مصطفى اسماعيل
(Mustafa Ismail)
الحوار المتمدن-العدد: 1152 - 2005 / 3 / 30 - 12:15
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
يبدو الخطاب الثقافي العربي فيما يتعلق بالأقليات الثقافية والدينية أو العرقية خطابا نكوصيا أو ارتداديا ؛ إذ المقاربة لديه مبنية على اعتباراته وأولوياته
الثقافية ؛ يقرأ الواقع التعددي في بلدانه قراءة مبتسرة و تهميشية , وفي أحسن الحالات قراءة عابرة لا تهتم بالبنى الداخلية في ثقافة تلكم الأقليات . يلزم ـ ليتخلص هكذا خطاب من دوغمائيته وأطروحاته الاستعلائية ـ إشادة بنيات علائقية ومنظومة من الحوار النقدي مع الآخر الداخلي . يجب على الخطاب الثقافي العربي , فيما يتعلق بالأكراد , الدخول في حوار نقدي فاعل مع الثقافة الكردية بموروثها وراهنها , ولن تفلح أية محاولة للقراءة متأتية أو منطلقة من مركزية الثقافة العربية ولاحقية ثقافة الآخر الداخلي أو تابعيتها .
هل هنالك ما يمكن إن يسمى > , أم أن ذلك ناتج عن طريق القياس على الثقافة الأوروبية ومركزية الثقافة والفلسفة فيها ؟ .
طبعا المثقف والمفكر العالمثالثي والعربي يتصدون لأوروبا وأمريكا ويعرونهما ويتهمونهما بشتى النعوت السالبة فيما يتعلق بمركزية الغرب . ولكن – وللأسف – تجدهم في معرض تهجمهم على مركزية الآخر الخارجي يبتدعون مركزية أخطر , وهي برأيي متأتية من ردة الفعل التي هي من طبيعة الفعل نفسه , فما يستهجنه المثقف العربي في العقل الأوروبي تراه في جانب آخر يتمثله ويأخذ بيده ويرعاه ويبحث عن الزمن التاريخي المناسب ليوظفه في منظومة أنساقه التاريخية .
إن مصطلحات ومفاهيم من مثل > وبالتالي << مركزية العرب >> , هي مصطلحات ومفاهيم خطيرة , إذ إنها تقدم استعداد تلك الثقافة للمواءمة والتأقلم مع عنصرية مؤذية ومهمشة وقاتلة . إن الأحادية في الثقافة مقتل للثقافة .
من أين استقينا مفهوم << مركزية الثقافة العربية >> . هل هو ناجم عن فعل اختلاق , أم هو ناجم عن قراءة متأنية في المتون العربية ؟.
لا شك أنه مفهوم موارب وموجود لدى نسبة لا يستهان بها من المفكرين العرب , ونحن وجدناه لدى نخبة منهم .. لعل منهم / د. محمد عابد الجابري / في كتابه << إشكاليات الفكر العربي المعاصر >> إذ يقول في الصفحة /41/ :"لقد ساهمت في هذا العصر – عصر التدوين- شعوب الوطن العربي الإسلامي كلها بثقافاتها وخبراتها وكفاءاتها في صنع الثقافة العربية التي أصبحت منذ ذلك الوقت الإطار المرجعي العام لكل ثقافة داخل الوطن العربي ".
يفهم من ذلك أن هنالك مركزية ثقافية عربية باعتبار أن هذه الثقافة تشكل – ومنذ عصر التدوين الذي يربض تاريخيا في أحشاء الزمن العباسي الأول – الإطار المرجعي العام لكل ثقافة داخل الوطن العربي .
وبناء على المقولة أعلاه , فكل الثقافات الموجودة بداخل هذا الوطن العربي هي ثقافات متفرعة عن الثقافة الأم :الثقافة العربية . وهذا كلام خطر وغريب , ووجه الخطورة والغرابة فيه أنه يتنكر للخصوصية والبنى الداخلية لكل ثقافة أخرى .
فبأي حال مثلا يمكننا ربط ملحمة / ممي آلان / بالثقافة العربية , إلى جانب كم هائل من الموروث الثقافي الشفا هي الكردي . يمكننا رؤية الخطوط العريضة المشتركة بين ملحمة / ممي آلان / الكردية وملحمة / شارس / الإغريقية , حيث تماما كقصة /مم و زين / يتكرر حب /زاريادرس / و/ أوداتيس / . ولكننا بالمقابل لا نجد التفاصيل المتشابهة الكثيرة بين الملحمتين في التراث العربي , بل لا نجد نظيرا للملحمتين في التراث العربي .
