كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1152 - 2005 / 3 / 30 - 13:02
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
كان ديدن المؤمنين من أتباع المذهب الشيعي بشكل عام الالتزام بموقف يرفض ولاية الفقيه ولا يعتمدون ولياً للفقه, بل يؤكد اعتماد عددٍ كبيرٍ من علماء الدين الذي يحق لكل منهم الاجتهاد والإجابة عن أسئلة المؤمنين المقلدين له. وينبع هذا الموقف من أسباب عديدة بما فيها الموقف من رفض أي ولي بعد "غيبة ولي العهد, أي الأمام الثاني عشر للشيعة الجعفرية, المهدي المنتظر", حسب اعتقاد وقناعة المؤمنين من أتباع هذا المذهب. ويبدو لي أن نسبة عالية من أتباع المذهب الشيعي ما زالوا يؤكدون ذلك ويرفضون اعتماد ولاية الفقيه وفق ما هو جار في إيران.
إلا أن تأثير السيد الراحل آية الله العظمى روح الله الخميني على الحركة الإسلامية الشيعية ودور الدولة الإيرانية الشيعية وأتباعها في التطبيق الصارم حتى الآن لمبدأ ولاية الفقيه في إيران كان واسعاً, خاصة على أولئك الذين لجأوا إلى إيران واستندوا إلى الدعم المتنوع للحكومة الإسلامية الإيرانية في نضالهم ضد السلطة البعثية في العراق. ومن هنا يمكن القول بأن بعض أطراف قوى الإسلام السياسي الشيعية العراقية بدأ يدعو إلى ولاية الفقيه بشكل مباشر أو غير مباشر. وقد تجلى ذلك في أحد المؤتمرات الصحفية للسيد عبد العزيز الحكيم, رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية, الذي أشار إلى وجود اختلاف بين قوى الإسلام السياسي حول هذه المسألة الخلافية, ولا بد من أن تحسم هذه القوى الموقف من ولاية الفقيه خلال الفترة القادمة ليتسنى لها توحيد موقفها. ولا يعبر هذا عن حقيقة وجود صراع داخل هذه القوى أو على الأقل وجود اختلاف في وجهات النظر حول هذا الموضوع فحسب, بل يؤكد حدة هذا الصراع وإلا لما انعكس في التصريح الصحفي الذي أدلى به السيد عبد العزيز الحكيم. إذ أن من يعرف جيداً طبيعة الصراعات التي تدور بين قوى الإسلام السياسي وكيف تدار, يدرك أيضاً مصاعب هذا الصراع وحدته والعواقب السلبية على العلاقات في ما بينها وآثاره السلبية على المجتمع, رغم محاولات التغطية عليه أحياناً كثيرة.
ويمكننا الادعاء بوجود قوى إسلامية سياسية فاعلة في العراق تريد وتسعى إلى فرض ولاية الفقيه على بقية القوى الإسلامية تجد الدعم والتأييد من جانب القوى الإسلامية الحاكمة في إيران. وهي التي تضغط باتجاه دفع المسؤولين العراقيين إلى الذهاب إلى السيد السيستاني لأخذ رأيه وطلب تأييده لهذا الموقف أو ذاك, كما حصل مع السيد الدكتور إبراهيم الجعفري, في محاولة لفرض هذا الأسلوب على العمل السياسي العراقي. وهي بذلك تحاول من تأييد الحوزة العلمية أو السيد السيستاني لكي تؤكد للمؤمنين من أتباع المذهب الشيعي بأن هذا الموقف مؤيد من السيد السيستاني, وبالتالي فرضه على المجتمع العراقي, أي أنها بدأت تستعين ومنذ فترة غير قصيرة بالسيد السيستاني لتفرض نفسها على المجتمع العراقي بالطريقة التي تحلو لها, ثم تتدرج لتفرض ولاية الفقيه على أتباع المذهب الشيعي جميعاً وعلى المجتمع العراقي بحجة الأكثرية من جهة, وبحجة المرجعية الدينية التي تحسم الأمور الخلافية من جهة أخرى.
يمكن أن يقول الإنسان, ونحن في عهد حق كل إنسان في التعبير عن رأيه وموقفه بكل حرية, بأن هذا يدخل في باب الاجتهاد السياسي وممارسة حق ثابت لا جدال فيه. ولكن هذا الموقف لا يدخل بأي حال من الأحوال إلا في باب الاستبداد في الرأي وفرض رأي شخص واحد على المجتمع بأسره, وهو لا يختلف عن حكاية الصيادين اللذين ذهبا للصيد واصطادا غزالاً وأرنباً, وكان أحدهما ضخم الجثة قوياً طويل القامة, في حين كان الآخر نحيفاً ضعيفاً وقصيراً. دعا الضخم والقوى والطويل زميله في الصيد النحيف والضعيف والقصير والمستضعف إلى اختيار أحدى الغنيمتين بقوله: لكَ حق الاختيار الكامل: إن كنت تريد أرنبا,ً خذ أرنباً, وأن كنت تريد غزالاً, خذ أرنباً!
