بلقيس حميد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 1153 - 2005 / 3 / 31 - 10:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
شاهدت في إحدى الفضائيات العربية التي تنشر الأفكار السلفية وتتحجج بمكافحتها للإرهاب -وما أكثرها في عالمنا العربي اليوم – شاهدت كمن يشاهد كابوسا عجيبا , لا يمت لعالمنا بصلة , رجالا ملتحين بطريقة مرعبة مدعين أنهم أولياء وظل الله على الارض, , وأنهم أحبابه .
كانوا متشنجين للدفاع عن دونية المرأة ولا مساواتها , ظانين انهم بهذا يخلقون مجتمع الإسلام الذي أراده النبي قبل اكثر من ألف واربعمائة عام, كان أحدهم يصرخ بالقول بوقاحة من يطرحن حقهن بالمساواة :
كيف يمكن لنا أن نقارن أشياء غير متشابهة ونطلب مساواتها, ؟ فهل يمكن أن نساوي السيارة بالثلاجة ؟ ويؤكد انه لا يجوز لان المساواة تكون بين الأشياء المتشابهة .
أي تخلف هذا ؟ وأية بساطة وأمية يحمل هذا الشيخ ليصرخ أمام ملايين من الناس بهذا القول الذي يغضب كل ذي عقل , كيف يمكن لهذا الشيخ أن يتجاوز أهم شيء ميز الإنسان عن الحيوان والجماد , ألا وهو العقل.. العقل, وهل اكبر منه شيئا ؟
ثم يسترسل هذا الشيخ ليقول أن كل شيء في الرجل مختلف تماما عن المرأة ؛ جسدها , شعرها ؛ رائحتها؛ خلاياها, ولعابها., ثم يسرد اختلافات فسلجية يراها كل أعمى, ولا ينكرها أي مخلوق , بل هي لا تحتاج إلى حديث منه أمام الملأ , لأنها حقيقة تقرها كل امرأة بالعالم , بل وتفتخر بها لأنها الأمومة , وهي الرقة , وهي الجمال , وهي الأنوثة , وهي الحنان الخلاق , ولولا هذا الاختلاف الذي يراه الشيخ نقيصة للمرأة , ما تكونت البشرية ولما استوت الحياة , فما الذي جاء به الرجل من جديد ؟
إلى متى يتم تجاوز العقل من قبل رجاء الدين وشيوخ الفضائيات الذين يزعقون منها ليل نهار لتنشر الجهل والتخلف والإصرار عليه والعالم يسير من وراءنا نحو الأمام ؟
ولقد كرّمنا بني آدم... فهل ينكرون على المرأة آدميتها التي حققتها لها الأديان منذ آلاف السنين ؟ وهل يكرم هؤلاء الإرهابيون السلفيون الآدمي اليوم بكل ما يفعلون من قتل وقهر؟
الإنسان مقياس الأشياء جميعها... كما صرخ بذلك فلاسفة الإغريق وكررها سبينوزا , نقولها اليوم بوجع , نقولها نحن الملايين من البشر الطامح للانعتاق الأبدي .
كيف يسمح أي إنسان- رجلا كان أم امرأة- لإنسان آخر أن يشبهه بالسيارة والثلاجة ؟ التي صنعها عقل الإنسان ؟ وتجاوزها ليصنع عقلا إلكترونيا مذهلا بتفوقه.
كيف يسمح الإعلام العربي لمثل هؤلاء الأشخاص أن يخاطبوا ملايين الناس بأسلوبهم الفج الذي يخرق مبادئ كل الأديان التي كرمت عقل الإنسان واعتبرته خليفة الله على الأرض ؟
أي كفر هذا الذي يقوله الرجل؟ وأين الأزهر من هذا ؟ وأين من يكفروا ويفتـوا ؟
بل أين الحكومات العربية التي تعاقب بعض الكتاب بالجلد , بينما تترك هؤلاء الذين يمهدون لأرضية خصبة لأهداف بن لادن ورفاقه من مجرمي وناشري الموت والدمار ببلدانهم .
أم هم قادرون فقط على الشعراء والكتاب والمفكرين الذين ينشرون المحبة والخير والرفعة للمجتمعات العربية المتردية ؟
ولا ادري إن كان بعض الطلاب بإحدى الدول العربية قد ارضوا الأزهر عندما قرءوا إحدى البديهيات كالتالي " الخطان المتوازيان هما اللذان لا يلتقيان مهما امتدا إلا بأمر الله ..
