|
النكتة السياسية..مقياس الوعي السياسي الشعبي بالجزائر
نجيب جدي
الحوار المتمدن-العدد: 3998 - 2013 / 2 / 9 - 00:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
انفتح وعيي في منتصف الثمانينات إبان حكم الرئيس الشاذلي بن جديد الذي كان يقود نظاما شموليا اشتراكيا يسعى للانفتاح الليبرالي لم تميز تلك الفترة مراقبة أمنية ملحوظة على الممارسات السياسية للأفراد، حيث كان هذا دور الحزب الواحد آنذاك بنفوذه القوي في جميع الدوائر الحكومية فتقرير يرفعه رئيس القسمة أصغر خلية في كيان الحزب إلى أي مديرية تنفيذية يحدد مصير الشخص في الحصول على عمل، أو السكن أو أي شكل من أشكال الدعم و المزايا التي توزعها الدولة الاشتراكية على مواطنيها طبقا لدرجة ولائهم لنظامها الحاكم، مما جعل المواطن يقوم بدور الرقيب على نفسه حتى لا يحرم من سخاء الحكومة في تقديم بعض الدعم له الذي هو في حقيقة الأمر حق من حقوقه. كنا صغارا و لكن كما حمل وعينا هيبة هذا النظام كنا نعلم أن له معارضين و نفكر تارة بشجاعتهم و آخري بتهورهم حيث تحملنا تصوراتنا بأنهم اخرجوا أنفسهم من التاريخ و إن لم يقتلوا مثل كريم بلقاسم فهم أحياء لا يفعلون شيء سوى انتظار موتهم و يوم الحساب مثل آيت احمد الحسين في لوزان مع الإحساس بالتعاطف مع ثوريتهم. في هذه الفترة لم يكن الشعب بعيدا عن حالة الاستياء و تعبيرهم عنها تباين حسب درجة ثقافتهم و ثقتهم ببعضهم، تمثل هذا التعبير في مناقشات جدية ناقدة و ساخطة و لكنها حبيسة جماعات صغيرة في الجامعات و المساجد لكن لطالما مورست بسرية، بالموازاة كان هناك حكايات طرائف نادرة و نكات سريعة الانتشار، حازت شعبية كبيرة تتخذ من رموز الحزب الذين هم رموز السلطة موضوعا لها بسخرية. و الآن عزمت أن أتناول موضوع النكتة لتشريحها بعد مشاهدتي لمقطع من فيلم على موقع اليوتوب سوف أتطرق له لاحقا بالتفصيل حيث أضحكني كثيرا و لكنه لم يخطئ أبدا قي سرده للمشهد السياسي في أي فكرة سياسية تناولها. فطرحت على نفسي سؤالين الأول: إلى أي مدى يمكن الاعتماد على النكتة الشعبية في فهم المشهد السياسي والثاني:هل الانتشار الواسع للنكتة السياسية يفسر بالوعي السياسي للمجتمع الذي تنتشر فيه؟ في عهد الحزب الواحد كانت النكتة تأخذ الرئيس الشاذلي بن جديد كبطل لقصصها فتارة تقدمه أميا لا يحسن القراءة و الكتابة و أخرى تبرزه ذكي و محنك يتخلص من كل موقف محرج بالحيلة في لقاءاته الدولية لا سيما إذا كان ذلك مع الرئيس الأمريكي رونالد ريغن، و إذا منا بتشريح المشهد السياسي في تلك العشرية نجد فعلا الرئيس كان قليل الحنكة السياسية و الدبلوماسية و لم تكن له أية مناورة لدفع أي مشروع تنموي للبلاد مما يفسر لنا تناوله في النكات الشعبية بأنه شخصية أمية لا حول لها و لا قوة إلا بعض من محاولاته العاجزة لتحسين وضعه الشخصي و ليس و ضع البلاد لكن بالمقابل تبرزه ذكي مع الزعماء الأجانب في إخفاء جهله، وهذا لثقافة الجزائريين الثورية و غيرتهم على وطنهم و النظر إلى كل من هو غربي أن نواياه لا تخلو من أطماع استعمارية، و اذكر في خذا الصدد النكتة التي تروي "أن زعماء دول العالم اتفقوا على صناعة طائرة و كل منهم ساهم بجزء منها أو قطعة غيار و بعد أن انهوا صناعتها نظروا إلى الشاذلي نظرة ازدراء لعدم مساهمته فتبسم و تقدم إلى الطائرة و أخرج من كرتونه كبيرة لافته مكتوب عليها صنع بالجزائر " أما في المرحلة التالية بعد انقلاب يناير و إزاحة الشاذلي و توقيف المسار الانتخابي قبل دوره الثاني و حل الجبهة الإسلامية للإنقاذ الفائزة بالأغلبية البرلمانية فكان النكتة السياسية قليلة الانتشار بالمقارنة بالتي تتناول المواضيع الأمنية، لما ميز هذه المرحلة من صراع دامي حتى سميت هذه