كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1153 - 2005 / 3 / 31 - 10:14
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
مضى الآن ما يقرب من شهرين على انتهاء الانتخابات وأقل من ذلك على ظهور نتائجها. ولكن حتى الآن لم تنته عملية الاتفاق بين القوى السياسية المتفاوضة بسبب تباين في وجهات النظر حول ثلاث مسائل جوهرية يجري بشأنها النقاش, وهي:
1. الموقف من مضامين واتجاهات الدستور وبنية الدولة العراقية الفيدرالية الجديدة.
2. البرنامج السياسي الذي يراد تنفيذه خلال الفترة المتبقية من فترة الانتقال والإجراءات التي يراد اتخاذها لتطبيع الواقع العراقي بعد كوارث العقود الأربعة السوداء من تاريخ سياسات القوى القومية العنصرية الحاكمة والحكم المركزي في بغداد.
3. توزيع المناصب الأساسية في رئاسة الدولة والجمعية الوطنية والحكومة المؤقتة.
وهي إشكاليات غير قليلة وغير صغيرة في آن واحد, بل تشكل المحاور التي يراد إرساء الدولة العراقية الجديدة على أساسها, خاصة وأنها تجري في واقع معقد جداً للأسباب التالية:
أ. طبيعة وعنف وأهداف الإرهاب الجاري في العراق.
ب. نتائج الانتخابات التي أفرزت نجاحاً لقوى الإسلام السياسي وأكدت ضعف القوى الديمقراطية وقوى المجتمع المدني في العراق بغض النظر عن العوامل الكامنة وراء هذا الضعف, ولكنها خلقت توازناً معيناً بين القوى العربية والقوى الكردية لصالح القوى الديمقراطية.
ج. الصراع بين القوى السياسية الفائزة في الانتخابات حول صلاحيات وطبيعة الفيدرالية الكردستانية وصلاحيات وطبيعة الدولة المركزية.
د. الصراع بين ذات القوى السياسية والقوى المؤيدة لكل منهما حول سبل معالجة المشكلات التي خلَّفها النظام السابق التي نشأت بسبب سياساته العنصرية والاستبدادية, وخاصة ما يمس الوضع في كل من كركوك وخانقين وغيرهما.
هـ. الصراع حول سبل معالجة تلك القضايا التي يدور حولها النقاش بين قوى علمانية مدنية ديمقراطية وقوى إسلامية سياسية تسعى إلى طبع الواقع العراقي بهذا الطابع أو ذاك أولاً, وكذا الحال بالنسبة إلى مؤسساته ودستوره وقوانينه ثانياً, إضافة إلى أنها تدور حول إشراك قوى غير قليلة من الشعب العراقي لم تشارك في الانتخابات أو شارك بعضها وحصل لأسباب كثيرة على مواقع ضعيفة في البرلمان الجديد المؤقت, وأعني بها الجمهرة السكانية من أتباع المذهب السني, ثالثاً.
و. يضاف إلى كل ذلك تأثيرات دول الجوار والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها على الواقع العراقي الراهن بغض النظر عن مدى إيجابية أو سلبية هذا التأثير.
في ضوء ذلك يمكن للإنسان أن يفهم الأسباب التي تعيق الوصول السريع إلى اتفاقات مناسبة بحيث يمكن تجاوز بروز خلافات بشأن هذه القضايا المهمة داخل الجمعية الوطنية عند انعقادها ونشوء إشكاليات تعيق سير العمل فيها لاحقاً.
ولكن هذا التأخير له في الوقت نفسه عواقبه وثمنه الغالي الذي يدفعه الشعب العراقي يومياً ويسمح للإرهابيين بمواصلة عمليات القتل والاختطاف وإشعال الحرائق في كل مكان حيثما أمكنهم تنفيذ مثل هذه الجرائم البشعة.
لم يأت هذا الواقع من سراب, بل نجم أيضاً عن الحركة السريعة غير العقلانية التي دفع بها العراق لتحديد تلك المواعيد المتلاحقة والقصيرة جداً التي لم تفسح في المجال للشعب العراقي أن يدخل الانتخابات بروية أكثر ووضوح أفضل إزاء المرشحين والبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية للقوائم الانتخابية ويمارس الانتخاب بهدوء ورؤية مستقلة بعيداً عن الوضع الذي ما يزال يعيش فيه, رغم الإقبال والتحدي الكبيرين اللذين أبداهما الشعب العراق بأمل تجاوز المحنة.
