هيفار حسن
الحوار المتمدن-العدد: 4007 - 2013 / 2 / 18 - 18:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قراءة في إتفاق سري كانيه الميداني – هيفار حسن و أحمد حسين
لقد كان للإتفاق الأخير بين الجيش الحر و وحدات حماية الشعب ( ي ب ك ) صداً واسعاً في الرأي العام الكوردي في جميع أجزاء كوردستان, لما شهدت سري كانيه من إشتباكات عنيفة و لمدة خمسة عشرة يوماً متتالية بدون توقف. و التي استخدمت فيها بعض كتائب الجيش الحر جميع أصناف الأسلحة التي كانت تمتلكها من دبابات و مدافع هاون و راجمات صواريخ, و بدعم مباشر و مساعدة عسكرية و لوجستية كبيرة من تركيا. لذلك كان الكورد يتابعون تلك الأشتباكات بكل تفاصيلها, خاصة و أنهم كانوا يعرفون الدوافع المباشرة و الغير مباشرة لجموع تلك الكتائب من ذلك الهجوم.
لا بد من الإشارة إلى الجملة الصريحة في بداية نص الإتفاق و التي تقول ( الإتفاق الميداني ) لوقف القتال بين المتحاربين, لذا هذه الإتفاقية ليست اتفاقية سياسية أو استراتيجية بين ممثلي الشعب الكوردي و العربي السوري.
كذلك سبق توقيع الإتفاق الميداني لقاء مطول بين اللجنة المكلفة من الإئتلاف الوطني السوري برئاسة ميشيل كيلو و بين أعضاء من الهيئة الكوردية العليا و ممثلين عن وحدات حماية الشعب ( ي ب ك ), أي أنّ الإتفاق الميداني كان قد نُوقش و مُهد له في ذلك اللقاء.
لا بد من التذكير بأن نهاية أي صراع أو حرب هي السلام, و تعني النهاية لحالة الدمار و الآلام و التشرد خاصة كالحالة السورية و منها سري كانيه. لذلك من المهم الولوج إلى جميع نقاط الإتفاقية و تحليلها بإيجابياتها و سلبياتها.
النقطة الأولى:
إعادة إنتشار القوات المسلحة و إزالة المظاهر المسلحة من المدينة كلياً:
هذه هي النقطة الأساسية التي أدت إلى اندلاع المواجهات بين ي ب ك و الكتائب المسلحة العربية, حينما دعت الهيئة الكوردية العليا صراحة إلى خروج تلك الكتائب من المدينة لعدم وجود مبرر لبقائهم, و قررت تنظيم مظاهرة في ذلك السياق, إلا أنّ تلك الكتائب رفضت طلب الكورد و قتلت غدراً رئيس مجلس سري كانيه الشهيد عابد خليل. هذه النقطة بشكل عام هي لصالح الكورد كونها تلبي إحدى المطالب المهمة, لكن المبهم, في البيان و لا ندري التفاصيل, هو إلى أين سيعاد انتشار تلك القوات ؟ لأنه الآن تلك القوات متواجدة في تل حلف و على بعد عدة كيلومترات من سري كانيه, مما يشكل تهديداً مباشراً على سري كانيه إذا أخذنا بعين الإعتبار فوضوية تلك الكتائب و ارتباطاتها الإقليمية و تجاربها القريبة في سري كانيه و حلب و عفرين.
النقطة الثانية:
إنشاء لجنة متابعة ومراقبة مؤقتة مكونة من الطرفين بالتوافق مهمتها متابعة ومراقبة تنفيذ بنود الاتفاق: هذه نقطة تقنية و روتينية ذات مهمة لا تؤثر فعلياً على تطبيق الإتفاقية أو نتائجها.
النقظة الثالثة:
ـ انشاء مجلس محلي مدني يمثل مكونات المدينة بالتوافق, يقوم بإدارة كل شؤون المدينة: هذه النقطة هي الأهم كونها تلخص مطالب الكورد بشكل عام و تمثل إحدى أهم مرتكزات استراتيجيتهم و أهدافهم من الثورة السورية المتمثلة في إدارة مناطقهم ذاتياً و بالتوافق مع كل المكونات الأخرى على مبدأ الديمقراطية الحقيقية. يمكن القول بأن الهدف الأساسي من هجوم الكتائب المرتزقة, ذات الدعم و التوجيه التركي, على سري كانيه كانت حرمان الكورد من إدارة مناطقهم بأنفسهم و بالتالي تكرار النسخة البعثية من السلطة الشوفينية العروبية الإسلاموية في المناطق الكوردية من حيث الإضطهاد القومي و التمييز و التهميش في كل مناحي الحياة. فتلك الكتائب, بعد عقدها لمؤتمر أورفه الأول في تركيا و تشكيل ما يسمى جبهة الجزيرة و الفرات في 25/12/2012 بقيادة العنصري نواف البشير كانت تجاهر علناً بأن هدفها هو كل المناطق الكوردية و على رأسها العاصمة قامشلو و كركوك روجافا مدينة رميلان الغنية بالنفط. لكن مقاومة الأساوش البطولية لمقاتلي ي ب ك و روحهم القتالية العالية إضافة إلى خبرتهم العسكرية أجبرت تلك الكتائب المرتزقة على القبول, ولو مؤقتاً, بما كان يطلبه الكورد.