ما هكذا تورد الإبل يا سيداتي وسيداتي الأفاضل في بعض أحزاب قوى الإسلام السياسي, وخاصة في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية. عليكم الانتباه إلى حكمة قديمة تقول "ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع". فرفقاً بشعبنا أيها الأخوة الكرام, رفقاً بالغالبية العظمى من أتباع المذهب الشيعي, إذ أن مواصلتكم السير على هذا الدرب يمكن أن يساهم في انقلاب الأمور على هؤلاء الناس البسطاء بشكل خاص.
إن عدم التعقل والابتعاد عن ممارسة الحكمة, أو التعامل غير الواعي مع المجتمع ووفق أسس غير سليمة وغير ديمقراطية, بل استناداً إلى المرجعية وتوريط الحوزة العلمية والسيد السيستاني بمواقف لا ضرورة منها ولا هي من صلاحياته وزجه, بإرادته أو دون إرادته, بالسياسة اليومية, يمكن أن يقود كل ذلك إلى حصول ردّات فعل أخرى مؤذية للمجتمع بأسره لا من قبل أتباع المذهب السني فحسب, بل ومن قبل أتباع المذهب الشيعي وغيرهم أيضاً.
إلا أن هذه الوجهة لا تقتصر على قوى الإسلام السياسي وحدها, بل تمس الحوزة العلمية ذاتها والسيد السيستاني نفسه. فكلاهما قادر, إن شاءا ذلك, أن يوقفاه ويضعا له حداً, إذ أن هذه الوجهة تعطل إرادة الإنسان وتتدخل فيها بدون أدنى مبرر بل ومضر حقاً. وعند تواصل هذه الوجهة يمكن أن تستعذب الحوزة العلمية ذلك وتتمادى به وتتحول إلى وجهة سياسية فعلية تصل إلى ما يطلق عليه بولاية الفقيه متمثلة بالسيد السيستاني أو من يحل مكانه, مع تمنياتنا له بالعمر المديد وحصافة الرأي والقول. وهي بالتالي ليست في صالح الحوزة العلمية على المدى المتوسط والبعيد خاصة وأنها تصرح باستمرار ابتعاد الحوزة عن التدخل في الشؤون السياسية.
للسيد السيستاني الحق في إبداء وجهة نظره الشخصية في المسائل المختلفة باعتباره مواطناً. ولكنه في الأوضاع التي نحن فيها فأن لرأيه تأثير كبير على أتباع المذهب الشيعي من المؤمنين, وخاصة النسوة. ولهذا فأن أي رأي يطرحه يعتبر بالنسبة لمقلديه في إطار الفتاوى التي تشكل حكماً شرعياً لمن يقلد السيد السيستاني. وبالتالي يتحول تدريجاً إلى نظام ولاية الفقيه من خلال محاولة قوى الإسلام السياسي أن تطرح عليه أسئلة يجبر على الإجابة عنها وتصبح حكماً شرعياً لمقلديه وهم كثرة في العراق. أرى بأن الحوزة والسيد السيستاني يتحملان مسؤولية التحول التدريجي الجاري في العراق صوب ولاية الفقيه التي يفترض أن نرفضها ونتصدى لها لأنها ليست المناسبة أبداً للعراق والعراقيين, ولا هي مناسبة لإيران أو لغيرها من الدول التي تريد السير في طريق الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية.
ولكن لست هذه القوى وحدها المسؤولة عما يجري في العراق حالياً من محاولة تحويل العراق إلى دول إسلامية على طريقة "تريد أرنب أخذ أرنب, تريد غزال أخذ أرنب", بل وكذلك القوى المدنية أو العلمانية وخاصة تلك التي كانت باستمرار تنادي بالمدنية والعلمانية. إذ أنها لا تبشر اليوم برأيها الصريح والواضح وتخشى القوى الإسلامية السياسية وتحاول المساومة على قضايا لا تجوز المساومة عليها بأي حال. إنها محنة حقاً أن تتحول بعض قوى المجتمع المدني الديمقراطي والعلماني إلى قوى أقل ما يقال عنها أنها ساكتة في مسائل لا يجوز السكوت فيها, إذ تتحول تلك القوى إلى "شيطان أخرس" لا غير.
ليس لدي إلا أن أهيب بكل القوى السياسية العراقي المدنية أن تدرك الوجهة التي يراد دفع العراق إليها تدريجاً والفخ الذي ينصب للشعب العراقي, رغم أن العصر لا يتحمل ذلك ولا يقبله, ولكنه سيكون الوضع مأساوياً لا يختلف كثيراً عما عشناه في زمن صدام حسين.
