|
الرأسمالية والاتفاقيات الزائفة | كيوتو نموذجاً
محمد فرج
الحوار المتمدن-العدد: 4009 - 2013 / 2 / 20 - 09:58
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
تتبع الرأسمالية منهج التجزئة للقضايا، وهو مرتكز أساسي في حركة النظام العالمي وإحدى وسائل تمكينه، فالتجزئة المتواصلة تلفت أنظار الشعوب، والحركات السياسية عن المشاكل الجذرية.
تتبع الرأسمالية في حركتها منهج التجزئة المستمرة للقضايا، بمعنى أنها قد تعلن عن لائحة متكاملة، أو تدعو لإبرام اتفاقيات جديدة تتخصص في مسألة اجتماعية بعينها، كأن تفرد باباً خاصاً لحماية الطفل، وباباً خاصاً لحماية المرأة من التمييز والإضطهاد، وآخر للحفاظ على البيئة. وهذا النهج هو مرتكز أساسي في حركة النظام العالمي وإحدى وسائل تمكينه وتجنيبه نقاط التناقض الحساسة، فالتجزئة المتواصلة تلفت أنظار الشعوب وحتى الحركات السياسية عن جذر المشاكل مجتمعة، وتنساق جميعها خلف دائرة واحدة من احتمالات الحل، الحل من داخل النظام ومن داخل القضية الخاصة وليس أي شيء آخر، هذه التجزئة تعيق النظر من خارج خيارات النظام القائم وتوجيه الضربات أسفل الجدار. إحدى هذه القضايا التي تعاطت معها الرأسمالية العالمية هي قضية تدمير البيئة و”الانتحار الكوني” على المستوى الطبيعي، وقضية المرأة. كيوتو والانتحار الكوني يدرس العلماء تاريخ درجات الحرارة ونسب غازات الجو المختلفة بدراسة الجليد المتراكم في القطب الجنوبي. فقاقيع الهواء الصغيرة في هذا الجليد تستخدم كـ “ثيرموميتر” دقيق، و بالتحديد نظائر الأكسجين (أكسجين-16و أكسجين-18). في هذه القارة، لم يتجاوز تركيز ثاني أكسيد الكربون خلال ال650 ألف سنة الماضية حتى بداية الثورة الصناعية ال 270 جزءا لكل مليون، بينما وصل التركيز في 2006 إلى ما يقارب ال400 جزءمليون.يتوقع خلال ال45 سنة القادمة أن تزداد إلى 600 جزءمليون إذا لم يتغير شيء. إذن نحن أمام أسئلة وجدل مركب على مستويات مختلفة، نحن أمام خيارات متعددة للحفاظ على الكوكب وإنقاذه من الدمار الكوني، ما تفعله الرأسمالية هو أنها تفتح الباب على المشاكل، وفي ذات الوقت تفتح أبواب الحل، الحل الأوحد والمعتم على باقي الحلول، ننجر جميعاً إلى مناطق نائية في الحل، تفصلنا عن جذر المشكلة، وعن مسببها الأساسي، البنية الإقتصادية الإجتماعية التي نعيش. لا يمكن لنا أن نتصور الرأسمالية وهي تشذب نفسها، تشذب أو تقنن الدمار الذي يتكون بنيوياً في داخلها، الفردانية تعني التخلي عن الشعور بالمجموع، تعني فك الارتباط به والتوجه مباشرة إلى الاغتراب، وهذه الفردانية تجلب معها أسس الخلاص الفردي، الخلاص الفردي حتى في التنقل، في المواصلات، في امتلاكك سيارتك الخاصة، في امتلاكك مصنعك الخاص، في امتلاكك ورشتك الصغيرة، عندها لن يوجد نظام يمنعك من فعل ما تشاء، عندها تسقط كل أكاذيب مراقبة المقاييس، ولا تجد لها جدوى في الواقع، وعندها ستقدم إسهامك الخاص في تدمير الكوكب ولا تبالي، لأن الربح والعيش هناك في الانتظار، وعندها ستقفز فوق غيوم كثيفة من الدخان لتبقى على صلة دائمة مع حسابك البنكي. فرق هائل في كم الدمار بين عصرين، قبل الثورة الصناعية وبعدها، لست من المؤيدين أبداً للفكرة القائلة بالعودة إلى الخلف وإلقاء كل الآلات في مكب النفايات، ولكنني