|
المجتمع التاريخي و السوسيولوجيا الأمريكية
بودريس درهمان
الحوار المتمدن-العدد: 4006 - 2013 / 2 / 17 - 08:52
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
المغرب، رغم كل ظلال الماضي التي تلاحقه فهو يتميز بنوع من الحيوية التي تجعله ينظر أكثر إلى المستقبل مما ينظر إلى الماضي، بطبيعة الحال وهو ينظر إلى المستقبل يجر وراءه تاريخه وتخلفه لا لشيء فقط لأنه مجتمع تاريخي والمجتمع التاريخي هو المجتمع الذي يرفض سكانه أن يعيشوا انكسارات كبرى أو تحولات قد تنسيهم تراكماتهم وأشكال تمايزهم السياسية والحضارية. المجتمع التاريخي لا يتم تحديده ولا حتى تحويله وفق نظريات الاستنبات الإيديولوجي كما يحدث عادة أثناء حالات الانقلابات الفجائية، كما لايمكن كذلك تحديده ولا حتى تحويله تحت ضغط القرارات الظرفية أو تصفيات الحسابات ما بين مكوناته المتناحرة، المجتمع التاريخي مثله مثل السلحفاة يسير ببطء ولكنه يصل في الأخير بدون أن يفقد من قدرته على الاستمرار. رغم كل ما تتوفر عليهم الثورتين الفرنسية والبولشيفية من قداسة تجعلهم عن منحى من أي تناول تاريخاني فإنهم إذا ما استثنينا الطابع الإجرائي للأعمال التي ترتبت عنها الثورتين، أي القضاء على الحكم الملكي المطلق، فان هاتين الثورتين انتهتا في آخر المطاف أي بعد مسلسل من الانقلابات والانقلابات المضادة إلى سلطة للحكم ليس إلا: الجمهورية الفرنسية الخامسة والجمهورية الروسية الفدرالية. خلال نفس المدة الزمنية التي عاش فيها الشعبان الفر نسي والروسي، من 1789 الى5819 بالنسبة للشعب الفرنسي ومن 1902 الى انهيار الاتحاد السوفيتي بالنسبة للشعب الروسي، حافظت مجموعة من الملكيات الأوروبية على نظامها السياسي، بل أكثر من ذلك هنالك من الجمهوريات من انتهى بها الأمر إلى التحول إلى ملكية:نموذج الجمهورية الاسبانية. استطاعت الملكيات التاريخية أن تساير كل تحولات العصر من ديموقراطية وفصل السلط وحقوق الإنسان إلى أخره؛ واستطاعت أن تتفادى الانكسار ات الكبرى. المجتمع التاريخي بالضرورة مندمج مع الدولة التاريخية والدولة التاريخية هي الدولة التي تتحول ضمن الاستمرارية، لكن ماهو ملفت للنظر هو أنه أثناء بعض اللحظات في التاريخ، سواء بشكل علني أو عن طريق الخدعة والمناورة السياسية، يتم التعامل مع مفهوم الدولة التاريخية بمنطق الثبات وليس بمنطق الحركية والتحول وهذا ما يؤدي في غالب الأحيان إلى الانكسارات الكبرى التحول دائما هو الأصل في مجريات أحداث التاريخ ولكن الاستمرارية هي الجوهر جوهر الإنسان المشكل للمجتمع التاريخي وللدولة التاريخية يتحدد وفق موروثاته الجينية ووفق عوالم الاعتقادLes univers de croyances المتداولة بداخل المجتمع والتي تتحول ببطء.هذه العوالم، أي عوالم الاعتقاد هي التي تحدد رؤيا المواطنين لمفهوم التحول والثبات.قد يبدو التحول مخيفا ولكن ما يجعله مخيفا هي تلك الميثولوجية الغير مرئية المستقرة بداخل الذهنيات. إنسان المغارة يخاف على مغارته من الانهيار وإنسان الخيمة هو الأخر يخاف على خيمته نفس الشيء بالنسبة لساكني الأسمنت المقوى.