أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سورية الفلسطينية... -النظام- الإسرائيلي















المزيد.....


سورية الفلسطينية... -النظام- الإسرائيلي


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4001 - 2013 / 2 / 12 - 17:56
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


في وقت مبكر من الثورة السورية، أخذت تنتشر كلمة الاحتلال في وصف سلوك النظام السوري. ليس معلوما من استخدم أول مرة تعبير "قوات الاحتلال الأسدية"، لكن التعبير لقي شيوعا واسعا منذ شهور الثورة الأولى. واشتهرت بلدة كفرنبل بلافتاتها الساخرة التي كانت تُذيّل بعبارة "كفرنبل المحتلة"، وهو ما حاكتها فيه بلدات ومدن لم تحُزْ شهرة البلدة الإدلبية التي تحولت في العام الماضي إلى توقيع لافتاتها بعبارة "كفرنبل المحررة".
ولا تحيل العبارة إلى احتلال غير معين، بل بالضبط إلى "المرجع" الإسرائيلي في علوم الاحتلال وفنونه، والسوريون على إحاطة طيبة بأحوال الفلسطينيين في ظله، ربما لا يتفوق عليهم في ذلك إلا الشعب الفلسطيني نفسه. وما كان ليفوت كثيرين منهم أن استرخاص دم السوريين على النحو الذي مارسه النظام الأسدي منذ البداية، واقتران عنف القوت الأسدية بكثير من الكراهية والضغينة، وأسلوب الحملات الاستعمارية في "تأديب" السكان المحليين في بلدات وقرى ثائرة، وقصف المساجد وتدنيسها...، كلها مما يفترضه السوريون في الاحتلال الإسرائيلي. يعتبر عموم السوريين إسرائيل الشكل القياسي للعدوان والوحشية والكراهية، ولذلك يقيسون إليها سلوك نظامهم فيجدونه كبير الشبه بها، أو يجدون في هذا التشبيه بالعدو الوطني إدانة قصوى للنظام الذي يحكمهم. لا يغيب عنا أنه ليس في سجل العدو الإسرائيلي مثل مذبحة حماة 1982، أو المذابح المتنقلة منذ بداية عام 2012 (وقبله في الواقع). لكننا على بيِّنة من أن هذا فارق تقني إن صح التعبير، لا يمس في شيء الواقع الأساسي: قيام المعتدي الإسرائيلي والنظام الأسدي على مبدأ الإبادة السياسية: إسرائيل للفلسطينيين كشعب وكيان، والنظام الأسدي لمحكوميه السوريين ككل. وهذا في حقيقة الأمر فارق لمصلحة إسرائيل التي تُنكِّد عيش أعدائها الفلسطينيين وتعمل على جعل حياتهم مستحيلة، فيما لا يُنكِّد النظام الأسدي غير عيش محكوميه السوريين، وما استطاع إليه سبيلا من المتضامنين مع السوريين.
ومن بين هؤلاء بخاصة اللاجئون الفلسطينيون في سورية، وقد دفعوا نحو ألف شهيد منذ بداية الثورة لوقوف عمومهم إلى جانب إخوانهم السوريين.
يشتبه سوريون كثيرين في أن هناك اتفاقا سريا من نوع ما بين النظام وإسرائيل، وأن هذه هي حامية النظام الحقيقية. لا لزوم لوجود اتفاق أو تفاهم سري، لكن يبدو صحيحا جدا أن النظام الأسدي كان أفضل خيارات إسرائيل السورية. يمكنه أن يكون خصما، بل وعدوّا أحيانا، لكنه طرف يمكن التنبؤ بسلوكه من جهة، وهو قابل للردع، بل سهل الردع من جهة ثانية، وقد كان أمينا في ضبط الحدود على جبهة الجولان رغم احتلال الجولان، منذ أيار 1974، بحيث صار الجولان الجبهة الأكثر أمنا لإسرائيل، أكثر حتى من جبهتي سيناء والأردن، البلدين الذين تجمعهما بالدولة العبرية "معاهدتا سلام".
ثم أن النظام جيد لإسرائيل لأنه عطل واحد من أكثر البلدان العربية حيوية وتنوعا، وفكك نسيجه الوطني، وشلّه عن تحقيق أي تقدم مهم، مادي أو سياسي أو ثقافي، طوال نحو 4 عقود. وهو البلد الذي تعلم إسرائيل جيدا كم أن العداء لها عنصر جوهري في هوية شعبه بالذات، وليس شيئا مقترنا بإيديولوجية بعينها أو بحزب أو نظام سياسي، ولا هو موقف سياسي متغير.
فإن لم يعد الخيار الأسدي ممكنا، كان خراب سورية هو الخيار الثاني الأنسب لإسرائيل، بالضبط لأن سورية عدو لها، ولأن سورية الناهضة القوية خطر عليها.
وعلى هذا النحو فإن تفضيلات إسرائيل السورية تطابق تماما الشعار الشهيرة لشبيحة النظام الأسدي: الأسد أو نحرق البلد! الفرق أن إسرائيل لا تساهم في حرق البلد. بسلامة الشبيحة ونظامهم.
هذا لا يمنع المعتدي الإسرائيلي، تأكيدا لصفته الاستثنائية ولانفراده بضرب من السيادة العليا في الإقليم الشرق أوسطي، أن يوجه ضربات هنا وهناك في سورية حين يناسبه ذلك. لقد فعل 4 مرات أو خمسة في سنوات حكم بشار الأسد، ليبلِّغ من يهمه الأمر في "سورية الأسد" من هو صاحب القول الفصل في شؤون الأمن والحرب والقرار الاستراتيجي، مع علم المعتدي بأن الزمان والمكان المناسبين للرد الأسدي، على ما تقول الصيغة المخزية المكرورة، لن يأتيا أبدا.

