البحث عن رئيس مثالى (1 -2)

مجدى زكريا

الحوار المتمدن-العدد: 4010 - 2013 / 2 / 21 - 11:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

" تنح جانبا , فقد طفح الكيل , بالله عليك ارحل " - أوليفر كرومويل. اقتبس هذه الكلمات لاحقا ليوبولد ايميرى , عضو فى البرلمان البريطانى.
كانت رحى الحرب العالمية تدور منذ ثمانية اشهر , ولم تكن الامور تجرى لصالح بريطانيا وحلفائها. فرأى ليوبولد ايميرى وغيره ممن يتولون السلطة انه يلزم اقالة رئيس الوزراء الحالى وتعيين رئيس جديد بدلا منه. لذلك فى 7 ايار 1940 , اقتبس ايميرى فى مجلس العموم الكلمات الانفة الذكر , موجها اياها الى رئيس الوزراء نيفيل تشمبرلين. وبعد ثلاثة ايام , استقال تشمبرلين وحل محله ونستون تشرشل.
لا شك ان البشر يحتاجون الى رئيس كفؤ يتولى القيادة لكن قلة من الرؤساء يبلغون هذا المقياس. فاذا كان على الوالد ضمن الدائرة العائلية ان يكون كفؤا فى تولى قيادة عائلته لكى تعيش زوجته واولاده حياة سعيدة , فكم بالاحرى الرئيس الذى سيتولى حكم بلد او حكم العالم بأسره ؟ لا عجب اذا ان يكون الرؤساء المثاليين نادرون الوجود.
على مر التاريخ توج الاف الملوك , نظمت مئات الثورات والانقلابات , عين وانتخب العديد من الرؤساء , اغتيل كثيرون من الرسميين , حتى انظمة الحكم تغيرت بالكامل. لذلك فان ملوكا , رؤساء وزراء , امراء , رؤساء دول , امناء عامين , ودكتاتوريين وجدوا انفسهم يولون السلطة او يقالون منها. وفى بعض الاحيان , اطاحت تغييرات مفاجئة بحكام واسعى النفوذ. وقد تبين بعد كل هذه الجهود ان ايجاد رئيس يتحلى بالكفاءة ويحكم طويلا امر صعب للغاية.
لا عجب اذا ان يفقد كثيرون كل امل بايجاد رئيس مثالى. وفى كثير من البلدان , يعبر الناس عن مشاعر اللامبالاة واليأس بشكل خاص فى فترة الانتخابات. ذكر صحافى من افريقيا يدعى جيف هيل: " يطغى على الناس موقف اللامبالاة او الرفض (رفض التصويت) حين يشعرون بأنهم عاجزون عن تغيير حالة البؤس التى يعيشونها . . . وفى افريقيا , ان امتناع الناس عن التصويت لا يعنى دائما انهم راضون عن الوضع الراهن. ففى اغلب الاحيان , يكون هذا الامتناع بمثابة صيحة استغاثة يطلقها الذين يشعرون ان لا احد يهتم لأمرهم ". كتب محرر فى صحيفة بالولايات المتحدة عن انتخابات وشيكة : " اتمنى ان يترشح شخص يجمع كل المواصفات المطلوبة. ولكن لا وجود لهذا الشخص الان ولن يوجد يوما. لذلك نحن مضطرون الى القبول بالموجود ".
فهل البشر مضطرون حقا الى " القبول بالموجود " اى بالرؤساء الناقصين ؟ وهل يشهد عجز الرؤساء البشر عن توفير حاجات رعاياهم اننا لن نحظى يوما بقائد مثالى ؟
فى سنة 1940 , كان البرلمان البريطانى يشهد ازمة فى القيادة. وفى احدى جلساته , دار بين الحاضرين جدال حام. وكان حاضرا انذاك رئيس الوزراء دايفيد لويد جورج البالغ من العمر 77 سنة الذى قاد بريطانيا الى النصر فى الحرب العالمية الاولى. وخبرته الطويلة فى المجال السياسى جعلت منه شخصا بارعا فى تقييم رجال السياسة الرفيعى المستوى. فذكر فى خطاب ألقاه فى مجلس العموم يوم 8 ايار : " الامة مستعدة ان تبذل الغالى والرخيص ما دامت نحظى برئيس كفء , ما دامت الحكومة تكشف بكل شفافية الاهداف التى ترمى اليها , ومادامت الامة تثق ان الذين يتولون قيادتها يبذلون كل ما فى وسعهم ".
تكشف كلمات لويد جورج بكل وضوح ان الناس يتوقعون من قادتهم ان يكونوا اكفاء , وأن يبذلوا جهودا مخلصة فى سبيل اجراء التحسينات. وقد عبرت عن ذلك سيدة تعمل فى التنسيق لحملة انتخابية : " حين يصوت الناس لرئس ما يعنى ذلك انهم يأتمنونه علبى حياتهم , مستقبلهم , وأولادهم ". ولا شك ان المحافظة على هذه الثقة مهمة فى منتهى الصعوبة. لماذا ؟ " يتبع "

عزلوا فجأة من مناصبهم :
غالبا ما يحظى الحاكم بدعم واحترام رعاياه اذا وفر لهم قدر الامكان السلام والطمأنينة. ولكن اذا خسر ثقة الناس لسبب ما , فسرعان ما يستبدلونه باخر. اليك بعض الامثلة عن ظروف ادت الى عزل حكام اقوياء عن مناصبهم :
الظروف المعيشية الصعبة. فى اواخر القرن الثامن عشر , أرغم كثير من الفرنسيين على العيش حياة بائسة. فقد كثرت الضرائب وقل الطعام , مما ادى الى قيام الثورة الفرنسية. فخلع الملك لويس السادس عشر عن عرشه سنة 1793 وأعدم بالمقصلة.
الحرب. انهت الحرب العالمية الاولى حكم قواد كانوا من اقوى اباطرة التاريخ. مثلا , ادى نقص الطعام الذى سببته الحرب سنة 1917 فى سانت بيترسبرغ فى روسيا الى قيام ثورة فبراير. وخلع على الاثر القيصر نقولا الثانى عن عرشه وأنشئ النظام الشيوعى. وفى تشرين الثانى 1918 , ارادت المانيا تحقيق السلام. لكن الحلفاء لم يريدوا ايقاف النزاع ما لم يحدث تغيير فى السلطة. نتيجة لذلك . نفى الامبراطور الالمانى ولهلم الثانى الى هولندا.
الرغبة فى تغيير انظمة الحكم. فى سنة 1989 , ازيل الستار الحديدى. وانهارت بزواله انظمة بدت صلبة كالصوان , اذ رفض الشعب النظام الشيوعى وأقام اشكالا مختلفة من الحكم.

#مجدى_زكريا (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات