن مصيره لدى السلطات المعنية لئلا تتعرض لمصيره.
* مداهمات المنازل والأماكن المختلفة في غياب إجراءات قانونية.. اعتقالات شاملة لكافة الأعمار (9- 76سنة).(10)
* اعتقالات في أقبية تحت الأرض معزولة عن العالم الخارجي.. كشفت أحداث آذار 1991 وجود معتقلين في الأقبية منذ السبعينات.(11)
الثالثة: التكافل في التنكيل وتنفيذ الإعدام، تعريض عائلة الضحية لمصيره من اعتقال وتعذيب وقتل.. إجبار عائلة الضحية تنفيذ الإعدام في الضحية.. إجبار عائلة الضحية دفع مصاريف قتل الضحية (ثمن الرصاصات المستخدمة في إعدامه)!(12).. منع عائلة الضحية ممارسة إجراءات التشييع والتعزية.
الرابعة: التهجير وإعادة التوطين لقسري، هروب مئات الآلف بسبب مظلَّة الرعب والإرهاب.. سياسات قسرية لإعادة توطين فئات سكانية واسعة شملت معظم أجزاء البلاد.(13)
الخامسة: حالات اختطاف واختفاء، إعدامات وقتل واغتيالات: إعدامات بعد محاكمات مبتسرة في غياب حق الدفاع وحق الاستئناف.. موت العديد من الضحايا المنفذ بحقهم عقوبات بتر أجزاء من أجسادهم بسبب التلوث أو الانتحار.(14) الموت تحت التعذيب ومنهم أطفال..(15) اختطاف الضحية وقتله ورمي جثته في شوارع وأماكن معينة..(16) قتل الضحية بواسطة السموم..(17) إعدامات لعائدين في ظروف العفو..(18) اتهام الضحية بارتكابه جريمة سياسية كبرى "الخيانة" وإعدامه (شهادات زور)..(19) قتل جماعي Genocide بواسطة فرق إعدام.. حرق جماعي.. قتل مئات الآلف شاملة كافة الأعمار (8-70).. قتل جماعي لأِطفال وشباب وشيوخ ونساء وتشويه جثثهم,,(20) قتل الضحية برميه من طوابق عالية.. رمي الضحية في النهر بعد تقييد يديه إلى الخلف وربطه بثقل.. رش الضحية بالبنزين وحرقه..اختفاء مئات الآلف شاملة كافة مناطق العراق، بما فيهم أطفال وشباب ونساء وشيوخ.(21)
وفي هذا الخصوص أشارت المنظمة العربية لحقوق الإنسان إلى أن النظام العراقي هو صاحب أكبر حالات اختفاء في العالم.(22) كشف رئيس النظام العراقي عن مصير هؤلاء التعساء بقوله " إن هؤلاء الناس قد عوقبوا بشدة وذهبوا إلى جهنم"!!(23)
السادسة: التعذيب وإساءة المعاملة, أصدرت منظمة العفو الدولية عام 1985 تقريراً خاصاً عن العراق، تضمنت ثلاثين نوعاً من التعذيب وإساءة المعاملة، تمارسه السلطة ضد المواطنين.(24) وبعد متابعة هذه الممارسات لغاية 1995, فقد أعاد الباحث تجميع وتصنيف أشكال التعذيب هذه في الفقرات التالية:
* الضرب:ضرب كافة أجزاء الجسم، خاصة، الرأس، الرقبة، العمود الفقري، الأماكن العضوية (منطقة الكلي)، الأجهزة التناسلية، بِاستخدام: اليد المفتوحة, قبضة اليد، الركلات، العصا، الهراوات المطاطية، (بعضها يحتوي على معادن)، حبال، صوندات مطاطية، سياط، بالإضافة إلى تعريض الضحية أن يُداس تحت الأحذية العسكرية لمعذبيه على:رأسه، رقبته، كفه وأصابعه.
* اعتداءات جنسية واغتصاب (ذكر و/ أو أُنثى)، وضع قضيب على شكل قلم في مستقيم الضحية، إجبار الضحية الجلوس على عنق زجاجة ليدخل شرجه.
* تعرية نساء.. استخدام قضيب معدني لإزالة بكارة الكريمات.. اغتصاب جنسي لنساء وشباب.(25)
* إحداث حروق بجسم الضحية باستخدام السيكارة، بما في ذلك عين الضحية..(26) علاوة على استخدام قطع معدنية ملتهبة وصفائح كهربائية ذات حرارة عالية..
* تشويه جثة الضحية، قلع العين, قطع الأنف، بتر صوان الأذن، قطع الثدي، بتر الأطراف، تقشير (نزع) الجلد، عمل جرح عميق في الجلد باستخدام آلة حادة، دق مسامير في جسم الضحية، كسر عظام الضحية و/ أو أصابعه.
* صدمات كهربائية لأِجزاء حساسة من جسم الضحية: المنخر (ثقب الأنف)، الأذن، الصدغ، المرفق، الشفاه، الحلمة (حلمة الثدي)، أعضاء التناسل.
* الفلقة، ربط قدمي الضحية وتثبيتها إلى أعلى وضرب أخمص القدمين، بما في ذلك تلاميذ المدارس (13-16 سنة)، ثم إجبار الضحية على المشي في ماء حار أو ماء مملّح.
* المنجنة، عصر أصابع قدم الضحية بشدة.
* ربط عينية الضحية بقوة لإحداث ضغط عليهما.
* التعليق، تعليق الضحية ويداه مقيدتان إلى الخلف في سقف/ حائط/ درج/ باب/ شباك مرحاض لساعات طويلة.. تعليق من يد واحدة ورجل واحدة بمروحة سقفية وضرب الضحية أثناء الدوران.. تعليق نساء وأطفال.. تعليق تلاميذ مدارس.
* إجبار الضحية على دخول حمام مملوء بالماء يحتوي على تيار كهربائي.
* الكرسي الكهربائي، أداة معدنية مثبتة في حائط تحتوي على خمسة قضبان معدنية يُربط إليها ظهر الضحية.
* ربط الضحية من الرسغ والكاحل بعتلة دوارة فوق النار وشيه.(27)
* وضع الضحية وهو نصف عار في مختلى محمي جداً بالبخار ثم تخفيض درجة حرارته بسرعة وعنف.
* تعريض أنف وفم الضحية لماء جار بسرعة للتسبب في اختناقه.
* ربط الضحية بعجلة- ماكنة لسحب طرفيه باتجاهين متعاكسين لخلخة أضلاعه.
* تعريض الضحية لسجن انفرادي فترات طويلة وحرمانه من النور والهواء الطلق والكلام.
* تحقير الضحية باستخدام عبارات داعرة وإهانته وإجباره (ذكر أو أُنثى) على خلع ملابسه أمام حراسه من الجنس الآخر.
* حرمان الضحية من النوم، الطعام والشراب، الهواء النقي، المرحاض، الاستحمام، الزيارات، من الرعاية الصحية وإجبار الضحية على شرب إدراره (بوله).(28)
* إجبار الضحية دفع مبالغ نقدية كبيرة بدعوى إطلاق سراحه.
* غياب الرعاية الصحية المناسبة.
* تعريض الضحية لكافة أشكال الخوف والرعب، بما في ذلك تشغيل أجهزة صوتية تُصدر أصوات حيوانات، أو أصوات أفراد عائلة الضحية وهم يصرخون من التعذيب.
* تثبيت رأس الضحية في قمرة وتركيز أشعة قوية على عينيه بطريقة مفاجئة وعنيفة.
* إجبار الضحية على الوقوف في أماكن مفتوحة تحت درجات حرارة دون الصفر ورشه بالماء البارد.
وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر عام 1996 حول انتهاكات حقوق الإنسان العراقي بعنوان:العراق- قسوة (وحشية) الحكومة: الحرق والبتر وعقوبة الإعدام.. ذكرت المنظمة في معرض حديثها عن القوانين التي صدرت في 4 يونيو (حزيران) 1994 بحق السارقين والهاربين من الجيش (ف1) أن هذه العقوبات مورست، ضمن وسائل تعذيب أُخرى، من قبل أجهزة الأمن والمخابرات بحق المدنيين والعسكريين من المعارضين بغرض انتزاع اعترافاتهم قبل صدور تلك القوانين.(30)
وقبل تنفيذ العقوبة بالضحية، عليه دفع مبلغ من المال ليضمن استخدام المخدر عند بتر ساقه، يده أو قطع صوان أذنه أو وشم جبهته بالنار، وإلا تتم العملية بحقه دون استخدام المخدر. مقابل ذلك حصلت حالات دفعت عائلة الضحية مبالغ أكبر وغير معلومة للسلطات المعنية ثمناً لتحرير الضحية من العقوبة.
تأكدت المنظمة من حدوث حالات تلوث عديدة للضحايا الذين نُفِّذت بحقهم هذه العقوبات القاسية بسبب عدم تلقيهم الرعاية الطبية الكافية. والأسوأ من ذلك أن الضحية يواجه صعوبات إضافية من السلطات، كما في تخفيض حصته التموينية. كذلك تابعت المنظمة حالات أطباء تعرضوا للاعتقال والإعدام بسبب رفضهم تنفيذ هذه العقوبات. يُضاف إلى ذلك حصول المنظمة على اعترافات لعديد من الأطباء تتضمن إجبار السلطات لهم على إصدار شهادات وفيات اعتيادية لضحايا معتقلين تم قتلهم، بضمنهم أحداث.
وأخيراً، عبَّرت المنظمة عن وجهة نظرها في الإعفاءات العديدة التي يُصدرها النظام العراقي بين الحين والحين، موضحة أنها مصيدة يستخدمها النظام لطمأنة مُعارضيه والإيقاع بهم. وأكدت أن لديها وثائق تشهد بتعرض الكثيرين من العائدين في ظروف هذه الإعفاءات إلى الاعتقال والاختفاء والتصفيات.