أصدقائي السوريين الجولانيين، والفضل للنت في التعرف عليهم والتواصل معهم، يتمزقون بين رؤية بلدهم يدمر وبين الامتنان لكونهم آمنون من القتل والقصف بفضل كونهم... تحت الاحتلال الإسرائيلي.
منذ ما قبل الثورة لدى الجولانيين خبرة كافية عن تلاعب النظام الأسدي بالعلاقة بينهم، وهم 20 ألفا فقط. الأفضلية دوما للموالين، والعلاقة بين الموالين والمعترضين على النظام أو المتحفظين عليه ينبغي أن تكون متوترة وعدائية، وأن تكون من أولويات الموالين كتابة التقارير الأمنية بجيرانهم الواقعين مثلهم تحت الاحتلال لأنهم ليسوا موالين! هذا بدل صون وحدة وتماسك المواطنين دون تمييز.
والواقع أن تجربة الجولانيين في هذا الشأن تنسخ تجربة عموم السوريين، بل وعموم اللبنانيين والفلسطينيين الذين حكمت الظروف أن يقعوا تحت حاكمية النظام يوما. أما الوحدة الوطنية في الداخل، والشعارات القومية عربيا، فالمقصود منها تجريم الاعتراض السياسي وتخوين من لا يشاركون النظام نهجه وسياسته.
من أوجه التقارب البنيوية بين النظام الأسدي وإسرائيل أيضا رفض الندية. لا تقبل إسرائيل ندا لها في المنطقة، لا فلسطينيا ولا عربيا. إسرائيل مشروع رجعي وتمييزي جوهريا لهذا السبب بالذات. النظام الأسدي لا يقبل ندا أيضا بين السوريين. وإذا كان الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت في نظر إسرائيل، فإن السوري الجيد هو السوري التابع، أي الميت سياسيا، في عين النظام الأسدي.
وعلى رفض الندية ينبني أيضا رفض التفاوض. لا تفاوض إسرائيل الفلسطينيين وإن صورت نفسها إعلاميا على استعد دائما للتفاوض. النظام الأسدي لا يعترف أصلا بوجود أي معارضين سوريين، دع عنك أن يكونوا أندادا يتفاوض معهم.
إسرائيل والأسديين يصفون معارضيهم بأنهم إرهابيون، وكلاهما يركب موجة مكافحة الإرهاب العالمية، وكلاهما يشيع صورة شديدة السلبية، بل عنصرية، عن الإسلاميين، ويصور أنهم هم وحدهم خصومه.
وحين يرى مقيم في دمشق أو حلب احتكار النظام لسلاح الطيران وقدرته على ضرب أية مناطق خارج سيطرته بالطائرات الحربية، كيف لا يتذكر إسرائيل التي تتفوق مساحتها الجوية، بفضل تفوق طيرانها الأميركي، على مساحة فلسطين أضعافا مضاعفة، وتغطي العالم العربي كله حين تقرر لزوم ذلك؟
وهل تذكر حماية روسيا والصين للنظام أثناء الثورة السورية للنظام في مجلس الأمن بغير الحماية الأميركية لإسرائيل؟ وهل لها من الصفة الأخلاقية أكثر مما لهذه؟

