ناهده محمد علي
الحوار المتمدن-العدد: 4000 - 2013 / 2 / 11 - 09:01
المحور:
اراء في عمل وتوجهات مؤسسة الحوار المتمدن
الباحثة الجيولوجية وفي مجال البيئة / د . غادة محمد سليم
لقد أحطت نفسي دائماً بصداقات مثقفة وطيبة كانت تعويضاً لي عن غربتي الطويلة , ولم أستطع يوماً أن أُقيم صداقات مبنية على المصلحة الشخصية أو المصالح المتبادلة , ولم أستطع ايضاً هظم الخبث الثقافي الذي لا يمكن للفرد العادي إكتشافه إلا بعد فوات الأوان , وكنت أستقصي وأبحث عن الجوانب الطيبة في نفس الصديق الإنسان وحينما أجدها أقترب منه غير خائفة .
كانت دكتورة غادة واحده ممن بهرني مستواها العلمي والثقافي وإنجازاتها العلمية والإجتماعية , لكن الأمر بقي في حدود الإحترام بهذه الشخصية , وحينما رصدت أُسلوب حياة هذه المرأة داخل بيتها وخارجه وطريقة إدارتها لعائلتها ومسيرة أولادها العلمية ونشاطها البحثي واليومي ممتزجاً بسلوكها البسيط والتلقائي وجدت فيها علامات كثيرة لإمتزاج العلم بالأخلاق .
وكثيراً ما يفقد الإنسان المتحضر هذا الإمتزاج , وجدتها لا تضع حدوداً بينها وبين المتعامل معها بل وجدتها كسنبلة تخفض رأسها المليء ولا تتشامخ , وهي تملك روحاً طفولية وهو ما عرفته في معظم العلماء الذين إلتقيت بهم في كافة المجالات وهو ما يميز العالم الحقيقي , إذ هو لا يجعل علمه سداً مكسوراً يُغرق به من حوله , بل يوظف علمه لخير البشر , فهو محب لكل مخلوقات الله من سماء وأرض ومن نبات وحيوان , وهذا ما فعلته الدكتورة ( غادة محمد سليم ) حينما وصلت الى بقعة جميلة في هذه الأرض وهي جزيرة ( نيوزيلاند ) والتي تتميز بأرضها الخضراء وغاباتها المنتشرة ومساقط مياهها وبحيراتها وبالمحيط الهاديء الذي يحيط بها . لقد وجدت الدكتورة غادة بعد التجارب النووية التي حصلت في المحيط الهادي على مدى سنوات من قِبل الإتحاد السوفيتي ( سايقاً ) والولايات المتحدة وفرنسا , والذي سبب تلوثاً بيئياً ونسباً إشعاعية , وقد ساهم الإنتشار الصناعي لإحداث هذا التلوث ايضاً .
لقد قامت الدكتورة غادة بعدة بحوث للوصول الى أسباب هذا التلوث ودرجته وعمره والعلامات الدالة عليه , وإضطرت للتنقل بين تضاريس مختلفة للحصول على عينات للتربة , وإستخدمت أساليباً علمية متطورة أُعتبرت إنجازاً علمياً ضخماً كتبت عنه الصحافة النيوزيلندية لإهتمام النيوزيلنديين بالبيئة وللحفاظ على نقاوة تربتها ومائها وهوائها .
السيرة الذاتية للدكتورة غادة .
الأسم / غادة محمد سليم ابراهيم
- ولدت في بغداد ودرست في ثانوية الحريري ثم في كلية العلوم – جامعة بغداد
- سافرت الى إنكلترا لدراسة الماجستبر في علم ( الرسوبيات ) من جامعة ( بريستول ) .
- عملت في معهد التكنولوجيا وكلية التربية في بغداد ثم في وزارة التعليم العالي وشاركت في العديد من البحوث والمؤتمرات والحلقات الدراسية في إنكلترا وفرنسا والولايات المتحدة والبرازيل وجنوب أفريقيا واستراليا .
- توجهت الى نيوزيلندا وحصلت على الدكتوراه من جامعة أُوكلاند في ( الجيولوجيا البيئية ) .
- أصدرت في العراق عام 1984 كتاب ( مباديء الجيولوجيا والجيومورفولوجيا ) , وكتاب ( الإستشعار عن بعد في الهندسة المدنية ) 1995 .
- نشرت العديد من البحوث العلمية في المجلات العلمية العالمية , وشاركت في تقييم العديد من البحوث التي نُشرت في المجال البيئي .
