خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4011 - 2013 / 2 / 22 - 14:33
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
جلباب المخزن المخروم وعري المجتمع الواضح
********************************
استطاع النظام المغربي عبر تجربة سياسية تختلف بالضرورة والحتمية عن باقي التجارب السياسية العربية أن يهيمن على الحقل السياسي والاجتماعي هيمنة مطلقة . الى درجة أن جميع الافرازات الطبيعية لهوية المجتمع المغربي تم تشويهها وافراغها من محتوياتها التاريخية والانسانية والحضارية . فلا تكاد مثلا تعثر في الثقافة على بعد ثقافي يرنو الى معانقة الانسانية في بعدهها الارتقائي ، كما تستطيع الجزم بقطعية حادة على هزالة مردوده الفني الراقي ، فمن الشعر الى السينما عبورا بالرواية والرسم والنقش وفن العمارة...الخ لا تكاد تعثر على منظومة متماسكة أو هارمونية متشكلة في أرومة فاعلة ومؤثرة ، الا ما ندر .
استطاع النظام المغربي عبر مجموعة من الشروط التاريخية والاجتماعية أن يستحوذ ، ليس فقط على مقدرات الوطن وخيراته وثرواته ، وتوزيعها في مرحلة المغربة ،بداية السبعينيات ،على أفراد الأسرة المالكة ، وعلى كبار الجنرالات ، وعلى المسؤولين السياسيين الذين تواطأوا معه على الاجهاز على كل الارادات الحقيقية والمخلصة ، في أكبر عملية تاريخية لتفكيك العوامل والسياقات و المكونات الطبيعية لنهضة أي شعب من الشعوب . الى درجة انه في بداية الثمانينيات تم اغلاق شعبة الفلسفة ومصادرة مناهجها من الكليات والجامعات المغربية . وهو مثال بسيط على مدى ترامي النظام المخزني على حقل من الحقول الرمزية ، لكنه لم يكن يعي آنئذ أن الفلسفة رؤية حياة ، وليست فقط مقررات مدرسية او أكاديمية .
وما يزال النظام المغربي يحتكر منظومة الاعلام السمعي البصري ، مع ما يمثله الاعلام من قوة على ترجيح وجهة نظر دون الأخرى ، وعلى فاعليته المباشرة في تدعيم أبجديات الديمقراطية وحقوق الانسان ، بل هو اليوم يعتبر من الأسباب المباشرة لرفع قيمة الانسان أو خسفها . لكن النظام المغربي ظل متمسكا بهذا الوسيط الهام باثا فيه كل سموم الانحطاط الاعلامي ، الى درجة ان أي وجه من وجوه المعارضة اذا تم استضافتها في هيأة اعلامية نظامية ، فان تهمة العمالة للمخزن تلتصق به بصورة تلقائية ، اذ كيف يعقل أن تكون معارضا صلبا ، وترضى بمجالسة ديكتاتورية اعلامية ؟
هيمنة النظام المخزني هي في الحقيقة هيمنة مطلقة ، وهذا غباء سياسي يُفقد مضمون الدستور الجديد-2011- معناه ومحتواه وأهدافه ووظيفته . فقد حاول النظام المغربي أن يمهزل الحياة السياسية والاجتماعية المغربية ، وكان له ما أراد .
فهو يسيطر على كل الاقتصاد المغربي المهيكل ، عبر عائلات بعينها منها العائلة الملكية ، ويهيمن على الحقل السياسي لدرجة أن أكثر من 38 حزبا يعتبرون في النهاية حزبا مخزنيا واحدا بالقوة وبالفعل . مما يعري أضحوكة المعارضة في شقها البرلماني ، ويحيلها الى مسرحية لم تعد تغري أحدا بمشاهدتها ومتابعتها . ولعل هذا ما تفطن اليه رئيس الحكومة ،حين يضجرنا بين اللحظة والأخرى بكونه ليس الا خادما للملك ، الى درجة أنه تخلى عن بعض اختصاصاته الدستورية للملك ، وهو لايرى الا ما يراه الملك ، ولا يفعل الا ما يرضاه الملك ، وهي التفاتة سياسية ، قد يعتبرها الرجل ذكية ، لكنها بحكم التعاقد الدستوري ، واقران المسؤولية بالمحاسبة لا تعفيه من تبعات أدائه السياسي ، وما يترتب عنه من انهيارات على جميع الصعد .