النقطة الرابعة:
المعبر الحدودي يدار من قبل مجلس المدينة: هذه أيضاً من النقاط المهمة و التي جاءت لصالح الكورد. فكلنا يعلم بأن المعبر كان يُدار من قبل موظفي الحكومة السورية المدنيين قبل قدوم الكتائب المسلحة المرتزقة إليها, و الذي كان قد أُغلق من قبل الأتراك لحصار المناطق الكوردية, حينها أصبح المعبر كلياً بيد تلك الكتائب و كانت المساعدات العسكرية و اللوجسيتية التركية تأتي إليها من ذلك المعبر أثناء الإشتباكات, و كان كل قتلى و جرحى تلك الكتائب تنقل منه إلى مشافي جيلان بينار على الجهة المقابلة لسري كانيه ( جيلان بينار هي مدينة كوردية متتركة, و الكورد في شمال كوردستان ينادونها سري كانيه سرختي ). لذا أن يُدار ذلك المعبر من قبل مجلس المدينة "إن طُبق" سيكون للكورد إشراف مباشر و مراقبة دائمة على المعبر بالإضافة إلى تسهيل مرور البضائع و المساعدات الإنسانية إلى غربي كوردستان. و من شأن هذه النقطة أن ينهي وجود تلك الكتائب من سري كانيه بشكل كامل, لأن السبب المباشر لعدم إخراج القوات الكوردية لتلك المجموعات هو تحصنهم في حي المحطة بمدينة سري كانيه الملاصق مباشرة للحدود التركية و للمعبر, فأية اشتباكات في ذلك الحي ستشكل السبب المباشر الذي تنتظره الدولة التركية بفارغ الصبر للتدخل المباشر في غربي كوردستان بحجة تعدي المقاتلين الكورد على السيادة التركية, الدولة العضوة في حلف الناتو, لذا كانت وحدات حماية الشعب (ي ب ك ) يقظة تجاه هذه النقطة و فعلت كل ما بوسعها لعدم إعطاء الذئب التركي تلك الذريعة للتدخل.
النقطة الخامسة:
المجلس المحلي يمثل الهيئة السيادية في المدينة و يمنع تدخل القوى العسكرية في عمله مطلقاً: من شأن هذه النقطة إن طُبقت أن تمثل نموذجاً مصغراً لسوريا المستقبل و تجسيداً عملياً لأهداف الثورة في الحكم المدني الديمقراطي التعددي, قبل أن تنحرف إلى المطالبة بالخلافة الإسلامية من قبل أكثر الكتائب تأثيراً في المرحلة الراهنة ( جبهة النصرة و شقيقاتها في الدعوة ), كون المجلس المدني الممثل لكل مكونات سري كانيه بكورده و عربه و مسيحييه و آشوريه سيكون السلطة التنفيذية الشرعية للمدينة بما يمنع تدخل القوى العسكرية في إدارة شؤونها و فرض إيديولوجيتها السلفية, كما هو عليه الوضع في معظم المناطق الواقعة تحت سيطرة الكتائب العربية المسلحة, و التي على طريق التحول إلى أفغانستان ثانية.
النقطة السادسة:
إقامة حواجز مشتركة بين ي ب ك و الجيش الحر على مداخل المدينة, ريثما تسلم إلى مجلس المدينة عندما يكون قادراً على ذلك: هذه من النقاط التي أثارت الكثير من الإنتقاد في أوساط المهتمين بالشأن الكوردي العام. الشيء الأساسي في هذه النقطة هي أن تلك الحواجز ستقام من قبل المجلس المحلي لسري كانيه بعد تأسيس قوات الآسايش الخاصة بها و تأهيلها لتقوم بمهام حفظ أمن الناس و الممتلكات العامة و الخاصة في المدينة. إذا نظرنا بعين الإيجاب إلى هذه النقطة سنرى بأنها تكمل مفهوم الإدارة الذاتية للمدينة من قبل أهلها و التي هي إحدى أهم مظاهر الديمقراطية. طبعاً الحديث هنا هو عن روح الإتفاقية و إيجابياتها إن طُبقت على أرض الواقع من قبل الكتائب المسلحة العربية, كونهم الجهة التي خرقت بنود الإتفاقية السابقة.