المرحلة بالعشرية الحمراء، و سبب أخر حال دون انتشار النكتة السياسية تمثل في خوف المواطنين من الاعتقال أو التعذيب أو الإهانة حيث أن هذه المرحلة مارست فيها سلطات الأمن قمعا لا مثيل له حتى أن أي شرطي في حاجز أمني يطرح بعض الأسئلة على مواطن يكون طالبا جامعيا او موظفا و إجاباته تحدد عقابه، مما خلق في الأذهان رقابة ذاتية عن كل ما هو سياسي. و اذكر النكتة السياسية الوحيدة آنذاك بعد انقلاب يناير مباشرة كان شهر رمضان على الأبواب و كنا نختلف في كمال شهر شعبان أو نقصانه حتى نحدد اليوم الأول للصيام و لكن غالبا ما ننهي نقاشنا بأن احتمال تأجيل أو إلغاء شهر رمضان من طرف المجلس الأعلى للدولة وارد هذه السنة في إشارة ساخرة للسلطة المطلقة التي أعطاها لنفسه هذا الأخير، أما النكت التي تتناول الوضع الأمني فكثيرة و لكن الحديث بها لا يخلو من الحذر و أذكر في هذه الفترة أن الأجهزة الأمنية في بعض الأحيان كانوا يلبسون مدنيين و الجماعات المسلحة يلبسون نظاميين و أختلط الحابل بالنابل و لم يعد من السهل على المواطن تحديد هوية من يحمل السلاح أطلقت نكتة " أن مواطنا أوقفوه أشخاص مسلحون سائليه من على حق هل الأمن و أو جماعة الجبل؟ فرد خائفا كلاهما على حق أنا المخطئ بخروجي هذا الوقت" كنا نستمتع بسماعها كفكاهة و لكنها تعبر عن واقع المواطن البسيط فاقد الإحساس بالأمن و الأمان إبان تلك العشرية. أما النكتة السياسية في القرن الواحد و العشرين بعد استعادة الجزائر أمنها ففي بدايتها تناولت الغرور الذي أظهره الرئيس بوتفليقة لما وصل إلى هرم السلطة و استيلائه على أوقات كبيرة من البث التلفزيوني و لما صار لحرية التعبير مساحة كبيرة على الانترنت فأصبحت تتناول ما يسمى بحكومة الظل في ضباط المخابرات اللذين وقفوا وراء الانقلاب و الانزلاق للعنف و تعجبت من التعبير عن ذلك الوعي السياسي الذي يبرز نضوج مستخدمي الانترنت سوى بتعليقات جدية أو فكاهية أو ساخرة في مواقع التواصل الاجتماعي رغم أن مستخدمي الانترنت اكبر نسبة منهم تعد من الشباب الذي لم يعايش الأزمة في الجزائر. و من التعليقات الساخرة المضحكة ذلك الفيلم الذي وجده على اليوتوب و ذكرته في بداية المقال، حيث أن صاحبه قام بتسجيل نفسه و هو يتحدث بصورة أرادها نوعا ما مخيفة و معالجا صورة الفيلم لتظهر بشكل سلبي "كليشيه" حتى خفي ملامحه و أحاط شخصيته بالغموض لينطلق في خطاب مشوق و مطول ثم مخيف أحيانا على انه قائد المخابرات الجزائرية الجنرال توفيق، و لو تابعتم الفيديو لوجدتم أن صاحبه ليس له غرض سوى أن يضحك مشاهديه و لكنه سرد كثير من الحقائق عن المسرح الحكومي، مما دفعني إلى الاعتقاد بان النكتة كانت و لازالت تحمل رسائل سياسية تعبر عن مدى وعي صانعيها، أضحكني حديث بطل الفيلم في تمثيله لشخصية الجنرال توفيق و هو يردد عبارة«الشعب يريد إسقاط النظام» ساخرا من الشعب وتعقيبه بأنه ليس زيتون سيسقطونه من شجرته، و أنه ليس زين العابدين بن على مكنيا إياه "الحلاقة" في إشارة لتدخل زوجته التي لا تملك مستوى ثقافي و هي في الأصل حلاقة في الشان السياسي ، كذلك على لسان صاحب الفيديو تمثيلا لشخصية قائد المخابرات الجزائري، يقول" أنا لست القذافي المجنون و لا بوتفليقة المغربي الذي أنا من جعلته رئيسا و لن يخرج عن أوامري ثم يسترسل في الحديث للوصول إلى اللاجئين السياسيين الجزائريين في بريطانيا الذين شكلوا حركة رشاد المعارضة فيقول:- «زيتوت زيتوت الجزيرة يا الخباز سنمسكك و نصنع منك بيتزا "Pizza" شوشان شوشان كان يا مكان سيدور الزمان و تجدني في كل مكان و خبابة يا بابا نرسلك من يأتي بك في الكابة - و هي عامية تعني الحقيبة -» ثم يهدد الجنرال توفيق المزعوم مستخدمي اليوتوب بقوله :« و انتم