عبدالوهاب حميد رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 4010 - 2013 / 2 / 21 - 16:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هدر الإمكانيات- الفرص الضائعة
في كتيب صدر عام 1995 باللغة السويدية عن معهد استوكهلم للسياسة الخارجية بعنوان:عراق Irak, يُلخّص المعهد رأيه بمسألة التنمية في البلاد أنه كان بمقدور العراق أن يصبح دولة غنية, نظراً لوفرة موارده من أرض ومياه ونفط ومعادن, علاوة على توفر سوق واسعة ومستوى تدريبي وتعليمي جيد نسبياً. ويُضيف المعهد: كان من المتوقع أن يتصدر العراق- قبل اجتياح الكويت- البلدان الأُخرى المماثلة في مستوى التصنيع, خاصة وأنه كان يُصَنف ضمن مجموعة الدول الحديثة التصنيع Newly Industrialized Country (NIC).(1)
وفي كتاب صدرت ترجمته العربية نفس العام- الاقتصاد العراقي- لمؤلفه الدكتور عباس النصراوي، يذكر المؤلف: أن العراق- قبل الاجتياح- وصل قمة السلَّم بين دول العالم الثالث من حيث متوسط دخل الفرد، بالإضافة إلى بلوغه مستوى عالياً من التعليم والمهارات وامتلاكه الخبرة والتكنولوجيا المتقدمة, ووفرة احتياطاته من العملة الأجنبية.. هذا البناء وهذا الجهد انقلب رأساً على عقب بعد حرب الخليج. وتدهور الدخل الشهري الحقيقي للفرد إلى دون مستوى دخل العامل الزراعي غير الماهر في الهند الذي يُعتبر من أفقر دول العالم. هذا الانهيار غير المسبوق الذي حصل للاقتصاد العراقي بعد حرب الخليج أدى إلى هبوط الدخل الحقيقي للمواطن إلى دون مستواه في الخمسينات.(2)
حقاً، لقد توفرت للبلاد بعد الحرب العالمية الثانية فرص طيبة للتنمية قلَّما توفرت لبلدان أُخرى مماثلة. فعلى مدى فترة تصدير النفط حصل العراق على جملة عوائد نفطية بلغت أكثر من 196 بليون دولار (جدول رقم1) منها 192 بليون دولار في ظل نظام "الحزب الحاكم" (1968- 1990).
جدول (رقم1)
عوائد صادرات النفط الخام في العراق للفترة 1931- 1990
(مليون دولار أمريكي) (4)
العوائد الفترة
136 1931- 1949
995 1950- 1957
1131 مجموع فرعي
1266 1958- 1962
1788 1963- 1967
3054 مجموع فرعي
38267 1968- 1977
153736 1979- 1990
192003 مجموع فرعي
196188 جملة العوائد
بدأت البلاد الحصول على عوائدها النفطية منذ عام 1931 بواقع 9ر1 مليون دولار. حققت هذه العوائد السنوية أول طفرة لها في الخمسينات عندما ارتفعت من 7ر8 مليون دولار إلى 8ر18 مليون دولار و 9ر41 و 3ر144 مليون دولار في السنوات 1950- 1953. استمرت في صعودها إلى أن بلغت 575 مليون دولار عام 1972 قبل أن تُحقق الطفرة الثانية لتصل إلى 8ر1 و 5ر6 بليون دولار (1973،1974). وواصلت صعودها لتبلغ القمة (4ر21) و (1ر26) بليون دولار عامي 1979 و 1980 قبل أن تبدأ عدّها التنازلي في السنوات التالية.(3)
من المتفق عليه أن النفط رأسمال نافد. وبيع النفط هو شكل من أشكال بيع رأس المال الوطني. وللحفاظ على رأس المال هذا، وجب توجيه عوائد النفط كاملة نحو جهود التنمية لتكوين بدائل رأسمالية معوضة- اجتماعية واقتصادية- بشرية ومادية.
المسألة الأُخرى ذات العلاقة هي واقع الاقتصاد العراقي- الأُحادي الجانب- والمعتمد على القطاع النفطي في تمويل متطلباته. وخطورة هذا الأمر هو احتمالات الوقوع في مصيدة الاعتماد المتعاظم على الدخل النفطي المرتبط بِالأسواق الدولية، وما يعنيه من خضوع الاقتصاد الوطني ودخل الفرد ومعيشته لتأثيرات وتقلبات هذه الأسواق.
