|
العلمانية و الشريعة و ضرورة اللافصل
عبد الرحيم الحنفي
الحوار المتمدن-العدد: 4000 - 2013 / 2 / 11 - 02:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عبد الرحيم الحنفي عن الدولة و الشريعة و ضرورة اللافصل°°
تشكل العلمانية واحدة من القضايا الكبرى التي لازالت تثير اللغط الكبير في العالم الإسلامي و التي يتجدد النقاش حولها باستمرار (كلما صاح صاح بالدين أو ظهر صاح بفصل هذا الأخير عن الدولة) . وهي ضمن أولى الإشكالات التي انضافت بقوة إلى أتون الصراعات والمواقف م القرنين الغابرين، منذ ان رفع شعار العلمانية في لبنان رغبة في الانفصال عن الإمبراطورية العثمانية، فبرزت بعد هذا كله مصطلحات جديدة؛ كالإسلام السياسي، الحركات الإسلامية/ الأصولية/ الرجعية ،الجماعات الدينية،الليبراليون اللادينيون الخ. تجسد ذلك اللغط في فسطاط يرفضها، وهو رفض له ما يبرره، وفسطاط آخر يرحب بها، ويجعلها عملية نفسح عبرها المجال للعقل ليقودنا في عملية تدبير شؤوننا العامة، مبررا ذلك بكون الدين يعوزه الدور القيادي، أو بمعنى آخر أنه عاجز عن مجاراة صيرورات العصر، أو بل أكثر من ذلك هو في ذات الوقت دعوة لإعدام دور العقل. قد يعبر عن هذا تارة بشكل مباشر وصريح، وتارة أخرى بصورة ضمنية. يأتي هذا حينما انبهر دعاتها بالغرب الذي كرسها منذ ما يزيد عن ثلاث قرون من الزمن، فحقق نجاحات مهمة في مدار تدبير الشأن العام فتراهم يرمون بالجمود كل من كان ضدها، بدعوى أن كل من يرفضها إنما خيل إليه أنه فهمها، فيما هو لم يفهمها إلا ذلك الفهم السطحي الخاطئ. ومن قبيل الأسئلة الثابتة التي يطرحها هذا الطرف لخصمه، قولهم على سبيل المثال لا الحصر؛ "هل تنعدم منطقيا (وليس دينيا) !! إمكانية قيام الإنسان بتنظيم كافة شؤون حياته دون اللجوء إلى الدين؟. إذا كانت الإجابة ب"لا" فلا خلاف إذا !! أما إذا كانت الإجابة بنعم فيجب أن تدعم الإجابة بتقديم المسوغات المنطقية
القائمة على أساس عقلاني خالص". ذلكم بالتحديد هو سؤال الدكتور مجدي عزالدين حسن.و لكن في الحقيقة هذا السؤال سؤال غير عادل، أفليس من الأجدر أنْ يُطرح السؤال بصورة معاكسة بالقول: هل تنعدم منطقيا إمكانية تنظيم المسلمين لشؤونهم حياتهم بالاحتكام إلى الشريعة ؟ طبعا في الإجابة العقلانية البحتة عن سؤال الأستاذ سنقول "لا"، ولكن نقول لن ندير شؤوننا وننظمها بشكل أفضل(في أشياء كثيرة) مما لو تحركنا في ضوء تعاليم الشريعة الإسلامية ، . بل أكثر من ذلك أن التخلي التام عن التدين أو اجتثاثه داخل المجتمع؛ انثروبولوجيا (هذا فقط كتعقيب ثلة من العلمانيين،يدعون الثوريون حسب تصنيفات الاستاذ محمد عمارة في العالم العربي) يبدو أمرا في غاية الصعوبة،بل مستحيل، فما دمنا نحن إلى مجتمع متوازن فلا مناص منه . عطفا على هذا نشيد بالفيلسوف "رينان" في كتابه "تاريخ الأديان" حيث يقول " إنه من الممكن أن يضمحل كل شيء نحبه، وأن تبطل حرية استعمال العقل والعلم والصناعة، ولكن يستحيل أن ينمحي التدين. بل سيبقى حجة ناطقة على بطلان المذهب المادي الذي يريد أن يحصر الفكر الإنساني في المضايق الدنيئة في الحياة الأرضية".
