|
بين الحداثة والعبث..!!
توفيق الحاج
الحوار المتمدن-العدد: 1151 - 2005 / 3 / 29 - 11:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لفت نظري صدفة في مقال لناقد شاب حديثه عن مجموعة شعراء جدد يطلقون على أنفسهم "ربيع غزة" وهذا أمر تقافي إيجابي وجميل من حيث المبدأ يثبت أن الأرض ولادة والتواصل بين الأجيال الثقافية لا ينقطع رغم ان التسمية فيها من التلميح والخبث ما يكفي..!!خاصة انها تذكرنا ب "ربيع براغ "بمعنى أ ن هؤلاء استطاعوا التحرر من ارث تقافي ستاليني منغلق ومتحجر ..!! والحقيقة ان ما يجري في غزة على المستوى الثقافي هو حالة خصبة لتحول طبيعي ومستمر في ظل عالم انفتح على مصراعيه بعد انغلاق طويل رغم ما يصوره البعض جهلا أو عمدا ان الأمر صراع بين التحرر والتخلف وبين الفضاء والعتمة .
فمنذ الأزل والصراع بين الجديد والقديم يفرض نفسه في كل مجالات الحياة ولكن في حدود متعارف عليها من الموضوعية والصدق وإيجابية الغاية التي تتفق وسنة التطور الحضاري الطبيعي للبشرية بحيث لا يتم التنكر للتراث وفي نفس الوقت عدم الاطمئنان إلى عبادة موروثة للأصنام الفكرية مهما بلغ شأوها . ان موقف العقاد الكلاسيكي مثلامن قصيدة تفعيلة للشاعر أحمد عبد المعطي حجازي لم يمنع من ظهوره وتألقه ليصبح قمة شعرية بارزة وكذلك موقف نازك الملائكة وهي رائدة الحداثة من قصيدة النثر لم يمنع من ترسخها وانتشارها وبالمقابل فان العدوانية الغريبة والمريبة من بعض دعاة الحداثة وما بعدها على التراث الشعري العربي إلي درجة الصلف والوقاحة لم تنقص من روعته وعبقه شيئا في حين يبدو اولئك كمراهقين تعساء يقذفون هرما بحجر..!! لقد دعاني فضاء الحداثة الحقيقي الذي دلني عليه أدونيس إلى مزيد من البحث والقراءة والتذوق وعرفت أن هذا الشاعر يمتلك طاقة إبداعية وتنظيرية ذات جرأة موزونة ومحسوبة ولا تستسلم لذلك الشطط السهل الذي وقع فيه زميله الشاعر خليل حاوي عندما طالب باستبدال الفصحى بالعامية ووصم نازك الملائكة بالجهل والردة لقد قرأت بعيني المستكشف نصوصا عديدة لقاسم حداد وسعدي يوسف وكثيرين من رموز قصيدة النثر ولا أخفي رغم كوني أحد شعراء التفعيلة أنني وجدت لديهم منابع جديدة وغنية لصورة شعرية متميزة وسدما تنطلق منها الذائقة الى عوالم لم يطأها فكر وتستحق المحاولة دون التمترس في خندق مغلق مهما كنا نحبه أو نحن اليه،ودون المراوحة بين غنائية باكية وخطابية مباشرة تبعث على الملل والرتابة .
الا انه برغم هذه الحقيقة الموضوعية فانه تبرز الى جوارها حقيقة أخرى سلبية ومؤسفة تتمثل في هذا الكم الهائل من المتشاعرين وعديمي الموهبة الذين لايفرقون بين المرفوع والمنصوب ولا يميزون بين الخليل بن أحمد وبائع الفجل..!! و يستترون بقصيدة النثر .. فيستسهلون رصف الكلمات جزافا وافتعال الغموض دون حس إبداعي داخلي وقد صارحني أحدهم بأنه لا يكتب إلا بعد ان يشرب..!! فكان من الطبيعي ان لا تعدو محاولاته هلوسة على الورق..!! لقد بدت قصيدة النثر عند البعض تخريبا من أجل التخريب وهدما من أجل الهدم وليس كما قال منظرها الأول أدونيس " الهدم من أجل بناء إبداعي حديد " . من هنا تظهر الحاجة إلى وقفة نقدية جادة إزاء هذه الظاهرة كي لا تتحول حركة التطور الطبيعي للقصيدة الى انزلاق وانفلاش ويصبح عدد الشعراء مدعي الحداثة والتجريب أكثر من عدد القراء..!! ويكفي الساحة الأدبية ما نقرأه ونسمعه يوميا عن فضائح سطو أدبي مسلح وعلني من بعض المتسلقين على أعمال القمم الرائدة . ان الحداثة وما بعدها يجب ان يسلكا طريق التطور الأدبي الطبيعي المتزن والإيجابي سعيا نحو الخلق والإبداع لا