المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)
الحوار المتمدن-العدد: 4000 - 2013 / 2 / 11 - 09:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
وسط الطبيعة الجامعة بين نعومة إنسياب النيل وهفهفة النخيل في وسط بلاد النوبة وصعوبة الصحراء ووحشتها في أطرافها، نمت بعض التصورات السودانية القديمة لإرتباط العالم السماوي بما فيه من حركة الكواكب والنجوم والشمس وعالم الأرض ونبات وحيوات وحركة كائناته، هذه التصورات القديمة إخذت ترتسم في رموز عينت وسميت ثم نصبت، كل منها يأخذ فكراً بناصية أمر من الأمور التي يعرفها الناس: هذا رمز للفيض والخصب، وذاك رمز للطب، وهذا سيد الإشارة إلى العلل والمصائب.
تدرجاً أو إرتقاءاً من حال الرمز الفكري لإرتباط عالم السماء وعالم الأرض، وصل السودان القديم إلى تجسيد هذا الإرتباط في أجسام مادية ترمز لخاصة من خواص الحيوات أو الأشياء التي عقدوا فيها إجتماع عالمي السماء والأرض في ذا الكون المادي الواحد المتعدد العناصر، ففي الأسد إنتبهوا للقوة والعظمة، ومن النسر إنتبهوا للجناح والعين والإرتفاع وعلاقة حركة المعرفة بتساميها، ومن ذي قدروا حساب بعض مواقع النجوم وأبراج طلوعها وكواكبها وحسبوا الفيض والمطر والزرع والضرع والبناء..وكذا حددواالأشياء وعنصروها إلى خاصة أساس وسموها وفق ما ألفوه وما تصوروه في عنصرها، وكذا يفعل البشر حين تحديد وتعريف أي شيء.
كان التفرد ثم التمايز ثم الإختلاف ثم الخلاف فالشقاق والنزاع يزيد بين أهل قبلة الشمال من الكيزان أهل تخصيص وتفريد الرموز وتعديد العبادات والمدارس، وبين العلمانيين أهل التنظيم والترتيب والضبط والربط الفكري الآيديولوجيين، كان الكيزان كما هي ألفتهم اليوم يتحدثون عن عوالم السماء وتباين مدارسها في الأرض يبنون لها الحرمات و.. يسترزقون منها، بينما كان العلمانيين مثلما هي إلفتهم اليوم يتحدثون عن عوالم الأرض والعمل وأهمية توقيتها وتنظيمها بإنتظام حركة النجوم والشمس والقمر، وعن إشتراك الناس في خيراتها مثلما يشتركون في زرعها وريها وحصدها جماعة.
وما بين الصراع والتآلف بين القائلين بحكومة السماء والقائلين بحكومة الأرض تزايد إحكام الربط الذهني يين عالمي السماء والأرض وتجسيد هذا الإرتباط ومعانيه في رموز معينة بحيث بدأت عملية التخصيص والتعميم الأفقية مواشجة لعملية رأسية هي عملية ترتيب القدرات والإختصاصات وما فيها من إرتقاء أو نزول.
وفي هذا الصليب النوبي أو صليب الحياة، بدأت عقيدة التوحيد بالتشكل من فكرة تواشج العالمين الهرمين الهرم السماوي والهرم الأرضي: الأول قاعدته في السماء ومتجه إلى الأرض ماءاً أزرق، والثاني متجه من الأرض إلى السماء جبالاً وأهراماً فيها حمرة داكنة.. وبدمج الهرمين تجد أصلاً لخيال نجمة النبي داؤود عليه السلام ، الشعار الرسمي الحاضر لدولة إسرائيل. وكان ذاك الربط بين عالمي السماء والأرض يزيد عدداً ويُجسد في رموز يزاد شمولها أكثر فأكثر ويزاد تعظيمها أكبر فأكبر، حتى وصلوا إلى فكرة الـرمز الأعظم "لاهو" أي اللامُعين واللامحدد. وبعد بضعة ألف سنة أضاف العرب إليه حرفي التعريف (الـ) فأصبح الإسم الأعظم "اللهُ".
في هذه البيئة السودانية القديمة التي تشكلت بها حضارات "خِم" Khemet نشأت لبنات مكارم الأخلاق والأعمال: التنظيم بما فيه من حساب عناصر ومعرفة وخبرة ودراسة وعلم، والعمل والإجتهاد والإتقان، والرحمة والكرم والصدق، ومن تفاعلات وتنازعات هذه المكارم في مذاهب ودول وقصص، تولدت الجذور التاريخية لفهم الناس لعملية الحياة والموت كعملية وسط أو صلاة وسطى بين حركة الأجسام السماوية وحركة الأجسام الأرضية. وأخذ هذا الفهم الديني تشكلات كثيرة إمتدت عبر آلاف السنين تراوحت في أذهان الناس أو تراوحت فيها الأذهان بين حالتين: حالة الترميز والتجسيد المادي الخفيف أو الشديد لمعان فوقية، وحالة أكثر رمزية فيها تجسيدات مادية أقل وحياتية عملية أكثر وأخرى (سماوية) قبل كونية و بعد كونية أي خارج سنة الكون وكل قوانين وجود المادة، بل حتى خارج فهم الإنسان وخارج الخيال.