وفي حالة توجيه العوائد النفطية أو أجزاء متزايدة منها لخدمة الأغراض الاستهلاكية وعلى نحو يتجاوز القدرات الإنتاجية للقطاعات السلعية، وكذلك مرحلة التنمية، عندئذ سوف تقود هذه السياسة إلى خلق عادات ونزعات استهلاكية مستوردة قد تقف حائلاً عصياً أمام جهود ناجحة للتنمية.
هذا يعني أن نجاح التنمية- تحسين مستوى الإنتاج والإنتاجية وتنويع الهيكل الإنتاجي للاقتصاد الوطني في إطار من التنسيق والتكامل النسبي، وبما يُعزز استقلاله الاقتصادي، يعتمد أساساً على مدى توجيه العوائد النفطية نحو جهود التنمية وتوفير مستلزماتها وضمان العقلانية في وجهتها، علاوة على شرط كفاءة إدارة التنمية.
وبناء على هذه المناقشة الموجزة, يُحاول هذا الفصل في صفحاته التالية، متابعة وتحليل حركة الاقتصاد العراقي منذ الخمسينات ولغاية ما بعد حرب الخليج، وذلك في سياق الإجابة على مجموعة الأسئلة التالية:
* ما هي العوائد النفطية التي استخدمت في جهود التنمية (الاستثمارات الحكومية). وما هي تلك التي بقيت خارج حلقة التنمية.
* هل نجحت جهود التنمية في تنويع الهيكل الإنتاجي وتعزيز الاستقلال الاقتصادي للبلاد من خلال تقليص الاعتماد النسبي على القطاع النفطي لصالح بقية القطاعات السلعية- الزراعة والصناعة التحويلية؟
* هل ساهمت العوائد النفطية وجهود التنمية في تحسين القدرات الإنتاجية لقطاعي الزراعة والصناعة التحويلية، وتحسين موازينهما التجارية أم أنهما واجها تراكمات متزايدة من العجز؟
* هل ساهمت العوائد النفطية وجهود التنمية في تحسين الأمن الغذائي للعراق، أم أنه اتجه نحو مزيد من العجز والاعتماد على الخارج؟
* ما هي حصيلة جهود التنمية، ليس فقط في تحقيق زيادات معينة لدخل المواطن، بل والأكثر أهمية في تعزيز استقرار هذا الدخل ومستوى معيشته؟
وفي محاولة للوصول إلى إجابات موضوعية- قدر الإمكان- للأسئلة المطروحة, سيتم في الصفحات التالية تحليل وتقييم التطور الاقتصادي في العراق للفترة 1950- 1994 في ضوء البيانات المتاحة. وستنصب هذه المهمة على مناقشة خطط (برامج) التنمية (الاستثمارات) التي نفذتها الحكومات العراقية المختلفة، ومتابعة تطورات الهيكل الإنتاجي للاقتصاد الوطني, علاوة على مسألة الزراعة والأمن الغذائي، وأخيراً، الدخول الفردية ومستويات المعيشة قبل وبعد حرب الخليج.
بعد تأميم النفط الإيراني عام 1951 من قبل حكومة مصدق الوطنية, سارعت الاحتكارات النفطية في المنطقة المسماة بالشرق الأوسط إلى العمل باتجاهين: أولهما رفع معدلات إنتاج وتصدير النفط الخام لتعويض النفط الإيراني.. وثانيهما تعديل الشروط المالية للامتيازات النفطية لصالح البلدان المنتجة للنفط، بُغية احتواء احتمالات ظهور محاولات أُخرى من قبل بلدان المنطقة المنتجة للنفط لتأميم مواردها النفطية. وبذلك حصل العراق على 50% من صافي عوائده النفطية، بعد أن كانت حصة البلاد 4 شلنات للبرميل الواحد. وهكذا تحققت الطفرة الأُولى للعوائد النفطية في العراق مع بداية الخمسينات.
هذه الزيادة الكبيرة نسبياً في الحقل النفطي العراقي دفعت الحكومة إلى تبني مبدأ توجيه هذه العوائد نحو جهود البناء والأعمار. فتأسس مجلس الأعمار ووزارة الأعمار للقيام بمهمة التخطيط والإنفاق الاستثماري. إلا أن جهود المجلس بقيت محدودة لكونها تركزت في مشروعات البنية التحتية، تتقدمها مشروعات السيطرة على مياه الفيضانات والجسور والخزانات والسدود.. رغم أهمية هذه المشروعات في حالة ربطها بالعملية الإنتاجية للقطاعات الاقتصادية الأُخرى, كما أن إهمال قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية عبَّر عن خلل واضح في هذه الجهود. ويرتبط بذلك خضوع المسؤولين لآِراء المستشارين الأجانب الذين كانوا يجسدون مصالح الاحتكارات الأجنبية.