هل اكتملت قصة العنف والتعذيب- الإرهاب والتصفيات؟.. الجواب كلا.. استكمال الصورة يتطلب بحث ما يجري في الجزء الآخر من الوطن، حيث نشأت إدارة كردية مستقلة عن الحكومة المركزية في بغداد، وتتمتع بـ "حماية دولية".. هل حققت هذه الإدارة حقوق وحريات الأخوة الأكراد؟ الصفحات التالية محاولة للإجابة..
2- الحرب الأهلية "القضية القومية الكردية"
تشكل القوى القومية الكردية ثاني أكبر مجموعة من سكان البلاد. ويرجع أصل الأكراد في المنطقة إلى ما قبل التاريخ عندما نزح أسلافهم، وكانوا يتحدثون اللغة الهندو- أوربية Indo-European من جنوب روسيا الحالية واستقروا شمال شرق إيران في نهاية الألفية الثانية قبل الميلاد. وأصبحوا يُعرفون بـ الميديين Medes. وأنشأ ملكهم الأول عاصمته في همدان الحالية (إيران). بينما بدأ دخولهم شمال بلاد وادي الرافدين عام 612 ق.م عندما تحالف أحد ملوكهم بالتعاون مع البابليين (الكلديين) ودمروا الإمبراطورية الآشورية، حيث اكتفوا بالغنائم التي حققوها وعادوا إلى مقرهم بعد أن تركوا الأرض للبابليين التصرف بها.(31)
لا توجد إحصاءات دقيقة بِأعداد الأكراد، حيث تشير بعض التقديرات إلى 24- 28 مليون نسمة موزعين بين تركيا وإيران والعراق وسوريا والجمهوريات السوفيتية السابقة، علاوة على عدد آخر يعيشون في لبنان وأوربا الغربية.(32) ويعيش في العراق ثالث أكبر مجموعة قومية كردية بعد تركيا وإيران. ويُقدَّر عددهم بحدود 5ر3 مليون نسمة، وربما بلغو 5ر4- 0ر5 مليون حالياً.
بدأ المواطنون الأكراد المطالبة بحقوقهم القومية منذ بداية العشرينات، أي عندما كان العراق خاضعاً للانتداب البريطاني. وكان البريطانيون أول من استخدم القوة ضدهم بما في ذلك قصف قراهم بالطائرات. ومع انتهاء الانتداب وحصول البلاد على استقلالها الاسمي عندئذ تجددت الحركة المسلَّحة الكردية في الأعوام1931 و1932 و1943.(33)
وفي أعقاب ثورة تموز 1958 فتحت الجمهورية الفتية صفحة جديدة في علاقة القوى القومية الكردية بالحكومة المركزية من خلال دعوة المهجَّرين من قادتها وإطلاق سراح السجناء السياسيين الأكراد وتأكيد الأخوة والشراكة العربية الكردية في الدستور المؤقت. وخلال عام 1961 بعد صدور القانون رقم 80 الذي أرسى قاعدة تأميم النفط العراقي لاحقاً، كما سبقت الإشارة، هذه السنة التي شهدت تصاعد الصراع بين حكومة العهد الجمهوري الأول في العراق وبين شركات النفط.. شهدت كذلك بداية العنف المسلَّح بين الحكومة المركزية والحركة الكردية المسلَّحة، بعد أن رفض النظام العراقي طلباً للأكراد، فتح مدارس لتدريس اللغة الكردية والحصول على حصة من عوائد النفط. وابتداء من أيلول/ سبتمبر 1961 واجهت البلاد حرباً أهلية استمرت- مع فترات استراحة قصيرة- لغاية إعلان اتفاق آذار/ مارس للحكم الذاتي (1997).
وبعد مرور سنتين على الحكم الذاتي, ونظراً لطبيعة النظام العراقي الاستبدادي، وحالة عدم الرضا التي أخذت تنتشر بين القوى الكردية..هذه الثغرة أصبحت مجالاً ناضجاً للاستغلال من قبل القوى الخارجية (شاه إيران بمساعدة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA)، فتجددت الأعمال المسلَّحة.(34) وكانت حصيلتها اتفاقية الجزائر(1975) وخسارة البلاد لجزء من حدودها المائية، مقابل انكشاف الأكراد وانتهاء حركتهم المسلحة في هذه المرحلة. وفي أثناء الحرب العراقية الإيرانية تعاونت أطراف من الحركة الكردية مرة أُخرى مع إيران، فواجهوا أعمالاً انتقامية أشد بكثير من سابقاتها.(35)
لعلَّ أكثر الفصول المثيرة في هذه الحرب الأهلية هي تلك التي تفجَّرت في أعقاب كارثة حرب الخليج "انتفاضة آذار/ مارس1991". فكانت حصيلتها هروب حوالي مليوني نسمة من المواطنين الأكراد إلى الحدود التركية والإيرانية في ظروف شتوية قاسية. هذه التصرفات الوحشية منحت فُرصة رائدة لقوى التحالف الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية ممارسة مزيد من التدخل في شؤون البلاد بِإنشاء "المنطقة الآمنة للأكراد". وظهرت إدارة مركزية كردية على أساس انتخابات برلمانية بعد أن سحب النظام العراقي عناصره العسكرية والمدنية من المنطقة.
ومع أن عام 1991 شهد بدء مفاوضات جديدة بين الحكومة المركزية والجبهة الكردستانية استمرت عدة أشهر بغية الوصول إلى اتفاق جديد بشأن حقوق ومطالبات الحركة القومية الكردية، إلا أن الجبهة قطعت المفاوضات لأِسباب تراوحت بين عدم تحقيق مطالبها وبين "نصيحة واشنطن".(36)
هل تحققت الحريات الأساسية للمواطنين الأكراد في ظل الإدارة الكردية؟.. يرد الجواب في التقرير الخاص لمنظمة العفو الدولية الذي استند إلى زيارات ميدانية على مدى ثلاث سنوات (1991- 1994)، متضمناً انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في المنطقة ولحقوق المواطنين الأكراد بخاصة، وذلك من قبل الإدارة الكردية وأحزابها الرئيسة وبعض الأحزاب خارجها في المنطقة.
خَلُصت المنظمة إلى حصول انتهاكات واسعة وخطيرة لحقوق الإنسان ارتكبتها الإدارة الكردية والحزبان الرئيسان، بالإضافة إلى إحدى الحركات الإسلامية.(37) كتبت المنظمة في هذا الصدد "إنه لأَمر شائن- أن الأكراد- وهم الذين عانوا من انتهاكات حقوقهم علي يد النظام العراقي- أن يتعرضوا مرة أُخرى لهذه الانتهاكات، وهذه المرة على أيدي قادتهم السياسيين أنفسهم".(38)
لاحظت المنظمة أن طريقة ممارسة "الديمقراطية- الانتخابات" التي انتهت باتفاق الحزبين الرئيسين على ما يُسمى بسياسة ألـ (50%) أو "نظام التوزيع المتساوي للسلطة" بينهما قادت إلى شلل إداري واسع بفعل تطبيق هذه السياسة في كل مواقع السلطة والقيادات الإدارية، بدءاً من البرلمان والوزارة إلى أصغر وحدة إدارية. ففي كل موقع وظيفي رئيسه من أحد الحزبين ونائبه من الحزب الآخر. وبذلك حاصر كل حزب قرارات الحزب الآخر. وتحولت الإدارات لتحقيق مصالح الحزبين المعنيين.
كما أن غياب المحاسبة/ المسؤولية سمح لكلا الحزبين إساءة استخدام السلطة. وهذا مكَّن عناصر الحزبين ارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان. علاوة على أن حاجة القرارات الإدارية النهائية لموافقة قادة الحزبين أدت إلى تراكم المشكلات. وهكذا حال احتكار السلطة من قبل الحزبين إلى عدم تطوير وضع سياسي مستقر. كما أظهر الحزبان عدم احترامهما للقضاء وتدخلهما السافر في شؤون العدل وإساءة تطبيق القانون.(39)
وعلاوة على القوانين وأجهزة الإدارة من بوليس وقضاء وسجون وعناصر الأمن والتحقيقات التي تعمل تحت الإدارة الكردية، لكل من الأحزاب الثلاثة المعنية كذلك أجهزتها وسجونها ضمن الحدود الجغرافية لمناطق نفوذها التي تمارس فيها الاعتقال والتحقيق، بما في ذلك تنفيذ أحكام السجن والإعدام.(40)
أما الانتهاكات التي عددتها منظمة العفو الدولية ومارستها الإدارة الكردية والأحزاب الثلاثة المتورطة فيها، فتلخصت في:
* التهديد بالاعتداء الجنسي أو الإعدام. شملت الضحايا كذلك نساء وقُصَّر.(41)
* اعتقالات بضمنهم سجناء الضمير.
* حالات اختطاف واختفاء وقتل وإعدام واغتيالات:(42) أعمال قتل منظمة وغير شرعية لمعتقلين.. تعرض مئات المواطنين للقتل المنظم والاغتيالات.. حصول مجازر ضد المدنيين أثناء الأعمال المسلَّحة بين الحزبين الرئيسين.. قتل أسرى وعناصر غير مسلَّحة.. اغتيالات لفعاليات سياسية.. تشويه جثث القتلى: قطع أصابع الضحية، قطع يدا ورجلا الضحية، قطع أذنا الضحية، قلع عينا الضحية، تحطيم وجه الضحية، بقر بطن الضحية، سحل الجثث في الشوارع وعدم السماح بدفنها.. سحب دماء من الضحايا قبل قتلهم.