الشعور بالخوف دائما ثابت و لم يحصل فيه أي تغيير الشيء الذي يحصل فيه التغير على الدوام هو ما نخاف عليه، فهنالك من يخاف من القضاء نهائيا على الظلم، لأن هذا الظلم على مدى سنين متعددة وهو ينظم إيقاع افرازات غدده، ويدونه سوف تصاب هذه الغدد بالعطب. وهنالك من يخاف على قيم العدل والمساواة لأنه بدونها سوف يعيش حالة خوف دائمة. ان الشيء الذي تغير بشكل كبير بداخل المجتمعات الحالية هي الأنظمة المعرفية والسياسية الاقتصادية المنظمة للحياة اليومية للأفراد والجماعات، وهو ما يصطلح عليه بالرأسمال الرمزي؛ هذا الرأسمال الرمزي والتقني المتداول حاليا بداخل السوق الرمزية أصبح أكثر أهمية من أي شيء لأنه يساعد على التكيف وعلى تقبل التغيير كمعطى طبيعي للحياة البشرية، بالإضافة إلى ذلك يعتبر هذا الرأسمال الرمزي وسيطا معرفيا يقوم على تنظيم الحياة المجتمعية في شتى تجلياتها. لقد قام السوسيولوجي الألماني Ferdinand Tonnies بالتمييز مابين مفهومين جوهريين وهما مفهوم المجتمع ومفهوم الأمة؛ الأول هو ذو طبيعة عقلانية وأي تداول يتم بداخل العقل وبأدواته أما الثاني فهو ذو طبيعة وجدانية.هذا التمييز دفع السوسيولوجيا بشكل عام إلى التنقيب بداخل البنيات التنظيمية للمجتمع عن الأشكال الأكثر مردو دية والأكثر طمأنة لأفراد المجتمع.من بين السوسيولوجيا المتماسكة على مستوى الرؤيا والأدوات المستثمرة يمكن أن نذكر السوسيولوجيا السياسية الأمريكية، وهذا ليس انحيازا أو توظيفا لخلفية أيديولوجية ما، بقدر ما هو اعتراف لما لهاته السوسيولوجيا من مزايا وهذا ما يعترف به جل المفكرين الأوروبيين على الخصوص، بما فيهم حتى أولئك الذين سبق لهم أن تحملوا مسؤوليات بداخل المجالس الجماعية تحت لافتة الحزب الشيوعي،روبير اسكاربيتRobert Escarpit كنموذج. تعتبر السوسيولوجيا السياسية الأمريكية من بين السوسيولوجيات الأكثر إثارة والأكثر فائدة على مستوى التأطير النظري لفهم المجتمعات. هذه السوسيولوجيا منذ أن ظهرت إلى الوجود وهي مهووسة بثلاث مجالات، هي مهووسة بمجال الرأي، مجال الزعامة و مجال التأثير
طريقتها في تناول هذه المجالات هي الطريقة الكمية الإحصائية التي مهد لهاGEORGE Gallupخصوصا حينما تحققت نبوءاته الاستطلاعية التي أكدت سنة 1936 على إعادة ترشيح روزفلت لولاية رئاسية ثانية.مباشرة بعد هذا النجاح الباهر الذي حققته استطلاعات الرأي كسوسيولوجيا إحصائية تم تعميم تقنياتها في كل أنحاء العالم مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية. منذ تلك الفترة إلى حدود الآن أصبحت تقنيات استطلاعات الرأي هي الأكثر استكشافا لما يروج ويدب بداخل المجتمع وبفضل نتائجها لم يعد المجتمع يخيف بمفاجأته ونزوعا ته الفوضوية بل أصبح من الممكن تفادي ماكان إلى أمد قريب قدرا محتوما.
حول لقدرية الجديدة والنظام التواصلي الجديد
تؤكد السوسيولوجيا السياسية الأمريكية بأنه ليست هنالك تنشئة اجتماعية socialisation بدون تواصل communication هذا الاكتشاف المبكر لهذا التلازم هو سر تربعهم على عرش الأعلام والثقافة البصرية. كما يعتبر كذلك اكتشافهم لمفهوم معامل التنميط le coefficient de stéréotypie من بين الاكتشافات التي سوف تؤسس لسوسيولوجيا سياسية يمكن اعتبارها مفتاح فهم حقيقة بعض التنظيمات المجتمعية الحالية التي تبنت الأمركة كاختيار. صاحبا هذا الاكتشاف هما الأمريكيان George.A.Miller و Frederick.C.Frick انطلاقا من سنة 1949 قاما هذان العالمان بعدة تجارب على مجتمع الفئران استخلصا منها ما يسمى الآن بالنظرية الرياضية للأعلام.خلاصة هذه التجارب هي أنه إذا ما وضعنا فأرا – فيما بعد سوف يتعلق الأمر بالإنسان- في متاهة ووجد هذا الفأر نفسه مضطرا إما للذهاب إلى اليمين أو للذهاب إلى اليسار, يقول هذان السوسيولوجيان بأن حالة اللايقين القصوى قد تتحقق إذا كانت نسبة التوجه نحو اليمين ونسبة التوجه نحو اليسار متساوية½.