والجدير بالذكر أنه تم تخصيص جميع عوائد النفط لأِغراض الاستثمارات، ثم خُفضت هذه العوائد إلى 70% مقابل 30% للميزانية العامة الحكومية. عُدِّلت هذه النسبة مرة أُخرى في بداية العهد الجمهوري لتنخفض التخصيصات الاستثمارية من هذه العوائد إلى 50%. ثم غابت مسألة الموازنة القانونية للعوائد النفطية بين الميزانية الاستثمارية والميزانية الاعتيادية الحكومية في السنوات التي أعقبت 1968 وتسلُّم نظام البعث السلطة في العراق.
ومع بداية العهد الجمهوري (1958- 1962) الذي أعلن عن هدف تحقيق الاستقلال الاقتصادي وتحسين توزيع الدخل والثروة، تم إلغاء مجلس الأعمار ووزارة الأعمار، وحلَّ محلهما مجلس التخطيط ووزارة التخطيط، وصدر قانون الإصلاح الزراعي كما تحققت الخطوة الأُولى على طريق تأميم النفط العراقي عندما صدر القانون رقم 80 لسنة 1961، بتحريره 5ر99% من الأراضي غير المستغلة التي كانت خاضعة لامتيازات شركات النفط العاملة في العراق.(جدول رقم2).
جاءت معدلات أداء الخطة هزيلة، لعوامل منها عدم الاستقرار السياسي في ظروف غياب البرمجة للموارد المالية والمادية والأيدي العاملة الماهرة والفنية الضرورية لإنجاز العملية، إضافة إلى تخلف الإدارة الاقتصادية والتنظيم الإداري الفعال، علاوة على أن المبالغ التي خُصصت للزراعة لم تكن متناسبة مع حجم وأهمية هذا القطاع. كما أنه من غير المفهوم كيف يمكن تحقيق إصلاح زراعي في ظروف تدني تخصيصات هذا القطاع! يُضاف إلى ذلك غياب الأجواء الديمقراطية والأجهزة المتخصصة لتنفيذ الإصلاح الزراعي بالتعاون والتنسيق الكاملين مع أصحاب القضية الأساسية بالإصلاح الزراعي، وهم الفلاحون. وعموما، فإن الأوضاع السياسية غير المستقرة قضت على النظام بانقلاب حزب البعث العسكري الدموي (8 شباط 1963) الذي أعقبه انقلاب عسكري آخر تشرين الثاني/ نوفمبر نفس العام.
جدول رقم (2)
التخصيصات القطاعية في الخطط (البرامج) الاستثمارية في العراق
للسنوات 1951- 1983 (%) (5)
(6) (5) (4) (3) (2) (1) الفترة
55 90 17 21 16 44 51-54
55 417 22 29 44 33 55-59
46 449 27 26 27 20 61-64
55 668 20 17 28 26 65-69
61 1932 35 11 20 19 70-74
64 15736 16 15 29 14 76-80
14 19783 24 18 17 7 81-83
الزراعة..(2) الصناعة التحويلية..(3) النقل والمواصلات..(4) البناء والخدمات..
(5) جملة التخصيصات (مليون دينار).. (6) معدلات الأداء.
أعلن العهد الجديد (1963- 1968) إن العراق دولة اشتراكية يستمد نظامه من التراث العربي وروح الإسلام. وأن القطاعين العام والخاص ركيزتان أساسيتان لعملية التنمية مع احترام الملكية الخاصة. يُضاف إلى ذلك الاهتمام بالبعد القومي والتكامل الاقتصادي العربي. ورغم حالة الاستقرار النسبي خلال هذه الفترة, وتحقق معدلات نمو مختلفة، إلا أن الخطة (1965- 1969) أخفقت في تحقيق معظم أهدافها باستثناء مجال التشغيل. كما بقيت معدلات أداء الخطة في حدودها المتدنية التي كانت عليها في الخمسينات.
شهدت هذه الفترة ثلاثة أحداث بارزة: قرارات التأميم (14/7/1964) للصناعات الرئيسة والبنوك وشركات التأمين وبعض المصالح التجارية الخاصة.. تنشيط شركة النفط الوطنية وبدء التعاقد على التنقيب والاستخراج والتصدير من أراضي الامتيازات النفطية المحررة، إضافة إلى النشاط في مجال الكبريت.. التوقيع على اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية والسوق العربية المشتركة.