النقطة السابعة:
تسهيل و تأمين عبور الأشخاص و المواد و القوات من كل طرف عبر حواجز الطرف الآخر: لهذه النقطة أهمية كبيرة لكل مناطق غربي كوردستان, لأنها ستخفف من وطأة الحصار المفروض علىها من قبل تركيا, النظام و الجيش الحر. الجانب الكوردي هو المستفيد الأكثر من هذه النقطة لأنها ستسمح بمرور المواد و البضائع المعيشية عبر المناطق التي تسيطر عليها كتائب الجيش الحر, و كذلك مرور الأشخاص و القوات. فإذا أخذنا جغرافية غربي كوردستان بعين الإعتبار, المنقسمة و المتباعدة عن بعضها البعض, سنرى بأنها إحدى نقاط ضعف الموقف الكوردي و التي تؤدي إلى صعوبة بالغة في إيصال البضائع و المساعدات إلى المناطق الكوردية جمعاء, على سبيل المثال, لم تصل أية مساعدات من التي تأتي من حكومة كوردستان و عبرها إلى منطقة عفرين, كوباني, تل حاصل و تل عران التابعة لمحافظة حلب بسبب حصار الكتائب المسلحة العربية في بعض المناطق و حصار الجيش النظامي في مناطق أخرى. أما الجانب الآخر, فلديه هامش كبير من حرية الحركة و تأمين المواد المعيشية للمناطق الخاضعة لسيطرتهم من خلال تنسيقهم مع الكتائب العربية في المناطق الأخرى, و سيطرتهم على الكثير من المعابر الحدودية و كذلك الدعم و المساعدات التي يتلقونها من تركيا و دول جوار سوريا و المنظمات الإغاثية الدولية. لكن عبور القوات قد تشكل بعض المخاطر على الكورد, فمثلاً, كانت حجة النظام المباشرة للهجوم على حي الأشرفية بحلب, ذات الغالبية الكوردية, هو تسهيل ال ي ب ك لكتائب الجيش الحر في هجومهم على ثكنة المهلب و قواته في مبنى الأمن الجنائي الواقع في بداية الأشرفية.
النقطة الثامنة:
التعاون و التنسيق بين الجيش الحر و وحدات حماية الشعب لتحرير المدن الغير محررة التي لا تزال تحت سيطرة النظام: من شأن هذه النقطة من تخفيف وطأة الحملات الإعلامية المدروسة و الموجهة ضد الكورد و ب ي د بأنهم مع النظام و ضد الثورة. لكن الخطورة في هذه النقطة تكمن في مدى رد فعل النظام البعثي الديكتاتوري إذما تم التعاون و التنسيق المنشودين و نتائجها السلبية و الإيجابية على الكورد بشكل عام.
النقطة التاسعة:
المدن و البلدات التي لا وجود للنظام فيها, الدرباسية, عامودا, تل تمر, المعبدة و ديريك, هي مدن محررة و يعلن عنها ببيان مشترك من الطرفين: عندما كان وفد الإئتلاف الوطني السوري برئاسة ميشيل كيلو يجري المباحثات مع الطرف الكوردي في سري كانيه ظهر العقيد حسن العبد الله رئيس المجلس العسكري الثوري لمحافظة الحسكة في فيديو قصير و من ثم ببيان مكتوب رفض فيه كل شروط الجانب الكوردي, و قال بأن الإئتلاف الوطني السوري هو سيكون الحاكم الفعلي لكل محافظة الحسكة و التي تشمل كل المدن المذكورة في هذه النقطة بالإضافة إلى قامشلو العاصمة, و سيرفع فقط علم الثورة السورية في تلك المناطق, و سيكون الجيش الحر هو حافظ الأمن فيها و له الحق في دخول كل المناطق الكوردية. لكن ذلك العقيد هو نفسه الذي مثّل الجيش الحر و وقع على هذه الإتفاقية, و التي تُظهر بنودها أن أياً من نقاطه التي أوردها في بيانه لم تُطبّق. بل على العكس هذه النقطة أكدت على السلطة الكوردية على مناطقهم عدم السماح لدخول تلك الكتائب إلى تلك المناطق كونها محررة و بالتالي سحبت المبرر لتدخل تلك الكتائب في المناطق الكوردية مستقبلاً بطلب و توجيه تركي آخر. الشيء الغير واضح في هذه النقطة هو وضع مدينة قامشلو عاصمة غربي كوردستان الغير محررة بشكل كامل, و كذلك وضع عفرين, كوباني و المناطق الكوردية الأخرى المحررة في محافظة حلب. هل هذا يعني أن مدينة قامشلو ستتحرر بشكل كامل تحت البند الثامن من هذه الإتفاقية ؟ و إن كان الجواب نعم ماذا ستكون نتيجة ذلك التعاون و التنسيق ؟
