|
جدل الواقع مع التراث العربى فى رواية (رحلة الضباع)
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4003 - 2013 / 2 / 14 - 12:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المُبدعة سهير المصادفة تقرأ التراث العربى بعقل وضميرمصرى، فعلتْ هذا فى روايتيها السابقتيْن (لهوالأبالسة) و(ميس إيجيبت) وهوما فعلته فى روايتها الأخيرة (رحلة الضباع) الصادرة عن المجلس الأعلى للثقافة عام 2013. الإضافة الجديدة فى (رحلة الضباع) لجوء الروائية إلى (الخداع فى الإبداع) إذْ يبدوللقارىء المُتعجّل أنه أمام (نصييْن روائييْن منفصليْن) النص الأول تبدأ به الرواية ويستمرحتى ص 94هوعن علاقة شائكة بين زوج يعيش فى الألفية الثالثة بجسده ويتمتـّع بكل مُنحزات العصرالحديث ويعمل فى الصحافة، ومع ذلك يمتلك عقلا من عقول العصورالوسطى ، فيفرض على زوجته النقاب ويضربها لأتفه الأسباب ثم يُقرّرالزواج من غيرها لمجرد أنها عاقر. النص الثانى داخل الرواية هوما كانت الزوجة تكتبه (فى السر) ثم سطا الزوج عليه ، ليس من أجل القراءة ، وإنما لمعرفة أسرارها وكشف الخبايا التى يتصوّرها ، لدرجة أنْ يستعين بشركة مُتخصّصة فى زرع دوائرالكترونية فى كل أرجاء الشقة وتوصيلها بجهاز(اللاب) الخاص به من أجل التجسس عليها. ومع أنّ النص الثانى عن رحلة الضباع فى المجتمع العربى النقيض للمجتمع المصرى، فإنّ المُبدعة نجحتْ فى تضفيرعالم الزوجة التى تكتب نصها وعالم من تحكى عنهم الخارجين من كتب التراث العربى. فالنص يتحدّث عن سيدة من سلالة شخصيات عربية وردتْ أسماؤها فى كتب التراث العربى بالفعل مثل زرقاء اليمامة. كتب عنها المؤرخون أنها عاشت الفترة السابقة على الإسلام ويُضرب بها المثل فى حدة البصر. إذْ (وفق الأسطورة) عندما أقبلتْ جموع حسان بن تبع الحميرى رأتهم من مسيرة ثلاثة أيام فأنذرتْ قومها ولكنهم لم يُصدّقوها فاجتاحهم حسان إلخ. وكذلك شخصية سجّاح بنت الحارث (ت 675م) تميمية مُتنبّئة وشاعرة. ادّعتْ النبوة وهى فى بنى تغلب بالجزيرة أيام الردة فى عهد (أبوبكر) كان لها علم بالتوراة والأناجيل أخذته عن نصارى بنى تغلب. تبعها جمع من رجال عشيرتها . نزلتْ اليمامة تريد غزوأبى بكر. سمع بها مُسيلمة الكذاب وخاف منها لضخامة جيشها فتقرّب منها وتزوّجها . تراجعت عن قتال المسلمين وعادت إلى الجزيرة ثم بلغها مقتل مُسيلمة فأسلمتْ . هاجمها المؤرخون للحط من شأنها. وسلامة القس (ت 748م) مغنية وشاعرة. أخذت الغناء عن مُعبد ومهرتْ فيه. شغف بها عبدالرحمن الجشمى المُلقب بالقس لكثرة تعبده وكان تابعيًا فنـُسبتْ إليه. اشتراها يزيد بن عبدالملك بثمن باهظ فانتقلتْ إلى بلاطه وكان يُفضل عليها حبابه. كتبت سلامة شعرًا فى رثاء يزيد . أما حبابه التى يتردّد اسمها فى نص الزوجة فهى جارية يزيد