أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سهر العامري - شيوعيون في ضريح الامام الحسين !















المزيد.....

شيوعيون في ضريح الامام الحسين !


سهر العامري

الحوار المتمدن-العدد: 1152 - 2005 / 3 / 30 - 12:09
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


في شهر كانون الأول من سنة 1978م ، وفي ليلة شتاء بارد من ليالي شهر صفر ، حيث لم تكن تفصل بيننا ، وبين ذكرى أربعينة استشهاد الامام الحسين سوى أيام قلائل ، أعتقلت من قبل ثلاثة من عناصر شرطة أمن صدام الساقط ، وكنت ساعتها أهمّ في شراء أرغفة خبز من فرن خبز منزو ٍ، يقع في زقاق ضيق من محلة باب الطاق القريبة من ضريح الأمام الحسين .
اقتادني الثلاثة سيرا على الاقدام ، وكنت وقتهالا ادري لاية جهة يُراد بي ، ولكنهم سرعان ما أدخلوني الى باب هرم ، يقع في الركن الجنوبي الشرقي من ضريح الامام الحسين ، ومن هذا الباب الى سرداب معتم لم أتبين لحلكة ظلامه وجه شرطي أمن رابع ، بدأ التحقيق معي حال دخولي .
كنت اسمع اصوات آخرين على مقربة مني ، لكنني ما رأيتهم قط ، مع أنني سمعت من الناس في المدينة قبيل اعتقالي أن هناك فتيات كربلائيات ، شيوعيات قد سبقنني الى هذا القبر المعتم ، ورغم ما عليه أنا من حال حرج حاولت مرارا أن القي السمع نحو الأصوات التي تدخل أذنيه بخفوت ، وذلك من أجل أن أتبين هل هي أصوات رجال أم نساء ؟ وهل بمقدوري التعرف على أصحاب أو صاحبات تلك الاصوات ؟
كانت الساعة قد غادرت منتصف الليل ، وكنت اعتفد أن مكوثي سيطول هنا، أو ربما سأُرحل الى سجن آخر ، ولكن بدلا من كل ذلك نهض الشرطي الذي كان يتولى التحقيق معي على عجل ، ليرد على محدثه من خلال هاتف يبدو أنه كان معلقا على رف خشبي، صغير عند عتبة الباب الخشبي الهرم .
كان الشرطي كثيرما يردد كلمتين أثنتين هما : نعم . سيدي ! فهمت أنا حدسا أن المتحدث هوصلاح التكريتي ، ضابط الأمن السياسي الذي تخطى قبل شهر ويزيد كل حدود الأدب واللياقة، ليعتقلني ، وأنا في العمل ، ومن دون أن يطلب أذنا من إدارة المتوسطة التي نقلت اليها حديثا بعد أن كنت اعمل مدرسا لجميع صفوف المرحلة المنتهية من ثانوية كربلاء المسائية ، وبفرعيها العلمي والأدبي .
لقد كنت حينها القي درسا على الطلاب في الصف الثالث ، ومن ذلك الصف الى دائرة أمن محافظة كربلاء مباشرة ، وقد لاحظت ساعتها مقدار الذعر الذي نزل على تلك المدرسة ومدرسيها ، وكان هذا قد حدث غبّ ايام من مجىء شرطي أمن الى الصف ذاته ، يرافقه مدير المتوسطة ، ومن دون تحية لي وللطلاب ، قال له المدير: أهو هذا ؟ ردّ شرطي الأمن بكلمة : لا !
عرفت فيما بعد أن المقصود كان مدرسا غيري هو أزهر الطيار الذي كان عضوا في منظمة العمل الاسلامي ، كما قيل لي بعد ذلك ، والذي استشهد فيما بعد خلال مطاردة شرطة الامن له ، حيث قتل أثناء تلك المطاردة ، وما قدوم شرطي الأمن هذا لي إلا لقرابة الشبه بين اسمي واسمه ، وعلى طريقة النظام العفلقي في اعتقال الناس في العراق ، ويبدو أن شرطي الأمن هذا كان يعرف صورة المدرس الشهيد ، أزهر الطيار ، بشكل حسن ، ولهذا رد على مدير المتوسطة، وعلى عجل بكلمة : لا .
قبل كل هذا ، وفي ليلة دهماء، وحين كانت الساعة تشير الى الثانية بعد منتصف تلك الليلة طُرقت باب داري ، نهضت من النوم ، وكنت قد توقعت انهم زوار الفجر ، مثلما يسميهم أهل مصر ، وبعد الاستفسار عن هوية الطارق ، وقبل أن افتح باب الدار جاءني صوت أحدهم من أنه هو المسؤول الحزبي في محلة اسكان كربلاء التي كنت اسكنها ، وكان معه رجلان آخران ، أحدهما فارع الطول ، ضخم الجثة ، فارغ العقل ، يبدو عليه أنه من رجال دائرة أمن كربلاء، وكان الثالث من تنظيمات حزب البعث في المدينة ذاتها .
قلت لهم ما الذي اتى بكم في هذه الساعة المتأخرة ؟ قالوا : لدينا حديث معك فقط ، وسنعود من حيث أتينا ، فاسمح لنا بالدخول !
كان حديثهم معي قد تركز تلك الليلة على ثلاثة تهم وجهوها جميعهم لي ، كانت التهمة الأولى هي أنني من مؤيدي الحركة الكردية في كردستان العراق ، والثانية هي انني اعتبرلنظام الرئيس السوري ، حافظ الأسد ، نظاما وطنيا ، بينما هو بعرفهم نظام عميل ، والثالثة والاخيرة هي أنني ضد قيام وحدة بين الاقطار العربية !
لم أنف التهمة الاولى عني أبدا، وقلت لهم دونك كتاب : في سبيل البعث لميشل عفلق فقرؤوه ، وقولوا لي كيف يعرف عفلق الأمة ، عندها ستجدونه ما يقوله عن الامة العربية ينطبق بذات القياس على الامة الكردية، رغم أن عفلق قد استعار بعضا من افكاره تلك من ماركس ، فكيف تريدون شيئا لأنفسكم ، وفي الوقت نفسه تحرمونه على غيركم ؟
ومثلما لم أنف عن نفسي التهمة الاولى ، لم أنف كذلك التهمة الثانية ، وتمسكت برأي الذي هو راي الحزب الشيوعي العراقي من ان النظام في سورية نظاما وطنيا وليس عميلا ، مثلما كان يبشرحزب البعث العراقي وقتها بذلك .
يبدو أن كلامي ذاك أخذ يثير شرطي الامن ، فراح يطلق التهديد تلو التهديد ضدي ، ثم قال لي : أنت تقف ضد قيام وحدة عربية تجمع العرب من المحيط الى الخليج ! تبسمت أنا ، وتبسم معي مسؤول محلة الاسكان لحزب البعث ، وقلت ببرود : يا أخي ! أتحمل في جيبك الساعة مشروعا للوحدة العربية ؟ قال : ولماذا ؟ رد بغضب 0 قلت : أخرجه من جيبك لاوقع لك عليه بالعشرة من أصابعي هذه ! احمر وجهه ، وزاد غضبه، بينما لم يتمالك الآخران نفسيهما ، فضحكا لطرافة أجابتي على التهمة الاخيرة التي واجهني بها رفيقهم، الشرطي ، الذي كان يقودهما ، والذي انتصب واقفا مثل جذع نخلة ، وراح يتهددني من جديد، ويقول : نحن لدينا أساليب أخرى ستراها عن قريب، قلت له : أنا موجود هنا، وها انتم قد عرفتم داري .
لقد انصرفوا بعد أن انصرف آخر خيط من خيوط ظلام تلك الليلة عن وجه مدينة كربلاء الباسم أبدا عند الفجر !
هذه هي أساليبهم ، فها أنا في سرداب من سراديب ضريح الامام الحسين ذي الليلة التي سيحمل فجرها ذكرى أربعينية الامام الحسين الشهيد ، ولكثرة الجموع المتدفقة نحو مدينة كربلاء من بقية مدن العراق طلب صلاح التكريتي ، ضابط أمن كربلاء، اخلاء سبيلي ، حين سمعت الشرطي الذي حقق معي يقول له : معي هنا واحد من الجماعة ! والمقصود بالجماعة هنا هم شيوعيو محافظة كربلاء الذين حلوا في سراديب الامام الحسين عليه السلام ، وفي مثل هذه الايام من اواخرسنة 1978 م ، وكان سبب الاخلاء هوالاتيان بآخرين حددهم للشرطي الذي حقق معي صلاح التكريتي في مكالمته الهاتفيه له ، وهم رؤساء المواكب الحسينية التي ستنزل الى شوارع المدينة صبيحة تلك الليلة الحزينة .