يا جماعة اليوتوب يا من لا تعرفون الجنرال توفيق مساكين تريدون إسقاط النظام و أنا أريد إسقاط المعارضة و الشعب و سنرى في المستقبل أما الآن فأريد الانصراف إلى أشغالي تحت الأرض». ربما الاستمتاع بطرافة الفيلم هي بمشاهدته و ليس بالقراءة عنه و لكن بعد ذلك لابد من التمعن في جانب الحقيقة منه، فبطل الفيلم ربما أسرد كل يدور في الوعي السياسي الجمعي، فالشعب الجزائري في حديثه يعتبر الراحل معمر القذافي شخصية غريبة الأطوار و يعيش مرحلة مراهقة سياسية و يشكك في أصول الرئيس الجزائرية، و لا يمتلك آدنى معرفة بشخصية الديبلوماسي المنشق محمد العربي زيوت مؤسس حركة رشاد المعارضة بالخارج إلا من خلال استضافته في بعض برامج قناة الجزيرة، و يعتقد بوحشية أجهزة المخابرات و ما يدور في سراديب مقراتها. بعد هذا العرض الوجيز المقارن بين الأحاديث الشعبية الطريفة و واقع المشهد السياسي نستخلص أن النكتة السياسية مفتاح لفهم المشهد السياسي للمجتمع الذي تداولها و فهم درجة الوعي الشعبي بالممارسات السياسية لحكومته، دون إغفال أن النكتة السياسية ليست دائما مزعجة للحكام لاسيما في نظام مسقر ديمقراطي أو شمولي لا يتعرض لثورات شعبية، ففي الثمانينات بلغني أن نجل الشاذلي بن جديد كان مولع بجمع النكت التي تطلق على والده و كان كل صباح يسأل رفاقه «هل من جديد على الوالد»، و سمعت مرة جلال طالباني يروي نكت أطلقت عليه، و تتجاوز النكت السياسات المحلية بتناولها لسياسة النظام الدولي الجديد و اختم مقالي هذا بنكته عما يتعرض إليه المسلمون من مخطط هيمنة من الدول الغربية: يقال أن جورج بوش دعى توني بلير على الغداء ..وبعد الغداء......خرجا للصحفيين للإدلاء بتصريح صحفي، أبطالها سألهما أحد الصحفيين ..ماهي القرارات التي اتخذتموها أثناء اجتماعكم .. ؟؟ قال الرئيس بوش : قررنا أن نقتل 20 مليون مسلم و دكتور أسنان واحد..؟؟؟!! توقف هنا أخي القارئ ............ ماهو السؤال الذي يدور بذهنك في هذه اللحظة ..؟؟؟؟ نعود للنكتة ......... ثم الصحفيين اندهشوا طبعا ونظروا إلى بعضهم البعض والكل متلهف لمعرفة ...... لماذا طبيب أسنان واحد فقط ....؟؟؟؟؟؟؟ فقال أحد الصحفيين للرئيس بوش : ولماذا طبيب أسنان واحد؟؟ تبسم بوش....ثم مال على توني بلير........وهمس في أذنه ...ألم أقل لك إن أحداً لن يهتم بالـ 20 مليون مسلم ؟؟؟؟؟؟ انتهت النكتة ...........هل ضحكتم ..؟؟؟؟!!! بصدق وبصراحة........ما الذي فكرتم به عند قراءتكم للتصريح ... بالذات حين قال بوش : سوف نقتل 20 مليون مسلم وطبيب أسنان واحد ..؟؟ ألم يدر بفكركم هذا السؤال ..ولما طبيب أسنان واحد ...؟!!! انشغلنا بالطبيب الواحد ونسينا الـ 20 مليون مسلم ...!!! وهذا هو حال الكثير منا.!! وهذه هي سياستهم.....!! توجيه أنظارنا بعيدا.. وشغلنا بتوافه الأمور
#نجيب_جدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هدنة بين السنة والشيعة في باكستان بعد أعمال عنف أودت بحياة أ
...
-
المتحدث باسم نتنياهو لـCNN: الحكومة الإسرائيلية تصوت غدًا عل
...
-
-تأثيره كارثي-.. ماهو مخدر المشروم المضبوط في مصر؟
-
صواريخ باليستية وقنابل أميركية.. إعلان روسي عن مواجهات عسكري
...
-
تفاؤل مشوب بالحذر بشأن -اتفاق ثلاثي المراحل- محتمل بين إسرائ
...
-
بعد التصعيد مع حزب الله.. لماذا تدرس إسرائيل وقف القتال في ل
...
-
برلماني أوكراني يكشف كيف تخفي الولايات المتحدة مشاركتها في ا
...
-
سياسي فرنسي يدعو إلى الاحتجاج على احتمال إرسال قوات أوروبية
...
-
-تدمير ميركافا وإيقاع قتلى وجرحى-.. -حزب الله- ينفذ 8 عمليات
...
-
شولتس يعد بمواصلة دعم أوكرانيا إذا فاز في الانتخابات
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|