أحمد يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4008 - 2013 / 2 / 19 - 03:30
المحور:
القضية الكردية
الزرنجي و ال (حنگه*)
لقد انتقدتُ الاتفاقيّة الموقعة بين وحدات الحماية الشعبيّة YPG والمجلس العسكري في الحسكة, لقناعتي أنّه ثمّة طرفٌ ليس جديراً بأن يجلس معه ال YPG, كما لم يكن أهلٌ للثّقة في الاتفاقيّات السابقة, فلنا معه تجربتين سابقتين ولكن حسن العبدالله ومن يقف خلفه خانوا العهد وهاجموا سريه كانية ثلاث مرّات, والآن هناك تسريبات بأنّ حسن العبداللة يعدّ العدّة لفتح جبهة في قامشلو. رغم هذا يجب علينا أن نقدّر ظروف شعبنا وأن نعدّ أمنه وسلامته وحقن دماءه والدفاع عنه فوق كلّ الاعتبارات, كما يتحتّم على الجميع ( كتّاب ومثقّفين وأنصافهم) أن تكون تقرّباته من موضوع الاتّفاق سليمة. أستطيع القول إنّ الكورد في غربي كوردستان وضع ثقته بوحدات الحماية الشعبيّة YPG وهذه الوحدات أثبتت للعدو قبل الصديق أنها أهلٌ للثّقة, وأنّها قوّة كورديّة وطنيّة في سوريا, ومستعدّة لتقديم المزيد من التضحيات في سبيل الدفاع عن الشعب الكوردي, وهي لا تحتاج إلى شهادة في ذلك. إنّ ما تمّ التّفاق عليه في سريه كانية لن تجعل من ال YPG غافلة عن أيّة نوايا خبيثة من الطرف الآخر وهذا ما أكده الناطق الرسمي باسمه, بل على العكس إنّ هذا الاتفاق ( وإن كنتُ شخصيّاً ضده من جهة عدم الجلوس مع من لا يؤتمن له جانب) تضمنت إيجابيّات عدّة: أهمّها أن وحدات الحماية الشعبيّة وضعت القضيّة الكوردية في سوريا أمام استحقاق تاريخيّ لا يمكن لأي نوع من المعارضات السوريّة أن تتجاوزها بعد الآن, وربّما كل حركتنا السياسيّة لم تنل ذلك الاستحقاق الذي فرضته ال YPG. الأمر الآخر هو أن وحدات الحماية الشعبيّة أجبرت الإئتلاف السوري ممثّلة بالمجلس العسكري على أن تأتي إلى الهيئة الكورديّة العليا ممثّلة بال YPG وهذا الشيء يعني الكثير في عرف السيّاسة. حتّى وإن لم يَفِ الطرف الآخر بعهد السّلم ( وهو إلى ذلك أَميَلُ ) فإنّ وحدات الحماية الشعبيّة لها من القوّة ما يكفي لطردِ آخر الجرذان.
أمّا فيما يخصّ جرذاننا عفواً فئراننا فقصّتهم شيّقة جدّاً, فما ان تمّ الإعلان عن الاتّفاق حتّى انبرى نفرٌ من الغارقين في شخير مستدام للطعن في وحدات الحماية الشعبيّة YPG ,كفئرانٍ تشتمُّ رائحة وجبة دسمة, أو ككلابٍ تثِبُ عندما ترمي إليها بقايا عظمٍ (المعذرة الحيوانات هنا عبارة عن استعاراتٍ مكنيّة فقط لتقريب الصورة إلى القارىء الكريم). وهنا يبدأ نظامهم الستريوديناميك بالعمل, ولو غاب المثير عنهم لعادوا إلى شخيرهم, إنّهم يعاندون المنطق ويكفرون بالبدهيّات ويتجاوزون المُسلّمات ويناقضون أنفسهم فقط من أجل محاربة وحدات الحماية الشعبيّة لحقدٍ أسودٍ دفين وبادٍ, والطعن في حزب الاتحاد الديمقراطي ب ي د لغيرةٍ صفراء قاتلة, وكذلك تجريح بعض الأحزاب الكرديّة واتهامها بكلمات تعوزها الأخلاق الانسانيّة. يتخبّطون في الشتم والقدح ذات اليمين وذات الشمال كفئران التصقت مؤخراتها بصمغٍ الكراهيّة.
إنّ من كان يهلّل وينفخ في بوق الجيش الحر ويدعوه إلى المناطق الكرديّة هرب منذ أول لحية قذرة اقتربت من ثغور سريه كانية, وأصبح في تركيا مع أوّل صاروخ من طائرات الأهبل بشّار, إن من كان يزمّر على ال(حنگه)* لاستحضار الجيش الحر واستقدامه إلى مدنه, بقي أخرساً طوال فترة غزوات بني جرو, مطأطأَ الرقبة كقوّاد يأتي بالزبون إلى عرضه.