وما أريد استخلاصه من أوجه التماثل هذه هو أن موقع النظام الأسدي في سورية يشكل نسخة طبق الأصل من موقع إسرائيل في المشرق العربي، موقع امتيازي مسلح، يعتمد التشبيح والبلطجة في التعامل مع أناس "خطرين" حوله، يجب إخضاعهم بالقوة على الدوام.
منذ سقوط الاتحاد السوفييتي وصعود نظرية "صراع الحضارات"، وأكثر في سنوات ما بعد 11 أيلول دوليا وحكم بشار الأسد محليا، طور النظام وأجهزته الأمنية ومثقفيه العضويين إيديولوجية تجمع بين التعالي الطبقي والثقافي، المزيج المميز للعنصرية، وترى أكثرية المحكومين بشرا متخلفين، مظلمي العقول، يحملون مرضا في رؤوسهم، يوجب التعامل معهم بقسوة وعنف، على نحو ما كان يجري التعامل مع المجانين في أزمة سبقت. وكلمات من نوع التنوير والحضارة والظلامية والأصولية شائعة في هذه الإيديولوجية التي لا شك أنها كمنت وراء بعض جرائم الكراهية الموصوفة التي ارتكبها شبيحة النظام بحق فقراء السوريين، وسكت عليها حينا، وحرض عليها أحيانا بعض "شبيحة القلم".
هذا المركب من موقع امتيازي ومن إيديولوجية تشرّعه هو ذاته المركب الاستعماري، إن لم نكن نسينا. وهذا ما يصنع الفرق الكبير للنظام السوري عن نظم عربية أحرى يبدو أنها تشبهه. لا يشبهه في الصفة الاستعمارية والتأديبية الجوهرية غير نظامي صدام ونظام القذافي.
ليس خافيا عن كاتب هذه السطور أن في هذا الكلام ما يغضب فلسطينيين يعيشون تحت الاحتلال، ويسوؤهم أن يقارن "قطر عربي" بالعدو العام للعرب. لكن عدا أن المقارنة ليست بين "القطر" وإسرائيل، أرجو منهم أن يتأملوا في هذا التماثل البنيوي الكبير بين وضعهم ووضعنا، أن يتذكروا أن نحو 70 ألفا فقد سقطوا في سورية حتى اليوم، أن عدة مدن وبلدات دمرت، أن دمار دمشق قد لا يكون بعيدا. وأن النظام الذي لم يجد وقتا أو مكانا مناسبين للرد على اعتداءات إسرائيلية متكررة، كانت كل الأوقات والأمكنة مناسبة له لقتل محكوميه الثائرين دون توقف ولو ليوم واحد.
قد لا تتعافى سورية قبل سنوات طويلة من خلاصها من الحكم الأسدي. لكن "سورية الأسد" اسم لبلد مريض لا يمكن أن يتعافى.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ... ولكن أين هو -الحل السياسي-؟
- هل هناك عرب في سورية؟
- تحطيم متعدد الأشكال للمجتمع السوري
- اقتراح معاذ الخطيب: خطأ إجرائي وصح سياسي!
- ما هي مشكلتنا مع -جبهة النصرة-؟
- المرحلة الأخطر في الثورة السورية
- الأسد أو لا أحد/ الأسد أو نحرق البلد: نظام العدمية السياسية
- المراقب المثالي والصراع السوري
- المنسى السوري... المنساة السورية
- في شأن -جبهة النصرة- والسياسة الملائمة حيالها
- ليس لدى -السيد الرئيس- من يشاركه!
- قبول -الحل الإبراهيمي-، وليس رفضه، هو ما يؤدي إلى -الصوملة-؟
- الثورة، الإسلام، وامتلاك السياسة: في نقد -التيار المدني- وال ...
- تحولات صورة الأميركيين أثناء الثورة السورية
- خوارج الثورة السورية و-خوارجها-
- ثلاث قوى منظمة و...ثورة
- تكوين سورية وتاريخها و...الثورة
- الثورة السورية ووضع الثورة المطلقة
- حوار متجدد في شأن الثورة السورية
- الثورة والإسلاميين بين سورية ومصر


المزيد.....




- السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات ...
- علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
- ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
- مصادر مثالية للبروتين النباتي
- هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل ...
- الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
- سوريا وغاز قطر
- الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع ...
- مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو ...
- مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سورية الفلسطينية... -النظام- الإسرائيلي