لم ينتظر بعض قوى الإسلام السياسي فترة طويلة لكي يستتب لهم الأمر كلية في البصرة, إذ حالما حصلوا على قوى معينة في المدينة حتى توجهوا صوب الطالبات والطلاب ليوجهوا لهم الضرب المبرح بالكيبلات أو الصوندات, كما عبر عن ذلك "البطل الهمام والقائد الصدّامي المغوار" المدعو "أسعد البصري" من إذاعة الفيحاء. إنهم كانوا يسعون من خلال مطاردة احتفالات الطلبة وضربهم زرع الخوف في نفوس الآخرين, هكذا كانت سياسة صدام حسين, وهكذا ستكون سياسات جميع المستبدين, سواء أكانوا جاءوا باسم حزب أم فرد أم عشيرة أم دين أم مذهب معين. إنهم لا يختلفون في الأسلوب والأدوات والوسائل والطرق, كما لا يختلفون في الهدف النهائي, هدف إقامة دولة مستبدة ذات رأي أو دين أو مذهب واحد يفرض على الجميع بطريقة "تريد أرنب أخذ أرنب, تريد غزال أخذ أرنب" أنت مخير في اختيارك لا مجبر!, وإلا فالعقاب آت لا ريب فيه!
أدعو القوى الديمقراطية العراقية, سواء أكانت عربية أم كردية أم تركمانية أم كلدانية وآشورية, أدعو جميع العلمانيين والديمقراطيين وجميع المخلصين لقضية الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في عراقنا الحبيب أن ينتبهوا إلى ما ينتظر الشعب عندما تفرض عليه إرادة فكرية أو دينية واحدة, إذ أنها سوف لن تختلف قيد أنملة عن الوضع الذي عشناه في زمن صدام حسين والذي يتفاقم تدريجاً ليتحول إلى نظام استبدادي لا يطاق.
من استمع إلى خطاب السيد عبد العزيز الحكيم في الجمعية الوطنية سيتفق معي أنه لم يكن سوى دعاء إلى باريه, وهذا من حقه, ولكنه كان في خطابه لا يعبر عن نفسه, بل عن حزبه وهو الذي غاب عن الخطاب تماماً. ولم يتضمن هذا الخطاب بأي حال من كلمة الديمقراطية وكأنها "الثمرة المحرمة" كما يبدو, فهل كانت هذه الحالة تعبر عن نسيان أم هفوة أم رؤية لما يريده في المستقبل للعراق الجديد؟
من يقرأ السيد عبد العزيز الحكيم جيداً يستطيع الإجابة الواضحة عن السؤال دون لبس أو إبهام. إنه يريد أن يحدثنا عما ينتظرنا في العراق القادم. ولكن ما يخفف عنا هو وجود قوى حتى في قوى الإسلام السياسي سوف تقف في وجهه وترفض تدريجاً طريقته, لأنها تدرك المصائب التي تنتظرنا إن سرنا على دربه أو درب جماعة السيد مقتدى الصدر رغم الفارق الراهن في الأساليب والأدوات التي يمارس بها السياسة. إن الطريق السلفي الذي يريد العود بنا إلى أكثر من 1400 سنة لن ينجح في العراق لأنه يتناقض مع روح العصر وحاجات الإنسان وضرورات التطور والتقدم.
إن وجود القوى الديمقراطية الكردية المدنية التي شكلت قائمة التحالف الكردستاني وتمتلك قوة صوتية جيدة من جهة, ووجود مجموعة قائمة السيد الدكتور أياد علاوي, بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه في عدد من القضايا, وخاصة في سبل التعامل مع البعث أو سبل التعامل مع القيادة الأمريكية في العراق وقوات الاحتلال, من جهة أخرى, فإنها تعتبر الآن صمام أمان طيب في مواجهة الوجهة التي يريد دفعنا إليها السيد عبد العزيز الحكيم. أقول ذلك بصراحة كافية لكي أذكر قوى الإسلام السياسي بالمعاناة التي عاناها الشعب في العراق, وهم كانوا جزءاً من المعاناة, وأن هذا الشعب لا يستحق ولا يريد أن يعاني من ذات الوضعية مرة أخرى ولكن تحت اسم الدين أو المذهب بدلاً من الحزب أو العشيرة أو ما شاكل ذلك.
إن الطريق الوحيد لمواجهة ذلك هو وحدة القوى الديمقراطية لخوض الانتخابات القادمة, هو عملها الراهن للتصدي لكل محاولة لتشويه الدستور الجديد عبر تغييرات أساسية في قانون إدارة الدولة المؤقت باعتباره القاعدة التي يفترض أن يستند إليها لوضع الدستور الديمقراطي الفيدرالي. فهل يمكننا تأمين ذلك؟ هذا ما نسعى إلى معرفته والعمل من أجله!
برلين في 29/3/2005 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