لكن اعتقد انه قبل أن نجيب على السؤال الأنف ب"نعم" أو "لا"، بل قبل أن نطرح مثل تلك الأسئلة التي هي برأيي لا تأخذ بناصرنا في البت في قضيتنا بشيء، بقدر ما تجعلنا على مرمى السير في غياهب التيه؛ لا نبصر فيها الحقيقة من الباطل، ولا حتى الحسن من الأحسن. قبلها ثمة مسألة جوهرية يتداراها الكثير منا عندما يتحدث ويجادل قي هذا المضمار(العلمانية...)، وهي ما يمكن أن نستفهم عنه بالقول: هل نحن فعلا فهمنا عمق الدين؛ الفهم الصحيح؟ وهذا أساسا هو السؤال الذي يتعين الانطلاق منه. وحينئذ إن كانت الإجابة ب"نعم" فالعجب كل العجب أن نبغي عنها بديلا... وإن كانت الإجابة ب"لا" فلنتريث قليلا ونلتزم الأناة حتى نفهم الشريعة الإسلامية على حقيقتها، و لعل هذا ما يريد التلميح اليه الأستاذ و الفيلسوف الجليل حسن حنفي بقوله" أما تضييق الشريعة الخناق على الناس الذي يضيق به العلمانيون ذرعا؛ فإنه شعور ينتج لديهم لسوء فهم للشريعة الإسلامية وكأنها أتت للمنع و الزجر و التحريم و ليس لإشباع الرغبات، وقضاء الحاجات وإطلاق طاقات الإنسان،و إحساسه بالطبيعة"(محمد عابد الجابري،مواقف،من ملفات الذاكرة،56 ط 2006 ). من ثم فكل ما يمكن التأكيد عليه بهذا الصدد، هو أن الاختلاف في المستوى الذي يتحدث فيه دعاة العلمانية ؛إن هو إلا اختلاف في الفروع والقشور ومداراة للب. بناءا على هذا التوضيح دعنا نتساءل هذا السؤال ، وهو الأجدر بالإجابة لمن يدّعي العلمانية بدعوى العقل ...الخ، هل كل أو فقط حتى النزر اليسير مما أتت به الشريعة الإسلامية لا منطقي ومناف للعقل ؟ وهل يصح فعلا القول على أنها عاجزة عن مواكبة صيرورات العصر؟ و أن نعزي إليه تخلفنا ؟ وتدعو إلى إعدام دور العقل ؟ ولا جدوى منها في مدار النسق السياسي..؟ وأنها نظام تيوقراطي؟. إنه بالطبع عندما نحاول إبعاد عنصر الدين كليا عن تدبير شؤوننا بشتى مستوياتها أو حتى البعض منها بدعوى أن إقامة الأحكام على أساس و ضعي عقلي وحده يمكن أن نستغني به عن "السماوي"، فهذا يعني في عمومه أن الشريعة لا تصلح أو لم تعد صالحة إطلاقا لأن يقتدي بها في تنظيم شؤون حياتنا، أو بتعبير أدق، أن التمسك بها يردي في مهاوي التخلف و ذيل الحضارات كما هو واقع بنا الآن.. . في التأكيد على بطلان هذا المذهب، يكتب العالم الألماني محمد أسد في كتابه "مناهج الحكم في الإسلام"، وهو ينطلق من أساس علمي وباستقلال تام عن أي منطلقات دينية " إن الإسلام دين يدعو إلى التقدم المطرد في جميع مناحي الحياة ،الاقتصادية، السياسية..."، وقد كتب آخرون في ذلك غربيون و مسلمون فأفادت دراستهم كون الشريعة قادرة بكل المقاييس على مواكبة صيرورات العصر... أو أي عصر سيأتي، (والكلام يطول في هذا الشان) فإذا كان ما اسلافناه( قبلا من ان الدين مر عليه الدهر فشرب) بالفعل صائبا ، فمن الغربب كل الغرابة أن لا حظنا في الآونة الأخيرة كيف أن بعض الدول الغربية ( تستلهم من بالشريعة الإسلامية في التعاطي مع بعض قضاياها،ولكن ليس تحت اسم الشريعة، ومن ضمنها على سبيل المثال "مسألة الإرث" لا الحصر. فعندما يؤكد المفكرون الإسلاميون المعاصرون، صلوح الإسلام لكل زمان ومكان، فهذا يعني ان بمقدور الفقه الإسلامي أن يتسع ليجيب عن المشكلات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية التي تواجه الأمة في العصر الراهن.. وعلى هذه الجهة من اللازم الإشارة إلى أن عدم الوعي بوجود شيء اسمه مقاصد الشريعة/ علم الاجتهاد.. هو ربما ما يشكل غطاء بصيرة البعض للوقوع في خطا فهم أن الدين الإسلامي جامد ويقف حاجزا أمام التفكير والإبداع ... ولا يقبل الاجتهاد في أمور السياسية ولا في مجال المعاملات بشكل عام، كلا فهو مرن،بحيث يبقى على الدوام في حوار مع الواقع؛ فها هي الديمقراطية،نعم الديمقراطية وليس الشورى، وهي إبداع غربي ولكن ثمة من العلماء المسلمين، الراسخين في العلم (الاجتهاد الفقهي) من بسط حقيقتها، فرحب بها، مع أنها ليست من صلب الحضارة ألإسلامية (انظر يوسف القرضاوي، حول الديمقراطية)،و لعل هذا هو الفخ الذي يقع فيه الكثير،حينما يرون الديمقراطية تنحيه للدين؛ "فلا الديمقراطية ولا العقلانية تعنيان بصورة من الصور استبعاد الإسلام".عابد الجابري)