في هذا الإنتقال الوئيد والطويل جداً من حالة الترميز المادي المجسد في علامات من كائنات الطبيعة إلى حالة الترميز الذهني المجسد في عبارات لفظية يمكن ملاحظة إختلاف اليهود (الآفارقة أسيوأوربيين) وبني إسرائيل (الآسيوأفريقيين) وتفرقهم شيعاً وأحزابا ً في معاني "التوحيد" : هل هو توحيد لمجموعة إعتقادات؟ أم هو إعتقاد جديد فيه إقصاء لإعتقادات سبقته؟ كذلك يلحظ الإختلاف في عقائد اليهود وبني إسرائيل في طبيعة "الخروج" أو ما سمى إسلاماً بـ"الولاء والبراء" ...(= الولاء للحق والبراءة من الباطل) ..هل هو خروج محدد خاص بموسى وأقوامه هرباً من ظلم النظام الفرعوني وبكانه المصري، أو هو بمعنى عام خروج على كل نظام فرعوني (في أي زمان ومكان)، بما يشمل حتى الخروج من أو الخروج ضد فكرة الكائن الأرضي أو السياسي المسيطر على المجتمع والرامز أو المجسد أو المنفذ أو الحامي للتدابير والأحكام السماوية؟
كانت قصة الدعوة المسيحية الأولى تجسد في حركة التفكير التاريخي إنتقالاً -أخفض درجة أو أعلى سلماً- من نزاعات الترميز المادي والثقافي اليهودية – الإسرائيلية إلى حالة قام فيها عالم السماء أو بالأصح القدس الأعظم بالتجسد في بشر سوي ونبي متعين بكلمة الله، كانت رحمته في أم بشرية نفخ الروح القدس فيها آية للعالمين حيث صارت الكلمة السماوية جسداً بشرياُ ثم تحول هذا الجسد في سن الثلاثين إلى نبي مرسل قام بدعوة الناس للخروج من ظلم حواسهم لنونهم، ومن ظلم جسدهم لنفسهم، ومن ظلم حياتهم لوجودهم، ومن ظلم وجودهم لمعانيـ(ـه).
وقد قيل أن السيد المسيح يسوع عليه السلام قضى في مصر الرومانية ثلاثة أعوام وقال أخرون أكثر من ذلك وكان قد حمل إليها (هرباً) من بطش الروم وأمام القولين قول ثالث أن طفولته ويفوعه ومراهقته تمت في جنوب مصر حيث النوب والسودان القديم، وأن في تلك المناطق المقدسة تعلم عيسى فوق ما تعلمه موسى من أهمية توحيد الرموز والعقائد والإنصراف إلى تطهير النفس والمجتمع معاً.
زاد النبي عيسى علماً عن النبي موسى لأنه كسب خبرة الأخير وعظة حياته : حيث كان التفارق بين دعوة موسى لليهود والإسرائيليين للخروج من الظلم قد تباين مع تحريف رؤوس اليهود والإسرائيليين آنذاك لمنطق الملكية وتجسيده سيطرة (مقدسة) على عنصر أرضي معين: حيث رفضوا نظام التملك الخاص لموارد الحياة في الحالة الفرعونية المصرية ثم قبلوه نفس هذا النظام الفرعوني على أنفسهم في الحالة الفلسطينية في مملكتيهم الصغيرتين يهودا(القدس)، والسامرا(غزة)، رغم أن بهذا النظام الفرعوني القديم تسيطر الأقلية المالكة على الأكثرية اليهودية الكادحة تستغلها وتنهبها وتفقرها، ومع ذلك وأسباب أخرى كثيرة تسلط الروم والفرس على كل المنطقة وكل ما فيها من شعوب وعقائد وضيقوا عيش سكانها ونكلوا بهم وخربوا عليهم ثقافتهم حتى أضحى أكثر سكان الشرق الأوسط وجنوب أوربا المتاخم له يبحثون عن منقذ أو مخلص لهم يحقق لهم كرامة العيش والحرية من جبروت الدولة والسوق.