عاد حزب البعث إلى الاستيلاء على السلطة في أعقاب انقلاب 17-30 تموز 1968 تحت شعار "الوحدة والحرية والاشتراكية". إلا أن اشتراكيته، من الناحية العملية، لم تتعدَّ سياسة تبني القطاع العام تحمل أعباء القطاع الخاص. كما أن هذه السياسة تحولت إلى بيع مؤسسات القطاع العام في ظل التوجهات السياسية الجديدة التي تبنَّت دعم القطاع الخاص (شباط/ فبراير 1983)، رغم أنها فشلت في معالجة الأزمة الاقتصادية التي تصاعدت حدَّتها بفعل الحرب مع إيران.
كذلك شهدت بداية السبعينات ثلاثة أحداث اقتصادية بارزة: أولها تأميم الثروة النفطية.. ثانيها حصول الطفرة الثانية للعوائد النفطية.. وثالثها إعداد الخطة القومية التي تميزت في هذه المرحلة بالشمول مقارنة بالخطط السابقة. كما عاصر هذا العهد، عموماً، عدداً من المثالب التي تركت بصماتها الواضحة على الحياة الاقتصادية العراقية، تتقدمها:
* انتهاج سياسة ما سُمي بـ "التنمية الانفجارية". هذا النهج الذي عبَّر عن الجهل في ظروف تجاهل الطاقة الاستيعابية للاقتصاد العراقي.
* اتباع أسلوب المشروع الجاهز "المفتاح باليد" وإقامة المشروعات على أساس أحدث التكنولوجيا المتاحة. هذا رغم ما في هذا الأسلوب من إهمال للكفاءات والتكنولوجيا المحلية واغتراب لهذه المشروعات وتبعيتها للشركات الأُم.
* اتباع سياسة "الباب المفتوح" في مجال الواردات. ونمو الظاهرة الاستهلاكية، لتصل قمتها في بداية الحرب العراقية الإيرانية في ضوء سياسة "البندقية والزبدة".
* سياسة الإنفاق العسكري الضخم بالارتباط مع نمو الذهنية العسكرية العدوانية للطغمة الحاكمة.
* تبني سياسة استيراد العمالة العربية والأجنبية، مقابل التفريط بالكفاءات الوطنية (الهجرة والتهجير القسري) التي ترافقت مع سياسة النظام الحاكم في مجال إعادة التوزيع السكاني في البلاد. علاوة على التأثير السلبي لهذه السياسة في ميزان المدفوعات العراقي.
* بروز ظاهرة الحصول على العمولات COMMISION وإيرادات غير مشروعة لكبار عناصر الحزب وجهاز الدولة من مدنيين وعسكريين.
* تضخم قطاع الدولة واستمرار ضعف إنتاجيته (البطالة المقنعة).
يشير الجدول رقم 3 إلى أن نسبة ألـ 50% من العوائد النفطية المقررة قانوناً لأِغراض
جدول رقم (3)
مبالغ ونسب العوائد النفطية المستخدمة لأِغراض الاستثمارات الفعلية في العراق
1951- 1983( المبالغ بملايين الدنانير العراقية) (9)
نسبة أ / ع عوائد نفطية ع استثمارات فعلية أ الفترة
53 349 184 51- 57
61 452 276 58- 62
53 638 341 63- 67
46 345 159 68- 69
35 3413 1181 70- 74
39 26127 10072 76- 80
29 9100 2670 81- 83
36 38985 14082 68- 83
الاستثمارات بدأت تتجه نحو الهبوط منذ العام 1968، واستمرت بحدود ثلث العوائد النفطية. وعند الرجوع إلى العوائد النفطية التي تسلَّمها النظام العراقي خلال الفترة 1968-1990 التي تجاوزت 192 بليون دولار، وبافتراض أن نسبة 36% الواردة في الجدول رقم 3 تمثل المصروفات الاستثمارية الفعلية إلى العوائد النفطية على مدى الفترة المذكورة،عندئذ يكون المبلغ المتبقي بحدود 69 بليون دولار. (6)
بكلمات أُخرى, تم حجز 123 بليون دولار خارج حدود هذه الاستثمارات. وبإضافة مبالغ القروض الخارجية والمدفوعات الأُخرى التي تسلَّمها النظام العراقي خلال الثمانينات والمقدَّرة بـ 1ر72 بليون دولار,(7) يصبح مجموع المبالغ 209 بليون دولار بقيت خارج حدود التنمية. وهذا المبلغ يُقارب عشرة أمثال الناتج المحلي الإجمالي للعام 1980 (أعلى ناتج محلي إجمالي تحقق في تاريخ العراق الحديث).(8)
أين ذهبت هذه الأموال؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب الرجوع إلى النفقات العسكرية للنظام العراقي (جدول رقم 4) التي بلغت 198 بليون خلال الفترة 1980-1990 علاوة على استقطاع 5% من العوائد النفطية من قبل رأس النظام.