من أشد المعارضين لأن تواصل الرأسمالية رعاية هذا التطور، فاستمرار العقد الكوني بين الرأسمالية والتطور البشري سيكون نهاية البشرية نفسها، الرأسمالية لا تتمكن من تقننين الدمار لأنها بذلك تفقد جوهرها القائم على الفردانية و”المنافسة”، منافسة الشركات الصغرى والكبرى والأمم كذلك، وبقاء هذه المنافسة يعني بالضرورة استمرار تقديم الضحايا، والضحية الأكبر هي هذا الكوكب. بعدما أصبح ملحوظاً الدمار الذي سببته الغازات الدفيئة المنتشرة في الجو والتي تمنع الأشعة تحت الحمراء من مغادرة الغلاف الجوي، وبالتالي تتشكل ظاهرة الاحتباس الحراري. أبرمت في عام 1992م إتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، وبالمناسبة ما كان أي طرف ليجرأ على هذه الخطوة لولا انهيار المنظومة الاشتراكية التي أراحت ضمائر المراكز الرأسمالية وخففت من مخاوفها في منافسة القطب الآخر. هذه الاتفاقية لم تضع معايير عالمية تلتزم بها دول العالم جميعاً، وإنما حددت الهدف النهائي الذي ظهر في المادة الأولى من الاتفاقية، ليتم ترجمته لاحقاً بتدابير خاصة بالدول. الهدف النهائي لهذه الاتفاقية، ولأي صكوك قانونية متصلة ﺑﻬا قد يعتمدها مؤتمر الأطراف، هو الوصول، وفقاً لأحكام الاتفاقية ذات الصلة، إلى تثبيت تركيزات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي عند مستوى يحول دون تدخل خطير من جانب الإنسان في النظام المناخي. وينبغي بلوغ هذا المستوى في إطار فترة زمنية كافية تتيح للنظم الإيكولوجية أن تتكيف بصورة طبيعية مع تغير المناخ، وتضمن عدم تعرّض إنتاج الأغذية للخطر، وتسمح بالمضي قدماً في التنمية الاقتصادية على نحو مستدام. في كل الجمل الحساسة في اتفاقيات من هذا النوع ستوضع مسألة التنمية الإقتصادية على رأس الأولويات، والمشكلة الأكبر أن هذه التنمية يمتلك تعريفها طرف عالمي واحد، وهو الرأسمالية العالمية. لم يغب المال للحظة حتى عن اتفاقيات ذات صلة بمستقبل الكوكب، فالمادة 11 (الآلية المالية) من هذه الاتفاقية كانت تنص على مايلي: 1.تحدد بموجب هذا آلية لتوفير الموارد المالية، كمنحة أو على أساس تساهلي، بما في ذلك الموارد اللازمة لنقل التكنولوجيا. وتعمل الآلية المالية تحت إرشاد مؤتمر الأطراف وتكون مسؤولة أمام هذا المؤتمر، الذي يقرر سياساﺗﻬا وأولوياﺗﻬا البرنامجية ومعايير الأهلية المتعلقة ﺑﻬذه الاتفاقية. ويعهد بتشغيلها إلى كيان واحد أو أكثر من الكيانات الدولية القائمة. 2.تمثل جميع الأطراف تمثيلاً عادلاً ومتوازنًا في الآلية المالية ضمن نظام شفاف لإدارة شؤوﻧﻬا. 3.يتفق مؤتمر الأطراف والكيان أو الكيانات التي يعهد إليها بتشغيل الآلية المالية على ترتيبات لإنفاذ الفقرتين الواردتين أعلاه. منذ عام 1992م، إلى عام 1997م ضاعت بنود الاتفاقية الإنشائية أدراج الرياح، وبدأ استعراض محاولة أخرى أكثر تفصيلاً، اتفاقية كيوتو في اليابان، وأهم ما يمكن ملاحظته في بنود هذه الاتفاقية مايلي: ■في بداية البروتوكول طلب من الولايات المتحدة تخفيض نسب انبعاث الغازات الدفيئة ب 7%، والاتحاد الأوروبي بنسبة 8%، واليابان بنسبة 6%. لم تلتزم أي من هذه الدول بأداء ذلك في مرحلة التنفيذ التي امتدت من 2008م إلى 2012م، والنسب النهائية لانبعاث هذه الغازات قد ازدادت. ■في المرفق