وبعد خمسة قرون من جدل الدعوة وإعادة تشكيل العقيدة توضدت المسيحية في ضفاف بحر الروم وداخلت الإمبراطورية الرومانية وأضحت ديانة قادة عسكريين وملوك وأباطرة ولعله بفعل هذا التداخل بين الكنيسة والدولة تحولت المسيحية في الأذهان من خلاص مفتوح يرجى إلى نظام مغلق يتبع. وبفعل إنفتاح المنطقة النوبية خرج بعض المسيحية من صراعات مصر الدنيا وقساواتها إلى خيرات نوبة السودان القديم الممتدة من عمق مصر الحاضرة إلى عمق السودان الحاضر، حيث كانت نشأة البذور والجذور الأولى للمسيحية، وكانت أشهر كنائسها الكبرى في المحرق وفي فرس ودنقلا.
لم يختلف دخول المسيحية المصنعة في فلسطين إلى النوبة السودانية عن دخولها في مصر فقد كانت الدولة النوبية الفرعونية القديمة في السودان عجوزاً في الغابرين فهي أقدم كثيراً من إبنتها العاقة الدولة المصرية، ومع ضيق إمكاناتها عن إعاشة مطالب سكانها تفتت تلك الدولة النوبية القديمة إلى ثلاث ممالك هي مملكة نبتة ومملكة المغرة ومملكة علوة.
وقد دفنت المملكة الأخيرة فيهم وهي مملكة علوة سنة 1504 بإنتفاضة مهمشي وسط السودان القديم، حيث حولت إنتفاضتهم المسلحة السودان من حالة النظام الفرعوني المسيحي الإعتقاد ذو الممالك المتهالكة إلى النظام الإقطاعي ذو الممالك العربية الإسلامية العشرة، التي سرعان ما إستعمرتها دولة الخلافة الإسلامية (العثمانية) سنة 1821 و(سيطرت) عليها لغاية سنة 1885 حيث من جديد قامت جموع المهمشين السودانيين بقيادة الإمام محمد أحمد المهدي بتحرير بلادهم من دنس الخلافة الإسلامية وهزيمتها والقوات المصرية والبريطانية الشريكة لها هزائم منكرة.
Christian Nubia and its Churches
http://www.numibia.net/nubia/christian.htm
Salim Faraji
The Roots of Nubian Christianity Uncovered: The Triumph of The Last Pharaoh
Claremont Graduate University, 2008>>> Africa World Press, 2012
William Adams
Architectural Evolution of the Nubian Church (500-1400)
Journal of the American Research Center in Egypt, 04, 1965
Andrew Wheeler
Christianity in Sudan
http://www.dacb.org/history/christianity%20in%20sudan.html, 1890 >>>
Rudolph Windsor
From Babylon to Timbuktu: A History of Ancient Black Races Including the Black Hebrews
Author House, 2011
Thomas C. Oden
How Africa Shaped the Christian Mind: Rediscovering the African Seedbed of Western Christianity
Inter Varsity Press, 2007
Nana Darkwah
The Africans Who Wrote the Bible
Aduana Publication, 2003
John L. Johnson
The Black Biblical Heritage: Four Thousand Years of Black Biblical History
Lushena Books, 2003
Andrew Dawson
Sociology of Religion
Hymns Ancient and Modern, 2011
Kevin Cristiano, William Swatos, Peter Kivisto
Sociology of Religion: Contemporary Development
Rowman Altamira, 2002
Albert Schweitzer & John Bowden
The Quest of the Historical Jesus
Alban Books Limited, 2001
(Indus Khamit Cush)
Enoch, the Ethiopian: The Lost Prophet of the Bible:
New Leaf, 2000
John G. Jackson
- Christianity Before Christ
American Atheist Press, 1985
- Pagan Origins of the Christ Myth
1941>>> American Atheist, 1985
Augustine Speaks of a Christianity before Christ...Tracing its Origins to Ancient Egypt
http://www.scribd.com/doc/12761150/Augustine-Speaks-of-a-Christianity-Before-Christ
Kersey Graves
The World s Sixteen Crucified Saviors: Christianity Before Christ
1875 >>> Adventures Unlimited Press, 2001
Paul Bowers
Nubian Christianity: The Neglected Heritage
Africa Journal of Evangelical Theology, 1985
http://www.theoledafrica.org/othermaterials/files/nubianeglectedheritage.pdf
Giovanni Vantini
Christianity in the Sudan
Bologna, 1981
Giovanni Vantini
The Excavations at Faras: A Contribution to the History of Christian Nubia
Nigrizia, 1970
Francis Llewellyn Griffith
The Nubian Texts of the Christian Period http://archive.org/stream/nubiantextsofchr00grif#page/n3/mode/2up
#المنصور_جعفر (هاشتاغ)
Al-mansour_Jaafar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