جدول رقم (4)
النفقات العسكرية (مليون دولار أمريكي) ونسبها إلى الناتج المحلي الإجمالي(%)
في العراق للفترة 1953- 1990 (11)
النفقات/الناتج % النفقات (م.د) السنوات
9ر7 76 1953
7ر8 147 1960
2ر11 401 1970
0ر23 12306 1980
6ر37 14007 1981
9ر51 21952 1982
9ر67 28596 1983
4ر66 31590 1984
9ر63 23506 1985
9ر36 16531 1986
6ر35 17073 1987
4ر22 12868 1988
9ر15 10720 1989
4ر12 9268 1990
حصيلة جهود التنمية في العراق منذ الخمسينات جاءت صفراً أو حصيلة سالبة فيما يخص تنويع الهيكل الإنتاجي للاقتصاد الوطني. فما تحقق فعلاً هو زيادة أهمية قطاع النفط على حساب قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية, وتعاظم اعتماد الاقتصاد الوطني على هذا القطاع المرتبط بالأسواق العالمية. مقابل انخفاض دور الزراعة والصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي. إن الأهمية النسبية للزراعة تراجعت، بينما بقيت مساهمة الصناعة دون عشر الناتج المحلي الإجمالي (جدول رقم 5) ويرتبط بهذه الحصيلة فقر الصادرات الوطنية وتركزها في سلعة واحدة هي صادرات النفط الخام التي لم تنخفض أهميتها عن 90% من جملة الصادرات العراقية. بل أنها بلغت الذروة في بعض سنوات الفورة النفطية لتصل إلى 99%.(13)
البيانات المتاحة عن صادرات وواردات القطاع الزراعي منذ العام 1962 تُشير إلى استمرار الزراعة العراقية تحقيق فوائض تجارية بلغت 320 مليون دولار، ارتفعت إلى 601 مليون دولار عام 1969, وبجملة 7ر3 بليون دولار فوائض الميزان التجاري للقطاع الزراعي للفترة 1962- 1969.(14) ومع بداية السبعينات أخذ القطاع الزراعي يُسجل عجزاً متزايداً في ميزانه التجاري، بدأ بـ 53 مليون دولار ووصل 6ر2 و 5ر2 بليون دولار عامي 1989 و 1990 . وتراكمت مبالغ العجز لتصل إلى 5ر28 بليون دولار للسنوات 1970- 1990.(15)
جدول رقم (5)
تطور الأهمية النسبية للقطاعات السلعية في الناتج المحلي الإجمالي
في العراق للفترة 1953- 1990
الصناعة
الاستخراجية التحويلية الزراعة السنوات
9ر36 7ر5 6ر24 1953
6ر40 8ر6 3ر17 1955
5ر36 6ر9 3ر16 1963
5ر34 9ر7 1ر20 1965
7ر33 8ر8 3ر18 1968
0ر57 9ر5 1ر12 1970
9ر51 8ر6 8ر7 1975
1ر42 6ر7 2ر5 1980
2ر30 0ر10 6ر8 1986
4ر40 4ر11 6ر6 1987
7ر40 4ر10 8ر6 1988
7ر34 3ر7 3ر8 1989
7ر34 3ر7 9ر8 1990
أما الصناعة التحويلية التي كانت أكثر حظاً من الزراعة في حصتها النسبية من المصروفات الاستثمارية الفعلية، فكانت الأكثر سرعة في تراجعها. بلغ العجز في ميزانها التجاري 65 مليون دولار عام 1953 ووصل إلى 4ر3 بليون دولار عام 1978، وهو العام الأخير لتوفر مثل هذه البيانات التي توقف نشرها في الفترة التالية. أما جملة عجز هذا القطاع فسجَّلت 8ر18 بليون دولار خلال هذه الفترة.(16)
ماذا تعني هذه الأرقام للاقتصاد العراقي؟ إنها تعني ببساطة عجز الماكنة الاقتصادية العراقية عن توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة الاقتصادية دون قطاع النفط والتعامل الخارجي.. إنها تعني غياب الحد الأدنى من الاكتفاء الذاتي.. وهي تعني أيضاً استمرار خلل جهود التنمية: الإهمال النسبي للزراعة والصناعة، فشل بناء صناعة وطنية مقابل فشل السياسة الزراعية والاتجاهات غير الواضحة في عمليات استصلاح الأراضي التي كلَّفت الدولة موارد طائلة، وفشل بناء شبكة متكاملة للري والبزل (الصرف) للزراعة العراقية، واستمرار ضعف قدرتها على توفير حاجات الناس من المواد الغذائية، وضعف توجيه الاستثمارات الزراعية والصناعية- على ضحالة نسبها- لبناء التشابك القطاعي لصالح تنويع الهيكل الإنتاجي للاقتصاد الوطني، وبناء الصناعة على أساس التوجه نحو الخارج، واستمرار التوسع في الظاهرة الاستهلاكية.(17)
جسَّدت هذه المؤشرات تطور تخلف الاقتصاد العراقي والتي عبَّرت كذلك عن تدهور حالة الأمن الغذائي في البلاد (جدول رقم 6). فمع زيادة هذه العوائد تسارع في نفس الوقت انكشاف البلاد في أمنها الغذائي وتصاعد اعتمادها على الخارج.