النقطة التي تؤخذ على الجانب الكوردي هو قبولهم بالأسم العربي لمدينة كيركي لكيه ( المعبدة في النص ) لأن في ذلك تناقض واضح لمقدمة هذا الإتفاق و التي تؤكد على رفض التوجهات الشوفينية و الإنكارية. فمعربة هو الأسم المعرّب لمدينة كيركي لكيه, و قد تبدل السم بسبب سياسة التعريب البعثية الشوفينية و الإنكارية للهوية الكوردية, فورود الأسم المعرب لهذه المدينة و لمدينة سري كانيه ( رأس العين ) في المقدمة كان محل سخط و إنتقاد كبيرين في الأوساط الكوردية.
النقطة العاشرة:
وقف الحملات الإعلامية العدائية بين الطرفين: المؤكد إن طُبّقت هذه النقطة أنها ستساهم في تخفيف حالة الإحتقان و الخوف المتبادل بين الكورد و العرب و الذي ارتفع منسوبه إلى مستوى مخيف بعد معارك سري كانيه. يُلاحظ أن الجانب الكوردي قد غير بعض التسميات التي كان يستخدمها أثناء المعارك في سري كانيه, على سبيل المثال فقد كان يسمي تلك الكتائب بالعصابات المرتزقة التابعة لتركيا, لكن بعد هذا الإتفاق و كما هو ملاحظ في سياق نصه أيضاً بدأ يستخدم الجيش الحر و ذلك تنفيذاً لهذا البند من الإتفاق, و هذا ما أدى إلى رد فعل ساخط من قبل بعض الكورد كونهم يرون تلك الكتائب ليسوا إلا مرتزقة و حرامية لا يمثلون الجيش الحر. لكن الكثير من المتابعين للوضع السوري و الجيش الحر لا يعتقدون بأنه سيمتثل لبنود الإتفاقية كون الجيش الحر غير موجود على أرض الواقع كتنظيم عسكري ذو قيادة و تعليمات و نظام انضباطي صارم, بل كتائب كثيرة مختلفة في الإتجاهات الفكرية و السياسية و الارتباطات الإقليمية.
النقطة الحادية عشرة و الأخيرة:
تُعتبر المقدمة بنداً أساسياً من بنود الإتفاق: مقدمة هذا الإتفاق هو من البنود الأكثر قابلية للتأويلات المختلفة, لأن جملها مصاغة بالعموميات و لم تسمي المفاهيم و المكونات بمسمياتها, فلم تُذكر كلمة الكورد صراحة في النص, و لم يرد ( سري كانيه ) الأسم الكوردي للمدينة. كما أنّ الجملة الأولى من النص ( إيماناً بوحدة سوريا الحرة أرضاً و شعباً ) أُقحمت في النص إقحاماً لدغدغة طروحات المعارضة العروبية الشوفينية, و التي يستخدمونها فقط لمحاربة الطموحات الكوردية و للتأكيد على رفضهم لوجود شعب آخر أو شعوب أخرى غير الشعب العربي, و هذه الجملة بدورها تتناقض مع الجمل التي بعدها و التي تؤكد على رفض الشوفينية و سياسة الإنكار للشعوب و الهويات الأخرى في سوريا, و كون الوطن يعبر عن تاريخ و أصالة و حضارة كل الأطراف المجتمعة في سري كانيه و التي ذكرها النص ب ( رأس العين ).
في ضوء القراءة لكل بنود الإتفاق الميداني في سري كانيه يمكن القول بأن بيان الإتفاقية من الناحية التقنية ( الكتابية) يظهر تأثير الجيش الحر, فهو يبدأ بآية قرآنية و الجملة الأولى من مقدمة البيان تبدأ بالتأكيد على وحدة سوريا أرضاً و شعباً.