حاربَت وحدات الحماية الشعبيّة الغزاة القادمين من خلف الحدود في سريه كانية وقسطل جندو بعفرين, وحاربت النظام البعثي في كرزيرو والأشرفيّة, دافعت واستبسلت وقدمت الكثير من الشهداء, بينما كان هناك من يصرخ من الثورجيّين على الفيس بوك "لا تهمني الاشرفيّة ولا تهمني سريه كانية ولا كرزيرو ولا قسطله, أنا جائع وأريد خبزاً". بينما كانت دماء سرحد ولوند وجيلو وغيرهم من الشهداء تسيل على تراب غربي كوردستان, قال لنا البعض هنا في المهجر نحن لن نخرج معكم في مظاهرة تحمل راية وحدات الحماية الشعبيّة YPG ولن نهتف بشعارات من أجلها.
هكذا هم الأقزام سيلفقون التهمة وسيلقونها كيفما اتّفق, الشيء المهم هو تشويه صورة الذين يناضلون على الأرض ويعملون دون كلل. عندما تحافظ على شعبك من جحشنات النظام والمعارضة فأنت شبيح وتخدم النظام, وعندما تدافع عن شعبك أمام هجمات النظام البعثي فهي مسرحية ولعبة, وعندما تقاتل الغزاة السلفيين والمرتزقة والمعتدين على أرضك وعرضك فتدّب في عروقهم نخوة الوطنيّة والانتماء للوطن السوري ويدعونك إلى المصالحة وإيقاف الاقتتال بين " الأخوة" أمّا أنت فبهذا تقف بالضد من الثورة وتعرقل مسيرة الثورة وتقف أمام تقدّم المجاهدين الذين سيخلصوننا من ( طاغية الشام) وسيأتوننا بالديمقراطية ويمنحون الكورد حقوقهم بضمانات عرعوريّة. وعندما يتمّ إعلان الهدنة وتتّفق مع بعض الأطراف لحقن الدماء فجأة تخبو المشاعر الوطنيّة السوريّة لديهم لتطفو على سطوح ألسنتهم عبارات القومية ويتطاير (الكورداياتي) من حناجرهم شرراً حتى لتخال بأنّهم سيحرّرون كوردستان بجعجعتهم تلك.
أمّا تنسيقيّاتنا فلهم من النهفات ما تجعلك تنسى آلام البواسير والثورة معاً, طبعاً بعد أن انتهت موضة السكابا والشدّ على الكتف والهزوزة يمنةً ويسرةً, أتت الفتوى من أبو دجاجة التونسي بأن الرقص والغناء حرام, ولا مانع من بعض الإنشاد بما لا يخالف شرع الله, فأصبحت الموضة الثورية هي التراصف كالبنيان المرصوص وإطلاق التكبيرات في الاعتصامات وليس في المظاهرات لأن المظاهرة حرام ولم ترِد في الذَّكر الحكيم, فلم يقل سبحانه" وتظاهروا بحبل الله" وإنّما قال "واعتصموا بحبل الله" السرّيّ. هذا بالنسبة لما تبقى من التنسيقيّات لأنّ أغلبيتها اعتزلت واعتكفت, وقسم منها سمّت نفسها جمعيات خيرية من أجل الشفط ولهوطة المصاري. أمّا القلّة الاخرى من التنسيقيّات فقد استأجرت بضعة كلاشينكوفات من لواء الأحرار وغرباء الشام بقيمة كروز دخان حمراء طويلة ولمدّة خمس دقائق من أجل تصوير مقطع سينمائي مهيب للإعلان عن تشكيل كتيبة افتراضية أو لواء عبر البلوتوث, يتخللها قراءة تعيسة لبيان ركيك باللغة العربية, وبعدها قراءة أتعس لسطرٍ ونصف باللغة الكوردية مع الإكثار من عبارات" الحمد لله" والله أكبر" من أجل إرضاء مفتي الثورة,وتختفي هذه الألوية والكتائب بعد انتهاء الخمس دقائق. ولكي لايفوت قارئنا الكريم هذه النهفة, فهؤلاء لم يكونوا يستأجرون البنادق فقط بل كانوا يستأجرون بعض أنصاف الرجال أيضاً من تلك الكتائب ليغدو المشهد المُصوّر أكثر هيبةً, وكلما كان صوت التكبير عالياً كلّما ظنّوا انفسهم رجالاً.
للتذكير :
- يجوز شرعاً تكبير الصّدر, لأنّ كلمة تكبير لها وقع روحاني وإيحاء شبقي رهيب يذكّرنا بتكبير الله سبحانه.
- الحنگه: كلمة كورديّة وهي آلة موسيقيّة نفخية من فصيلة الزرنايه ولكن بحجم أصغر ولا تُصدر إلّا نغمة واحدة ترافق الزرنجي لكي تساعده على التقاط أنفاسه وللحفاظ على الموسيقا متواصلة دون انقطاع حتى لو توقف الزرنجي لبرهة, وصاحب ال (حنگه) غالباً ما يكون صبيّاً صغيراً مبتدئاً في العزف على الزرنايه, فلكي تصبح زرنجيّاً يجب عليك أن تبدأ بال (حنگه) أوّلاً.
- أعتذر من القارىء سلفاً إن كانت هناك بعض الكلمات تخدش الحياء مثل كلمة المؤخّرة, لذا لا ضير في الاستعاضة عنها بكلمة دُبُر لانّ الله أيضاً استعملها في كتابه العزيز.
أحمد يوسف- الدانمرك
#أحمد_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