جدول رقم(6)
مؤشرات الاكتفاء الذاتي ومعدلات استهلاك الفرد من القمح والحبوب
في العراق للفترة 1950- 1994
القمـــح الحبــوب
(4) (3) (2) (1) الفترة
325 106 131 101 50-57
264 98 133 85 58-62
232 96 112 88 63-67
264 76 165 68 68-79
535 37 217 26 80-90
212 61 109 50 91-94
الاكتفاء الذاتي (%).. (2) معدل الاستهلاك (كغم/شخص).. (3) الاكتفاء الذاتي (%).. (4) معدل الاستهلاك (كغم/شخص).
توضح هذه المؤشرات أن المواطن العراقي أصبح يعتمد في حدود ثلاثة أرباع رغيف خبزه اليومي على الأسواق الخارجية. بينما تُعبر أرقام الفترة ما بعد حرب الخليج عن تدهور مستويات معيشة المواطن لتتراجع إلى دون مستوياتها في الخمسينات.
انعكست حصيلة التطورات في العوائد النفطية في زيادات عالية للدخول الفردية في العراق (جدول رقم 7). لكن المشكلة هي أنها لم تتحقق نتيجة تنمية فعلية بالعلاقة مع تنويع الهيكل الإنتاجي للاقتصاد الوطني و/ أو تحسن مستوى الإنتاج والإنتاجية الحقيقية، بل جاءت هذه الزيادات حصيلة لمتطلبات السوق النفطية الدولية. بكلمات أُخرى، إن مستويات الدخول الفردية ومستويات معيشة المواطنين استمرت مكشوفة على الخارج وبقيت رهينة لقرارات اقتصادية دولية. وارتباطاً بهذا الواقع، بدأت مستويات الدخول الفردية منذ أوائل الثمانينات عدَّها التنازلي وبنفس السرعة التي تابعت صعودها منذ السبعينات, سواء بسبب حرب الثماني سنوات أو ضعف استجابة السوق النفطية الدولية. بل أن هذه الدخول بعد حرب الخليج عبَّرت عن كارثة اقتصادية وبشرية.
لم تقف مشكلة الاقتصاد العراقي عند فشل جهود التنمية لتحقيق أهداف الاستقلال الاقتصادي للبلاد: تنويع الهيكل الإنتاجي.. تحسين إنتاج وإنتاجية الزراعة والصناعة.. تعزيز الأمن الغذائي.. بلوغ استقرار نسبي في دخول ومستويات معيشة الناس.. بل زادت مخاطر انحطاط الاقتصاد العراقي مع الدخول في حرب الثماني سنوات في الثمانينات، لتزداد سرعة ارتفاعات الأسعار والتضخم مؤدية في نفس الوقت إلى ابتلاع الزيادات الاسمية التي تحققت في مستويات الدخول الفردية.
في المقالة القيمة للأستاذين د. عبدالمنعم السيد علي (و) د. هيل عجمي الجنابي كشف واضح لحركة التضخم في العراق والتي زادت حدتها مع بداية الثمانينات والدخول في الحرب مع إيران، بينما تجاوزت 100% منذ عام 1992 بسبب حرب الخليج.(20)
جدول رقم (7)
الناتج الإجمالي المحلي بالأسعار الثابتة (1974=100) والسكان ومتوسط حصة الفرد
من الناتج في العراق للفترة 1943- 1995 (19)
(3) (2) (1) السنوات
295 4ر4 3ر1 1943
385 2ر5 0ر2 1950
492 9ر5 9ر2 1955
529 0ر7 7ر3 1960
550 0ر8 4ر4 1965
564 4ر9 3ر5 1970
1148 8ر10 4ر12 1974
1382 0ر11 2ر15 1975
1523 8ر12 5ر19 1979
1586 3ر13 1ر21 1980
871 6ر15 6ر13 1985
7ز3 2ر18 8ر12 1989
5ز3 9ر18 5ر9 1990
296 6ر19 8ر5 1991
250 0ر20 0ر5 1992
220 5ر20 5ر4 1993
205 0ر21 3ر4 1994
161 8ر21 5ر3 1995
(1)الناتج المحلي الإجمالي (بليون دولار- أسعار ثابتة: 1974=100).. (2) السكان (مليون نسمة).. (3) متوسط حصة الفرد من الناتج (دولار أمريكي).