* التعذيب وإساءة المعاملة.(43) تعذيب الضحية أثناء الاعتقال لانتزاع اعترافه ليكون دليلاً أساسياً تحكم المحكمة بموجبه على الضحية في غياب وإنكار حق الدفاع.. ضرب كافة أنحاء جسم الضحية باستخدام: العصا، عقب البندقية، كيبلات، صوندات، ركلات.. الفلقة بضرب أخمص القدم.. تعليق الضحية من يديه وهما مقيدتان إلى الخلف، تعليق الضحية لمدة يومين مع استمرار ضربه ويداه مقيدتان، تقييد يدا الضحية إلى الخلف وتعليقه بشاك مرحاض وانتزاع ملابسه الداخلية.. حرق جلد الضحية باستخدام السيكارة أو أداة معدنية ملتهبة.. صدمات كهربائية.. عصب عينا الضحية وتقييد يداه.. الاعتداء الجنسي: ربط قضيب الضحية بخيط بلاستيكي لمنع تبوله، وإجباره على شرب ثلاثة قارورات ماء, وضربه بالصوندة على بطنه لغاية فقدان وعيه.
هذه هي حالة الإرهاب في عراق اليوم.. وكما قال د. خلدون النقيب "دوامة من العنف المسلَّح يجعلنا نتساءل في أي عصر نعيش؟ وكيف يتقمص المُعتدى عليه سلوك المُعتدي في أول فُرصة تسنح له".(44)
وفي محاضرة للدكتور جمشيد الحيدري- أحد العاملين في لجان حقوق الإنسان في منطقة الإدارة الكردية- ألقاها في نادي 14 تموز العراقي في استوكهلم/ السويد بتاريخ 11 شباط/ فبراير 1996.. تضمَّنت انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة للفترة ما بعد تقرير المنظمة السالف الذكر، أي بعد عام 1994 بصفة خاصة، مؤكداً استمرار هذه الانتهاكات، علاوة على ممارسة انتهاكات أُخرى، منها:
* أخذَ كل من عناصر الحزبين بفرض الأتاوات على الناس شهرياً، خاصة التجار وأصحاب الحرف والمهن المختلفة والفلاحين.. وأحياناً فُرضت هذه الأتاوات لأِكثر من مرة في الشهر الواحد. بينما تدخل العناصر المسلَّحة إلى المحلات المعنية وتحمل ما تريد من بضاعة دون دفع ثمنها.
* التهجير القسري للعائلات من منطقة حزبية إلى المناطق الأخرى، سواء العائلات المسجلة على أحد الحزبين الرئيسين أو المشتبه بانتماءاتها.
* استمرار ممارسة السلب والنهب للبيوت والسيارات. انتهت حالات عديدة من هذه الممارسات إلى قتل أصحاب السيارات المنهوبة.
* ممارسة أعمال قتل واغتيالات للعديد من أساتذة الجامعة والقضاة، واستمرار مسلسل الاغتيالات السياسية.
* كبت الحريات وعدم السماح بنشر الحقائق في الصحف اليومية، ومنع توزيع المنشورات، وما إلى ذلك من أشكال الكبت والإرهاب.
* صعوبة وخطورة الانتقال من مدينة لأُِخرى لدرجة الاستحالة، نظراً لكثرة نقاط التفتيش المسلَّحة واحتمالات التعرض لمخاطر الاعتقال والاختفاء والقتل.
* إن الإجراءات غير القانونية التي تُمارس من قبل الأحزاب المعنية من اعتقال وسجن وقتل في مناطق نفوذها ليست قاصرة على الأحزاب الثلاثة فقط، كما وردت في تقرير منظمة العفو الدولية، بل تتجاوزها إلى بعض الأحزاب الصغيرة الأخرى التي تمتلك كذلك سجونها ومعتقلاتها في مناطق نفوذها!!
يذكر الدكتور كاظم حبيب في محاضرة له بعنوان "الانهيار الاقتصادي ومُصادرة حقوق الإنسان في العراق: الشعب العراقي ضحية النظام الاستبدادي والحصار الدولي" ألقاها في دار الثقافات العلمية- برلين 3/5/1996 "من الممكن والضروري تأمين الحماية للشعب الكردي لا من الاعتداءات المحتملة من قوات النظام العراقي فحسب، بل ومن الاقتتال بين القوى القومية الكردية الحاكمة أيضاً، حيث يموت أو يجوع أو يشرد ويسجن ويعذب الكثير من المواطنات والمواطنين في كردستان حالياً... وعلى أيدي تلك القوات التي كانت تناضل في سبيل الحرية والديمقراطية وحقوق الشعب الكردي. ولكن ينبغي أن تكون هذه الحماية بطريقة أو أسلوب آخر بعيد عن السماح للقوات الدولية. وبتعبير أدق الأمريكية، أن تجوب البلاد كما تشاء وأن تفرض إرادتها كما تشاء. إنها بتعبير آخر لا تقوم بحماية الأراضي العراقية بل تستعمرها، شاء المرء ذلك أم أبى، وفق الطريقة الجارية حالياً. ويُفترض أن نُطالب بإنهاء صيغة الحماية الراهنة وإيجاد ضمانات عربية وأقليمية لا تسمح بالتجاوز على الشعب الكردي وعلى حقوق الإنسان في العراق عموما ً...".
وقبل ختام هذه المناقشة، بقيت محاولة إبداء عدد من الملاحظات في هذا الصدد:
• التعامل مع القضية القومية الكردية من منظور شوفيني استبدادي يعكس طبيعة الأنظمة الدكتاتورية في البلاد.
• الارتكان إلى لغة السلاح في معالجة هذه القضية كان خطيئة بحق الوطن وقاد إلى استغلالها من قبل جهات خارجية لغير صالح البلاد.
• النظرة الضيقة لقادة الحركة الكردية في المطالبة بتحقيق حرية المواطنين الأكراد في حين كان بالإمكان أن تشكل الحركة نواة صلبة لبناء جبهة عراقية تاريخية للعمل على شق طريق الحرية والديمقراطية في العراق.
• استمرار الأعمال المسلَّحة وتصاعد عنفها قاد إلى خلق حاجز الكراهية أو النفور بين أبناء الوطن الواحد،عبَّر عن نفسه في إنتاج المزيد من القمع والاستبداد حتى بين أطراف الجبهة الواحدة التي رفعت شعار الحرية والديمقراطية ضد الدكتاتورية. فتحولت منطقة الإدارة الكردية إلى العديد من الإدارات والدويلات المحمية خارجياً.
• زيف الديمقراطية تحت مظلَّة التبعية كمثل زيف الاستقلال تحت مظلَّة الاستبداد.
• خلو الساحة العراقية من دراسات ومسوحات ميدانية لبحث هذه المأساة الوطنية من مختلف جوانبها، مسألة تتطلب وقفة طويلة!
3- المغتربون والمهجَّرون "المعارضة والأحزاب السياسية"
في كتيب صدر عن الجهاز المركزي للإحصاء في العراق عام 1968 تضمن جدولاً بعدد العراقيين في الخارج وتوزيعاتهم لعام 1965. تم تقدير عددهم بـ (40818) مواطناً (دون ألـ 1% من سكان العراق). أما توزيعهم فتركز في الكويت(2ر73%) وبقية البلدان العربية (9ر10)، خاصة مصر ولبنان وسوريا، بالإضافة إلى إيران وتركيا (3ر5%) والبلدان الأوربية (4ر6%)، تتقدمها المملكة المتحدة (3ر3%)، وأخيراً الولايات المتحدة الأمريكية (7ر3%) ودول أفريقية وآسيوية 5ر0%).(45)
ورغم عدم توفر بيانات رسمية عن عدد العراقيين في الخارج بعد عام 1965، وفي ضوء التدفق المستمر والزيادة السريعة للمهجَّرين والمهاجرين من البلاد، ظهرت تخمينات تُشير إلى بلوغ عدد العرقيين في الخارج بما لا يقل عن مليوني نسمة،(46) وربما تجاوز العدد ثلاثة ملايين نسمة بعد حرب الخليج.(47)
لماذا حدثت هذه الهجرة الواسعة للعراقيين في وقت لم يعرفوا الغربة والاغتراب؟
بادئ ذي بدء، أن معظم هؤلاء الناس لم يهجروا وطنهم في ظروف اعتيادية أو لأِسباب خارجية جاذبة، بل أُرغموا على الفرار من الوطن- هجرة قسرية. ذلك إن الهجرة ظاهرة حديثة مع العراقيين بدأت وتسارعت حركتها مع تصاعد الإرهاب
والاستبداد التي تعرضوا لها على مدى أكثر من ثلاثة عقود ولا زالوا. هذه الهجرة الواسعة حدثت لأِسباب دافعة مع شعب لم يعرف الهجرة في تاريخه. حتى أن السفر إلى لبنان أو سوريا أو تركيا- كما يذكر فاضل العزاوي بحق- كان يُعتبر في
نظر العراقيين مغامرة تستحق أن يتحدث عنها المرء طويلاً لأِصدقائه.(48) المفارقة هنا تتضح في أن هذا الجيش الضخم من العراقيين في الخارج بكل ما يحويه من الكفاءات الوطنية المتنوعة، والبالغ عدده وفق التخمينات المُعلنة بحدود 8ر13% من السكان عام 1995،(49) بدأ أصلاً وأخذت تدفقاته المتواصلة تتزايد مع تصاعد الثروة النفطية في العراق بداية السبعينات، عندما ارتفع صراخ النظام وزعمه بتسريع التنمية.
