عقيل صالح
الحوار المتمدن-العدد: 3996 - 2013 / 2 / 7 - 18:42
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
أغلب الاحزاب الشيوعية الموجودة اليوم ، بشكل او آخر لا تقوم بالواجب الشيوعي الصحيح التي يجب ان تقوم به ، هي من ناحية تبرز كلمة "شيوعي" في الشعارات و الكتابات و لكنها في الحقيقة تنتفي كل شيء يمت صلة بالشيوعية.
تلك الاحزاب حولت نفسها الى احزاب وطنية يسارية ، اي تهتم بالشأن المحلي و بهذا تنادي تلك الاحزاب بإصلاحات سياسية من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية .
و نجد ايضا نفرا آخر من تلك الاحزاب تعد عمالها بثورة اشتراكية و بهدم الرأسمالية و الهجوم على الامبريالية ،بينما هم في واقع الامر ليسوا مدركين تماما لما يحصل من حولهم من تغيرات في البنى الاقتصادية و السياسية عالميا ، و بهذا يقودون عمالهم نحو نفق مظلم لا نور فيه في نهاية طريقه.
فقيادة العمال نحو متاهات مظلمة بالضرورة يعني خداعها .
و بهذا قام هؤلاء المتمركسون بابشع خيانة تجاه الطبقة العاملة ، التي تقاس بشكل متوازي لخيانة الزمرة الانقلابية في الاتحاد السوفييتي في المؤتمر العشرين و الثاني و العشرين.
ما هي المشكلات الرئيسة التي تواجه تلك الاحزاب و المجموعات و الافراد ؟
اولا ، المشكلة الاكثر تعيقدا و هي الاعتقاد ان من اجل تكوين رصين و ثابت لابد من تحديد الغرب بأكمله كعدو امبريالي رأسمالي صهيوني الخ .. هذا الاعتقاد خاطئ ، حيث اغلب الدول الاوروبية (التي لا شك تعتبر غربية ) هي دول تتبنى اقتصاد السوق الاجتماعي ، الذي لا يمت بأي صله للاقتصاد الرأسمالي و بهذا لا يمكن بأي حال من الاحوال اعتبارها دولا امبريالية. و بالاضافة ، الولايات المتحدة ليست مسيطرة على اسواق العالم و لا تسيطر على قوة العمل في الخارج ، بل ان دولا مثل الصين -التي تنتج اغلب السلع- لديها اسواق في الولايات المتحدة و تحوي على قوة عمل عمال الولايات المتحدة ، فأي امبريالية هذه ؟ .
ثانيا ، هو الاعتقاد الخاطئ الذي ينص على ان الثورة التي تؤدي إلى الاشتراكية قادمه لا محال . نستطيع ان نفهم من هذا الاعتقاد انه ليس مرتبطاً بأي شكل من الاشكال بالعالم الواقعي . حيث الجمهوريات الشعبية و الديمقراطية الشعبية لا يمكن بناؤها بشكل سليم من دون مركز اشتراكي ضخم - مثل الاتحاد السوفييتي على سبيل المثال - حيث اليوم لا يمكن بناء اقتصاد مستقل او وطني حيث اصبحت مسألة مستحيلة في ظل العولمة ،فالعولمة بطبيعة حالها تنفي اي شكل اقتصادي قومي و مستقل عن باقي العالم ، وهي يوماً بعد يوم تكبر و تتضخم امام من يشكلون لها تهديدا (ايران ،كوبا، كوريا الشمالية الخ ..) فدعوات مثل ثورة اشتراكية فورية تضيع العمال بتصرف طفولي كهذا الغير مبني على استنتاجات اقتصادية حقيقية بل مبني على امال و حماس طفولي. لسنا بحاجة الى ان نذكر كيف تراجع لينين عن الاشتراكية بشكل مؤقت في 1923 و انشأ "السياسة الاقنصادية الجديدة "بسبب الحرب الاهلية التي ادت الى مجاعة هائلة ، فنرى ان لينين فهم الوضع الحقيقي لروسيا آنذك و تصرف وفقا لهذا الواقع .
ثالثا ، بعد انهيار المعسكر الاشتراكي تحديدا تم تبني افكار البرجوازية الصغيرة (العدالة الاجتماعية ، الحرية ، الديمقراطية ، المساواة ) تحت شعار "تطوير" و "ترميم" الماركسية. تلك الافعال هي مجرد عمليات بائسة تنم عن عدم فهم الواقع ، و فوق هذا، عدم فهم المحتوى الماركسي.
رابعا ، عدم فهم حقيقة الصراع الطبقي في الاتحاد السوفييتي ، حيث تم تشخيص تاريخ الاتحاد السوفييتي كله "بتجربة اشتراكية " بينما الاشتراكية تم الغاءها في 1961 ، فتجاهل حقيقة كتلك يعني طمس الصراع الطبقي كله و هذا يدل على عدم فهم مضمونه . هذا يؤدي الى عدم فهم العالم اليوم و كيف انتقل الى النظام العالمي الحالي.
تلك هي المشكلات الرئيسية التي يعاني منها معظم الاحزاب و المجموعات و الافراد.