الحقيقة العارية هي أن مستويات معيشة المواطنين في العراق بعد حرب الخليج تدهورت إلى دون مستوياتها في الحرب العالمية الثانية. هذه الحقيقة لا تستند إلى المقارنة بين هذه الدخول، فقط، ولا إلى مستويات الاكتفاء الذاتي من الحبوب، حسب، بل تمتد أيضاً إلى مجال غذائي أساسي آخر هو التمر.
من المعلوم أن التمر مادة غذائية متكاملة لاحتوائه على السكر والمعادن والبروتين والفيتامينات، شكَّلت مع الحليب غذاء قدماء العراقيين في حضاراته الغابرة. ومن المعروف أيضاً أن أغلبية الناس في العراق استخدموا التمر مع الشاي بدلاً من السكر أثناء الحرب العالمية الثانية بعد اختفاء السكر من الأسواق وارتفاع أسعاره . فهل يتوفر التمر للناس حالياً للتعويض عن نقص غذائهم؟
في الأربعينات وبعدها كان إنتاج التمور في العراق يتراوح بين 250- 300 ألف طن سنوياً. بلغ عام 1943 بحدود 280 ألف طن. بينما زاد بداية التسعينات إلى 550- 700 ألف طن وبمعدل 623 ألف طن سنوياً للفترة 1991- 1994 وفق بيانات منظمة الغذاء والزراعة الدولية للأُمم المتحدة FAO. وهذه ظاهرة إيجابية- إن صحَّت هذه البيانات- وترمز إلى أن الحصار أخذ يدفع بالناس للاعتماد على أنفسهم في إنتاج قوتهم. ولكن في عام 1943 كان سكان العراق 4ر4 مليون نسمة، بينما في التسعينات 3ر20 مليون نسمة في المتوسط. وهكذا كانت حصة الفرد من التمور في الأربعينات (64 كغم) أكثر من ضعف حصته (31 كغم) في التسعينات!!
وفي ضوء هذه الحصيلة: إهدار جزء هام من العوائد النفطية.. استمرار الدور الهزيل للزراعة والصناعة التحويلية.. تراجع هدف الأمن الغذائي.. ابتعاد هدف الاستقلال الاقتصادي.. الحروب ونتائجها الكارثية من خراب ومقاطعة وتضخم.. فليس غريباً أن تنتهي جهود التنمية إلى هذا القدر الصارخ من التدهور الخطير في دخل المواطن ومعيشته.
وأخيراً أنه من سوء طالع العراق أن تحظى البلاد بأعظم فُرصها للتنمية في وقت بلغ الاستبداد ذروته. ذلك أن هذه الحصيلة المُدمرة تقترن بحقيقة تاريخية هي: التناقض بين الاستبداد والتنمية. ففي غياب الديمقراطية، وفي ظل أنظمة الحكم الفردية/ الدكتاتورية، ربما تتحسن أوضاع التنمية، إلى حين، وفي ظروف تكاليف عالية- بشرية ومادية- إلا أنها تُراكم تناقضاتها في داخلها لتنفجر في لحظة ما تاركة الخراب والدمار. هذه الحقيقة التاريخية حصلت مع العراق أخيراً بعد أن عاشتها ألمانيا وإيطاليا.. فكانت النتيجة أن سحقت أعظم فرصة للتنمية بعد أن أهدرت البلايين من دولاراته وقضت على/ أو وطردت الألوف والملايين من سكانه.. ولا زالت احتمالات المزيد من الخراب.. قائمة..
والأسوأ من ذلك أن يتعرض شعب العراق الكريم إلى مجاعة جماعية، عبَّرت ولا زالت، ليس فقط عن فشل الاستبداد في سياساته وإدارته للبلاد, بل كشفت أيضاً عن بربرية "الإمبريالية المتحضرة" وتجاوزها لنظام الاستبداد في إهدارها حقوق شعب العراق.
هوامش الفصل الثاني
(1) IRAK,Op.cit.,p.35.
(1) النصراوي،عباس،الاقتصاد العراقي,مترجم،بيروت،1995،ص11- 12.