بدأت أحزاب المعارضة بالتحرك والإعلان عن نشاطها بتشكيل "لجنة العمل المشترك" في ك1/ ديسمبر1991 في أعقاب أزمة- كارثة حرب الخليج- بعد أن توفرت لها مناخ العمل السياسي في المنطقة. ضمَّت اللجنة بصفة رئيسة أحزاباً تتخذ من دمشق وطهران مقراً لها. واعتُبرت في حد ذاتها صيغة توفيقية بين سوريا وإيران.(50)
نجحت اللجنة- التي جعلت دمشق مقراً لها- في عقد أول مؤتمر للمعارضة العراقية في أعقاب " الانتفاضة" ببيروت (آذار/ مارس1991). وخرج المؤتمر بمجموعة قرارات تدعو إلى إسقاط النظام العراقي واعتماد الطريق الديمقراطي في إطار الحريات السياسية والتعدية والمحافظة على وحدة البلاد وسيادتها.(51)
بدت الانتفاضة نهضة فريدة للشعب العراقي وثورة غير مسبوقة في تاريخه الحديث منذ ثورة العشرين. هذه الانتفاضة صنعها عراقيون وبدأها طلائع الجيش المنسحب من الكويت بدءاً من البصرة، لتتسع وتنتشر بسرعة البرق وتغطي معظم مدن وقصبات العراق، عدا العاصمة وبعض المحافظات التي كانت الأنظار تتجه إليها للالتحاق بالانتفاضة، التي عبَّرت في واقعها عن كسر حاجز الخوف من السلطة وأكدت إرادة الإنسان العراقي.(52)
أعلنت الانتفاضة في بدايتها عن شعار إسقاط النظام وإحلال حكومة مؤقتة هدفها العاجل تحقيق حرية الشعب العراقي، ليختار في مرحلة تالية النظام الذي يلائمه. وكانت الشعارات المُعلنة تقوم على عدم مس أي مواطن إلا من خلال محاكمة عادلة إذا كان متهماً بجرائم بحق الشعب.(53) إلا أن عوامل معينة أدت إلى وأدها قبل أن تتمكن السلطة لملمة نفسها ودك البقية الباقية منها. تراوحت هذه العوامل بين توجهها- طائفية/ مذهبية، وتغلغل عناصر أجنبية وبين حصول ممارسات قمعية وتخريبية وشوفينية ، تلخصت في:
* الدور الطائفي السلبي لأِطراف من المعارضة التي برزت في تصريحات بعض القيادات الإسلامية من طهران. ذكر د. محمد عثمان أنها أنزلت الكثير من الأضرار الفادحة بالانتفاضة.(55) هذا علاوة على رفع شعارات داعية إلى جمهورية إسلامية في العراق على غرار الجمهورية الإسلامية في إيران.
* تغلغل أطراف أجنبية في صفوف الانتفاضة. تجلَّت هذه الحالة في عبور مسلَّحين من الحدود الإيرانية ورؤوسهم وجباههم ملفوفة بعصابات حمراء (شارة الحرس الثوري الإسلامي في إيران).
* تجاوزات طائفية حصلت بحق مسلمين من المذهب الآخر. وحسب شهادات حية، مُنع هؤلاء دخول مساجدهم قبل تغيير نظام تأدية أذان صلاتهم.
* استخدام أسلوب التصفية، بقتل عناصر الحزب- النظام الحاكم. يُقال أن القتل وقع دون تميز ودون محاكمات.. وطال أطفالاً ونساء ً وشيوخاً. وهكذا تحول عدد من عناصر الانتفاضة إلى قتلة وآخذي ثأر.
* حدوث تجاوزات من تخريب وحرق وتدمير وسرقات لمؤسسات عامة وحكومية.(56)
* تجاوزات على رمز الوحدة الوطنية. شاهد الكثيرون كيف تم إنزال وتمزيق العلم العراقي في شمال الوطن أمام الكاميرات الأجنبية.
هذه التصرفات أوقفت حالة التفكك والانهيار في الجيش لغير صالح استمرار الانضمام للانتفاضة. وخلقت حاجزا بشرياً ضدها. وحفَّزت عناصر النظام الدفاع عن أنفسهم بوجود النظام. وشكَّلت المقتل للانتفاضة، وأعطت صورة محلية ودولية مشوَّهة عنها سمحت بإحياء النظام ومنحته المبررات والفرصة والدعم للدفاع عن وجوده. فكانت الحصيلة تحميل الشعب العراقي 300 ألف ضحية أُخرى.(57)
جاء توقف حركة اللجنة بعد فشل انتفاضة آذار1991 إيذاناً بفشل التوجه الأقليمي لصالح التوجه الدولي وانتشار ظاهرة التجمعات السياسية الصغيرة لترتفع من بضعة أحزاب معارضة إلى عشرات أو مئات التنظيمات. ولم تكن تعبيراً عن نشاط حقيقي لقوة المعارضة العراقية بقدر ما عبَّرت عن حالة شرذمة وتبعية ولهاث وراء المال والجاه.(58)
برزت هذه الحالة في عقد مؤتمر فينا (16- 19 تموز/ يوليو 1992) بمباركة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، وتشكيل "المؤتمر الوطني العراقي" الذي جاء بمبادرة عناصر حزبية مفصولة لاتهامها التعامل مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.(59) وتأييد وتمويل أمريكي، ودعت أطرافه "الالتزام بقرارات مجلس الأمن".(60)
الجدير بالذكر أن شخصاً واحداً احتفظ بمهمة تمويل مؤتمر فينا، وأصبح مسؤول لجنته التنفيذية التي قامت على أسس طائفية ومحتكراً لمالية "المؤتمر" التي بقيت سراً من أسراره. هذا رغم أنه محكوم عليه من قبل محاكم أردنية بجرائم الاختلاس.(61) وفي هذا الصدد ذكر د. محمود عثمان "الولايات المتحدة تقول أنها دعمت المعارضة العراقية بـ 40 مليون دولار، أين ذهبت هذه الأربعون مليون دولار. إن تكاليف عقد المؤتمرات التي ينهكون أنفسهم من أجلها من الأفضل أن تذهب إلى الشعب العراقي".(62)
وفي مرحلة تالية عُقد مؤتمر (صلاح الدين 27-31 ت1/ أكتوبر 1992) الذي شكَّل امتداداً لمؤتمر فينا بدعوى ظاهرها توسيع أطراف المعارضة المنضوية تحت لواء "المؤتمر الوطني العراقي" وواقعها سحب أرجل القادة الأكراد نحو الطرف الآخر بمباركة قرار البرلمان الكردي تحديد علاقة الإدارة الكردية بالحكومة المركزية في العراق مستقبلاً على أساس الاتحاد الفيدرالي. وبقيت خارج المؤتمر أطرافاً من قوى المعارضة, خاصة قوى قومية عربية وإسلامية.(63)
استمر نشاط هذه التجمعات لغاية انعقاد (مؤتمر لندن- ك1/ ديسمبر 2003 تحت العباءة الأمريكية، وفي غياب قوى المعارضة الفعلية التي لها أرضية داخل الوطن، جاء "المؤتمر" مظاهرة تأييد للاستعدادات الأمريكية- البريطانية الهجوم على بغداد وتغيير نظام الحكم بالقوة، دون الإحساس والالتفات لاحتمالات القتل والخراب الذي سيتحمله شعب العراق مرة أُخرى، رغم معاناته من الحصار منذ فترة ما بعد حرب الخليج!!
هذه هي حالة المعارضة التي تتمحور حول "المؤتمر الوطني" المرتبط بالقوى الخارجية، والتي لخصها فاضل العزاوي- بعد مناقشته للأوضاع المزرية في ظل النظام العراقي- بتعبيراته اللاذعة التالية:"أما في الطرف المضاد للنظام والذي يضم ما يُسمى (المعارضة العراقية) فإن الصورة لا تقل حلكة، حيث مجموعات صغيرة من الأفاقين والمتاجرين بعذاب الشعب العراقي على الدكاكين السياسية المعروضة للبيع لكل من يدفع أكثر من المخابرات الأمريكية والبريطانية وحتى العربية والإيرانية. وفي واقع الحال فإنه لا توجد (شغلة) مربحة أكثر من أن تكن (قائداً) في المعارضة. كل ما تحتاجه عشرة أنفار لقاء راتب وأن تصدر نشرة ركيكة بالكومبيوتر، مطلقاً اسماً رنّاناً على تنظيمك لتصبح (موجوداً) في ساحة الوغى. وعند ذلك يحق لك الانضمام إلى (المؤتمر الوطني) العتيد، ضامناً حصتك من الأموال الأمريكية الموضوعة تحت تصرف القائد...".(64)
أما الأحزاب السياسية الوطنية فهي موزعة بين أحزاب تفتقر إلى الهوية الحزبية العراقية وبين تلك التي تعاني من انقساماتها الداخلية وصراعاتها السياسية. فأحزاب الأقليات تعتبر أحزاباً منعية أو استثنائية parties exclusion،(65) بمعنى أنها أحزاب مغلقة ذات مواصفات محددة تقوم على أساس القاعدة الضيقة وغير مؤهلة للامتداد على مستوى البلاد، لكونها تقوم على أسس طائفية مذهبية وليس وفق معايير السياسة الوطنية.(66)
من جهة أُخرى، تُعاني الأحزاب الوطنية العراقية من مشكلاتها الحادة. إذ أصابتها عدوى التشرذم والتفتيت. فهذا الحزب الشيوعي الذي اعتبر رمزاً للوحدة الوطنية ينقسم على نفسه إلى حزبين:حزب شيوعي عربي وحزب شيوعي كردي دون أن يكون بالإمكان تفسير مغزى هذا الانشطار لحزب طبقي/ أممي إلى حزبين يجمع كل منهما بين التسمية الطبقية (الشيوعي) وبين التسمية القومية (العربي/ الكردي) دون أن يستطيع تطوير أهدافه وآلياته ليشكل مظلة تحتضن قوى اليسار العراقي للمساهمة في بناء عراق الغد الديمقراطي.
تنطبق حالة التشرذم هذه على القوى القومية العربية التي لا زالت تبحث عن شتاتها في عواصم عربية وأجنبية.. يُضاف إلى هذه المعضلات، خلو الساحة السياسية من أحزاب وسطية فعالة تكون حلقة وصل بين مختلف الأطراف السياسية.
بقيت الإشارة إلى أطراف عراقية معارضة قدمت تأييدها للمقاطعة ولضرب العراق، بل وتشجيع الهجوم الخارجي على البلاد (مؤتمر لندن- ديسمبر/ ك1/2002) رغم أن حصيلة ذلك ستكون مزيدا من القتل والخراب ليتحمله شعب العراق الذي يُقاسي المقاطعة والجوع والمرض والموت منذ 1991. كما أن سكوت بعض الأحزاب الوطنية العراقية وعدم أو ضعف دورها في إعداد حملات فعالة لمساعدة شعب العراق في محنته،، وكشف حقائق المقاطعة وأهداف الإمبريالية العالمية وراءها، يُشكل عجزاً جسيماً سيكون من الصعب تفسيره لشعب العراق مستقبلاً.