المدرجة فيه أسماء الدول المشاركة، كانت توضع علامة نجمة إلى جانب دول المنظومة الاشتراكية السابقة، وفي مرفق اتفاقية 1992م كان يوضع الحرف (أ) بجانب أسماء الدول ذاتها، إشارة إلى أنها دول تمر في مرحلة تحول سوقي، مما يتقاطع مع بند مخصص لها داخل البروتوكول نفسه يعطيها المزيد من المرونة في سبيل انجاز هذا التحول! ■يحق للدول أن تبتاع النسب وتشتريها، ففي حال حاجة أي من الدول الصناعية إلى تجاوز نسب الانبعاث المخصصة، يحق لها أن تحتاز على نسب إضافية من دول أخرى ضمن اتفاقيات ثنائية مالية الطابع! ■في حال أي تجاوز تتمكن أي دولة من ترحيل الإخلال في الإلتزام إلى فترة قادمة أو حتى ترصيد ما لم تستهلكه من دمار: “إذا كانت انبعاثات طرف مدرج في المرفق الأول في فترة الالتزام تقل عن الكمية المسندة إليه بموجب هذه المادة، يضاف بناء على طلب هذا الطرف، الفارق إلى الكمية المسندة إليه لفترات الإلتزام اللاحقة”. ■بعد تفعيل البروتوكول، يحق لأي طرف بعد 3 سنوات إعلان انسحابه منه، ويعتبر نافذاً بعد عام واحد من تقديم الطلب، وبذلك يعفى تماماً من شروط هذا البروتوكول. ■“تسعى الأطراف المدرجة في المرفق الأول للاتفاقية على تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة من وقود الطائرات ووقود النقل البحري”، وهل يمكن ذلك دون البحث في أسس بناء شركات الطيران، وتحديد أسس حركتها؟ ومواعيد رحلاتها؟ من يمتلك حق الإلزام والتشريع؟ ومن يمنع وجود رحلات متعددة إلى نفس المكان في نفس الوقت تطرحها شركات متعددة؟ ■يهدف البروتوكول إلى تعزيز استخدام الوسائل التي تقلل من التلوث البيئي، على مستوى صناعة السيارات مثلاً، تم إضافة صندوق يخفف من انبعاث المواد السامة الناتجة عن الاحتراق “catalytic converter”. وبالمناسبة معظم مقتني السيارات في العالم يلغون هذا الصندوق لاعتقادهم بأنه يسبب استهلاكا متزايدا للوقود، وفي هذه الحالة من الملام؟ هؤلاء الناس أم النظام الذي يعيشون فيه؟ النظام الرأسمالي العالمي. إن ما أشرنا إليه من بنود وآليات لتنفيذ البروتوكول، يوضح المعالجة الصورية والاستعراضية للمشكلات، لا يمكن للربح كغاية أساسية في البنية الإقتصادية و الحفاظ على الكوكب أن يلتقيا، البيع والشراء لحصص الانبعاث تضعنا في مواجهة مشهد أشبه ببيع السلع، الاستثناءات لدول التحول السوقي تضعنا في خانة تفضيل الاقتصادي الربحي على سلامة الأرض بأكملها، السلوك العفوي للناس البسطاء سيبدأ باقتلاع كل جزء في سياراتهم الخاصة يزيد من استهلاك الوقود. منذ إتفاقية 1992م، وانبعاث الغازات الدفيئة في ازدياد، ولا مؤشر للتراجع إلى الآن، أميركا اعترضت على الاتفاقية بحكم أنها تخشى تقدم الهند والصين صناعياً أثناء تطبيقها، وفي المؤتمر المنعقد مؤخراً في الدوحة بعد انتهاء المدة المحددة للبروتوكول (2008 – 2012) تجدد الخلاف بين عمالقة الغاز.
#محمد_فرج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرية في عصر الاغتراب والاستلاب
-
مشروع الهيمنة بأدوات التمويل و”المجتمع المدني”
-
الرأسمالية، إقتصاد المافيا والدعارة والموت (2-2)
-
كيف يهاجمنا الرأسماليون؟ لودفيغ ميزس نموذجاً
-
الرأسمالية، إقتصاد المافيا والدعارة والموت (1-2)
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|