النظام المغربي مؤمن حد اليقين الأعمى أنه هو الحقيقة عينها ، وهو لا يقف فقط عند حد امتلاك هذه الحقيقة ، بل هو موزعها وعرابها ورمزها ، منه تشع ،وفيه تخبو ،و عليه تدور كل معانيها ودلالاتها . وهنا لن نقفز على واقع الأخطاء المبتذلة التي وقع فيها الى الان ، من تسخير القضاء لخدمة أجنداته ولن في أفته المور ، اعتقال الحركيين ، عدم الترخيص لمجموعة من الأحزاب والمنظمات المدنية ، محاصرة المدن والقرى والتظاهرات السلمية ، الى درجة سحل برلماني من الحزب الحاكم امام باب البرلمان ، اطلاق سراح أدانهحمضه النووي لا لشيئ الا لأنه برلماني .....الخ.
ان الوقائع تكاد لاتحصى ، بل لكثرتها تخرج عن منطق الاحصاء ، فعوض أن يقوم النظام بتطهير حقيقي لبؤر الفساد ولرموزه ، نجده مثلا يسجن موظفين لم يثبت في حقهما تسريب وثيقة تبادل الرشاوي بين الخازن العام للملكة وبين رئيس حزب الأحرار . بل ان قاضيا مثقفا ووطنيا يتم اتهامه بالجنون ويحال الى مستشفى الأمراض العصبية والعقلية للتأكد من سلامة قواه العقلية ، وهو الكاتب والقاضي ، فقد كان يكفي النظر الى كتاباته ، هل هي كتابات تكتسب قدرا من العقلانية والحجية القانونية ، أم هي هرطقات مريض ممسوس بالعته العقلي .
لكن الفاجعة الكبرى هي تلك المتمثلة في افراغ صناديق الأمة من أموال الشعب ، كصندوق الضمان الاجتماعي ، وصندوق التقاعد ،ناهيك عن صناديق أخرى كصندوق الايداع والتدبير ، والقرض الفلاحي ....الخ. اذ لا يكاد أحد يدرك أسباب افراغها ، رغم أنها صناديق يفترض فيها ، ليس الاكتفاء فقط ، بل الفائض ، بالنظر الى حجم الأموال التي يتم استخلاصها مباشرة ، أوعن طريق المساهمة الطوعية من قبل المواطنين ، فكيف اذن تمت عملية افراغ -سرقة - هذه الأموال ؟؟؟.
ان المنظور التقليدي للنظام المخزني للدولة باعتبار النظام هو الفاعل الوحيد فيها ، يعيدنا الى نظم القرون الوسطى ، حيث التحالف العضوي بين مجموعة ضيقة من المنتفعين ،ضد عموم الشعب ، وهو ما يحدث الآن في المغرب ، برغم الخطابات المشوشة والمشوهة حول الديمقراطية والمواطنة ، والتشاركية . فالدولة عبر عملية الريعية التي تشمل جميع القطاعات ، قامت بأكبر عملية رشوة في تاريخ الأمة العربية ، ولم تحاول ان تراقب عن قرب عمليات التفكير والابداع والاضافة ، بل عملت على تدجينها وادخالها في قفصها الذهبي ، رغم ان الفضاء هو المجال الحيوي لكل طائر.
من كل ما سبق يعسر علينا أن نعتمد منهجا نقديا لممارسة الدولة وتمظهرات فعلها في المجتمع المغربي ، فلا النقد اليساري يجدي بجميع مدارسه ، من الماركسية المادية ، الى الماركسية الألتوسيرية بمزجها بين النفسي والمادي . ولا النقد الليبرالي ينفع بحيث لا نكاد نعثر على اي سمة من سمات الليبرالية باعتبارها تؤسس للحرية الفردية وتعلي من شأن مبادرتها ، وتضمن حقوق الفرد بجميع مكوناتها . ولا النقد الاسلامي حين يرتكز على مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
مما يجعل اختيارنا للعنوان ينطلق من رصد دقيق لمسلمة الحكم العشوائي ، خاصة بعد وفاة مؤسس دولة المغرب الحديثة الحسن الثاني . اذ لا تكاد تلمس الا عشوائية في القرارات والسياسات ، الى درجة أن الرقم الثاني في هرمية الدولة لايستطيع أن يركب فقرة مفيدة في تبرير منزلقاته التي تراكمت في مدة قصيرة . كما أن القصر لا يوضح للشعب توجهاته الا عبر الخطوط العريضة التي يعرضها الملك في مناسبات بعينها وهي خطوط تحتاج الى كثير منالشرح والتفسير والتدقيق ، بالاضافة الى المتابعة العلمية والموضوعية . ليبقى جسر التواصل بين السلطة العليا والشعب معلقا بحبال السحر والشعوذة ، في انتظار مبطل السحر وطارد التماسيح والعفاريت .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