لقد علَّمتنا أحزابنا الوطنية أن الولايات المتحدة وحلفاؤها هي دول إمبريالية مستَغِلَّة.. فهل يمكن أن تتحول إلى "دول متحررة" تُدافع عن حقوق الأقليات القومية؟.. وكما تساءل الكاتب اللبناني الياس الخوري "متى كانت الولايات المتحدة تقود حروب تحرير؟"(67)
4- علاقات الجوار "الحروب والتراجع إلى الوراء"
أفرزت علاقات الجوار حربين- كارثتين كلَّفتا العراق ما يُقارب مليون ضحية وحمَّلته خسائر مادية قاربت ستمائة بليون دولار جرّاء تدمير بنيته التحتية وقدُراته الإنتاجية وتكبيله بالقروض الأجنبية وتعويضات الحرب وخسارته لموجوداته الأجنبية والانتقاص من سيادته الوطنية وتهديد وحدته الوطنية.(68) هذا عدا ضحايا المقاطعة من الأطفال والنساء وكبار السن وعوائده النفطية. ومهما اختلف أهل الرأي في أسباب ودوافع الحربين وأهدافهما وآثارهما, فهم متفقون على أن النظام العراقي كان البادئ بتحريك قواته العسكرية وإشعاله الحرب. لماذا؟.. كيف كانت أوضاع المنطقة قبل الحرب؟.. ما هي الأسباب والدوافع؟.. ومن قطف ثمار الحربين؟..
شهدت أواخر السبعينات واحدة من أعظم الثورات في التاريخ الحديث، ألا وهي الثورة الإيرانية (1979). تجلَّت عظمة الثورة في بنائها الرائع لإرادة الجماهير الإيرانية التي خرجت عن بكرة أبيها إلى الشارع غير مسلَّحة سوى بِإرادتها لتواجه أقوى جيش في المنطقة- جيش الشاه- بتعداده نصف المليون جندي. فجاءت الثورة الإسلامية ثمرة لهذه الإرادة الوطنية.(69)
ماذا كان يجري في العراق خلال هذه لفترة، وتحديداً منذ النصف الثاني من السبعينات؟.. كانت هناك بوادر تقارب عراقي- سعودي/ خليجي من جهة، وبداية فترة الطلاق بين أطراف الجبهة الوطنية من جهة أُخرى. وفيما عدا ذلك كانت هذه الحقبة من أكثر السنوات التي وفَّرت إمكانية تعجيل البناء والتعمير، سواء ما تعلَّق بتصاعد العوائد النفطية أو استمرار الهدوء النسبي في البلاد.
ليس هناك خلاف بين حركات التحرر الوطنية/ القومية على أن نظام الشاه كان يُمارس دور شرطي الخليج لصالح قوى التحالف الغربي. كما أن احتلاله للجزر العربية الثلاث، واستغلاله للقضية القومية الكردية وممارسته الضغط وإجباره النظام العراقي قبول اتفاقية الجزائر (1975)، عوامل كانت كافية للترحيب العراقي بزوال الشاه ونظامه.
ومع انبثاق الجمهورية الإسلامية في إيران، ظهرت في المنطقة قوتان تلتقي شعاراتهما وأهدافهما المعلنة في التحرر ومكافحة الاستغلال الخارجي، وتتقاطعان كلاهما مع أهداف الدول الإمبريالية. وكان المنطق النظري يفترض التقارب بين النظامين بدلاً من التنافر، والتعاون بدلاً من التناحر. فماذا جرى حتى تدخل القوتان في حرب مهلكة على مدى ثماني سنوات (22 أيلول/ سبتمبر1980-20 آب/ أغسطس 1988)؟..
الحرب صراع بين طرفين، وقد تنحصر في الجهات المتقاتلة فقط أو تتسع لتشمل مصالح أطراف أُخرى. وفي هذا الزمن الاستعماري قلَّما تحدث حرباً في مكان ما من العالم دون أن تعكس الصراع بين قوى التحرر وبين قوى الاستغلال. ويرتبط بذلك أن أسباب الحرب ودوافعها هي مزيج من عوامل ذاتية محركة وعوامل موضوعية دافعة. من هذا المنظور، وفي ظروف العلاقة بين العراق وإيران:حالة اهتياج الثورة الإيرانية، المشكلات العالقة بينهما، طبيعة السلطة في كلا النظامين.. هذه العوامل مكَّنت قوى الخارج تنفيذ مخططاتها ودفع النظامين للمواجهة المسلَّحة. هذا علاوة على أن النظامين في حدود شعاراتهما وأهدافهما المعلنة كانا يدعيان تمثيل فكرتين خطيرتين تهددان مصالح التحالف الغربي في إدامة سيطرته على منابع نفط الخليج، وهما الفكرة الإسلامية والفكرة العربية.
ورغم أن مصلحة النظامين كانت تدعوهما إلى إيجاد قواسم مشتركة في تعاملهما تماشياً مع شعاراتهما وأهدافهما.. هذا إن صَدُقَتْ النوايا والشعارات المعلنة، إلا أن الممارسات العملية لكل منهما حرَّكت أسباب الصراع والتناحر من خلال تحريك مشكلاتهما الداخلية، لتدفع بهما الابتعاد عن الأفكار التي ادعيا تمثيلها.
ففي الطرف الإيراني، ظهرت الجمهورية الإسلامية في وجهين متناقضين: وجه يُعبر عن الثورة بإعلانه السعي لتحقيق أهداف التحرر الوطني.. ووجه آخر يمثل الشاه ونظامه القديم بمباركة تجاوزاته في احتلال الجزر الثلاث والإبقاء على اتفاقية الجزائر (1975)، رغم أن إيران تمتلك ثلاثة آلاف كيلو متر من السواحل المائية. والأخطر من ذلك حالة الهيجان والتطرف والعنف التي طبعت الثورة الإيرانية بعد نجاحها وتهديدها المباشر، ليس فقط الأنظمة الخليجية ذات المصالح المباشرة المرتبطة مباشرة بقوى التحالف الغربي، بل كذلك تهديدها بإقامة جمهورية إسلامية في العراق. وربما كان هذا العامل أحد أخطر العوامل المحركة للحرب، لأِنه استهدف النظام العراقي ورأس النظام العراقي، وهو القائل عام 1974 "إن حزب البعث العربي الاشتراكي مستعد، في سبيل استمراره في الحكم، أن يحول العراق إلى خرائب وأنقاض وأن يملأ الشوارع بالجثث والأشلاء".(70)
وفي الطرف العراقي، حيث شعور النظام العراقي بخطر محاولة إيران تصدير الثورة، والاستفزازات الإيرانية، وطموحات النظام بالزعامة الأقليمية, بالإضافة إلى علاقاته بالأطراف الخليجية التي أخذت تفعل فعلها من خلال تشجيعه ودفعه للمواجهة المسلحة مع إيران. علاوة على التشجيع المباشر للولايات المتحدة وإعطائها معلومات مضللة للنظام العراقي تتضمن ضعف الجيش الإيراني، وتصور النظام العراقي قدرته على حسم الحرب مع إيران في بحر ستة أسابيع. هذا دون إدراك حقيقة أن قوة إيران الجديدة لم تكن في جيشها، حسب، بل في الإرادة الجديدة التي بعثتها الثورة في الشعب. كل هذه العوامل دفعت النظام العراقي شن هجومه الواسع على الأراضي الإيرانية. وبدلاً من حسم الحرب في ستة أسابيع فقد طالت لثماني سنوات.(71) كما أن إدامة الحرب ذاتها كانت كذلك جزءاً من خطة قوى التحالف الغربي لتفعل عملية الإنهاك فعلها في الطرفين.
إذن فالقشة التي قصمت ظهر البعير كانت تتجلى في غياب الديمقراطية وحرمان الناس من المشاركة في صنع قراراتهم المصيرية. ومع أن الديمقراطية لا تصنع المعجزات، وليس دواء سحريا لحل المعضلات، إلا أنها "شرط ضرورة وليست كفاية.. لا تحل مشاكلنا، لكن لا يمكن حل أي مشكلة رئيسة من دونها، إضافة إلى أشياء أُخرى, وأن مشاكلنا وكوارثنا أقل بها وأكثر من دونها".(72)
ما هي الأهداف التي حققها الطرفان من هذه الحرب الطويلة والباهظة الثمن؟.. الجواب يعُلن عن نفسه في حصيلة هذه الحرب التي تجسَّدت في عودة الإمبريالية إلى المنطقة بشكلها القديم والحضور الدائم للحشود العسكرية- الأمريكية/ الأطلسية- وتحقيق مزيد من السيطرة على منابع النفط الخليجية وأنظمتها السياسية. من جهة أُخرى، انتهت هذه الحرب إلى انحسار الثورة الإيرانية وتحجيمها وربما تشويه وانحراف أهدافها عن تلبية مطالب جماهيرها. مقابل إنهاك القدرات العراقية، وتوجيه صفعة قوية لحركة التحرر الوطنية في البلدين، ومخاطر إثارة صراع قديم بين العرب وإيران لم تكن قطعاً لصالح حركة التحرر العربية. وبعد ذلك كله بقيت المشكلات البنيوية عالقة بين الطرفين.