في حين في حالة ثانية إذا ما قرر الفأر التوجه دائما إلى اليسار أو التوجه دائما إلى اليمين فان نسبة اللايقين هي 0 ، بمعنى أن مستوى اليقين والقناعة، وهنا يتعلق الأمر بالإنسان، جد مرتفعين ويتم احتساب معامل التنميط كالتالي: S= 1- 0/1=1 أما في الحالة الثالثة فإذا ما قرر الفأر الذهاب مرة على ثلاثة إلى اليسار ومرتين على ثلاثة إلى اليمين نلاحظ أن نسبة اللايقين تقاس كالتالي: (1/3 log2 1/3+2/3 log2 2/3)=0,92 s=1-0.92/1=0.08 بمعنى أن معامل التنميط هو 0.08
لقد تم استعراض جميع الحالات الممكنة وتم احتساب معامل التنميط لكل حالة على حدة.مثلا إذا ما قرر الفأر الذهاب مرة على اثنين إلى اليمين ومرة على اثنين إلى اليسار نلاحظ أن اللايقين يساوي 1 ومعامل التنميط يحتسب كالتالي: S=1-1/1=0 هذه الدراسات التي تمت تفصيلها وتوليفها من أجل تحديد ميولات ونزوعات الأفراد، بدون الحد من حرياتهم الفردية والجماعية استثمرت في التنظيمات المجتمعية واعتبرت بمثابة الضربة القاضية للسوسيولوجيا الماركسية التي كانت تعتقد بقوة في مفهوم المجتمع الضمنيla société implicite. و الاعتقاد في صلاحية هذا المفهوم هو الذي لازال ساري المفعول في الحقل السياسي المعرفي للمملكة المغربية و الذي ساهم في تشكيل حكومة عبد الالاه بن كيران التي هي حكومة المجتمع الضمني... يقول هذان السوسيولوجيان بأن الخطأ الذي انبنت عليه السوسيولوجيا السياسية للمجتمع الضمني هي أن هذه الأخيرة كانت تعتبر المجتمع الذي تتناوله عبارة على كتلة جماهيرية و هذه الكتلة يعتقدون ضمنيا أن عددها لا يجب أن يتعدى في أقصى الحالات مليون من البشر وذلك لتسهيل عملية التحكم في هذا العدد واستعماله كأداة للصراع وليس كغاية للتحرر، عكس هؤلاء، وهذا ليس مدحا أو تمجيدا السوسيولوجيا الأمريكية، بقدر ما هو رصد لطبيعة التصورات المتباينة يؤكد الأمريكيون بأن مهام التخلص من السيطرة يصبح أكثر صعوبة كل ما كان معامل التنميط مرتفعا، لأنه كلما ارتفع حجم الكتلة البشرية و ارتفع معها معامل التنميط إلا وتصبح عملية التحرير مستحيلة...تعتقد السوسيولوجية السياسية الأمريكية بأن الموجات البشرية التي تكشف عن معامل تنميطي مرتفع تصبح مستهلكة للأعلام وليست منتجة و متفاعلة معه...
#بودريس_درهمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زيارة ثغر تلمسان و الحدود المغاربية مغلقة!
-
المغاربيون و الدولة المارقة
-
فشل كريستوفر روس هو فشل العقيدة الصلبة للأمم المتحدة.
-
لماذا سحب الثقة من كرستوفر روس؟
-
دستور الوعد و الوعيد
-
مفهوم -التنزيل- و الدستور المغربي الجديد
-
النظام التربوي الريعي و نقطة 20/20
-
أيهما أسبق التقسيم العصبي للدماغ أم التقسيم السياسي للتراب؟
-
الذكاءات الدولية بين الجغرافية و التاريخ.
-
جغرافية المناطق و تاريخ الدول.
-
الموروث الخرائطي الفرنسي و السيناريوهات الممكنة لشمال افريقي
...
-
حصة المواطنين النعاج من ميزانية حكومة...
-
ميزانية سنة 2012 و مؤشرات تصريح باريس لسنة 2005؟
-
المدرس و الأستاذ و الأعيان التربويون
-
بيداغوجيا الإدماج والاستهانة بالالتزامات الدولية للمملكة الم
...
-
النمذجة و التنميط لمنطقة شمال إفريقيا
-
فيوداليو الجهات و -العوالم الممكنة-
-
الميزانية الهوياتية و قضية -الهوية الوطنية الموحدة-
-
كزافيي روجرز و التغيير التربوي بشمال إفريقيا
-
كزافيي روجرز من مدينة العيون يتبرأ من كيفية صياغة الكفاية ال
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|