هل يمكن اعتبار تلك المشكلات اعاقة للعمل الشيوعي اليوم ؟
بكل تأكيد ، حيث تلك العقول لا زالت في صناديق القرن الماضي ، لا تريد الخروج خوفا من تدمير احلامها و اوهامها . تلك المشكلات تحديدا تؤدي الى ادلجة الماركسية ، و ادلجة المادية الديالكتيكية ، التي لا يمكنها ان تجمد الا في عقول كتلك.
العمل الشيوعي لا يمكنه ان يواصل العمل دونما تحديد و تحليل تلك الاشياء :
1- الصراع الطبقي الذي دار في الاتحاد السوفييتي
2- مسألة الرأسمالية و الامبريالية
3- العدو الطبقي الحالي.
تحديد تلك الاشياء المهمة لاشك سيحدد كيف سنواصل العمل الشيوعي .
(1) فهم الصراع الطبقي الذي دار في الاتحاد السوفييتي سيمهد لفهم اوضح و أكبر لإنهيار الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي , و هذا الفهم بالتحديد يحدد ماركسية الفرد . الإدعاء ان الثورة المضادة للإشتراكية وقعت في 1991 هو إدعاء باطل و غير صحيح , هذا الإدعاء بكل بساطة يقول أن الإشتراكية انتهت في 1991 , بينما هي في الحقيقة انتهت قبل ذلك بثلاثين سنة .
سقوط الاتحاد السوفييتي هو أوضح دليل على صحة الماركسية , من حيث استمرارية الصراع الطبقي الذي أدت إلى هزيمة البروليتاريا .
(2) تحديد مسألة الرأسمالية و الامبريالية سيحدد مسار العمل الشيوعي اليوم . لا يمكن محاربة أشياء وهمية . فأغلب الدول اليوم , التي كانت سابقاً تعتبر مراكز رأسمالية , تتبنى اقتصاداً مغايراً للرأسمالية , على شاكلة اقتصاد السوق الاجتماعي , اقتصاداً يحقق دولة الرفاه.
فتلك الدول أخذت خطاً "وسطياً" ما بين الرأسمالية و الاشتراكية , و هذا مباشرة يعني عدم تبنيها للرأسمالية . فمن خلال هذا المنطق نفهم أن يستحيل على دولة تتبنى خطاً اقتصادياً وسطياً , أيّ ليس رأسمالياً , و في مثل الوقت تكون دولة إمبريالية . تلك المسألة لا بد من حسمها , من خلال معرفة ان تم تفكيك الامبريالية منذ منتصف السبيعنات , و أن محاربة الإمبريالية في القرن الواحد و العشرين هي مجرد حرب وهمية لا أكثر و لا أقل . و لهذا الدعوة إلى النظر في البنية الاقتصادية العالمية أمر مهم و حاسم , من حيث حالما نعرف هذا التغيير الاقتصادي سنفهم كيف نواجه البنية الاقتصادية المغايرة للرأسمالية .
(3) تحليل البنية الاقتصادية العالمية لا شك سيحدد من هو العدو الطبقي . الواقع يقول أن الأفكار و الأحزاب البرجوازية الصغيرة قد صعدت على منصة السلطات في أغلب العالم , ضمنها الدول التي كانت أكبر مراكز الرأسمالية . و المعضلة الكبرى تقع في أن الأحزاب الشيوعية بدأت تتبنى أفكار تلك الطبقة الصاعدة , مثل الحرية و العدالة الاجتماعية و المساواة و الديمقراطية و التعددية , و لاننسى الإصلاح الاجتماعي من اجل زيادة الأجور إلخ .. تلك الأفكار غريبة و مغايرة تماماً عن الماركسية , و لهذا نعتبر تلك الأفكار عطلت العمل الشيوعي عن الحركة .
ان الانجرار وراء شعارات كتلك بهدف تطوير الماركسية هي نفس الطريق الخروتشوفي الذي اعلن دولة الشعب كله , و بهذا يصبح نقيضاً للإشتراكية.
و إزاء ذلك , يحذر كارل ماركس من الإنجرار وراء تلك المفاهيم في خطابه للجنة المركزية لعصبة الشيوعيين في 1850 بقوله : (( البرجوازيون الديمقراطيون الصغار يريدون تحسين أجور و توفير الأمن للعمال , و يأملون أن يحققوا ذلك في ظل دولة توفر العمل و الرفاهية بشكل أكبر , بإختصار , يريدون رشوة العمال من خلال صدقات مقنعة و كسر عزيمتهم و قوتهم الثورية بتوفير وضع مقبول بشكل مؤقت )) .
فدولة الرفاه تقوم على هذا الأساس الذي وضعه ماركس في شرحه , فلا يمكن ان ينجر الشيوعيين وراء تلك الشعارات بإعتبارها تقدمية و مطوره و محدثة للماركسية .
تحديد العدو الطبقي سيحدد كيفية العمل ضده .
تحديد العمل الشيوعي الراهن لا يمكن ان يقع على عاتق فرد واحد و حسب , بل يجب ان يكون على عاتق كافة الشيوعيين الماركسيين الحقيقيين .
عقيل صالح .
#عقيل_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