وبعد هذه الكارثة, هل بقي شيء؟. الجواب: نعم. هناك فعلاً الشيء الكثير. وكما ذكر عادل حسين "هناك جيشان جباران ما زالا قائمين: الجيش الإيراني والجيش العراقي.. الجيش العراقي يمتلك تسليحاً أقوى، والجيش الإيراني يمتلك استعداداً للاستشهاد غريباً. وإذا اجتمع هذا مع ذاك فمن الذي يستطيع أن ينتصر في الخليج؟".(73)
نعم, لقد خرج العراق من الحرب يمتلك تسليحاً أقوى من تسليح الجيش الإيراني، وجيشاً تعداده المليون جندي، إلا أن قوته العسكرية كانت منهكة بسبب ظروف الحرب والاستبداد، بالإضافة إلى عدم قناعة الكثيرين بحقيقة أهدافها وأسبابها المعلنة، خاصة في سياق تضارب مواقف النظام العراقي نفسه منها، كما في إلغاء اتفاقية الجزائر والعودة إليها. وإلى جانب ذلك خرج العراق من الحرب باقتصاد مهلهل. فقد "استقبل العراق عهده الجديد بمعظم منشآت تصدير نفطية مدمرة أو محاصرة، وصناعاته الأساسية والثقيلة مخربة أو تستلزم الصيانة، والبنية التحتية متضررة بكثافة، كما أن شريحة واسعة من قوة العمل لا زالت تحت الإدارة العسكرية، نموه الصناعي أصبح مترهلاً، قطاع الزراعة راكداً والعمالة الزراعية أما سُحبت للقوات المسلَّحة أو هاجرت لمراكز المدن، أعداد كبيرة من العمالة المستوردة خلال الحرب أصبحت تشكل عبئاً على الاقتصاد، كما تزايد الاعتماد على استيراد المواد الغذائية، وتوقفت فعلاً عملية التخطيط، لم يكن بالإمكان السيطرة على معدلات التضخم، كما تعمقت تبعية الاقتصاد لقطاع النفط، وقد أخفقت الخصخصة في تحقيق أهدافها، مستويات استيراد منخفضة، إضافة إلى خدمة الدين الخارجي، الذي أخذ يشكل نسبة عظمى من إيرادات البلد من العملات الأجنبية.. لمواجهة هذه الحالة القائمة الرهيبة من الصعوبات، تصاعدت الحاجة لاعتماد اقتصاد البلاد بأكمله على قطاع النفط".(74)
هذه العوامل الاقتصادية وعوامل عديدة أُخرى من داخلية وخارجية دفعت النظام العراقي إلى اجتياح الكويت وإعطاء الحجة للولايات المتحدة الأمريكية إشعال حرب الخليج (2 آب/ أغسطس 1990- 2 شباط/ فبراير1991) تحت دعاوى مختلفة عبَّرت عن غياب مصداقية النظام العراقي- داعية الإعلان القومي لعام 1980، الذي نصَّت فقرته الأُولى على "تحريم اللجوء إلى استخدام القوات المسلَّحة من قبل أية دولة عربية وفض أية منازعات يمكن أن تنشأ بين الدول العربية بالوسائل السلمية وفي ظل مبادئ العمل القومي المشترك والمصلحة العربية العليا".(75)
ورغم تباين الآراء بشأن أسباب ودوافع وأهداف وآثار حرب الخليج، إلا أن هناك اتفاق عام على أن النظام العراقي كان البادئ بتحريك الأزمة- الكارثة، حتى في حالة القناعة بفرضية حصول استفزازات مارسها النظام الكويتي ضد النظام العراقي. المفارقة في هذه الأزمة- الكارثة هي كونها تحققت كذلك بفعل قرارات نخبوية وتحمل أعباؤها البلدين وشعوباً أخرى عديدة.
تراوحت الآراء المفسرة لأِسباب الأزمة- الكارثة بين وجود مؤامرة دولية بضرب العراق، وبين مشكلات بنيوية من صعوبات اقتصادية وقضايا حدودية ومطالبات مالية عراقية، وقيادات فردية.. قادت إلى انفجار الأزمة- الكارثة. وقبل مناقشة هذين الرأيين يكون مفيداً إيجاز هذه الأسباب في النقاط التالية:
* صعوبات اقتصادية قادت إلى تعاظم اعتماد الاقتصاد العراقي المنهك على عوائد النفط.
* استفزازات كويتية بتجاوزها المقصود لسقف إنتاجها المحدد في الاوبك للتأثير في أسعار النفط والضغط على النظام العراقي لقبوله برسم الحدود بين البلدين. وفوق ذلك تجاوز النظام الكويتي على احتياطي نفط حقل الرميلة العراقي، حسب اعترافات مصادر كويتية من مهندسين ومعارضة، والعمل إجمالا على خنق الاقتصاد العراقي.
* مطالبات مالية عراقية بتعويض جزئي عن تكاليف الحرب مع إيران، بالإضافة إلى تعويض سرقة نفط من الرميلة. طالب النظام العراقي بمبلغ 30 بليون دولار. هذا علاوة على حاجة العراق لمنفذ بحري.
* عوامل خارجية تمثَّلت في وجود مؤامرة دولية لتدمير القوة العسكرية العراقية، وتأكيد التفوق الصهيوني، وتحقيق هيمنة أمريكية مباشرة على الخليج، وضمان دعائم الأنظمة الخليجية، وضرب حركة التحرر الوطنية والعربية.
* غياب الديمقراطية وتغييب حق الشعوب المعنية في المشاركة باتخاذ قراراتها المصيرية.
أي من هذه الأسباب قادت فعلاً إلى تحريك الأزمة- الكارثة التي بدأت باجتياح النظام العراقي للكويت؟.. هل هي صعوبات اقتصادية عراقية مستعصية أم قضايا حدودية ملتهبة أم مؤامرة دولية جاهزة؟.
يرى فريق من المفكرين العرب أنها كانت مؤامرة دولية مخططة، وأن الولايات المتحدة كانت ستوجه ضربتها للعراق سواء اجتاح الكويت أم لا.(77) ويبررون وجهة نظرهم هذه على أساس أن العراق تجاوز في قوته العسكرية الحدود المسموح بها لتملكه قدراً من الردع أصبح معه يُهدد الكيان الصهيوني، إضافة إلى رغبة الولايات المتحدة تأكيد زعامتها العالمية بالهيمنة على نفط الخليج مباشرة والتحكم بِأسعاره. ويسترسل هذا الرأي إلى أن التخلص من الرئيس العراقي كان هدفاً أمريكياً مُقرراً منذ البداية، وهو مشار إليه بوضوح في كتاب BOB Woodward بعنوان القادة The Commanders، ص237، 282.. يُضاف إلى ذلك ففي حوار الكونغرس الأمريكي، قال فيه رئيس لجنة القوات المسلَّحة "أما أن تبقى القوة لعسكرية العراقية دون صدام أو أن يبقى صدام دون قوته العسكرية، أما أن يبقى الاثنان فهذا مستحيل".(78)
من جهة أُخرى، بدأ النظام الكويتي استفزازاته ضد العراق من خلال زيادة إنتاج نفطه والتسبب عمداً في انخفاض أسعار النفط بدعوى إجبار النظام العراقي الموافقة على رسم الحدود. كشف وزير النفط الكويتي حينذاك عن دافع زيادة إنتاج النفط حين عاتبه وزير النفط الجزائري ورئيس أوبك وقتذاك أثناء زيارته للكويت لبحث الموضوع، إذ ذكر الوزير الكويتي أن تخفيض الأسعار ليس موجهاً ضد الجزائر وإنما ضد العراق.
عليه، تساءل أهل هذا الرأي: هل كان النظام الكويتي في استفزازاته "ينطق عن الهوى" أم هو "وحي يوحى؟".(79)
وفي رسالة رسمية مرسلة من المدير العام لإدارة أمن الدولة بالكويت إلى وزير داخلية الكويت حول زيارته الرسمية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية يقول "لقد اتفقنا مع الجانب الأمريكي بِأهمية الاستفادة واستغلال الأوضاع المتدهورة بالعراق لأِجل الضغط على حكومته لترسيم حدودنا المشتركة. عرضت الوكالة وجهة نظرها حول وجهة الوسائل المناسبة للضغط. كما أكدت على أهمية التعاون المباشر بيننا بشرط أن يتم التنسيق لمثل هذه الفعاليات على مستويات عالية(80)
استرسالاً مع هذا الرأي كان هدف النظام العراقي هو إنهاء العائلة المالكة الكويتية وإحلال نظام جديد من المعارضة يقود لحل المشكلات بين البلدين ويمنح النظام العراقي- إضافة إلى أوراقه- ورقة أُخرى رابحة يُجابه بها الولايات المتحدة بعد خروجه من الكويت. إلا أن فشل هذا المشهد بسبب هروب العائلة المالكة الكويتية واعتماد السياسة العراقية على مشهد واحد دون إعداد بدائل أو مشاهد أُخرى، أدت إلى التخبط في سياسته. فحصلت "أخطاء وخطايا" وبرزت إلى السطح "مواقف عنادية ومكابرة شخصية". وذلك في ضوء عدم تحليل النظام العراقي أو عدم وعيه بالظروف الدولية الجديدة, علاوة على موقف النظام الرادع بمنع الحرب من خلال تهديده بضرب الكيان الصهيوني وحرق آبار النفط الكويتية، وقناعته "بِأن أمريكا لن تهاجمه".. مع عدم إنكار كيفية صنع القرار في مثل هذا النظام الفردي.(81)
أما الفريق الآخر فيرى أن فكرة المؤامرة الدولية تقوم على الحتمية، وتفترض تبسيطاً غير مقبول لعقلية القيادة العراقية. كما أن علاقة الإدارة الأمريكية بالنظام العراقي خلال الفترة 1989-1990 لم تكن سيئة، بل كانت تسير نحو الأفضل. وشهد عام 1990 تسهيلات ائتمانية أمريكية لصالح النظام العراقي. والأكثر من ذلك أن أفكاراً عديدة قُدمت للنظام العراقي أثناء أزمة الاجتياح للانسحاب المشرف من الكويت. فلماذا لم تتخذ القيادة العراقية قرار الانسحاب؟(82)
واستمراراً مع هذا الاتجاه يمكن إضافة استفسارات أُخرى لعرض صورة أو فرضية بديلة.. وهي، إذا كان رأس النظام العراقي متوقعاً ضربة أمريكية قبل الاجتياح، فكيف له أن يبني قاعته على عدم مهاجمته من قبل أمريكا بعد اجتياحه للكويت وتهديده المصالح الأمريكية؟.. وإذا كانت "المؤامرة" تقول إما استمرار راس النظام العراقي دون قوته العسكرية أو الإبقاء على القوة العسكرية العراقية مع رحيل رأس النظام.. ارتباطاً بما كان الرئيس العراقي يُعلنه لكل زائر أمريكي أثناء الاجتياح "إنه رجل الغرب المناسب في المنطقة"،(83) ألا يمكن أن تكون المؤامرة هذه موجَّهة أصلاً لتدمير القدرات العراقية مع الإبقاء على رأس النظام العراقي؟.. خاصة وأن الحصيلة التي تحققت فعلاً ستقود إلى استمرار الولايات المتحدة ابتزاز الأنظمة الخليجية بسبب استمرار مخاوفها ومن ثم ضمان اعتمادها المتزايد على الحماية الأمريكية. ألم تدفع الكويت بليون دولار لتسديد نفقات تحرك وتحشد القوات الأمريكية في المنطقة لحمايتها من تهديد عراقي مزعوم عندما كانت القوات العراقية تُمارس تحركاتها الاعتيادية بعيداً عن الحدود العراقية- الكويتية؟!(84)
هناك اتفاق على أن قوى التحالف الغربي بزعامة الولايات المتحدة لم تبعث بِأكثر من نصف مليون جندي لضمان حقوق شعب الكويت.(85) فوجود مؤامرة دولية، بمعنى المصالح الاستغلالية للقوى الكبرى، هو حقيقة تاريخية. كذلك ليس هناك من ينكر وجود معضلات بنيوية. إلا أن مشكلات رسم الحدود أو الصعوبات الاقتصادية والخلافات المالية لا يمكن أن تكون- وحدها- العامل الحاسم في إحداث مثل هذا الخطب الجلل. هنا تبرز مرة أُخرى أزمة الأنظمة الاستبدادية وإصرارها على الاستمرار في السلطة تحت أية ظروف وبِأية تكاليف.. أزمة غياب الديمقراطية التي تدفع بالمشكلات المحلية الذاتية لتتفاعل لصالح القوى الخارجية.