معظم المراقبين للشأن الكوردي في سوريا لا يتوقعون صمود هذه الإتفاقية و استمراريتها, لأنها ببساطة تفتقد إلى عوامل النجاح. فالجيش الحر الذي وقّع على الإتفاقية و الذي مثّله المجلس العسكري في الحسكة ليس بذاك التنظيم المتجانس و المنضبط عسكرياً, و الذي لا يملك أي برنامج وطني ديمقراطي يستطيع معالجة الأزمة السورية. فموقفه سيتغير بتغير المجموعات المقاتلة في المناطق المجاورة للمناطق الكوردية, و كذلك بتغير قائد جبهة الجزيرة و الفرات, حيث أن الأتراك قد استبدلوا نواف البشير بقائد آخر مما يوحي بأن هذا الإتفاق ما هو إلا استراحة محارب, و أنه ستكون هناك جولات جديدة من المعارك إلى أن تتغير مجمل التقرب التركي من القضية الكوردية بشكل عام, أو أن تمتلك المعارضة العربية برنامج واضح و صريح بالإعتراف بالتنوع العرقي و القومي و الطائفي و الثقافي في سوريا, والذي يستبعد حصوله خاصة في ظل سيطرة الأخوان المسلمين على المعارضة الخارجية, و الكتائب السلفية التكفيرية على المعارضة المسلحة في الداخل.
الأهم في كل ما ذُكر أعلاه هو أن الجانب الكوردي على دراية تامة و معرفة دقيقة بطبيعة المعارضة الخارجية و الداخلية المسلحة, و قد احتاطت منذ بداية الثورة لهكذا أزمات و انحرافات في مسار الثورة, و قيّمت بشكل عميق التقرب التركي من الأزمة السورية و احتمالات تقلباتها المستقبلية, و كذلك استطاعت من تحديد أن بوصلة السياسة التركية من كل الأزمة السورية هي بالدرجة الأولى القضية الكوردية و إدارة الكورد لمناطقهم و ما من ذلك من تأثير في قيام كوردها بربيعهم الخاص بهم و ليست قضية الحرية و الديمقراطية, ففاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه.
لذلك الجانب الكوردي يعلم أكثر من غيره أن هذا الإتفاق كأي إتفاق آخر قد يدوم و قد لا يدوم, و لن يحقق الطموحات الكوردية, لذا فهو يؤكد بأن الضامن لهذه الإتفاقية هو الشعب الكوردي نفسه وقوته العسكرية التي استطاعت أن توقف زحف تلك الكتائب و مستعدة أكثر من أي وقت آخر بأن توقف زحفهم إذا حاولوا مرة ثانية, و بنفس الوقت يعلم الجانب الكوردي ظروف الحرب في سوريا و خطر السياسة التركية على الوجود الكوردي فيه, و يعلم أيضاً أن السياسة هي فن الممكن و المصالح, و القوات الكوردية هي التي حاربت و قدمت التضحيات لأجل حماية المصالح الكوردية, لذا فهي الأدرى بتفاصيل الظروف و الإمكانيات. فيكفي للمقاتلين الكورد الأشاوس أنهم أوقفوا مخطط الكتائب المرتزقة و من ورائهم الدولة التركية و بعض الجحوش الكورد في غزو المناطق الكوردية و القضاء على طموحات الكورد في الحرية و الديمقراطية و نهب خيراتهم و ثرواتهم. و كذلك أجبروا تلك الكتائب على طلب الهدنة و وساطة إئتلافهم للوصول إلى إتفاق يحفظ ماء وجههم. فلأول مرة يأتي وفد من المعارضة السورية و يجلس مع ممثلي الكورد الحقيقيين من الهيئة الكوردية العليا و يفاوضونهم على شروطهم و مطالبهم.
كان الهدف من هذه الأسطر هو تناول الإتفاق الميداني في سري كانيه بكل بنوده بالتقييم, و بجوانبه السلبية و الإيجابية, و ليس للإصطياد في المياه العكرة كما هو شأن بعض فاقدي الحيلة و الواجب الكوردي الوطني, من الذين ينامون طوال النهار و يسهرون على نشر سموم التفرقة و الضعف بين الكورد في الليل, و الذين سكتوا كل فترة الإشتباكات و لم ينطقوا بكلمة حق واحدة أو بكلمة ترفع من معنويات أخوتهم الذين كانوا يواجهون الدبابات و الرصاصات و البرد القارس لحماية عرضهم و ممتلكاتهم, لأن ذلك ليس بيئتهم الطبيعية. فهم يخرجون عندما يحين الجو و المناخ المناسب لفطرياتهم الفكرية و الدعائية.
#هيفار_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