بن عبدالملك واسمها العاليه. كانت لرجل يُدعى (ابن مينا) وهو الذى أدّبها فلما صارت إلى يزيد سماها حبابه. عزفت على العود. وكان وليد يؤثرها على غيرها من جارياته وفق منظومة (ملك اليمين) فلما ماتت حزن عليها وجلس على قبرها يرثيها. ومات بعدها بأربعين يومًا ودُفن بجوارها. هذه الأسماء الواردة فى كتب التراث العربى ، تتناص مع شخصية الراوية التى تسرد ما حدث فى ذاك الزمن الماضى والمجتمع المُغايرللمجتمع المصرى، فإذا كانت الراوية مقموعة من زوجها، فإنّ الشخصية التراثية التى تحكى الأحداث تبدأ نصها بتعبيردال ((أنا من سلالة جارية عربية ملتاثة)) وكانت المُبدعة سهيرالمصادفة حريصة على ربط هذا المدخل الذى يؤكد على منظومة (الجوارى) بالفترة التاريخية لتلك المنظومة فوضعتْ على لسان الشخصية التراثية أنّ حكايتها عمرها 1400سنة. كما أنّ ذاك الواقع التراثى ضد المرأة لذلك تخشى من وصول حكايتها إلى ((ذكورالقبيلة)) ونظرًا لبشاعة هذا المجتمع فإنّ الراوية تقول لجدتها ((لا أريد أنْ توصينى بنقل هذا القرف إلى حفيدتى)) ولأنّ الراوية مُتمرّدة على هذا الواقع، لذا انتشرتْ حكاية عن أميرة جميلة عاشت فى قصرمنعزل مع حبيبها فى إحدى الغابات (أحيانـًا يدّعون أنها رومية أوحبشية أومن بلاد الفراعين على الرغم من علمى أنّ بلاد الفراعين لاتوجد بها غابات) والراوية وهى تحكى عن تلك الأميرة فكأنما تتكلم عن نفسها فيتعاظم العالم الأسطورى إذْ عرض عليها غراب مقايضتها بأنْ تتنازل له عن صوتها الجميل مقابل أنْ يُرشدها لمكان حبيبها فتسيرخلفه بصوت غراب. وعندما التقى الحبيبان تأتى نهاية الأسطورة المأساوية، إذْ ظلّ الأميريلطم وجهه على قهقهات الساحرة القبيحة وعلى نعيق الغراب فهوتْ جثته فوق جثتها. ثم تنتقل الراوية من عالم الأسطورة إلى العالم الواقعى، فالجدة تنصح حفيدتها ألاّتتبع الرجال فهم ((دائمًا يغذون السيرنحوالله أوالموت وهم لايكفون عن إبتداع الأسباب فمرة حرب ومرة جهاد ومرة غزومن أجل المزيد من النساء)) وتتكرّرمشاهد الغزوفيقول أحدهم ((نستريح من هجومنا المُباغت على القوافل والقبائل ويكون لدينا المزيد من الجوارى والغلال.. سنستريح يا امرأة بعد أنْ نغزوأراضيهم الخصبة وبعد أنْ ننتصر. وبعد أنْ نمتلك العالم كله ويأتينا خراجه ونحن فى دورنا)) وفى موقع آخرمن النص فإنّ الجدة ودّتْ لوتصرخ فى وجه الرجل وتقول له ((لاتخترعوا أسبابًا للهرب من تعميرالأرض واللعب بالسيوف والخيول والإبل فيما تسمونه حروبًا وغزوات وجهادًا)) والتناص مع التراث يتعمق عندما تقول (لم يتحوّل جسدى بعد إلى ضلع من ضلوعه كما كنتُ آمل أنْ يحدث كل مرة يعتلينى فيها)) فى إشارة إلى خروج حواء من ضلع آدم وفق التراث العبرى. ورغم ذلك تحاول التمرد على تراث غزوالشعوب الآمنة فتقول ((لم أقل له لماذا يحتاج الله العلى القدير رجالا ليدافعوا عنه.. فركلنى كما لوكان يركل شيطانا)) والأكثرمن ذلك عندما يخرج من الأرض كائن غريب يتحدث معها بلسان عربى فصيح قائلا لها (( أخبرى المسلمين أنه يُقتل فى هذه الأمة إمام فيفتح عليها القتال والقتل إلى يوم القيامة. ويتركها شيعًا فلايُبصرون الحق لعلوالباطل)) أشارتْ المُبدعة أنّ النص منقول عن تاريخ الطبرى فى أحداث 34هـ ، أى أننا إزاء وقائع ورؤى حقيقية حكمتْ ذاك الواقع وتلك البيئة طوال تاريخها. ولأنّ (الحبابة) كانتْ مطربة شهيرة وقف ضدها أعداء الغناء نظرًا لما يفعله صوتها بالمحبين، فاشتراها سيد بنى الأشرف وأعتقها وقال لها ((أطلقك ككفارة عن ذنب اقترفته. اذهبى من هذه الديار.. إذا سرتِ فى هذا الاتجاه ثم عبرتِ البحرستصلين إلى بلاد الفراعين)) لماذا الذهاب إلى مصر؟ تضع المُبدعة الإجابة على لسان الشخصية (فنحن قوم غلاظ القلوب يا بنتى . ولن تحتمل فظاظتنا لين غنائك) المُبدعة هنا تضع التقابل (بشكل فنى) بين مجتمعيْن نقيضيْن : مجتمع الندرة المؤسس على غزو الشعوب، ومجتمع الوفرة، مجتمع الزراع، المجتمع الأول كاره للفن وللغناء ويُحارب الاستثناء بينما المجتمع الثانى (المصرى) هوالذى أبدع كل أشكال الفنون، لذا يتردّد فى النص التراثى الرغبة فى الهجرة ((إلى أرض الفراعين)) ولأنّ البشريتشابهون فى العواطف فإنّ أعين الشيوخ تدمع من فرط رقة الغناء ((وهم يهمون بوأد بناتهم)) وذاك المجتمع انتقل من وأد البنات (أى القتل بالمعنى المادى) إلى وأد المرأة طوال حياتها من خلال نظرة الرجل للمرأة التى هى فى التراث العربى ((تحت الرجل)) والرجل هو((البعل)) والبعل ((اسم صنم لقوم الياس عليه السلام)) (مختارالصحاح- ص71) وبعل ((رب أوسيد)) (جواد على- تاريخ العرب قبل الإسلام- ج2ص216) و(ملك يمين) الرجل لذا أشارتْ الراوية فى النص التراثى إلى هذا المعنى (ص113) والتناص مع التراث أيضًا جعل الراوية تـُشيرإلى معركة الجمل التراثية التى اشترك فيها طلحة والزبيروعائشة ضد على بن أبى طالب بحجة المطالبة بدم عثمان إلخ وعندما حدثت مذبحة قتل الثوارفى ميدان عبدالمنعم رياض فى شهرأمشير/ فبراير2011بدخول الجمال والبغال، أطلق شعبنا على المذبحة (معركة الجمل) وتستعين المُبدعة بكتب التراث العربى لكشف عورة النظام الأحادى فى ذاك التراث، مثل أمرالحاكم بقتل عمربن ثعلبة ووضع قيس بن قتيبه على الخازوق حتى الموت وذبح منصوربن الحارث بقطع يديه وقدميه وترك رأسه لسباع الطير كى تلتهم عينيه. وتضيف الراوية لحفيدتها ((آه لو كنتِ تعرفتِ إلى سيد هذه الدارمنذ أيام وهو يزعق فى أهله بأنه ذاهب إلى نصرة الله والحق . والمصيبة أنّ الجميع يعرفون إلام هوذاهب . لاشىء سوى جمع الغنائم والاستيلاء على المزارع وأسرالجوارى والأعجب أنّ لا أحد حاول إيقافه)) وفى