وبأية حال يمكننا ربط الأبجدية الكردية واللغة الكردية بتنوع لهجاتها , بمنظومة الأنساق هذه ( الثقافة العربية ) والتي تشكل اللغة العربية وعاءها الأساس .
من هنا تتأتى ث في المخيال الاجتماعي الكردي كونه يبرز خصوصية الأكراد كقومية وكيان اجتماعي وينسف – وهو الأهم – هكذا أطروحات شمولية نظرية لا تتساوق والواقع العياني المختلف . فإذا دققنا جيدا في هذا المخيال نجده بريئا تماما من الثقافة العربية باعتبارها الإطار المرجعي العام لكل ثقافة داخل الوطن العربي .
في كتابه الآخر << العقل السياسي العربي :محدداته وتجلياته >> وفي معرض البحث عن المخيال الاجتماعي , يستقي / الجابري / مفهومة المخيال الاجتماعي من /بيير أنصار / ويقدمها في الصفحة /15/ من مقدمة الكتاب هكذا :
" ومن هنا فأن كل مجتمع ينشىْ لنفسه مجموعة منظمة من التصورات والتمثلات , أي مخيالا من خلاله يعيد المجتمع إنتاج نفسه , مخيالا يقوم بالخصوص بجعل الجماعة تتعرف بواسطته على نفسها , ويوزع الهويات والأدوار , ويعبر عن الحاجات الجماعية والأهداف المنشودة . والمجتمعات الحديثة مثلها مثل المجتمعات التي لا تعرف الكتابة تنتج هذه المخاييل الاجتماعية ...الخ >>.
ويمضي ليعبر بدقة أكثر في الصفحة /16/ عن المخيال الاجتماعي معرفا إياه بأنه :
" جملة من التصورات والرموز والدلالات والمعايير والقيم التي تعطي للأيدولوجيا السياسية في فترة تاريخية ولدى جماعة اجتماعية منظمة بنيتها اللاشعورية ".
ولكن ماذا عن هذه الرموز والدلالات التي تكون الخلفية اللاشعورية للعقل العربي , والتي تجعل العرب كقوم يختلف عن الأقوام الأخرى . فما العقل السياسي العربي في النهاية إلا تلميذ نجيب لهذا المخيال الذي يمهد الأرضية وأدواتها لتكوين فعل ثقافي وسياسي مفارق على صعيد البنية والدلالة عن مكونات العقول الأخرى في العالم .
إن المخيال الاجتماعي ليس فعلا ثقافيا ومعرفيا بقدر ما يشكل أحادية في التعامل مع الآخر الداخلي أو الخارجي . فهذا المخيال الاجتماعي العربي الذي يجد /الجابري/ أهم رموزه الماضية والحاضرة : الشنفرى – امرىْ القيس – عمرو بن كلثوم – حاتم الطائي – عمر بن الخطاب – خالد بن الوليد – الحسين – هارون الرشيد – ألف ليلة وليلة – وصلاح الدين – والأولياء الصالحين – وأبي زيد الهلالي – وجمال عبد الناصر ..... يمكن أن يولد مخاييل عديدة في الجوار , كالمخيال الكردي المخيال الأرميني المخيال الكلداني المخيال الآشوري المخيال الأمازيغي المخيال القبطي المخيال العلوي المخيال الشيعي المخيال الإسماعيلي المخيال الدرزي المخيال اليزيدي .. الخ القائمة .
فإذا بحثنا عن أهم رموز وقيم ومآثر وبطولات الأكراد بغية صياغة مخيال اجتماعي كردي كنوع من ترسيخ البحث عن خصوصية الهوية الكردية ماضيا وحاضرا لا شك أننا سنجدها متمثلة في : علي الحريري – ملا جزيري – فقيه طيران – أحمدى خاني – بدرخان بك – يزدانشير بك – قاضي محمد – البار زاني – الشيخ سعيد – سيد رضا – ملحمة مم و زين – ملحمة دوريشي عفدي – والأمير جلادت بد رخان – إلى جانب العديد من الانتفاضات والثورات في التاريخ الكردي .
إذن تم الافتراق على صعيد المخيال , كما تم الاختلاف والافتراق الذي يصل في أحايين كثيرة إلى حد الانفصال التاريخي , فالرموز التي تعني العربي لا تعني الكردي بالضرورة .
والرموز التي تعني الكردي لا تشكل أي هاجس حتى ولو معرفي بالنسبة للعربي .
من هنا تنبع الأزمة . ومن هنا ننعطف لنعود ونؤكد مرة أخرى على اطلاقية وتعميمية خطاب / الجابري / فيما يتعلق بكون الثقافة العربية هي الإطار المرجعي لكل الثقافات التي تعيش في الوطن العربي .
#مصطفى_اسماعيل (هاشتاغ)
Mustafa_Ismail#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