والخلاصة، عبَّرت أزمة- كارثة الخليج عن دائرة ذات أقطاب ثلاثة: النظام الكويتي باستفزازاته المقصودة والمرتبطة بمراكز القرار الأمريكي.. والنظام العراقي بمشكلاته الاقتصادية واستبداده السياسي.. والنظام السعودي بسرعة استدعائه "الأصدقاء" من القوات الأمريكية والأطلسية الغربية.. هذه الدائرة بِأقطابها الثلاثة ومركزها المستبد المتمثل في غياب المشاركة الحقيقية للناس في صنع قراراتها المصيرية، ساهمت في تقديم أضخم الإنجازات لقوى التحالف الغربي بزعامة الولايات المتحدة وأعادت المنطقة وحركات تحريرها إلى الوراء عقوداً عديدة. ويكفي أن يلاحظ المرء أن الأنظمة المعنية خرجت من لكارثة سالمة غانمة، بل ومنتصرة "على شعوبها" وأكثر قوة في سحق أو تهميش معارضيها وفرض استبدادها على الناس بعد أن أصبحت أيضاً أكثر خضوعاً ولهاثاً وتبعية لتلك القوى الأجنبية.
والجدير بالإشارة إلى أن أزمة- كارثة الخليج- نبَّهت إلى عدة ظاهرات أو أمراض اجتماعية في الوطن العربي، ساهمت في تشكيل أحداث الكارثة وآثارها، وستبقى تلعب دورها في الأحداث العربية مستقبلا، متمثلة أهمها في: فجوة الدخل والثروة بين البلدان العربية المنتجة للنفط الغنية مالياً وبين تلك الفقيرة مالياً.. غياب و ضعف شرعية الأنظمة العربية الحاكمة في غياب الديمقراطية، وارتباط مصادر القرارات المهمة للعديد منها بمراكز القرار في العالم الغربي.. الاستبداد، ارتباطاً بسيادة القيم والتقاليد القبلية- العشائرية التي تقوم على الثأر والغنيمة والحقد والانتقام، والتي كشفت عنها هذه الأحداث سواء أثناء أزمة اجتياح الكويت من قبل النظام العراقي أو بعد حرب الخليج وعودة النظام الكويتي، علاوة على تأييد الحصار ضد الشعب العراقي من قبل بعض الحكام العرب، خاصة الكويت والسعودية.
وقبل ختام هذا الفصل، تبقى ضرورة الإشارة إلى ثلاث مشكلات خطيرة أفرزتها حرب الخليج لغير صالح العلاقات العربية- العربية.
الأُولى: لأِول مرة في التاريخ العربي المعاصر تقود كارثة ما إلى تمزيق أواصر الرحم (من منظورها الاجتماعي القومي) سواء بين العراقيين وبقية أبنا الخليج العربي، وبالذات الكويتيين أو بين الجماهير في الوطن العربي.. فكيف ستتطور يا تُرى آثار هذه الكارثة في علاقة الشعوب العربية مع بعضها عموماً وفي علاقة الشعبين العراقي والكويتي بخاصة؟
الثانية: ولأِول مرة أيضاً تدفع كارثة ما إلى اشتراك الجندي العربي والجندي الأمريكي- الغربي ضد جندي عربي آخر.. فكيف ستتطور آثار هذه الكارثة في العلاقات العربية- العربية المتهرئة أصلاً؟
الثالثة: إن هذا التطويق الظالم للشعب العراقي بتعريضه لمجاعة جماعية منذ انتهاء حرب الخليج، وهو لم يبخل بالدم والمال من أجل القضايا الوطنية والعربية، يمكن أن يُحدث جرحاً عميقاً لدى الجمهور العراقي.. فكيف ستتطور آثار هذه الكارثة في مواقفه من أولئك "الأعراب" الذين استمروا في محاصرته دون إحساسهم بآلامه؟
هوامش الفصل الثالث
(1) المنظمة العربية لحقوق الإنسان،التقرير السنوي،القاهرة،1995،ص167- 169..،نفسه، نشرة إخبارية،العدد 86 ،87،مارس/ إبريل 1995،ص1..الحياة،العدد 11973 في3 ك1 1995، ص4..، timeInternational,No.47,Nov.21,1994,p.40.
(2) المنظمة العربية لحقوق الإنسان،التقرير السنوي،مرجع سابق.
(3) سبقت الإشارة إلى هذه العقوبات في الفصل الثالث.
(4) ذكرت أخبار صحفية تخفيض النظام لرسم المغادرة من 400 إلى 100 ألف دينار عراقي في خطوة مفاجئة اقترنت بمفاوضات النظام العراقي مع الأمم المتحدة على التصدير الجزئي للنفط. وفي وقت متأخر من عام 2002 نشرت الصحف خبر فتح النظام حرية السفر.
(5) المنظمة العربية لحقوق الإنسان،التقرير السنوي،مرجع سابق..,الحياة، العدد 11999في ك1/ ديسمبر 1995،الصفحة الاقتصادية.
(6) بعد اضطراره لترك عمله في الجامعة المستنصرية ببغداد وخروجه من العراق أثناء العطلة الصيفية (أواخر آب/ أغسطس 1976). عمل الباحث واستقر مع عائلته في الكويت منذ الأول من أيلول/ سبتمبر نفس العام ولغاية اجتياح الكويت وحرب الخليج. اضطر إلى ترك الكويت وعائلته بمساعدة UNHCR إلى منفاه الجديد منذ آذار/ مارس 1992..,من الواضح أن المقصود هنا أن يكون "نشطاً" أن تكون عنده جرأة التعبير عن رأيه!
(7) اعتمد الباحث هذه الفقرات من انتهاكات حقوق الإنسان في العراق اعتماداً على التقارير السنوية لمنظمة العفو الدولية l للسنوات 1978- 1982 (الطبعة الإنكليزية) و 1983- 1995 (الطبعة السويدية).
(8) Amnesty International, Report,1980,p.335,1987,p.226
(9) Ibid.,1985.p.331,1986,p.341,1988,p.266.
(10) Ibid., 1984,p.337.
(11) Ibid., Disappearance and Political Killin,Feb.,1994,p.16.
(12) Ibid.,p.16.
(13) Ibid., Annual Report,1992,p.127.
(14) Ibid.,1995,p.166.
(15) Ibid.,p.329.
(16) Ibid.,p.338.
(17) Ibid., Disappearance…,p.17-18.
(18) Annual Report,1991,p.138.
(19) Ibid.,1985,p.332.
(20) Ibid.,Disappearance…,p.16..,Annual Report,1982,p.328..,1988,p.266..,1989,p.284..,1990,p.153...,1992,p.145..,1995,p.167-168.
(21) Ibid.,1982,p.316,1984,p.338,1988,p.266,1990,p.150,1992,p.145.
(22) التقرير السنوي للمنظمة العربية لحقوق الإنسان،مرجع سابق,ص178.
(23) Amnesty International, Disappearance…,Op.cit., p.16.
(24) Ibid., Torture in Iraq,1982-1984,15 April 1985,p.5-7.
(25) Ibid.,1985,p.332,1989,p.283,1991,p.140-141.
(26) Ibid.,1991,p.140.
(27) Ibid.,1993,p.158.
(28) Ibid.,1992,p.145.
(29) Ibid.,1981,p.361.
(30) Ibid., IRAQ-State Cruelty, branding amputation and the death penalty,April,1996,p.2-4,8-9.
(31) Liberation Organization, The Kurds- a people struggle for peace and justice,London,April,1994,p.5.
(32) Ibid., p.5..,Irak,OP.cit.,p.15-16.
(33) The European World, Op.cit.,p.15-16.