#سهر_العامري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الى وزير خارجية العراق ونوابه !
- الجعفري بين الرضا الانجليزي والحذر الامريكي !
- قراءة أخرى في نتائج الانتخابات العراقية !
- التوافقية !
- المقهى والجدل *
- جون نيغروبونتي ملك العراق الجديد !
- ظرف الشعراء ( 34 ) : بكر بن النطاح
- الجلبي يفتي بحمل السلاح !
- أوربا وقميص عثمان !
- الما يحب العراق ما عنده غيرة !
- من أسقط صداما ؟
- ما كان أهل جنوب العراق سذجا يوما !
- نيران الفتنة قادمة من أيران ! سهر العامري
- الجلبي دولة مرشدها آية الله الخامنئي !
- الانتخابات خيط من فجر الديمقراطية في العراق !
- ما بين الجبهة الوطنية وائتلاف المرجعية !
- ظرف الشعراء ( 31 ) : عُلية بنت المهدي
- نظرية المال عند صدام !
- الحاكم والناس والدين في العراق !
- الطائفية مرض الماضي يعيش في الحاضر !


المزيد.....




- آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد ...
- الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي ...
- فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
- آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
- حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن ...
- مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
- رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار ...
- وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع ...
- -أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال ...
- رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سهر العامري - شيوعيون في ضريح الامام الحسين !