و يروق لي أن أضيف ، على لسان المفكر و الفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري؛متفقين على طول الخط إن"مسألة العلمانية في العالم العربي مسألة مزيفة، بمعنى أنها تعبر عن حاجات بمضامين غير متطابقة مع ذلك الحاجات. أن الحاجة إلى الاستقلال.. و الحاجة إلى ديمقراطية تحترم حقوق الأقليات و الحاجة إلى الممارسة العقلانية للسياسة هي حاجات موضوعية فعلا، انها مطالب معقولة و ضرورية في عالمنا العربي و لكنها تفقد معقوليتها وضرورتها و مشروعيتها عندما يعبر عنها بشعار ملتبس كشعار العلمانية" ويردف قائلا: " و في رأيي انه من الواجب استبعاد شعار العلمانية من قاموس الفكر العربي و تعويضه بشعاري الديمقراطية" ومن ثم فالدعوة الى العلمانية في العالم العربي شدخ. ولذلك فالمنظر العلماني مطالب (بعد كل الللذي قلناه بأن يقدم لنا من جهة، مسوغات منطقية خالصة تفيد اننا اليوم بالعالم الاسلامي بحاجة ملحة الى عزل الشريعة عن النسق السياسي ؟ وإلا فرفضه لها، رفض اعتباطي لا معنى له. نعم بعض اصحابنا سيقولون بأن مبرر هذا الرفض هو إنما لكون أن بعض الجهات تقوم باستغلاله لنيل ماربها السياسية. وتحاول فرض أكاذيبها على الناس باسم الدين؛ بمعنى أن هناك من جهة تعسف على للدين، نعم هذا صحيح و استغلال الدين لا يقبل به أي مسلم يحترم عقلة و إنسانيته، لكن من الضروري الإشارة أن المشكل يكمن في أن الفئة التي يتم التغرير بها باسم الدين هي الجاهلــــــــــة بأمور دينها، وهذه ظاهرة ليست بحديثة العهد في التاريخ الإسلامي، واستغلال الدين لم يكن منحصرا في شؤون السياسة فحسب،بل حتى في العلاقات العادية للأفراد مع بعضهم البعض. ولذلك نقول إذا كان هذا فقط هو المبرر( الذي يدل في عمقه على غيرتكم على الدين) أوليس من الأجدر قبل هذا النزوع إلى الانهزام إعطاء الناس وعي حقيقي بشؤون دبدينهم، و إلا فلا يدعو إلى الفصل مباشرة قبل التفكير في هذه المسالة غير من كانت لديه هو الأخر مصالح سياسية ضيقة يخشى أن يحظى بها غيره باستغلاله للدين أو عدمه. أم أنكم تعتبرون مجرد اتخاذ الدين كمرجعية في اللعبة السياسية استغلال؟. ثم أما بخصوص الثورة الاروبية، (وهي جذور الفكر العلماني) التي كان من ثمراتها عزل الدين عن السياسة، والتي يغدق البعض الحديث عنها، بكونها النموذج المثالي (كما يزعم) الذي نحتاج إليه اليوم بحذافره في العالم الإسلامي كوننا نعاني (على حد تعبير بعضهم) من العوامل التي أدت إليها في أوروبا( و يا للدهشة الكبرى). فمن دون أن نقول جديد، نقول ببساطة أن السياقات تختلف، فإن كانت الثورة الفرنسية مثلا قد تمخضت ضدا عن الدين، و إلحاحها على ضرورة تنحيته في الحقل السياسي، ليحصر في دائرة الحياة الخاصة بالفرد، فهذه نتيجة طبيعية، لان ذلك الدين أصلا ليس هو الدين الحق، الذي يقبله العقل، وإنما دين الكنيسة الذي ما أنزل الله به من سلطان (ولا داعي لسرد هذا التاريخ التراجيدي الطويل) فلا غرابة آنذاك أن يكفر الناس حتى بوجود الإله، في ظل تعاليم منافية للعقل، محاربة للعلم و الفكر، مكابرة للفطرة الإنسانية. فكل ما قاله فيه مفكرو اروبا هو حق. فعندما تقرا مثلا للنيثشه في كتابه" عدو المسيح" تدرك حقا ان أروبا ما كانت لتثور ضد الكنيسة لولا أنها تحارب العلم، فهل يوجد شيء من هذا في الإسلام الذي أشاد بالعلماء و أول ما نزل فيه "اقرا".. إن رفضنا للعلمانية بالدول الإسلامية، ، ليس سببه عقدة "الأصل" كما يذهب الدكتور فؤاد زكريا أو "حجة النشأة" بتعبير مجدي عزالدين حسن، ولكن لأننا ببساطة لا نستطيع أن نتجاهل ما يجكي عنه التاريخ من الأمور، فضلا عن ايماننا كذلك ان كل ما انتهى إليه الغرب ليس بالضرورة أن نتهافت عليه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#عبد_الرحيم_الحنفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|