(2) بلغت حصة العراق من عوائده النفطية للسنوات 981- 1990 (بليون دولار أمريكي): 4ر10، 1ر10, 8ر7، 4ر9, 7ر10, 9ر6, 4ر9, 3ر9, 8ر11, 5ر9 على التوالي.
(3) اوبك، مرجع سابق. تم تحويل مبالغ العوائد النفطية من الاسترليني إلى الدولار للفترة 1931-1970 اعتماداً على المصادر التالية: The League of Nations, Statistical Yearbook, Geneva,1932.. UN, Balanceof Payments, Geneva,1948.. International Financial Statistics, IFS, Dec.,1950-1970.
(4) رشيد، عبدالوهاب حميد،"تطور الخطط والبرامج الاستشمارية في العراق",مجلة المصرفي، بغداد،ص7- 11.. النصراوي،مرجع سابق,ص98’103و120,121,185.
(5) تُعتبر هذه النسبة معتدلة في ضوء المعلومات التي تُشير إلى هبوط حاد في التخصيصات والمصروفات الاستثمارية بعد عام 1980.
(6) بلغت الديون الخارجية حسب اعتراف النظام العراقي 1ر42 بليون دولار في 1/1/1991 (عدا الفوائد). كما دفعت الأنظمة الخليجية بحدود 30 بليون دولار للنظام العراقي أثناء حرب الثماني سنوات مع إيران.
(7) حسابات الدخل القومي في العراق،جدول رقم 7,الهامش19.
(8) المصدران في الهامش5.
(9) Time International,No.13,March 29,1993,p.46.
(10) Stockholm International Peace Research Institute- SIRI,Yearbook,1953,p.128..,1990,p.192..,1992, p.260.
(11) UN, National Accounts,Part1, 1955,1960,1970,1975,1980,1992.
(12) OPEC, Yearbook of International Statistics, 1952,1954,1956,1964,1968,1976,1983.
(13) حصيلة الميزان التجاري للقطاع = صادرات القطاع- واردات القطاع.. وبيانات التجارة الخارجية (الصادرات والواردات) اعتمدت على: FAO, Production Yearbook.. trade Yearbook,1950-1994.
(14) بينما بلغ عجز القطاع الزراعي للسنوات 1991-1994 (بليون دولار): 9ر0,2ر1,0ر1,7ر0.
(15) UN, Yearbook of International Trade Statistics, Vol.1,1950-1978.
(16) الجدير بالإشارة أن الظاهرة الاستهلاكية استمرت في الارتفاع وبلغت أقصاها في الفترة الأُولى من حرب الثماني سنوات مع إيران!
(17) أجرى الباحث هذه الحسابات بالاعتماد على الكتاب السنوي لمنظمة (الفاو) 1994 في مجال الإنتاج والتجارة، وفق الصيغ التالية: الاستهلاك= الإنتاج + (الواردات- الصادرات).., معدل الاستهلاك= الاستهلاك÷ السكان.., نسبة الاكتفاء الذاتي= (الإنتاج÷ الاستهلاك)×100.
أجرى الباحث هذه الحسابات بالاعتماد على الكتب السنوية لحسابات الدخل القوني للأمم المتحدة لسنوات الفترة، والكتاب الإحصائي السنوي اوبك 1993، علاوة على صندوق النقد العربي،الحسابات القومية للدول العربية 1983- 1993، 1989- 1999، أبو ظبي، 1994..، وزارة التخطيط، دائرة الحسابات القومية، الدخل القومي في العراق للسنوات 1964- 1971،بغداد، 1971..,كتاب الجيب،مرجع سابق..,السعدي،صبري زاير،نحو تخطيط الاقتصاد العراقي،بيروت،1975..، السيد علي، عبدالمنعم (و) الجنابي،هيل عجمي،" الاقتصاد السياسي للتضخم في العراق 1981-1992", مجلة بحوث اقتصادية عربية, القاهرة،1992.
• وحسب صندوق النقد العربي- الحسابات القومية في الدول العربية للفترة 1989- 1999، العدد 20/200، بلغ الناتج المحلي الإجمالي في العراق للعام 1999 (مليون دولار- أسعار جارية): 81916 (ص88) على أساس أن الدينار العراقي يساوي 9013ر0 دولار (ص1).. بينما في الواقع العملي استمرت قيمة الدولار إلى الدينار منذ 1991 (السوق السوداء) تساوي ما بين 1500- 2000 دينار عراقي!!
(20) السيد علي،عبدالمنعم (و) الجنابي،هيل عجمي،مرجع سابق،ص91- 113.
#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