هذا التراث الذى قرأته المبدعة ونقلت عنه حكمة قائد الغزولجنوده (ستجلسون على مؤخراتكم دون بئرتحفرونها ودون زرع تزرعونه لجمع الجوارى من كل السلالات إلخ) وحكمة هذا الغازى ترجمة عملية لحديث النبى محمد ((بُعثتُ مَرْغمة ومَرحمة ولم أبعث تاجرًا ولازارعًا. إنّ شرهذه الأمة التجاروالزراع)) وسط هذا التراث الدموى الذى يعيش عالة على الشعوب المُنتجة، تبرزبعض الأصوات العاقلة مثل ذاك الشيخ الذى قال ((كرهتُ كل أشعارقومى الغارقة فى الرماح والدماء)) (من ص94- 191) وكانت المبدعة مُوفقة فى اختيارعنوان الرواية (رحلة الضباع) فالضبع حيوان ثديى ليلى . يتغذى على الجيف. ينبش المقابربحثا عن جثث الموتى ويسرق الأطفال. يتفاعل هذا النص التراثى مع النص الموازى عن زوج وزوجة يعيشان فى عصرنا الحالى، وما حدث لهما من تغيروتطوردرامى، فالزوجة التى كانت مقموعة فى سجن زوجها (العصرى) بمجرد أنْ انفصلتْ عنه أصبحت كاتبة مشهورة بل وشاركت شباب ثورة شعبنا فى شهرطوبة/ يناير2011والنوم فى ميدان التحرير. أما التغيرفى شخصية الزوج ، فهوكما أدرك حماقته عندما قرّرطلاق زوجته وندمه على هذا القرار، أدرك أيضًا أنه تخلى عن إنسانة نبيلة ولم يُدرك عمق إنسانيتها إلاّبعد أنْ انفصل عنها، والتغيرالثانى أنه تخلص من أنانيته وسلبيته تجاه الوطن، إذْ بهره شباب الثورة ((الثائرين على موت بلدهم لعقود طويلة)) وقال ((أتابع قتل شباب أنبل جيل أنجبته البلاد وأبكى لأننى لستُ شابًا أستطيع فتح صدرى للنيران مثلهم)) (ص247) وهكذا امتزج العام بالخاص. أما التناص مع التراث العربى ، فإنّ تمرد الزوجة على هذا التراث، التمرد الذى أبان شخصيتها الحقيقية ، معناه ضرورة التخلص من تراث العبودية والتشبث بنداء الحرية. ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حسين بيومى : مثقف من طراز فريد ونادر
-
الفولكلور المصرى ومقاومة الاستبداد
-
آليات الليبرالية ومبادىء الاشتراكية
-
لماذا لا يحتفل الإسلاميون بنبيهم العربى ؟
-
لماذا تعريب مصر وليس تمصير العرب ؟
-
الربيع العربى بين الوهم والحقيقة
-
مؤامرة إنجليزية إيطالية لسرقة واحة مصرية
-
عبد الغفار مكاوى والبحث فى جذور الاستبداد
-
عودة اليهود والاستيطان الإسرائيلى لمصر
-
نجح الإسلاميون فيما فشل فيه الإنجليز
-
الدستور وكارثة تعريب العلوم
-
الحاكم العصرى ليته كأحد الفراعنة
-
أنصار الحرية فى مواجهة أعدائها
-
العداء للفلسفة وعلاقته بالتخلف الحضارى
-
الدونية القومية عند المتعلمين المصريين
-
تأثير التراث العربى على العقلية العربية
-
التراث العبرى ولغة العلم
-
الأصولية الإسلامية وجذور العنف
-
الحذاء الفضى - مسرحية قصيرة للأطفال
-
العلاقة بين هدم الآثار والعداء للتراث الإنسانى
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|