ولكن, من المسؤول عن تأخير الاتفاق؟
أشك في أن يكون شخصاً واحداً أو جهة واحدة مسؤولة عن هذا التأخير في إنجاز الاتفاقات المطلوبة. المسؤول الفعلي هو الواقع العراقي الذي يصعب تجاوزه رغم الإرادة الطيبة التي أبداها الشعب لتجاوز المحنة. فالتركة الصدامية ثقيلة جداً ولن ينفع أحداً إنزال الشتائم بالمتفاوضين لأنهم لم يتفقوا حتى الآن. فالأحزاب المشاركة في المفاوضات لها برامجها السياسية والقومية والاجتماعية والاقتصادية التي تريد إدخالها في الدستور والبرنامج الوزاري, وكل منها يعتقد بأنه على حق تام, ومن هنا تنشأ الصعوبات في طريق الاتفاق. ومع ذلك فأن هناك بعض الثوابت التي لا يجوز الزوغان عنها وجعلها في مركز ثقل المفاوضات لكي يمكن الوصول عبرها إلى اتفاق بشأن تلك القضايا. وأعني بذلك المبادئ والإجراءات الأساسية التي ثبتها قانون إدارة الدولة المؤقت.
إن الحرص على الانتهاء من المفاوضات حول القضايا المعلقة التي يبديها الكتاب العراقيون ينطلق من العواقب الناشئة عن التأخير في إنجازها. فما هي تلك العواقب التي يعيشها الإنسان العراقي حالياً؟ إنها باختصار ما يلي:
- تعطل عمل أغلب أجهزة الدولة مثل الوزارات والمؤسسات المختلفة.
- تعطل إنجاز معاملات الناس الاعتيادية المرتبطة بتلك الوزارات والمؤسسات مما يثير حنق وغضب الجماهير.
- نجاح الإرهابيين في مواصلة إشاعة الفوضى والقتل والاختطاف وإشعال الحرائق في العراق والتسبب في خلق عدم الثقة بالوضع القائم.
- كما يمكن أن يقود الوضع المشار إليه في الفقرات الثلاث في أعلاه إلى نشوء حالة من التذمر والإضرابات والمظاهرات بسبب عدم انتظام عمل الحكومة وعدم دفع الرواتب ...الخ التي تزيد في الطين بلة.
- الانطباع الذي يخرج به المتتبع وكأن الأمر مرتبط بالقضايا الشخصية والرؤية الحزبية الضيقة لجميع الأطراف فقط, وليست ناجمة عن المنهج الذي يراد تكريسه في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية العراقية, بقضايا ترتبط مباشرة بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية في توزيع وإعادة توزيع الثروة الوطنية.
- والمشكلة الأكثر تعقيداً تبرز في استمرار التفسخ والفساد المستشري في أجهزة الدولة التي ترى في تعطل عمل الحكومة المركزية مجالاً رحباً لنشاطها التخريبي وفسح المجال أمام الإرهابيين القادمين من دول الجوار إلى ولوج العراق وتنفيذ مخططاتهم العدوانية بحق الشعب العراقي مقابل الحصول على سحت حرام.
أهدف من وراء إثارة هذه النقاط جلب انتباه الأخوات والأخوة الكتاب إلى أن العمل السياسي في أجواء العراق الراهنة غير سهلة والوصول إلى اتفاقات بشأنها معقدة جداً, وأن توجيه الشتائم والنقد الأبعد من اللاذع لا يحل المشكلات القائمة حقاً في طريق المفاوضات, بل يتطلب المشاركة في التأثير باتجاه اتخاذ مواقف واضحة إزاء الحلول المطلوبة للمشكلات القائمة التي تتفاوض بصددها القوائم المختلفة من أجل تشكيل رأي عام ضاغط باتجاهها لكي تنتهي المفاوضات لصالح العراق بكل قومياته.
من المهم جداً أن أشير في هذا الصدد إلى أن ما تتوصل إليه القوى السياسية في العراق من حلول لبعض المشكلات العالقة سيحدد مستقبل العراق السياسي والاجتماعي والاقتصادي, سيحدد, هل سيسير العراق باتجاه دولة إسلامية متدينة ومذهبية على الطريقة الإيرانية أو أي درب ديني ومذهبي آخر من جهة, أم سيسير على طريق المجتمع المدني الديمقراطي الحر الخالي من العنصرية والتعصب القومي والديني والمذهبي. وأدرك تماماً مصاعب النقاش في ضوء التوازنات السياسية القائمة. فتوزيع مقاعد الجمعية الوطنية العراقية ليس في صالح الجبهة الديمقراطية عموماً, بل في صالح الجبهة الإسلامية المتدينة والمعروفة لنا جميعاً. إلا أن قائمة التحالف الكردستاني وقائمة العراقية هي التي أخلت بقدرة قائمة الائتلاف الوطني على الانفراد بالقرار العراقي وفرض إرادتها الخاصة على المجتمع العراقي والدفع باتجاه الدولة الإسلامية ذات المضامين المذهبية المعروفة. ولكن القوى الكردستانية والعربية ذات الاتجاه المدني والديمقراطي تمكنت حتى الآن من إيقاف نسبي لتلك الوجهة الدينية والرغبة في السيطرة على المواقع الحساسة في الدولة لضمان نهجها وسياساتها وتصورها للدولة العراقية القادمة.