الشذوذ والانفلات والعصرنة ليست الشرط الوحيد للحداثة كما يتصور البعض بل ان الشرط الأساسي هو الإبداع في الفكرة والصورة والجدة في التناول وبهذا المقياس لربما يكون شعر امرئ القيس أكثر حداثة من شعر مجموعة من المتشاعرين بيننا الذين يثرثرون فقط ويلهثون بهوس وراء شعراء الغرب الكبار أمثال اليوت ورامبو ومالا رميه ويقلدون لتبدوا أعمالهم نسخا مشوهة وسيئة.. فاقدة للحس الشعري الحقيقي والهوية. ولعل ذلك الولاء الأعمى حتى عند بعض الشعراء الكبار لكل ماهو غربي يفقد زخمهم الإبداعي تفرده وبريقه ولكن هذا لم يمنع ان نقول أن فضاءات الحداثة الخصبة قدمت لنا قامات عالية مثل يدر شاكر السباب وأدونيس ومحمود درويش وقاسم حداد والماغوط وغيرهم. ويكفي في هذا المقام لدعم وجهة نظري ان أطلب شهادة شاهد من أهلها ألا وهو الشاعر خليل حاوي الذي أدرك ان معظم شعراء النثر أخذوا بالتشتت والانفراط بعدما هدموا الأوزان الخليلية إذ لم يفهموا أن قصيدة النثر تبنى على إيقاع الوزن االسكندري معتمدا الفقرة الموسيقية بدلا من البيت الشعري ..وأنا أتحدى أن يعرفه 99في المائة من مجاذيب الهلوسة الذين يطلقون على انفسهم..شعراء!! المشكلة أن هؤلاء -ودون تجن -في معظمهم متوا ضعوا الثقافة ..يفتقرون إلى أساسيات النحو واللغة ولاعلم لهم بمراحل التطور الشعري ويكفي أن يقرأ أحدهم كتابا نقديا أو مجموعة شعرية فيسرق ما يسرق ويقلد ما يقلد لينصب من نفسه شاعرا او ناقدا تماما كمن يقرا كتابا في الفقه فينصب نفسه في اليوم التالي داعية وصاحب فتوى..!! والغريب المريب ان هذا يتم في بعض حاضنات العولمة الالكترونية وفي رعاية منافقين كبار يتبنون هذه التسلقيات المتطفلة على الأدب لغرض ما..!! يرسخ الشللية والوصولية ،وفي غياب حركة نقدية موضوعية ومستنيرة. لقد حاولت مخلصا أن أقرا بموضوعية بعض تشنجات ومعجنات هؤلاء مجتهدا في السعي وراء فكرة أو صورة أو حتى دلالة مفيدة فلم اعثر إلا على القليل القليل..رغم تأكيدي على أنه يوجد بيننا أكثر من شاعر حقيقي لقصيدة النثر يحوز على الاحترام قادر على الإقناع والإمتاع . ربما أكون شاعرا متخلفا أو حاقدا ..أو عاجزا في نظر أمثالهم من المتحررين..وشاعرا منفلتا في نظر غيرهم من المحافظين ولكني أدعوهم وغيرهم بكل الحب والهدوء الى تأمل مسيرة الشاعر محمود درويش الذي لا يختلف اثنان على قامته الشعرية كمثال حي في التعامل بحرص مدروس وذكاء مع منطق التدرج الحداثي وغاياته آخذا بالاعتبار الضرورات والمتغيرات وقدرة المتلقي على الارتقاء. وهو الذي يقول: قصائدنا..بلا لون..بلا طعم.. بلا صوت اذا لم تحمل المصباح..من بيت الى بيت وان لم يفهم " البسطا " معانيها فأولى ان نذريها ونخلد نحن للصمت..!! ان الفرق بين كلمتي التجريب والتخريب شكلا يكمن في حرف فقط ولكن الفرق بينهما معنى أكبر من ان تغفل عنه حساسية الذائقة..!! وفي الختام أستطيع القول وبكل ثقة أنى مع الحداثة التي لا تتنكر للماضي وتحمل مخاض المستقبل ولست مع حداثة المدعين والعابثين.. فهي أشبه بقفزة مخمور في الهواء!!
#توفيق_الحاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار العشق والممنوع
-
أحببتها ..ولازلت..
-
لو أتشرف بقتله..!!
-
تعريفات 4
-
تعريفات-3-
-
تعريفات 2
-
تعريفات-1-
-
هل أخون وطني..!!
-
أم سليمان..!!
-
ديمقراطية عرب لاند..!!
-
النفاق سيد الأخلاق..!!
-
انتحابات عراقية
-
نرفانا..!!
-
مرايا..!!
-
خروج الى سعدي يوسف
-
كيف الخروج من نزفنا..؟!!
-
فلوجة..!!
-
..!!قطرات في ربع جاف
-
كعكة التوقعات..!!
-
ظمأ..!!
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|