- هناك العديد من البحوث المقدمة في المؤتمرات العلمية في اسبانيا والبرازيل والأردن ونيوزيلندا وهي كالآتي :
1 – Recent sediments from a coastal pond, eastern margin of the Dead Sea, Jordan
Carbonates and Evaporites DOI:10.1007/BF03175659
2 –Heavy-metal contaminants in Tamaki Estuary: impact of city development and growth, Auckland, New Zealand
Environmental Geology DOI:10.1007/s00254-002-0593-0
3 – A chronological synthesis of natural and anthropogenic effects on Tamaki Estuary, Auckland, New Zealand. Abstract, 31st International Geological Congress in Rio de Janeiro, Brazil.
4 – Textural and Compositional Characterisation of Holocene Fine Volcanic Sands, Auckland, New Zealand. Abstract, 15th International Sedimentological Congress in Spain 113.
- بحوث كثيرة لا يتسع المجال لذكرها .
- تعمل الآن الدكتورة غادة كباحثة في مجال العلوم البيئية وتلوث البيئة النهرية في نيوزيلندا .
- تعمل كمتطوعة لتدريس المهاجرين للغة الإنكليزية .
قامت بتأسيس ( جمعية المرأة العراقية النيويلندية الثقافية ) , وهي عضوة في جمعية الثقافة العربية النيوزيلندية المتضامنة .
- قامت بإصدار مجموعة قصصية في بغداد 1987 بعنوان ( الهاوية ) , ونشرت العديد من القصص القصيرة في المجلات العربية , وتعمل على إصدار مجموعة قصصية جديدة .
***
لم تكن الدكتورة غادة عالمة في مجالها فحسب بل محبة وعاشقة للطبيعة فقد ركزت معظم بحوثها على مسقط مياه :
Tamaki Estuary, Auckland
وهذا ما إسترعى إنتباهي وإعجابي , إذ أن حبها للطبيعة قد إنعكس على حبها للأدب وإنتقل الى الكلمة الجميلة والهادئة والتي تعبر عن إنسانية إستثنائية وشفافية صادقة , ولطالما إعتقدتُ أن للمثقف الحقيقي شخصية تركيبية أو عدة جوانب لشخصية واحدة , فهو قد يكون عالماً إستخدم علمه لصالح البشرية وقد يستقطب تجاربه من خلال الكلمة الصادقة والتي تصور جانب آخر من ثقافة هذا العالِم لا تتناقض مع مصداقيته , فقد أصدرت الدكتورة غادة مجموعة قصصية ونشرت بعض القصص التي تعبر عن الجانب الآخر الشفاف من هذه المرأة التي تخوض بين التضاريس الصعبة لجمع مصادر أبحاثها , كما أنها تدير مجتمعاً نسائياً متناقض في نوعياته وإتجاهاته , وتُربي عائلة ناجحة إجتماعياً وعلمياً وكأنها قد نقلت توجهاتها العلمية والأدبية الى أولادها .
لقد برزت الدكتورة غادة في المجتمع الجديد بعد ظهور أبحاثها وتطويرها لمعادلة كشف الترسبات ونسبها وأعمارها وعلاقتها بنسب الإشعاع , فأحاطها هذا المجتمع الجديد بالرعاية والإحترام .
تساءلت لو كانت الدكتورة غادة في العراق فهل ستكون مهمشة وهل ستحارب التهميش وتكشف نسب الإشعاع العالية في كل مدينة عراقية وفي كل شارع وكل نهر , أم ستحاط بأسوار من حديد وقد يُخشى منها أو يُخشى عليها , لذا بقيت الدكتورة غادة تحن الى الوطن وتود أن تمد يدها لتصل إليه بون أن تقطع يدها أو تُلوى وبدون أن تجمع حقائبها ثانية هاربة من الظُلمة والفزع .
أخيراً ما أكثر حاجة العراق لعلماء البيئة بعد الخراب الحاصل في البيئة العراقية الجميلة , وما أعلى نسب الإشعاع والتلوث التي سيجدها علماؤنا وسيجدونها قطعاً في أهوارنا والتي أصبحت خالية تقريباً من مخلوقاتها الأليفة والمتنوعة , وسيجدون هذا التلوث في سهولنا وأنهارنا ومساقط مياهنا , ويا حبذا لو أصبحنا دولة تحافظ على صحة مواطنيها وبيئتهم وتجعله هدفها الأسمى , لكن منطقتنا العربية وللأسف وبضمنها العراق قد أصبحت مقبرة أو مزبلة للنفايات النووية مقابل دراهم معدودة .
للله درك يا عراق كم أنت بحاجة الى علمائك وكم هم بحاجة إليك .
#ناهده_محمد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