لست راغباً في تبرير التأخير, ولكني كنت راغباً في المشاركة في توضيح الواقع الراهن وتحصين الإنسان العراقي بالعوامل التي ساهمت في تأخير المفاوضات حتى الآن, رغم دعوتي الشديدة للأطراف المتفاوضة بأهمية إبداء المرونة الضرورية والمساومة المقبولة التي لا تدوس على المبادئ الديمقراطية وعلى إقامة عراق فيدرالي ديمقراطي مدني حر. يتمنى الإنسان على المتفاوضين أن يعجلوا في مفاوضاتهم وأن يشركوا القوى الأخرى لتقوية وتعزيز كفة الميزان لصالح الديمقراطية, وليس إبعادها عن مهمة الحوار وحصرها بقائمتين فقط, إذ أن قائمة التحالف الكردستانية قادرة على إيجاد لغو مشتركة مع قائمة العراقية ومع القوائم الصغيرة الأخرى الممثلة في الجمعية الوطنية لترتفع القوة الصوتية من 75 أو 77 إلى حوالي 125 مندوباً. وهو أمر مهم جداً, رغم وجود الأكثرية في الطرف الثاني حيث يصل عددهم والمتحالفين معه إلى حدود 150 مندوباً.
إن من حق القائمة المدنية, قائمة الائتلاف الكردستانية أن تتشبث بتثبيت جملة من الأمور في مفاوضاتها مع قائمة الائتلاف الوطني العراقي, إذ إن ما جرى في النجف قبل شهور عديدة من قبل جماعة السيد مقتدى الصدر ومليشيا جيش المهدي من جهة, وما جرى من نفس الجماعة في البصرة إزاء طلبة جامعة البصرة من جهة أخرى, والبيان البائس الذي أصدره مكتب مقتدى الصدر وكأنه وكيل الله على الأرض وأن ليست هناك دولة وحكومة يفترض أن تتخذ الإجراءات ضد من يتطاول على الدين الإسلامي والقرآن أو على رموزه أو على الأديان الأخرى, رغم أننا تعودنا على الكثير من الكذب في هذا الصدد. فليس هناك من مجنون واحد في العراق يهتف كلا كلا للإسلام .. كلا كلا للقرآن. ولكن هناك الكثير من المجانين والمسيئين الذين يريدون إشاعة الفوضى من خلال توليهم مسؤولية معاقبة من يتصورون أو يدعون كذباً أنهم قد تجاوزوا وتطاولوا على الإسلام. إن من يتطاول على الإسلام وعلى القرآن ينبغي أن يحاسب ويعاقب وفق القانون, فالإسلام له حرمته وكذا القرآن, وكذا بقية الأديان والكتب السماوية.
إن سنوات حكم عبد الكريم قاسم كانت مليئة بمثل هذه الافتراءات ضد الشيوعيين والديمقراطيين العراقيين, وقد كشف عنها بوضوح السيد حسن العلوي في أكثر من كتاب له صدر فيما بعد وليس في فترة ارتكاب الجريمة ضد الشيوعيين والديمقراطيين الذين تهموا كذباً وزوراً بتمزيق القرآن أو الإساءة للإسلام.
إن جماعة مقتدى الصدر كانت خارجة عن القانون بما مارسته من أساليب مناهضة للمجتمع العراقي ولا يجوز ترك المتهمين بارتكاب جرائم وقاموا بذبح الناس من الشرطة العراقية والحرس الوطني في النجف وفي مناطق أخرى من العراق دون عقاب, ولا يجوز أيضاً ترك أولئك الذين اعتدوا على طلبة البصرة بحجج واهية دون محاسبة وعقاب قانوني يضع حداً لمثل هذه التصرفات الشائنة. إن السكوت والقول بـ "عفا الله عما سلف" لن يوصلنا إلى وضع جديد وديمقراطي منشود.
برلين في 30/3/2005 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