(34) في عام 1974 وافق ملا مصطفي البرزاني قائد الحركة الكردية على عرض للحصول على مساعدة من شاه إيران. تحقق الاتفاق بمباركة الولايات المتحدة الأمريكية وعِب وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA.. انظر: Liberation Organization, Op.cit., p.21-22.
(35) Ibid. p.25.., Britannica Encyclopaedia, Op.cit.,p.976.
(36) لخَّص د. محمود عثمان أربعة أسباب لفشل المفاوضات:عدم الاتفاق على تحديد المنطقة الكردية التي يشملها الحكم الذاتي.. مصير الأمن وأجهزة الاستخبارات في كردستان.. نشاط الأحزاب الكردستانية داخل القوات المسلّحة.. الديمقراطية للعراق..انظر،نوار،إبراهيم، المعارضة العراقية والصراع لإسقاط صدام,لندن 1993,ص137- 140.. بينما ذكر السفير الفرنسي السابق لدى تركيا وتونس في مقاله:أن الأكراد قطعوا المفاوضات بناء على "نصيحة واشنطن".. انظر Eric Rouleau, America s unyielding policy toward Iraq, Foreign Affairs,Newyork,Jan.lFeb.,1995,p.71.
(37) الحزبان الرئيسان هما: الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني.أما لحركة الإسلامية هنا فيه الحركة الإسلامية لكردستان العرق.
(38) Amnesty International, Iraq- Human Rights Abuses in Iraq Kurdistan Since 1991,Feb.1995,p.5
(39) Ibid.,p.21-22.
(40) Ibid.,p.32-34.
(41) Ibid.,p.47.
(42) Ibid.,108-109,118,122.
(43) Ibid.,49-53.
(44) أزمة الخليج وتداعياتها..,مرجع سابق،ص45.
(45) كتاب الجيب السنوي للإحصاءات العامة..,مرجع سابق,ص39.
(46) CARDRI, Iraq: Since The Gulf War- prospects democracy, London New Jersy,1994,p.154.
(47) حبيب,كاظم،مرجع سابق،(عن مقدمة:فاضل العزاوي)،ص9.
(48) نفسه،ص9.
(49) على افتراض تقدير عدد العراقيين في الخارج بثلاثة ملايين، بينما السكان 8ر21 مليون عام 1995 (جدول رقم7).
(50) نوار،إبراهيم،مرجع سابق،ص23.
(51) CARDRI,Op.cit.,p.171.
(52) تقول إحدى الروايات أن الطلقات الأولى للانتفاضة بدأت من قبل بقايا الجيش العراقي المنسحب من الكويت عندما وجه قائد إحدى الدبابات (حسين السامرائي) طلقات من مدفع دبابته نحو جدارية ضخمة لرئيس النظام العراقي. وبمجرد سقوط الجدارية انهار حاجز الخوف لدى الناس ي البصرة، فانضمت وتوحدت الجماهير العزلاء والدبابات في بداية انتفاضة امتدت بسرعة مثل النار في الهشيم.. انظر:نوار،إبراهيم،مرجع سابق،ص71.
(53) نفسه،ص71،78.
(54) حبيب، كاظم، مرجع سابق، ص115..، نوار،إبراهيم، مرجع سابق, ص74-78.
(55) د. محمود عثمان كان زعيم الحزب الاشتراكي الكردستاني.. انظر:نوار،إبراهيم،مرجع سابق،ص133.
(56) في لقاء للباحث مع مغترب عراقي يملك محل صياغة الذهب في استوكهلم- من صاغة عقد النصارى في بغداد.. قال:أن آثار تاريخية عراقية مسروقة من متحف البصرة كانت تُباع في شوارع العاصمة السويدية بعد الانتفاضة.
(57) حبيب،كاظم،مرجع سابق,ص116.
(58) نوار،إبراهيم،مرجع سابق،ص35.., CARDRI,Op.cit.,p.154.
(59) قرر الوفاق الوطني إلغاء عضوية كل من أياد علاوي "الأمين السابق للوفاق" والدكتور صلاح الشيخلي والدكتور تحسين معلّة بعد اكتشاف ارتباطات تنظيمية لبعض الأعضاء بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية.. سارعت هذه المجموعة إلى إنشاء تنظيم منفصل. وطبقاً لصحيفة واشنطن بوست خصصت إدارة الرئيس الأمريكي لهذا التنظيم ستة ملايين دولار لتمويل محطة إذاعة قوية لحساب هذا التنظيم ونشاطاته في الأردن.. انظر:نوار،إبراهيم،مرجع سابق,ص36-38..,الحياة،في 25 حزيران/ يونيو 1996،ص4.
(60) نوار،إبراهيم،مرجع سابق،ص40.
(61) أصدرت محاكم أردنية أحكاماً بالتغريم والسجن بحق مسؤول اللجنة التنفيذية "المؤتمر الوطني العراقي" بدعوى اختلاسه أموال ثاني أكبر المصارف الأردنية (بنك بترا).. تمّ تجريمه وشركاه بحدود 35 حكماً غُرِّموا بموجبها 200 مليون دينار أردني.. انظر:الحياة،العدد 19 في 8 ت2/ نوفمبر 1995،ص9.
(62) نوار،إبراهيم،مرجع سابق،ص142.
(63) كان الأولى بالمؤتمرين الاتفاق على كيفية إزالة الاستبداد والحماية الأجنبية وإقامة البديل الديمقراطي،ووضع الخطط لمساعدة شب العراق في محنته- المقاطعة والاستبداد:المجاعة والمرض والموت.. وترك مثل هذه الأمور الحساسة لقرارات الشعب العراقي مستقبلاً لا مصادرة قراره. وإيجاد سبل ممارسة ديمقراطية مشتركة تعزز قوى المعارضة لا أن تزيد من تشتتهم وفرقتهم!!
(64) حبيب،كاظم،مرجع سابق،ص11.
(65) CARDRI,Op.cit.,p.167.
(66) رغم الملاحظات الواردة بشأن هذه الأحزاب فهي تشكل جزءاً من حركة التحرر الوطني في العراق. ومن الواجب أن تحتل مكانتها في أي تجمع وطني عراقي. والجدير بالإشارة أن الأحزاب القومية الكردية لم تقم بِأية أعمال مسلَّحة طيلة فترة أزمة- كارثة الخليج. كما أن القيادات الإسلامية المختلفة اتفقت جميعاً على أنه في حالة دخول القوات الأجنبية إلى أرض العراق، فإن الكتائب المسلَّة للتنظيمات الإسلامية والموجودة داخل إيران ستتحرك عِبر الحدود إلى العراق للاشتباك مع القوات الأمريكية والأجنبية الأخرى للدفاع عن الوطن العراقي بغض النظر عن طبيعة النظام العراقي القائم في حينه.. انظر: نوار،إبراهيم،مرجع سابق، ص56،132- 133.. إلا أن صاحب هذا القول (محمد باقر الحكيم- رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية) أصبح ضمن مجموعة "المعارضة" في اجتماعا الأخير في لندن (2003) تحت العباءة الأمريكية!
(67) أزمة الخليج وتداعياتها..،مرجع سابق،ص39.
(68) النصراوي،عباس،مرجع سابق،ص157- 160...،حبيب،كاظم،مرجع سابق،ص9.
(69) يُحاول الباحث هنا إبراز حقيقة واقعة تتعلق بدور النضال السلمي في بناء إرادة الحرية لدى الناس وكسر حاجز الخوف وإجراء التغيير المنشود.. ولا ينسحب هذا الموقف على إحداث ما بعد نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية وما رافقتها من ممارسات قمعية عنيفة.
(70) حبيب،كاظم،مرجع سابق،ص93.
(71) أزمة الخليج وتداعياتها..،مرجع سابق،ص229..، The Middle East and North Africa,Op.cit.,p.464.
(72) أزمة الخليج وتداعياتها..,مرجع سابق،ص199.
(73) نفسه،ص193.
(74) النصراوي،عباس،مرجع سابق,ص141- 142.
(75) أزمة الخليج وتداعياتها..,مرجع سابق،ص166.
(76) نفسه،ص18- 19,43- 44,162- 163،198- 206..,النصراوي،عباس،مرجع سابق، ص155..,حبيب،كاظم،مرجع سابق,ص10-11.
(77) أزمة الخليج وتداعياتها..,مرجع سابق،ص38- 39,142- 143،148- 149,166- 167.. الجدير بالإشارة أن هذا الرأي أخذ يُشكل وجهة النظر الرسمية للنظام العراقي بعد انتهاء حرب الخليج.. إذ بدأ النظام يُروج للفكرة القائلة أن الاحتياج حدث لإنقاذ العراق من ضربة محققة مدبرة من قبل قوى التحالف الغربي بزعامة الولايات المتحدة.. أخرج التلفزيون العراقي برنامجاً من 56 حلقة عن حرب الخليج لإقناع الجمهور العراقي أن البلاد كانت ضحية تدبير مُسبق (مؤامرة دولية).. انظر: TimeInternational,No.13,March 29,1993,p.47.
(78) نفسه,ص230،233،263.
(79) نفسه،ص168.
(80) النصراوي،عباس،مرجع سابق،ص165.
(81) أزمة الخليج وتداعياتها..،مرجع سابق،ص230،232،244.
(82) نفسه,ص77،80،204-206،220- 222.
(83) وردت في:بيار سالنجر وأريك لوران، المفكرة المخفية لحرب الخليج- رؤية مطلع على العد العكسي للأزمة,شركة المطبوعات للتوزيع والنشر،بيروت، 1999، ص17.. مقتبسة عن: الحمد،تركي، "الغزو: الأسباب الموضوعية والمبررات الايديولوجية"، الغزو العراقي للكويت "المقدمات- الوقائع وردود الفعل- التداعيات"،ندوة بحثية،عالم المعرفة،عدد خاص، الكويت،1995،ص123.
(84) حبيب كاظم،مرجع سابق،ص98.
(85) أزمة الخليج وتداعياتها..,مرجع سابق،ص17.
#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