هل طالبت إحدى النساء بالعالم من رافعات شعار المساواة خاصة بالعالم العربي أن تتنازل المرأة عن أنوثتها ؟ ليحدثنا عن الاختلافات بين الجنسين ؟
هل نحن طالبنا بان يفقد الرجل رجولته ليجلس بالمنزل يصبح زوجة نمارس عليه العنف ونكون نحن رجال الزمن الحديث؟
ما الذي يريد قوله هذا الرجل ؟ ونحن نطالب بحياة تـُبنى على أساس المساواة بالحقوق كوننا بشر وليكن الحب الصادق, النبيل هو الرابط الحقيقي بين المرأة والرجل , ويقينا انه لن يكون كذلك إلا إن كان احترام الحق واحترام الجسد واحترام العقل بين الاثنين هو السلوك السائد بينهما , والعدالة والمساواة هما من اجمل القيم التي تبنتها البشرية لبناء مجتمعات سعيدة؟
إننا نرى يوميا العجب في الفضائيات العربية , العجب بتغيير الحقائق وتغييبها حدا يجعلنا نستمر متحدين اكثر, راغبين بإخراج مجتمعاتنا من جهلها , إن دور المرأة العربية اعظم واعسر من دور أية امرأة بهذا العالم , لان النظرة الدونية لها ليس كما هي بالمجتمعات الأخرى والتي تعتبر نفسها حضرية, إنما هي اكثر تشوها واكثر حيوانية وشراسة فهي تنكر عليها حتى العقل الذي وهبها له الله واعترفت به لها كل الأديان والشرائع والقوانين, كما أن مهمة المرأة العربية اصعب من أي امرأة أخرى , إذ اختلطت عندنا كل تقاليد البداوة الهمجية لتسمى دينا, فأغلب رجال الدين قد استبدلوا كل مهمات الدين الإسلامي , وكل اهتمام بمعاناة الملايين من فقراء العرب ومقهوريهم , ليتحدثوا ليل نهار فقط عن دونية المرأة , وكأن الإسلام جاء من اجل المرأة فقط وقهرها وإذلالها , مع أن الإسلام جاء ليمنع ذبح النساء وأعطاهن نصف حق الرجل في زمن الوأد والامية والجهل , وكان لزاما على رجال الدين إكمال ما جاء به الإسلام لينظروا إلى زمانهم ويجتهدوا ويرفعوا من شأن المرأة في مجتمع اليوم ويساوونها بالرجل, يذكرني هذا بما قاله الإمام علي "لا تربوا أبناءكم على ما انتم عليه لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم" , كان الإمام يتحدث عن حساب جيل واحد فأين منا أربعة عشر قرن؟
انه أمر مرعب أن يتكاثر أمثال هؤلاء الشيوخ في الفضائيات كتكاثرهم بالجوامع , والأكثر منه رعبا هو أن يعطون الحق بالحديث لساعات طويلة بأهم وسائل الإعلام, لتشوه أفكارهم عقول المراهقين وضعاف النفوس والاميين والبسطاء واليائسين وأنصاف المتدينيين من تختلط عليهم مفاهيم الإرهاب والجهاد, التي تضج بهم شوارعنا العربية.
فبينما نحاول أن نرقى بالإنسان في المعرفة والوعي كبشر, يسحق هؤلاء الظلاميون كل مفهوم حضاري للإنسان وحقوقه, ولا يجعلون من الدين معادلا موضوعيا للروحانيات يخفف من قسوة وصعوبة حياتنا في هذا الزمن .
نتسائل هل خلقوا هؤلاء السعادة للبشرية؟ ألم يكرروا منجز حروب من سبقهم في الفتك والرعب؟ سيان تواجدوا في هذا العصر أو في زمن أخر من حيث الفكر, فهل ننسى حرقهم ابن المقفع وقتلهم الحلاج, أم ننسى حرقهم قرة العين حية عام1852 لمطالبتها بمساواة المرأة بالرجل, وغير هؤلاء العشرات من شهداء الفكر والحضارة .
إن تواجدهم ألان أخطر وقد امتلئت أيديهم بالمال والأسلحة والنفوذ, وفتحت أمامهم الفضائيات على مصراعيها .
من هنا ينتصب أمامنا سؤال هام ولا أظن أن هناك أهم منه هذه الساعة ونحن نصحو يوميا على جرائم قتل وتدمير يقوم بها الإرهابيون بكل دقة وحذر, لتحصد الأبرياء في شوارعنا ومدننا غير الآمنة, السؤال هو :
أين دور الأعلام العربي وأين المؤسسات العربية الحكومية بمكافحة الإرهاب؟ وهل يعتقدون أن الحديث عن المرأة بهذا الشكل لا يشجع ولا يستفز الشباب عليه؟ خاصة وان هؤلاء يريدون إيصال رسالة للناس مفادها أن أهم شيء بالدين الإسلامي هو أبعاد المرأة عن الحياة الحقيقية في السياسة والثقافة والبناء, ويريدون بكل أساليبهم التي للأسف تؤثر على عقول البسطاء أن يقولوا أن الله لا يرض عن رجل إلا إذا عامل المرأة بأقل من إنسان , وبان المجتمع لا يستوي ما لم تحجب المرأة به وتـُنقب وتـُبعد عن الأعين وكأنها كما قال شيخنا شيئا مثل الثلاجة أو السيارة , وهم بهذا يحاولون أن يبرهنوا للشباب , أن جميع المجتمعات العربية على خطأ , وبأنها لا تلتزم بالإسلام شريعة , لان التلفزيونات مليئة بالمذيعات والفنانات والممثلات السافرات , اللواتي يعتبرن من وجهة نظرهم خاطئات وبالتالي لابد لهم من القضاء على هذه المجتمعات الكافرة على حد قولهم و بأيديهم هم , ليبنوا بدلها مجتمع الفضيلة الذي يظنون, مجتمعا كما أراده طالبان لأفغانستان, مجتمعا للرعب والإذلال والتخلف .
أذن أين من اجتمعوا بقمة عربية وتداولوا كيفية محاربة الإرهاب وهم يسمحون لشيوخ الإرهاب بإفساد عقول الشباب ؟
إن القضايا مرتبطة بعضها ببعض, ونشر التخلف يؤدي حتما إلى الإرهاب, وتضليل الشباب عن طريق هؤلاء حتما سيؤدي إلى محاولة الهروب من الواقع المعاش والبحث عن صورة خيالية لحور العين التي يرسمها شيوخ السلفية وبطرقهم الخاصة بالوصول.
فهنيئا لابن لادن بما تهبه الفضائيات العربية من دعم وتسهيل لتبليغ ونشر رسالته .
25-3-2005
#بلقيس_حميد_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